"التحالف المدني" بين رمضاء احتكار الإسلاميين للشارع ونار القبول الشعبي

الأردن

"التحالف المدني" بين رمضاء احتكار الإسلاميين للشارع ونار القبول الشعبي


26/12/2017

أيقظ إشهار "التحالف المدني" ومنعُ إشهاره برفضٍ من محافظ العاصمة عمّان، الجدل بخصوص الحزب المنتظر الذي يضمّ في قيادته شخصيات إشكالية لا تتّسم بالقبول الاجتماعي والسياسي، كما يقول غير المتحمّسين لفكرة هذا التحالف الذي ينوي التحول إلى حزب، في حين يرى آخرون أنّ التحالف عتبة مهمّةٌ لتخطي احتكار "الإسلاميين" للشارع والفضاء العام وتكوين حساسية دينية على مقاس أيديولوجيتهم ومصالحهم الحزبية.

تحاول شخصيات التحالف الذي يدعو إلى المساواة في المواطنة أن تتجاوز فكرة الصالونات السياسية والعمل على الأرض

رفضُ محافظ العاصمة سعد شهاب، لإقامة فعالية إشهار التحالف المدني، الجمعة، جرى من دون إبداء الأسباب، وهو ما قوبل باستنكار واسع، من جميع الأطياف، لهذا القرار.
وحول قرار المنع، نشر التحالف على الفيسبوك: "أبلغتنا أمانة عمان الكبرى بإلغاء حجز اللقاء الوطني للتحالف المدني الذي كان مقرراً يوم الجمعة. وفي ضوء هذا القرار المُفاجئ فإنّ التحالف يعتذر للجميع عن اجتماع الغد على أنْ يُحدّد للاجتماع موعد لاحق".

من هم المتحالفون وعلامَ تحالفوا؟
بدأتْ فكرة التحالف بالتشكّل في السنتين الأخيرتين من خلال مقابلات تلفزيونية وجلسات في الصالونات السياسية بعمّان مع شخصية التحالف الأبرز الوزير والسفير السابق في إسرائيل الدكتور مروان المعشر، ومعه ليبراليون ويساريون ومستقلون وتربويون وكُتَّاب وصحافيون ومثقفون.
تتلخص مبادئ التحالف في المساواة التامة بالمواطنة وإنشاء نظام للفصل والتوازن بين السلطات الثلاث وتحقيق الديمقراطية والخدمة الاجتماعية والاقتصاد والتعليم والصحة والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. ويؤكد التحالف أنّ الدين مصون، فضلاً عن ضرورة حماية البيئة والمحافظة عليها.

برزت بعض شخصيات التحالف في مرحلة الحديث عن ضرورة إصلاح المناهج المدرسية بعد رفض التيار الإسلامي ذلك

تحاول شخصيات التحالف أنْ تتجاوز فكرة الصالونات السياسية في عمّان والعمل على الأرض، كذلك تفضي مقالات المؤمنين بهذا التحالف وتصريحاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى رغبةٍ حقيقيةٍ بانتقال فكرة التحالف من مرحلة الأمسيات والجلسات المغلقة وحوارات الفيسبوك والواتساب إلى مرحلة حزبٍ سياسيٍ له برنامجه ورؤيته وأولوياته.
برزتْ بعض شخصيات التحالف في مرحلة الحديث عن ضرورة إصلاح المناهج المدرسية وما حدث بإثرها من تبعات أقلقت نخبة التحالف، تحديداً، بعد رفض التيار الإسلامي ومناصريه أي تعديل على المناهج ومحاولتهم النيل من هذه التعديلات والمنادين بها. وكان مقتل الكاتب ناهض حتّر العام الماضي بطلقات رجل دين متطرف على باب قصر العدل بالعاصمة عمان، دافعاً جديداً لارتفاع صوت المنادين بهذا التحالف، وضرورة خلق تيار آخر في المشهد السياسي الأردني، غير التيار الإسلامي.
مروان المعشر

جدل حول المعشر
يحيط بالدكتور مروان المعشر؛ الشخصية الأبرز في التحالف، وصاحب الخبرة السياسية الواسعة، نوابٌ وصحافيون ونشطاء محسوبون على الطيف العلماني والليبرالي في الأردن. ومنذ الإعلان الرسمي عن وجود تحالف مدني سيتمخضُ عنه حزب سياسي تحت مظلة المعشر لم تهدأ الانتقادات والتساؤلات حول التحالف بشكل عام وعن "منظّره" وشخصيته الأبرز.
تنطلق الانتقادات من أرضيات مختلفة، بعضها شخصي لا يعوَّل عليه، والآخر بناءً على أرشيف بعض الشخصيات. فالمعشر شغل منصب أول سفير أردني في "إسرائيل"، وهو يتحدث بوضوح عن موقعه هذا، ويؤكد أنه كان يخدم بلده ويقوم بدوره ضمن السياسيات الأردنية العليا، بينما يرى المنتقدون أنّ تزعمه للتحالف المدني لا يلائم المزاج الأردني العام الذي يرى إسرائيل "عدواً وجودياً".

قيس زيادين


انتقادات أخرى طالت النائب قيس زيادين، وهو أبرز شخصيات التحالف المدني، وظهر في الفيديو الترويجي لهذا التحالف، تتلخص باعتباره من داعمي النظام السوري، الأمر الذي يراه كثر منافياً لجوهر التحالف الذي يطرح نفسه منافحاً عن الحريات وحقوق الإنسان.
اتفق المنتقدون على استهجان قرار محافظ العاصمة بمنع احتفالية التحالف المدني التي كانوا سيعلنون فيها عن هوية التحالف، حتى إنَّ أبرز أصوات التيار الإسلامي في الأردن زكي بني رشيد استهجن القرار ورفضه من خلال إدراجٍ له على صفحته الرسمية في الفيسبوك.
ذوقان عبيدات

عبيدات: اسمي "مش كسّيب"
غابت أسماء علمانية ومدنية وليبرالية عن التحالف. يرى متابعون أن تغييب بعض الأسماء؛ يأتي ضمن صراعات بين هذه الأسماء لأننا أمام طيف مدني يشهد الكثير الاختلافات في الرؤى والتشرذم والعمل المنفرد، كذلك خلافات على البروز وعدم الانسجام الجماعي في العمل العام. حاولت "حفريات" أن تصل إلى أصوات من داخل التحالف وخارجه للوقوف على منع الإشهار والقلق من التحالف.
غاب عن التحالف الخبير التربوي ذوقان عبيدات الذي تبنى مشروع تعديلات المناهج المدرسية، ولفت انتباه الدولة والمجتمع لتشوهات كبيرة في المناهج، كذلك قدم دراسات كثيرة لإنقاذ العملية التعليمية في الأردن، وإضفاء الطابع المدني على عقول الناشئة. لم يحضر عبيدات في هذا التحالف؛ بل لم تتم دعوته إلّا على حفل الإشهار ضمن قائمة الضيوف، رغم أنّ ملف إصلاح التعليم تحت جناحه.

يقول عبيدات إنه "مع أي سلوك مدني يحترم العقل والمنطق، وإنتاج الحلول دون الاعتماد على الحلول الجاهزة"، ويؤكد أنّ "الساحة خالية تماماً إلّا من التيار الإسلامي، ومعهم رهط من كبار السن النخبويين.. لهذا ثمة فرصة كبيرة للتحالف المدني".
وحول عدم دعوته، يضيف عبيدات "أنا مستعد للذهاب إليهم، لأتفهم وضعهم وأدعمهم؛ لأنني أحارب عدونا المشترك الذي اختطف المجتمع. لكن اسمي (مش كسّيب) لذا تم استثنائي من الدعوة للمشاركة".
وعلق عبيدات على الجدل الدائر حول المعشر "أعرف مروان المعشر منذ منتصف السبعينيات، وأعرف أن سفارته في إسرائيل مهمة يخدم بها بلده، وللرجل جهوده في البحث عن الحلول لأكثر مشاكلنا".

جمانة غنيمات

غنيمات: الرهان على التطبيق
وحول المنع أيضاً، تعلقُ رئيسة تحرير صحيفة "الغد" الكاتبة الصحفيّة جمانة غنيمات على هذا القرار بوصفه "غير مدروس ويجافي أسس الديمقراطية، ربما نملك ملاحظات على هذا التحالف، لكن المنع لا يعبر إلّا عن تأزيم المشهد الحزبي التعددي الذي نأمله".
وترى غنيمات أنّ "برامج الأحزاب كثيرة، وبوسعها أن تكون صفحات طويلة بلغة نقدية ورؤى إصلاحية عميقة، لكن الرهان دائماً على التطبيق، وكيف نرى ثمار هذه الأحزاب على أرض الواقع، لنرى في النهاية تنمية جادة للمجتمع وحياة حزبية حقيقية، كذلك فإنَّ الجدل الدائر حول التحالف وقرار المنع أيضاً يقدم خدمة له ليكون أكثر انتشاراً وتتضامن معه الأطياف الأخرى".
خالد رمضان

رمضان: لماذا لسنا معهم؟
النائب خالد رمضان الذي ترشح وفاز بالانتخابات عن قائمة "معاً" التي تعمل منذ مطلع الألفية الثانية وتبلورت كتيار مدني عام 2012، نفى أن يكون تياره، أو هو، ضمن هذا التحالف المدني، فعلى حد قوله "لسنا في هذا التحالف من قريب أو من بعيد". وحول وجود النائب قيس زيادين في هذا التحالف باعتباره مرشحاً عن القائمة نفسها، قال رمضان "ربما تجد بعض مرشحي معاً في هذا التحالف، لكن معاً ليست حاضرة".
ويضيف رمضان "المعركة الحالية متركزة في تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والدفاع عن القدس والقضية الفلسطينية ككل، كذلك في التحدي الثاني وهو التحدي الاقتصادي الذي يتوجبُ علينا الخوض فيه وتذليل صعابه".
وحول امتناع "معًا" عن المشاركة في التحالف، اكتفى رمضان بقوله "سنعلن في الوقت المناسب لماذا لسنا معهم"، وامتنع عن التعليق "لأن الوقت لم يحن"، على حد قوله.
ابراهيم غرايبة

غرايبة: التحديات كثيرة
لا يتصور الكاتب إبراهيم غرايبة، وهو باحث في أزمات المجتمع والبنية الاجتماعية، وما يواجهها من تحديات في الاقتصاد والتعليم والصحة والإصلاح الديني، قرار المنع هذا إلّا "استمرارية لمسلسل التعامل المرتبك مع الحزبية والحريات".
وأعرب غرايبة عن أمله في "ألا تساء إدارة التحالف بسبب الشخصانية والمكاسبانية. كذلك على التحالف أن يضع الأزمة الاقتصادية والتعليم المنهار والرعاية الصحية الغائبة والخدمة الاجتماعية.. في مقدّمة الأوّلويات".
باسل رفايعة

رفايعة: خلفيات سياسية متنوعة
الصحافي باسل رفايعة، أحد أبرز وجوه التحالف المدني، يواصل الكتابة في المدنية والحريات على امتداد مسيرته المهنية، ويقفُ اليوم في أعلى هرم التحالف، يرى مؤسسي التحالف "قادمين من خلفيات سياسية متنوعة، وبعضهم كان فاعلاً في هياكل يسارية، أو كان جزءاً من صناعة القرار في البلاد، أو لديه توجهاتٌ ليبرالية، وسوى ذلك"، الأمر الذي "سيخدم التحالف"، في نظره.

وحول الجدل الذي دار حول التحالف، يضيف رفايعة: "إعلان المبادئ لم يُستقبل بأي نقاش نقدي، بما يساعد "التحالف – الحزب" على انطلاقة أفضل. والأدق، أنه لم يُناقش، فردةُ الفعل في وسائل التواصل الاجتماعي ذهبت إلى "الفيديو الترويجي" حصريّاً. وتحديداً إلى الوجوه التي ظهرت فيه، وليس إلى محتوى الرسائل، وهذا شأنٌ مألوفٌ في الأردن، على أنكَ إذا أردتَ أن تكون جزءاً من تيارٍ سياسيٍّ، فأنت معنيُّ بمبادئه وبرامجه وأدائه، وتلك مواصفاتُ الفاعلية، كما هي معاييرُ الحكم".
حسن البراري

البراري: لن يصنع التحالف فارقاً
ويرفض المحلل السياسي والأكاديمي حسن البراري قرار المنع الذي طال حفل إشهار التحالف المدني، ويعتبر القرار "تضييقاً على الحريات ولا يتناسب مع السعي نحو مشهد حزبي ديمقراطي"، لكن البراري "غير متفائل" بمستقبل التحالف المدني.
ويوضح، وهو يتحدث عن البنية السياسية والاجتماعية الأردنية: "لا أعتقد أنّ التحالف سيصنع أي فارق في المشهد الأردني؛ لأن البنية السياسية والاجتماعية لا تسمح بتيار يأتي بقيم بعضها جديد، ويتحدى ممارسات راسخة في المجتمع الأردني". رغم إيمانه أنَّ المواجهة "حل عندما يكون هناك برنامج وطني متفق عليه، لكن البرنامج المطروح سبق وأن سمعناه من مراكز دراسات أمريكية، ولا بدّ أن يكون الجهد وطنياً خالصاً".

دعوات للتحالف أن يضع الأزمة الاقتصادية والتعليم المنهار والرعاية الصحية الغائبة والخدمة الاجتماعية في سدرة الأوّليات

وحول الجدل بخصوص شخصيات التحالف، يضيف البراري "كان على الدولة أن تسمح بإقامة هذا الإشهار لتختبر شخصيات التحالف قبولها لدى الناس، تحديداً شخصية العقل المدبر للتحالف" الذي يتهمه البراري بأنه "لم يخض أية انتخابات في حياته وجاء من رحم الحكومات السابقة وأدواتها التي ينتقدها اليوم"، مستدركاً: "لا يمكن أن تأكل الكعكعة وتحتفظ بها".
ويعتزمُ التحالف المدني تجديد طلبه لإقامة حفل الإشهار من محافظة العاصمة، وتتناقل شخصياته ترحيبهم بأي نقد يسهم في إثراء مشروعهم الذي لا يحمل إلّا مشروعاً وطنياً خالصاً سينهض بالمجتمع الأردني بالدرجة الأولى، ويضفي طابعاً مدنياً يطلبه الأردنيون منذ سنوات بتكاتف كل الجهود والنقد البناء.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية