فلسطينيات يتعرّضن للتحرش الرقمي.. ما السبيل لإيقاف المتحرشين الجدد؟

فلسطين

فلسطينيات يتعرّضن للتحرش الرقمي.. ما السبيل لإيقاف المتحرشين الجدد؟


14/01/2019

تعدّ شبكة الإنترنت وسيلة سهلة وبيئة خصبة لانتشار التحرش الجنسي الإلكتروني؛ من خلال ما تتعرض له الفتيات والنساء عند استخدامهن مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك باستخدام الكلمات والصور وحتى الأفلام، التي تتضمن إيحاءات ورسائل جنسية أو تصريحات واضحة، ليشكّل ذلك صوراً جديدة من الانتهاك لحقوق المرأة وكرامتها الإنسانية في وجهه الرقمي.

اقرأ أيضاً: كيف وحّدت حملة "مين الفلتان" اللبنانيات على مواجهة التحرش؟

ولا يعد المجتمع الفلسطيني، وفق خبراء، استثناءً من هذه الظاهرة التي اجتاحت العالم الرقمي، في ظلّ ارتفاع تكاليف الزواج، وغياب الوازع الديني والأخلاقي عند البعض، وانتشار البطالة لمستويات كبيرة، فضلاً عن خشية الفتيات من عواقب الإفصاح عما يتعرضن له.

التحرش الإلكتروني يصل لحد ابتزاز الضحيته واستغلال صورها ومعلوماتها الشخصية لتهديدها

ظاهرة متنامية

مدير المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، نديم ناشف، يقول إنّ "التحرش الجنسي الإلكتروني، للأسف، ظاهرة أخذت بالانتشار داخل المجتمع الفلسطيني، بهدف إيذاء الفتيات جنسياً، وابتزازهنّ اجتماعياً، في ظلّ غياب الرقابة العائلية على الأبناء، وعدم بوح العديد من الفتيات بما يتعرضن له عبر الإنترنت لعائلاتهن؛ خوفاً من التعرض للعقاب، أو حرمانهن من استخدام الأجهزة الإلكترونية؛ في ظلّ انعدام ثقتهنّ بحلّ هذه المعضلة، التي تمسّ كرامتهن، من خلال توجههن إلى المراكز الشرطية، تجنباً للفضيحة وتلويث سمعتهن".

لا يعد المجتمع الفلسطيني، وفق خبراء، استثناءً من هذه ظاهرة التحرش الرقمي التي اجتاحت العالم الرقمي

ويضيف ناشف، في حديثه لـ"حفريات"، أنّ "التحرش الإلكتروني يصل لحد قيام الشاب بابتزاز ضحيته، واستغلال صورها، ومعلوماتها الشخصية، لتهديدها، مما يجعلها فريسة سهلة للمنحرفين أخلاقياً، الذين يعانون من الفراغ النفسي والعاطفي، لإغواء الفتيات والتغرير بهن وتهديدهن بعدة طرق مختلفة؛ كدفعهن لإرسال مبالغ مالية كبيرة، أو إجبارهن على لقائه لممارسة الجنس معه، لتدخل الضحية في حالة نفسية صعبة وعزلة اجتماعية، قد تنتهي بموت الضحية عن طريق لجوئها للانتحار".

اقرأ أيضاً: الظهور العلنيّ للنساء.. جدل الحداثة والطبقة والتحرش!

ويستدرك ناشف أنّ هذا النوع من التحرش لا يقتصر على الفتيات، وفي حالات عدة يتعرض بعض الذكور لأنواع مختلفة من هذه السلوكيات، "لكن تبقى الفتيات بمختلف مراحلهن العمرية أكثر عرضة له من الرجال، في ظلّ غياب دور الأسرة في تربية أبنائها علي أسس صحيحة ومراقبة تحركاتهم وأصدقائهم؛ حيث تترك الكثير من الفتيات، خاصّة في سنّ المراهقة، دون متابعة وملاحظة من قبل عائلاتهن، وعند وقوعها في مستنقع التحرش الجنسي، تعيش الفتاة في عزلة اجتماعية وشعور دائم بالتوحد وعدم الأمان بالآخرين".

استغلال نقاط الضعف

ويردف ناشف "الشخص المتحرش يستغل نقاط ضعف الفتيات على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة؛ اللواتي يقمن باستفاضة بنشر صورهن الشخصية وصور لأفراد من عائلاتهن؛ ما يجعل المتحرش، الذي غالباً ما يكون غير معروف ومجهول الهوية، إلى السعي جاهداً لاختراق حساب الفتاة الإلكتروني، والبحث في معلوماتها وصورها، لابتزازها، كما يقوم بإرسال بعض الأفلام والإيحاءات الجنسية للفتاة، بغرض استغلال الجوانب العاطفية لها، بدعوى الحب والرغبة بالزواج منها؛ لجذبها إلى البوح ببعض الأسرار الخاصة، لتصبح هذه المعلومات هدفاً سهلاً للإيقاع بها بوحل الاستغلال الجنسي".

اقرأ أيضاً: هذه الدول سنّت قوانين تعاقب المتحرشين

ويبين ناشف أنّه في دراسة أجراها المركز العربي، تعدّ الأولى على مستوى فلسطين، خلال تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي؛ "تبين تنامي ظاهرة التحرش الإلكتروني داخل المجتمع الفلسطيني، وشملت العينة مجموعة من الفتيات في قطاع غزة والضفة الغربية والأراضي الفلسطينية العام 1948؛ اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 إلى 35 عاماً"، مبيناً أنّ النتائج أظهرت أنّ "واحدة من كل ثلاث فتيات شهدن محاولة لاختراق حسابهن على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل بعض الشباب".

واحدة من كل ثلاث فتيات فلسطينيات شهدن محاولة لاختراق حسابهن على مواقع التواصل
تفضيل إغلاق حسابات إلكترونية

وكمحاولة للتخلص من هذه الظاهرة من قبل الفتيات اللواتي تعرضن للتحرش، تفضل واحدة من بين أربع نساء إغلاق حساباتهن الإلكترونية، والانسحاب من الإنترنت، وفق ناشف، الذي يبين أنهن يعتبرن ذلك الحلّ الأمثل لتجنب الملاحقة الإلكترونية لهنّ، "ومنهنّ من فضلن حذف المتحرش، ومعاقبته من خلال إبلاغ عائلاتهن ومراكز الشرطة عنه، والبعض الآخر من الفتيات توجهن لمراكز دعم ضحايا الاعتداءات وبعض الجمعيات النسوية؛ للتحدث معهم لإيجاد حلول مناسبة لمشاكلهنّ الإلكترونية مع المتحرشين جنسياً".

اقرأ أيضاً: هل نفهم التحرش فعلاً؟

وللحدّ من تعرض الفتيات للتحرش الإلكتروني؛ يرى ناشف أنّه "يتوجب تعزيز دور الآباء في متابعة أبنائهم وبناتهم، وتفعيل القوانين العقابية ضد المتحرشين جنسياً للحد من هذه الظاهرة؛ إضافة إلى توخي الفتيات الحذر، وعدم قبول صداقة الأشخاص الوهميين، وتجنب المشاركة في المجموعات التعارفية والتي تهدف في معظمها لابتزاز الفتيات للإيقاع بهن، والحرص على عدم نشر الصور الشخصية وأرقام الهواتف على مواقع التواصل الاجتماعي".

أمراض نفسية وسلوكية

من جهته، أيرى ستاذ علم النفس الاجتماعي بالجامعة العربية، زهير العواودة، أنّ: "التحرش الجنسي الإلكتروني في تزايد مستمر، وذلك في ظلّ عدم خوف مرتكبيه من الملاحقة والمساءلة القانونية والعائلية، ورغبة الفتيات بعدم البوح والصمت عن إبلاغ عائلاتهن والأجهزة الأمنية المتخصصة بهذا التحرش؛ خوفاً من العقوبات التي قد تفرضها بعض هذه الأسر عليهنّ، وافتضاح أمرهنّ داخل العائلة والبيئة المحيطة".

العواودة: التحرش الجنسي الإلكتروني يتزايد في ظلّ عدم خوف مرتكبيه من الملاحقة ورغبة الفتيات بعدم البوح والصمت

ويشير العواودة، في حديثه لـ"حفريات"، إلى أنّ المتحرشين "يلجأون لاستخدام عدة أنماط لاستمالة الفتيات إليهم؛ كالتحرش اللفظي، الذي تستخدم فيه العبارات الخادشة للحياء، والكلمات الصوتية التي تحتوي ألفاظاً جنسية، وطلب ممارسة الجنس من الضحية. والنمط الآخر؛ التحرش البصري، من خلال قيام الشاب بإرسال بعض المقاطع، التي تشتمل صوراً وأفلاماً إباحية. والنمط الأخير؛ التحرش بالإكراه، وفيه يقوم المتحرش بابتزاز الفتاة، وإخضاعها، بنشر بعض الصور والتشهير بها عبر مواقع التواصل الاجتماعي".

ويضيف العواودة "الشباب المتحرشون يعانون من أمراض نفسية وسلوكية صعبة، ويلجؤون إلى هذه الأفعال لإزعاج ضحاياهم مع شعورهم بإثارة، لمجرد التحدث مع الفتيات، وإرسال الإيحاءات الجنسية لهن، الأمر الذي يدفعهم لملاحقة ومطاردة ضحاياهم في كل وقت، والتشهير بهنّ، والتهور في استخدام التكنولوجيا بشكل سلبي، لفضح الفتيات وابتزازهن؛ وذلك في ظلّ اعتقادهم بصعوبة الوصول إليهم، وكشف هوياتهم من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية".

للتخلص من هذه الظاهرة تلجأ فتيات تعرضن للتحرش إلى إغلاق حساباتهن الإلكترونية

هل هو مؤشر لانهيار القيم؟

ويشير العواودة إلى أنّ "هناك بعض الفتيات اللواتي يستجبن للمتحرشين بمحض إرادتهن، دون ممارسة أيّة ضغوط عليهن، وذلك لتوفر سمات الشخص المتحرش نفسها داخلهن، وكأنهن ينتظرن شخصاً يتحدث معهن لإقامة علاقات صداقة وحب وهمية بينهما، وتبدأ الفتاة بالاستجابة لبعض طلبات المتحرش؛ بإرسال صور شخصية لها، وإجراء مكالمات صوتية معه، وتبادل بعض الرسائل التي تتضمن ألفاظاً فاضحة وصوراً خادشة للحياء ومقاطع إباحية، تهدف للوصول إلى أغراض دنيئة بين الشاب والفتاة، للوقوع في الانحراف الأخلاقي".

اقرأ أيضاً: السعودية تواجه التحرش بنظام جديد.. هذه هي العقوبات

ومن دوافع التحرش الجنسي عبر الإنترنت، بحسب العواودة، "ليس الكبت الجنسي، كما يعتقد البعض، وغياب الوازع الديني في بعض المجتمعات، فحالات التحرش لا تفرق بين مجتمع وآخر، وتقع في غالبية البلدان العربية والإسلامية، ولعلّ من أهم الأسباب؛ انهيار القيم المجتمعية، والنظر للمرأة بأنها ليست شريكاً في الحياة مع الرجل؛ بل مجرد جسد يدعو لإثارة الغرائز والشهوات لدى الشباب، في ظلّ تراجع الهدف الأساسي، الذي يتوجب من خلاله احتضان الفتاة والمرأة اجتماعياً، والدفاع عنها ضدّ أيّ اعتداء تتعرض له".

متحرشون جدد

ويشرح العواودة "سهولة إخفاء هوية المتحرش تساعد على ظهور متحرشين جدد؛ ذلك لأن التحرش الإلكتروني لا يتطلب الجرأة في التعامل مع الضحية، وتأخّر سنّ الزواج لدى الشباب، جعلهم يفكرون في الانتقال نحو التفكير في العالم الافتراضي لإشباع احتياجاتهم الجنسية، وتعويض الحرمان الذي ينتابهم؛ من خلال توجههم للتحرش بالفتيات عبر الإنترنت، وهنا تتوجب توعية الأسرة لأبنائها بالمخاطر والأضرار النفسية والاجتماعية الناجمة عن هذا التحرش".

اقرأ أيضاً: هكذا ستعاقب فرنسا المتحرشين بالنساء.. تشريع جديد

ولمواجهة التحرش الإلكتروني، يبين العواودة؛ "هذا السلوك الخطير لا بدّ من القضاء عليه بعدة طرق، من أهمهما: عدم صمت الفتاة عن التحرش الذي يحصل لها، وأن تتوجه لعائلتها بكل شجاعة، وتبوح لأهلها بما يحدث معها، كي يتمكنوا من مساعدتها، والسيطرة على الأمر قبل وصوله لمراحل يصعب حينها متابعته، وأن تقوم الفتاة بالاحتفاظ بالرسائل والانتهاكات التي تعرضت لها، وتقدمها كدليل للأجهزة الأمنية، التي تمتلك الخبرة الكافية للوصول لهؤلاء المتحرشين، مهما تخفوا خلف شاشاتهم، وهواتفهم الإلكترونية".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية