كيف يعيش المسيحيون في إيران؟

كيف يعيش المسيحيون في إيران؟


كاتب ومترجم جزائري
31/12/2020

يمثّل المسيحيون في إيران نسبة تتراوح بين 0.4٪ و1٪ من الشعب الإيراني؛ أي ما بين 200.000 و350.000 نسمة، من أصل 70 مليون نسمة، ويعدّ المسيحيّون في إيران من أقدم الطوائف المسيحية في العالم، منذ تأسيس كنيسة فارس على يد القديس توماس.

آشوريون وأرمن مسلمون

وهم لا يشكّلون كتلة متجانسة، لكنّهم مجتمعات متنوّعة، وقد تفوّق العرق على الدين في الأقليات الأرمينية (150000 مؤمن)، والآشورية (40000) التي لديها كنائسها الخاصة، ومع ذلك؛ لا ينبغي الخلط بين الإثنية والدين: فهناك آشوريون وأرمن مسلمون تحوّل بعضهم بعد الثورة الإسلامية، عام 1979، إلى تأمين موقعهم الاجتماعي والمهني.

وضع ملتبس وصعب

ما يزال وضعُ المسيحيين في إيران متناقضاً، وغالباً ما يكون معقداً؛ فالمسيحيون الذين يعيشون في إيران يخضعون لحالتين مختلفتين للغاية؛ فمن ناحية، الكلدانيون والأرمن، الذين ينتمون إلى كنائس معترف بها رسمياً، وهم في غالب الأحيان لا يواجهون مشكلات، وهاتان الطائفتان لا تختلطان مع المسلمين، ولا تمارسان التبشير.

اقرأ أيضاً: عدوى طائفية تتهدد الداخل المسيحي في مصر

في الواقع؛ "للدخول إلى كنائسهما، عليهما أن تتحدّثا إمّا السريانية أو الأرمينية"، وفق ما يقول يان ريتشارد، المتخصّص في إيران والمسيحيين في الشرق، وقد أقام هذا الأستاذ الفخري من جامعة السوربون، بضعة أعوام في معهد الأبحاث الفرنسي في إيران "IFRI" في طهران.

تضمّ هاتان الطائفتان المسيحيتان حوالي 100.000 شخص، يمثّلّهم ثلاثةُ نوّاب في البرلمان الإيراني، وهو تمثيل مناسب؛ حيث يوجد عادة نائبٌ واحد لكلّ 200000 إيراني.

يشترط لدخول طائفتي الكلدانيين والأرمن إلى كنائسهما أن تتحدّثا إمّا السريانية أو الأرمينية

مسلمٌ وفق بطاقة الهُوية

ومن ناحية أخرى؛ الوضعُ مختلف تماماً بالنسبة إلى مسيحيي الأديان الأخرى، الذين لا ينتمون إلى هاتين الكنيستين التاريخيتين، وهذا الوضع يخصّ الكاثوليك اللاتينيين والبروتستانت الإنجيليين.

مع حظر التحوّل الديني في إيران؛ تتراكم صعوبات الإيرانيين، الذين يُصبحون مسيحيّين، أو الذين وُلدوا من أبوين مُحوَّلين، ولديهم اسمُ مسلم، فوفق بطاقة هُويتهم؛ يظلّ هؤلاء المسيحيون مسلمين، وليس لهم الحقّ في الزواج من خارج الإسلام.

الزواج بمسلم نجاةٌ للمتحوّلة إلى المسيحية 

بالتأكيد؛ "لا يوجد اضطهادٌ منظَّمٌ، لكنّ الموظفين العموميّين يمكن أن يفقدوا وظيفتهم، ويمكن أن يُطرد الطلاب من الجامعة"، يقول يان ريتشارد، الذي ذكر "العديد من الحالات" من المسيحيين المضطهدين والمجبَرين، في النهاية للذهاب إلى المنفى في الغرب، عندما يرفضن الزواج من مسلم؛ وهذا هو حال الفتيات اللواتي يصبحن مسيحيات.

 

 

ارتفاع عدد المحكوم عليهم بالسجن

تقول طالبة جامعية من أصل إيرانيّ، مقيمة في إيطاليا، فضلت عدم الكشف عن هويتها: "لقد سمعتُ عن صديقات أصبحن كاثوليك، وأُجبِرن على الفرار، وأيضاً عن نساء إيرانيات لا يجرؤن على العودة إلى وطنهن، بعد أن تحوّلن إلى المسيحية في أوروبا".

في الواقع؛ حتى الكنائس التاريخية، التابعة للسكان الأصليين، أصحبت في مرمَى السلطات الإيرانية، التي تعهّدت بتدميرها

وفي تقديرات المنظمة الدولية غير الحكومية Portes Ouvertes" " (أبواب مفتوحة)؛ فإنّ "75 مسيحياً على الأقل اعتقلوا في عام 2014 بسبب إيمانهم"، وفي تصنيفها السنوي للدول الخمسين، التي تُعرف بأنّها الأكثر اضطهاداً للمسيحيين، أدرجت المنظمة نفسها جمهورية إيران الإسلامية في المرتبة التاسعة على المؤشر العالمي لعام 2016.

وقد أوردت المنظمة الإنجيلية "أبواب مفتوحة"، وهي منظمة لحقوق الإنسان تستهدف المسيحيين في جميع أنحاء العالم، على موقعها الإلكتروني: "عدد المسيحيين الذين حُكم عليهم بالسجن يزداد أكثر فأكثر، والذين هم بالفعل في الحجز يخضعون لمزيد من الضغوط، أكثر من ذي قبل، في شكلٍ من أشكال سوء المعاملة الجسدية والمعنوية، بعض المسيحيين متَّهمون بأنهم جواسيس، وأنهم يرغبون في الإطاحة بالنظام، أو التآمر، لإبعاد المجتمع الإسلامي عن الحقيقة، وللقضاة حقّ الإشارة إلى الشريعة الإسلامية لمحاكمة هؤلاء المتحوّلين، في حين أنّ هذه تنصّ على عقوبة الإعدام ضد المُرتدّين".

يُعمَّدون خلال الإجازات

ينتهز بعضُ الإيرانيين العطل في الغرب، ليتمّ تعميدهم في الكنيسة الإنجيلية، ثمّ يعودون إلى إيران، راغبين في فتح كنيسة منزلية، وفي ندوة نظّمها معهد "علم التبشير"، في الصيف الماضي، في كولونيا (ألمانيا)، قدّر أحد المتحدثين باسم برنامج تلفزيوني مسيحي موجَّه إلى إيران، بـ "200.000 معمّد جديد" في إيران.

إنّ العددَ الكبير من الإيرانيين الذين يتحولون للمسيحية يغضِب السلطات الإيرانية

الصوفية بديلاً عن الشيعية الرسمية

وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا الرقم يتزايد منذ بضعة أعوام، يقول يان ريتشارد: "الأجيال الشابة المتعلمة، التي عانت من الأيديولوجية الإسلامية الشيعية منذ روضة الأطفال، قد ابتعدت عن الشيعة الرسمية، وكثيراً ما اختارت الطرق الروحية الأخرى: البوذية، الزرادشتية، البهائية، الصوفية الإسلامية أو المسيحية".

كنائس منزلية

هؤلاء المسيحيون الذين يشاهدون كثيراً البرامج المسيحية التلفزيونية الأمريكية (بما في ذلك "SAT 7-PARS"، التي تبثّ باللغة الفارسية من قبرص)، والمتواصلون مع الشبكات الاجتماعية، يتجمّعون للصلاة، بشكل سرّي، في "كنائس منزلية"، وتتسامح عائلتهم معهم، ما دام تحوّلهم يبقى خفياً رصيناً.

اقرأ أيضاً: إنقاذ المنطقة من إيران

ولكنْ، إذا أصبحت هذه الممارسة معروفة وعامة، خاصة إذا أخذت على عاتقها مسؤوليات في الكنيسة؛ حيث يتمّ الوعظ، فإنّ هؤلاء يعرّضون أنفسهم للخطر، في أي وقت؛ إذ توجَّه لهم تهمة الردّة.

لتفادي جذب انتباه الرأي العام الدولي؛ تتجنّب الحكومة اتهام المتحولين بالردة، وتتذرع بـ "المساس بأمن الدولة"

في هذا الشأن؛ يقول الأستاذ السابق في جامعة السوربون: "غالباً ما يتم تضليل هذا الوضع، تحت اتهامات زائفة بالفساد الأخلاقي؛ لأنّ النظام لا يحبّ أن يُظهر نفسه كنظام متسامح دينياً".

في السياق نفسه، كتب الباحث ريمون إبراهيم(1)، في مقال حول "وضع المسيحيين في إيران": "لتفادي جذب انتباه الرأي العام الدولي، لا تتّهم الحكومة الإيرانية المتحولين بالردّة؛ بل تفضل التذرع بـ "المساس بأمن الدولة" (Morning Star News)، 13 تموز (يوليو) 2017. وقد أكّد روحاني في الأمم المتحدة: "إيران لا تحاول فرض دينها الرسمي على الآخرين".

في الواقع؛ لا تقتصر إيران على اضطهاد الأقليات المسيحية فحسب؛ بل إنها تقوم أيضاً بتحويلها قسراً إلى الإسلام"، "روحاني يضطهد المسيحيين ليثبت أنه مسلم جيد (...)". "على غرار داعش؛ تحاول السلطات القضاء على المسيحية، لكنّها تفعل ذلك بشكل أكثر ذكاءً" (مسيحي إيراني يعيش متخفياً BosNewsLife" "، 7 أيلول (سبتمبر) 2017.

"عندما تستحوذ قضيُة سجينة على انتباه واهتمام وسائل الإعلام الدولية، يتوقّفون عن تعذيبها أو اغتصابها، لعلمهم أنّ العالم يراقبهم" (23 تشرين الأول (أكتوبر) 2017) " ."Mohabat News

الكاتدرائية الأرمنيّة في أصفهان

روحاني: لم نهدّد أحداً أبداً

في المرافعة السياسية التي ألقاها الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في الأمم المتحدة، في 20 أيلول (سبتمبر) 2017؛ وصف حكومته بأنّها "حكومة مكرَّسة بالكامل للتسامح واحترام حقوق الإنسان"، وأضاف "في إيران، نسعى إلى بناء السلام وتعزيز الحقوق الأساسية للشعوب والأمم، نحن لا نتسامح مع الطغيان، وندافع دائماً عن المظلومين، لم نهدّد أحداً أبداً".

الحكومة المحرّك الرئيس للاضطهاد

إنّ المعاملة المخصصة للمسيحيين الإيرانيين (1٪ تقريباً من مجموع السكان) تضيء بنور قاسٍ تأكيدات روحاني، فخلافاً لغيرها من البلدان ذات الأغلبية المسلمة؛ حيث يتم الاضطهاد ضدّ الأقليات المسيحية من قبل أفراد مسلمين محترفين، أو حشود أو إرهابيين، فإنّ المحرك الرئيس للاضطهاد في إيران هو الحكومة نفسها.

من جانبها، أعدّت منظمة "Open Doors"، دون أيّ التباس، "قائمة المراقبة العالمية" "World Watch List" لعام 2018؛ صنّفت فيها إيرانَ في قائمة الدول العشرة الأكثر فقراً في العالم، والتي يعاني فيها المسيحيون "اضطهاداً شديداً".

روحاني: إيران لا تسعى لفرض دينها الرسمي على الآخرين نحن واثقون في عمق ثقافتنا

المجتمع الإيراني أشدّ تسامحاً مع المسيحيين

"في حين يأتي اضطهاد المسيحيين في دول الشرق الوسط، في الغالب، على يد جماعات اجتماعية أو جماعات إسلامية متطرفة؛ ففي إيران، يكون التهديد الرئيس ضدّ المؤمنين من مصدر حكومي، ويعلن النظام أنّ إيران دولة شيعية إسلامية، وقد شرع في تحويل البلاد إلى هذا الاتجاه، ويقاتل المتشددون في النظام، بشدة، ضدّ المسيحية، ويقمعون المسيحيين، كما يُنظر إلى المسيحيين والأقليات الأخرى على أنهم عقبة في الطريق المتبع، يجب القضاء عليهم، ومع ذلك؛ يظلّ المجتمع الإيراني، في مجمله، أكثر تسامحاً من حُكامه، خاصّة بسبب تأثير الصوفية الإسلامية".

معاقبة الكنائس المنزلية

النظام الإيراني يركّز بشكل أساسي على اضطهاد المسيحيين البروتستانت، والمسلمين الذين تحوّلوا إلى فرع من هذه الفروع المسيحية، وهم المبشرون والمعمدانيون والعَنْصَرِيّون. وهؤلاء محرومون من الحقّ في بناء الكنائس؛ ما يجعلهم يجتمعون ويُصلّون في الخفاء، ويقيمون الكنائس في المنازل، وقد أصبحت مداهمات الشرطة لهذه المساكن شائعة، تؤدّي إلى إصدار مخالفات صارخة واعتقالات جماعية للمسيحيين، وقد قدمت "Middle East Concern"، وهي منظمة أخرى لحقوق الإنسان، الشهادة الآتية في هذا الشأن: "إنّ العددَ الكبير من الإيرانيين الذين يأتون إلى المسيح يغضِب بشدّة السلطات الإيرانية؛ ففي فترات متفرقة تَحدُث موجات من الاعتقالات والأحكام بالسجن، وفي الآونة الأخيرة، اشتدت الملاحقات القضائية، وتم إصدار أحكام قاسية يمكن أن تصل إلى السجن لمدة تتراوح بين 10 إلى 15 عام، في بعض الحالات، وفي معظم الأحيان؛ تدّعي السلطات أنها تقاتل ضدّ أعمال تخريبية، أو أنّ خروقات أمن الدولة قد وقعت، وهو ما يفسّر أنها تلجأ إلى تُهم سياسية، بدلاً من اللّجوء إلى القوانين التي تعاقب على الردة أو التجديف".

يُحظر على المجتمعات الكاثوليكية والأرثوذكسية ممارسة الوعظ على المسلمين، ويُعامَل أعضاؤها كمواطنين من الدرجة الثانية

في نيسان (أبريل) 2017، اُعتِقل أربعة مسلمين اعتنقوا المسيحية، بعد مداهمة الشرطة لصلاة جماعية في أحد المنازل، وحُكم عليهم في الشهر التالي بالسجن لمدة 10 أعوام.

واجه الرجال الأربعة، رسمياً، تهمة "المساس بأمن الدولة"، وفي ازدراء لتهمة الردّة؛ وجّهت الحكومة الاتهام إلى المتحوّلين، بالمساس بالأمن القومي، والهدف من ذلك واضح، بالنسبة إلى دعاة الحرية الدينية؛ هو "تجنّب جذب انتباه الرأي العام الدولي".

اقرأ أيضاً: روحاني يحذّر الإيرانيين..

وفي حادثة مشابهة، حدثت في الآونة الأخيرة؛ واجه مسيحي، يُدعى ناصر نافارد غول-تابه تهمة "العمل ضدّ الأمن القومي، لإقامة صلوات منزلية"، فوجّه، في آب (أغسطس) 2018، رسالة مفتوحة إلى المحكمة الإيرانية، التي حَكمت عليه بالسجن لمدة 10 أعوام، كتب فيها:

"إنّ تجمّع بعض الإخوة والأخوات المسيحيين في منزل أحدنا، لإنشاد التراتيل، وقراءة الكتاب المقدّس، والدعاء إلى الله، أمرٌ يمكن اعتباره هجوماً على الأمن القومي؟ ألا ينبغي أن نرى في هذا انتهاكاً واضحاً لحقوقنا المدنيّة، وانتهاكاً لحقوق الإنسان، ناهيك عن الظلم المطلق بالحكم علينا بالسجن لمدة 10 أعوام، فقط بسبب تنظيم "كنيسة منزلية؟!".

ينتهز بعضُ الإيرانيين العطل في الغرب، ليتمّ تعميدهم في الكنيسة الإنجيلية

السلطات الإيرانية تتذرع "بالجرائم ضدّ الأمن القومي"، لكن في الواقع، لا تبرَّر عملياتُ القبض على المسيحيين وإدانتهم، إلا بارتباطها بعِداء الدولة إزاء الأديان التي تجرؤ على التميّز بالنسبة إلى المعتقدات غير الإسلامية، الموجودة بالفعل على الأراضي الإيرانية، وهكذا "حتى إذا كانت

الحكومة معادية للمسيحيين؛ فإنّها تعترف بحرّية محدودة للكنائس المسيحية (غير البروتستانتية)"، كما ذكرت "World Watch List".

مواطنون من الدرجة الثانية

"المجتمعات الأصلية، الأرثوذكسية والكاثوليكية، لديها الحقُّ في التبشير وتقديم الوعظ لأتباعها، بلغتها الخاصة، لكن يُحظر عليها أن تمارس وظيفة الوعظ تجاه المسلمين، لكنْ، يُعامَل أعضاء هذه الكنائس التاريخية كمواطنين من الدرجة الثانية، ويعانون بانتظام من عقوبات السجن، والعنف الجسدي، والمضايقة، والتمييز، خاصة عند محاولتهم مخاطبة المسلمين".

في الواقع؛ حتى الكنائس التاريخية، التابعة للسكان الأصليين، أصحبت في مرمَى السلطات الإيرانية، التي تعهّدت بتدميرها.

في المقابل؛ قال روحاني في منتدى الأمم المتحدة: "إيران لا تسعى لفرض دينها الرسمي على الآخرين، نحن واثقون في عمق ثقافتنا، وحقيقة إيماننا، وفي مثابرة ثورتنا وطول أمدها..."، ومهما كان قوله؛ فإنّ إيران تضطهد الأقليات المسيحية، وتحاول تحويلها بالقوة إلى الإسلام.

 

 

لقد فرضت الحكومة "على أطفال عائلات في واحدة من أكبر حركات الكنائس المنزلية في البلاد، الدراسةَ الإلزامية لتعاليم القرآن، والإسلام الشيعي، تحت طائلة طردهم من المدرسة"، وقد أثبتت تقارير لإحدى وسائل الإعلام أنّ "سياسة الحكومة هي طرد الأطفال المسيحيين من التعليم الابتدائي والثانوي، ما لم يستسلموا للتعليم الديني الذي لا يتماشى مع عقيدتهم"، كما أوضح مسيحي إيراني يعيش متخفياً.

أذكى من داعش

"روحاني يريد أن يُثبت أنه مسلم صالح، باضطهاد المسيحيين (...)، معظم المسيحيين الجدد هم مُسلمون سابقون؛ فعلى غرار داعش، تحاول السلطات القضاء على المسيحية، لكن بطريقة أكثر ذكاءً".

جميع المسيحيين الذين يفرّون في النهاية من إيران وسجونها، مقتنِعون بأنّ الضغوط التي يتعرّضون لها لتحويلهم إلى الإسلام، ضغوط تخضع لإستراتيجية معيّنة.

اقرأ أيضاً: مسيحيون عراقيون في الأردن: لا يوجد ما نعود لأجله

يقول أحد الكتّاب في مقال نُشر، في تشرين الأول (أكتوبر) 2017: "حصلت على معلومات بأنّ المسيحيين يتعرّضون للضرب في السجون، وللتهديد؛ فإذا لم يتخلّوا عن إيمانهم بالمسيح، ولم يبتعدوا عن إيمانهم المسيحي، فلن يكون أمامهم خيار سوى مغادرة البلاد، أو الضرب حتى الموت".

نحن القانون

وقد روت إيرانيتان تحوّلتا إلى المسيحية تجربتهما مع نظام السجون الإيراني، قائلتين: "طُلِب منا مراراً أن ننكر إيماننا المسيحي، كما حُرِمنا من الرعاية الطبية، بسبب ديننا"، مؤكّدتين أنّه كان يُنظر إليهما "ككافرتين قذِرتين".

المسيحيون الهاربون من إيران وسجونها، مقتنِعون بأنّ الضغوط التي يتعرّضون لها تخضع لإستراتيجية معيّنة

"يمكننا أن نعاملكما كما نراه مناسباً، ولا أحد يستطيع أن يوقفنا"، هكذا اعتاد المحقّقون الإسلاميون أن يقولوا لهاتين الإيرانيتين، "نحن القانون، ويمكننا أن نفعل ما نريد، إذا لم تقدّما لنا المعلومات التي نطالب بها، فسوف نحاربكما حتى تتقيّئا الدّم"، أضافت المرأتان "لقد عاملونا مثل الكلاب.

أردفتا "عندما تستحوذ قضيّةُ امرأة سجينةٍ على انتباه واهتمام وسائل الإعلام الدولية، يتوقّفون عن تعذيبها، أو اغتصابها، لِعِلمهم أنّ العالم يراقبهم، لكننا نعرف أيضاً ما يحدث للأشخاص الذين لا يتلقون مساعدات خارجية".

مفارقة روحاني

المفارقة العجيبة؛ أنّ روحاني نفسه يوحي بأنّ التزام إيران بحقوق الإنسان لا يهمّ من هم غير مسلمين؛ فخلال كلمته في الأمم المتحدة قال: إنّ "حقوق الشعب والمواطنين، وكذلك السعي إلى العدالة والقيم الإسلامية، مسائل تقع في صميم مطلب الشعب الإيراني، وهي الحقوق والقيم التي تجلت عام 1979، خلال الثورة الإسلامية "؛ فهو يعني بداهة: أنّ أيّ إيراني لديه "قيم مسيحية" غيرُ معنيٍّ بهذه الحقوق والقيم.

اقرأ أيضاً: يا مسيحيي الشرق.. شكراً لكم

وفي مقامٍ آخر، قال روحاني: "ليس من الممكن لأيّ شخص أن يتطلع إلى الاستقرار والازدهار والتنمية على المدى الطويل، عندما يعيش مسلمو اليمن وسوريا، والعراق، والبحرين، وأفغانستان، وميانمار، والعديد من المناطق الأخرى، في البؤس، والحرب والفقر".

لا ذِكر لبؤس مسيحيّي العراق وسوريا

لكن، لماذا يلحّ روحاني ويصرّ على ذكر "المسلمين" فقط؟ لماذا لا يذكر "مجموع سكان سوريا والعراق"؟ ألا يستحق "بؤس" غير المسلمين في هذين البلدين الذّكر أيضاً؟

وإلى أن تُثبت إيرانُ بالدليل أنها تحترم حقوق الإنسان للجميع، بما في ذلك غير المسلمين الذين يعيشون داخل حدودها، يجب أن يؤخذ أيّ خطاب عن حقوق الإنسان، وعن الفلسطينيين، بما يحمله حقاً من نفاق، وأكاذيب، وتلاعب سياسي.


المصدر: gatestoneinstitute.org و la-croix.com

الهوامش:
(1) ريمون إبراهيم: باحث أمريكي من أصل مصري (من مواليد 1973)، وهو أيضاً مترجم ومؤلف وكاتب عمود تخصص فى التاريخ، له كتب منها: "المصلوب مرة أخرى"، و"قارئ تنظيم القاعدة"، و"السيف والسيف الضلع، أربعة عشر قرناً من الحرب بين الإسلام والغرب".

الصفحة الرئيسية