ما هي أدوات الخطاب الديني في ظل الثورة الصناعية الرابعة؟

ما هي أدوات الخطاب الديني في ظل الثورة الصناعية الرابعة؟


25/03/2021

تنشئ الشبكية، بكونها الحالة الاجتماعية والاقتصادية المتشكلة حول تقنيات الحوسبة والاتصالات والشبكة العالمية وتكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة، قيماً واتجاهات جديدة، تؤثر في التنظيم السياسي والاجتماعي للأمم، وبطبيعة الحال؛ فإنّها تؤثر في الخطاب الديني.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن فهم الدين وتطبيقه في نظام سياسي قائم على فلسفة الحرية؟
قد يحتاج هذا الموضوع إلى سلسلة طويلة من المقالات؛ ذلك أنّ الشبكية أو الثورة الصناعية الرابعة تنشئ متوالية معقدة من التغييرات التي تحتاج إلى إحاطة، ثم ينشأ تبعاً لذلك حالة من التحولات والانتقال والفوضى في الاستجابات السياسية والاجتماعية، ولا نملك في هذه التحولات غير الواضحة سوى التخمين والجدل؛ فالتغير مؤكد وواضح، لكنّ الاستجابة الصحيحة ليست بالوضوح والحسم الذي تظهره التغيرات التكنولوجية والاقتصادية المصاحبة، وليست لدينا سوى ملاحظة التغير في الأعمال والموارد ثم تقدير القوى الاجتماعية والاقتصادية الجديدة، وفي ذلك؛ فإنّ أداتنا الوحيدة في التقدير هي إطلاق عدم اليقين والجدل حول كل ما كان متقبلاً وسائداً.

الحوار هو تبادل الأفكار والحجج دون موقف أو تصور مسبق بهدف الوصول إلى فكرة أو أكثر

إنّ العالم، اليوم، تلهمه الفردانية والحريات والازدهار والعقلانية الاجتماعية والأخلاقية، وهكذا؛ فإنّنا نفكر لخطاب ديني جديد مستمد من هذه القيم، وكما بادرت المؤسسات المتخصصة في التنمية والاقتصاد والتعليم إلى التفكير الحرّ والجدل حول الاستجابة، المتوقعة أو الممكنة، للتكيف مع الأعمال والتقنيات والموارد الجديدة؛ فإنّ الفكر الديني في حاجة أيضاً إلى مواكبة هذه التحولات، وأول ما يجب فعله إطلاق عمليات واسعة وشاملة من الحوار والجدل والمناظرة في الشأن الديني، والخطاب الديني، والدور الممكن للدين في الفضاء العام المتشكل أو الآخذ بالتشكل.
الحوار هو تبادل الأفكار والحجج دون موقف أو تصور مسبق بهدف الوصول إلى فكرة أو أكثر، يصلح الحوار لمجموعات العمل والتفكير والعصف الذهني، بهدف تطوير المعرفة و/ أو إنضاج موقف أو خطة، والمناظرة هي تبادل الحجج بهدف الانتصار إلى موقف أو وجهة نظر محددة مسبقاً، دون استعداد للتغيير، ليس في المناظرة سوى انتصار أو هزيمة أو تسوية بين الأطراف.

اقرأ أيضاً: هل تكون الأنسنة بديلاً للصراع بين الدين والسياسة؟
تصلح المناظرة في المحاكم والدعاوى الحقوقية والتنافس السياسي والانتخاب. أما الجدل فهو تبادل المعرفة والحجج بين موقفين، أو اتجاهين، على الأقل، وعادة أكثر من اتجاهين بهدف ترجيح موقف واحد دون تمسك مبدئي أو أيديولوجي أو سياسي أو اجتماعي، وغالباً ما يجري تعديل المواقف وصياغة اتجاه جديد مختلف عن الاتجاهات المتجادلة، هكذا فإنّ التقدم جدل، ويجب أيضاً أن يؤول الحوار والمناظرة إلى جدل.

اقرأ أيضاً: الإسلام السياسي التقليدي والديمقراطي وإشكالية الحريات
لقد أضافت الثورة الصناعية الرابعة، وما صاحبها من عولمة وشبكية، أبعاداً جديدة للعلاقة مع الدين، فقد زاد الحضور الديني في جميع أمم العالم، وشغل العالم بإعادة السؤال عن العلاقة بين الدين والفضاء العام، وفي التداخل والتدفق المعرفي الذي أتاحته الشبكية والعولمة تعددت وتعقدت مصادر تشكيل الرؤية الدينية والعلاقة مع الدين، كما صعد تنوّع ديني كبير ومؤثر، خاصة في الدول المندمجة في العولمة، وصعدت الهويات المذهبية الكبرى والصغرى، ما يقتضي تطوير السياسات دينية الدينية على النحو الذي يخدم التسامح والتعددية والتنوع، ويحافظ في الوقت نفسه على الوحدة الدينية والوطنية، ويحمي من الكراهية والتطرف والعنف.

اقرأ أيضاً: الدين والحياة العامة: مسألة لا يمكن تبسيطها.. ما العمل؟
ما التحولات الاجتماعية والاقتصادية المصاحبة للشبكية والعولمة والثورة الصناعية الرابعة؟ وبطبيعة الحال؛ يجب أن نسأل: ما الاتجاهات الفكرية الجديدة في إعادة فهم الدين في الفضاء العام؟ وسبق أن قدمت مجموعة من وجهات النظر والجدالات في عالم الغرب حول خطاب ديني جديد مختلف عن النمطين السائدين في المرحلة السابقة، وهما الدور الديني المباشر في الفضاء العام، أو الاستقلال والفصل بين الدين والفضاء العام، وفي هذه الدراسات والجدالات العامة تطورت أفكار ومعارف جديدة ومهمة متصلة بالدين وعلاقته بالفضاء العام، ونشأت أيضاً حاجة إلى خطاب ديني جديد، مستمد من العلوم والتجارب الإنسانية؛ تجعل الدين في سياق الإصلاح والتقدم دون تعارض أو تناقض.

أضافت الثورة الصناعية الرابعة وما صاحبها من عولمة أبعاداً جديدة للعلاقة مع الدين إذ زاد الحضور الديني  في العالم

ومؤكد أنه بات ضرورياً وملحّاً على نحو عاجل مراجعة عمليات الأسلمة والبدائل الإسلامية والنماذج الإسلامية التي اشتغلت عليها دول وجماعات عربية وإسلامية؛ والتي تشكلت في ظروف الدولة المركزية، فقد غيرت التحولات الجديدة، مثل الشبكية والعولمة، كثيراً في طبيعة ودور الدولة وسياساتها، وصار الخطاب والفكر الديني في حاجة إلى أن يأخذ بالاعتبار أنّ الاعتدال الديني لا ينشئه فقط تفسير معتدل للنصوص الدينية؛ بل تنشئه استجابة صحيحة لمقتضيات وتحديات وفرص الثورة الصناعية الرابعة، ويشمل ذلك بطبيعة الحال تقدم اقتصادي سياسي اجتماعي، وفهماً متقدماً للدين، ينشئه تقدم علمي وتعليمي شامل.

اقرأ أيضاً: فضاء بلا سلطة.. هل يمكنه مواجهة التطرف؟
يجب الاعتراف، في هذه المقالة، وفي المقالات القادمة؛ أنّ ما نملكه أو نقدمه اليوم في الفكر الاجتماعي والديني ليس سوى أفكار واقتراحات ليست واضحة أو أكيدة، كما أنّ اتجاه الأنسنة في الخطاب الديني، الذي يعدّ المفتاح الأساسي لفهم وتشكيل الخطاب الديني، ما يزال في بدايته في عالم العرب والمسلمين، لكن من المهم جداً أن نخوض في هذه الأسئلة المعقدة، وإن كانت تبدو بلا إجابات أو توقعات محددة أو واضحة، وإذا عجزنا عن إنتاج خطاب واضح وناضج؛ فيكفينا شرف المحاولة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية