الأزهر ومسألة ضرب المرأة خطوة على طريق التجديد

مصر

الأزهر ومسألة ضرب المرأة خطوة على طريق التجديد


05/12/2018

نشر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف بياناً حول ضرب المرأة وحرمته، بمناسبة اليوم العالمي لنبذ العنف ضدّ المرأة، مقدماً - للمرة الأولى- رؤية مغايرة لمن كانوا يستدلون بقوله تعالى: ﴿وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً﴾ (النساء: 34)، مؤكداً أنّ الضرب المقصود في هذه الآية؛ هو المباعدة، والمفارقة، والانفصال، والتجاهل، وليس الضرب المتعارف عليه.

اقرأ أيضاً: اليوم العالمي للمرأة وتكريس العنف ضدّها

وجاء في بيان الأزهر، الذي نشره موقعه الرسمي، أنّ معاني ألفاظ القرآن تُستخلص من القرآن الكريم نفسه؛ فبتتبع معاني كلمة (ضرب) في المصحف، وفي صحيح لغة العرب؛ نرى أنّها تعني في غالبها المفارقة والمباعدة، والانفصال والتجاهل، خلافاً للمعنى المتداول الآن لكلمة (ضرب).

المفارقة وليس العنف

كان بيان الأزهر شاملاً في تفسير معنى الضرب، وزاد في تعنيف الذين ينتقصون حقّ المرأة، قائلاً: "إنّ المرأة؛ هي الأم التي حملت ورَبّتْ وباتت تحمل هَمّنا إلى أن حان وقت رحيلها عنا، هي الأخت التي نتشارك معها في جيناتنا الوراثية قبل أن نتشارك معها ألعابَ الصِّبا وذكريات الطفولة، هي الزوجة التي قبل أن يجمعنا الله القدير برباطٍ مُقَدَّس، جمعنا سويّاً، بمشاعر وحبّ ومودّة"، وأضاف البيان: "إنّ العنف ضدّ النساء والفتيات هو أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان، انتشاراً واستمراراً وتدميراً، في عالمنا اليوم، ..؛ فهل بعد هذا يُعقل أن نقف صامتين أمام أيّة صورة من صور العنف تجاهَ المرأة؟ سواء أكان هذا العنف جسدياً أم جنسياً أم نفسياً، بألوانه المختلفة".

 أوضح الأزهر في بيانه أنّ الجميع مشترك بالجرائم ضد المرأة سواء بالفعل أو الصمت أو عدم التوعية

يقول الباحث في الشؤون الدينية، أحمد الشوربجي، إنّ "كلمة (ضرب) وردت في مواضعَ عديدةٍ في القرآن الكريم؛ ففي مرة أفادت معنى المفارقة والمباعدة، مثل قوله تعالى: "وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى" (البقرة: 273)؛ أي افرُق لهم بين الماء طريقاً، وقوله تعالى: "لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ"(طه: 77)؛ أي: مباعدةً وسفراً، وقوله تعالى: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾ (المزمل:20)، وقوله تعالى: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ (الحديد: 13)؛ أي: فُصِلَ بينهم بسور".

اقرأ أيضاً: العنف الممكن والتواصل المستحيل... عندما يصبح الآخر شيطاناً

وأضاف الشوربجي في حديثه لـ"حفريات": "خاطَبَ القرآنُ الكريم كلَّ ضميرٍ حيّ نابض، في قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأيّ ذَنْبٍ قُتلَتْ﴾ (التكوير: 8-9)، وحيث إنّ القرآن الكريم يحمل خصوصيّةً مميزةً؛ إذ إنّه صالحٌ لكلّ زمانٍ ومكان، جمَعَ القرآنُ بين دفَّتيه ما فيه السلامة للجميع، ونحن نرى الضرب يعني المفارقة والمباعدة، والانفصال والتجاهل، خلافاً للمعنى المتداول الآنَ لكلمة (ضرب)؛ فمثلاً: الضرب على الوجه يُستخدم له لفظ (لطم)، والضرب على القفا (صفع)، والضرب بقبضة اليد (وَكز)، والضرب بالقدم (رَكل)، وفي المعاجم: ضرَبَ الدهرُ بين القوم، أي: فَرّق وباعَد، وضرَب عليه الحصارَ؛ أي: عزله عن محيطه."

يرى الأزهر أن الجميع مشترك في جرائم العنف ضد المرأة

رفض مظاهر العنف

وحول أسباب العنف ضد المرأة وطرق علاجها؛ أوضح الأزهر في بيانه أنّ "الجميع مشترك في هذه الجرائم، سواء بالفعل، أو الصمت، أو عدم التوعية، وأنّه يجب على مراكز الإحصاء ومنظمات حقوق المرأة أن توضح الأعداد والإحصائيات التي انتهت إليها بشكل مستمر، كي توضح للعالم مدى خطوة هذه الجرائم ومدى عواقبها الجسدية والنفسية، التي ربما تودي بحياة الضحية، مثل تلك المُعطَيات التي أوضحتها منظمة الأمم المتحدة".

أكد الأزهر أنّ الضرب في القرآن الكريم يعني المفارقة والمباعدة والانفصال والتجاهل خلافاً للمعنى المتداول

حسم الأزهر المسألة، وقال في بيانه: "نحن، كمؤسسةٍ دينية، نقوم بدورنا بتَوضيح صحيح الدين، وما اختلف أو خفي منه؛ نوَضِّح أنّ دين الإسلام دين يرفض كلَّ مظاهر العنف، ويقدّس الحياة الزوجية، ويدعو إلى إدارتها بتعقّلٍ وبصيرة، وإذا ما تأزّمت الأمور بين الشريكين، ولم تجد المفاوضات نفعاً، فقد كفل لهم الإسلامُ فرصةً أخرى؛ كي يبدأ كلّ منهما حياةً جديدة مستقلّة، ربما تمنحه قدرَ ما يستحقّ من السعادة والحياة الآمِنة..".

ويعلق الباحث في دار الإفتاء، طارق أبو هشيمة، في حديثه لـ"حفريات": إنّ ما فعله الأزهر هو عين التجديد، لأنّ الثقافة الوافدة علينا في وقت من الأوقات عاملت المرأة بامتهان، وهي من كانت تسيطر على الخطاب الدعوي والإعلامي، وللأسف؛ أثرت على ثقافة المجتمع، فغرست أفكاراً لم تكن في ثقافتنا، ولا عرفنا، ولا تعبّر عن المؤسسة الدينية، موضحاً أنّ "الأزهر يتعامل مع القضايا الإسلامية بصفة عامة، وقضايا المرأة بصفة خاصة، على طريقة الطبيب الماهر الحاذق لمهنته؛ فهو يتعامل معها بمشرط، ويتبع الحوار الهادئ في علاج القضايا الشائكة، وهذا يعطيه فرصة كبيرة لدراسة القضايا بتأنٍّ، ومراجعة الأدلة والقواعد الفقهية والأصولية، والواقع؛ كي يصدر حكمه في هذه القضايا".

أبو هشيمة: جزء كبير من التعامل مع المرأة في الفترة الماضية اعتمد على العرف

وحول إصدار قانون ضابط لهذه المسألة، رأى أبو هشيمة أنّ "المطالبة طول الوقت بقانون ضابط لأيّة ظاهرة إنسانية، خصوصاً التعامل مع المرأة، أمر غريب ونوع من السيولة، فالعلاقات الإنسانية في أقلّ المجتمعات تحضراً، كان الضابط لها العرف، فلا بدّ من أن يكون للعرف والثقافة دور في ضبط السلوك، وليس الخوف من القانون"، موضحاً أنّ المطالبة بقانون لكلّ حركة وتصرّف بين الرجل والمرأة؛ هو نوع من امتهان هذه العلاقة، "فأبو جهل وهو ذاهب لقتل النبي، صلّى الله عليه وسلم، ليلة الهجرة، أشار عليه من معه أن يتسوّروا بيت النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، أي يقتحموا بيته، فنهره أبو جهل وقال له: أتريد أن تعيّرني العرب وتقول إنّ أبا جهل يفزع بنات محمد؟ فرغم جاهلية هذا المجتمع كان العرف ضابطاً للسلوكيات الاجتماعية".

اقرأ أيضاً: المرأة في خطاب اللامساواة: العفة القهرية وعنف الفقهاء

وأكد أبو هشيمة أنّ جزءاً كبيراً من التعامل مع المرأة في الفترة الماضية اعتمد على العرف، "وللأسف؛ هذا العرف قد بُني على ثقافة دينية وافدة على مجتمعنا، هذه الثقافة انتقصت من المرأة، فتأثر بها المناخ العام، فأصبحت سلوكاً وعرفاً متّبعاً، وهذه السلوكيات انتقلت بالمرأة إلى مرحلة دنيا، ووضعتها في صورة ممتلكات الرجل، وملك اليمين، وصوت المرأة عورة، وممنوع خروجها للعمل والدراسة، والمشاركة في أيّ نشاط في المجتمع، وغيرها، كأنّها سقط متاع".

الصفحة الرئيسية