مهرجان الفنون الإسلامية.. رؤى بصرية تقرأ أسرار الكون

مهرجان الفنون الإسلامية.. رؤى بصرية تقرأ أسرار الكون


29/11/2018

عثمان حسن

ثراء بصري وفكري أخاذ يجمع بين فنون الخطوط المختلفة، ما بين الخط في إطاره التقليدي، واللوحة الحروفية، والمنحوتة، وفنون التصوير، وكذلك الندوات الفكرية المتخصصة، كل ذلك سنجده في مهرجان الفنون الإسلامية الذي تنطلق دورته الحادية والعشرون في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، بتنظيم من دائرة الثقافة في الشارقة، هذه الدورة التي تحمل شعاراً جديداً هو "أفق" بحسب ما أعلنت عنه اللجنة التحضيرية للمهرجان في سبتمبر/ أيلول الماضي.

الشعار الجديد بحسب ما تم توصيفه، يعبّر عن قدرة الفنان على توسعة أفق العمل الفني من خلال مسارات تعبيرية يوظفها لتخلق أفقاً تعبيرياً مفتوحاً على نوافذ الفن في بعديه الشكلي والمضموني، ويترك مساحة لهذا الفنان ليعبر عن رؤاه البصرية بلا حدود، بما في ذلك منحه حرية ابتداع رؤى وأفكار معاصرة.

وهذا يشكل تحدياً حقيقياً للفنان لاختبار قدرته على التجاوز، وإطلاق العنان للمخيلة البصرية لتحاكي المنجز الحضاري للفنون الإسلامية، بحثاً عن قيم جمالية وفكرية جديدة.

إن إطلالة على تاريخ هذا المهرجان في السنوات القليلة الماضية، وبقراءة ما جسدته فكرة الشعارات، التي بُدئ بتنفيذها تباعاً، يؤكد على عالمية الفنون الإسلامية، وإذا وقفنا عند شعار "أثر" لدورة المهرجان في العام الماضي 2017، سنجد أنه عكس فهماً جديداً في استثمار عناصر الفنون الإسلامية من زخرفة وعمارة وأشكال هندسية استفادت من وسائط الميديا المختلفة لتقدم رؤى فنية، تستثمر المنجز في تاريخ الفن الإسلامي، ومحاكاة روح هذا الفن بطرق تعبيرية مدهشة تعكس قدرة الفن الإسلامي على التجاوز. هو بكل تأكيد، مشهد يثري الذائقة البصرية لهذه الفنون، التي لا تتوقف عند حدود الفهم المجرد، لاكتشاف ما وراء الأشكال والعناصر، المتناثرة في الكون، وقراءة الأسرار ومحاولة استشفاف محمولاتها الوجدانية والروحية.

الشيء ذاته يمكن استشفافه في الدورة التاسعة عشرة للمهرجان في العام 2016، التي انعقدت تحت شعار "بنيان" لما لهذه الثيمة من قدرة على لم شتات الشكل والبنى في وحدة واحدة، وقد شكلت هذه الدورة كغيرها من دورات المهرجان تحدياً فريداً أمام الفنانين المشاركين، كل حسب اشتغاله على طاقة الحرف العربي، بوصف الحرف ابتداء، يتشكل من مجموعة من الخطوط المصممة، التي هيأت مسارات متنوعة لرسمها لتمتحن مهارة الفنان على التعامل مع خاصيات المرونة والصلابة والانحناءات المتعددة في شكل الحرف، ولتعبر في نهاية المطاف عن تجارب جريئة تحاكي الشكل وتراكيبه المختلفة لإنجاز أعمال ومنحوتات شكلية محملة بالجماليات الآسرة وبما، يؤكد على عظمة الفن الإسلامي وقدرته على التكيف مع كافة أشكال الفنون المعاصرة.

وبقراءة دورة المهرجان الثامنة عشرة التي عقدت في العام 2015، تحت شعار "النور" بمشاركة كبيرة من كافة دول العالم، كان التحدي كبيراً أمام هؤلاء الفنانين، لاختبار كيفية انعكاس النور في أعمالهم الإبداعية، النور بوصفه طاقة تشع إبداعاً وإلهاماً وروحية تتجسد في كافة عناصر الوجود، وإذا كان الفن يعكس وحدة الوجود في منظور الفنون الإسلامية، فليس أدل من تلك النورانية، التي هي بالضرورة أحد مرتكزات الفن الإسلامي، بالقياس إلى ما يتضمنه الخطاب البصري الذي يعكس رؤية ثقافية وحضارية يطرحها المهرجان، امتداداً لرؤية الشارقة في تبني خيارها الإنساني من خلال مشروعها الثقافي والتنويري.

وبهذا المعنى، فإن الخطاب الذي تعكسه الفنون من خلال الشكل، كمفهوم إنما يفتح نوافذ وبوابات شاسعة الدلالات الروحية والفلسفة، تماماً كما هي حال الدورة السابعة عشرة للمهرجان في العام 2014، التي انعقدت تحت شعار "المنمنمات" حيث إن المنمنة شكل فني عريق معروف في الفنون الإسلامية جرى استخدامه بحسب كثير من الخبراء على أيدي النساخين المسلمين، حيث رافقت المنمنمة النص بغية إيضاح هدفه ومضمونه، وإذا كان هذا الشكل الفني قد ابتدعته ذاكرة الفنون الإسلامية، وساد في عصور مختلفة من عهد الدولة الإسلامية، فإن المنمنمة شهدت استخدامات معاصرة مستفيدة من الفنون الأوروبية، وهو الذي يعكس تحولات الفنون الإسلامية وانفتاحها على فنون العالم.

وجاءت الدورة الثالثة عشرة للمهرجان "نقش ورقش"، لتختبر قدرة الفنان المسلم على إبداع أشكال فنية ملونة ومنقوشة بخطوط غاية في الدقة والحرفية، وهو الذي يؤكد على وحدة الفنون وخطابها الفكري والاجتماعي، والوقوف على مجمل التطورات السياسية والثقافية.

هكذا هو دأب مهرجان الفنون الإسلامية الذي تأسس في عام 1998، كمنجز حضاري يخاطب العالم من خلال ثراء الفن وتنوع التصوير والخطاب البصري، وهو الذي يترجم رؤية الشارقة في تأصيل الفنون الإسلامية وتجديدها وترسيخ حضورها في العالم. 

عن "الخليج" الإماراتية

الصفحة الرئيسية