هل ستبعث الطائفية في العراق تنظيم داعش من تحت الرماد؟

العراق

هل ستبعث الطائفية في العراق تنظيم داعش من تحت الرماد؟


20/01/2019

عندما اتجه المؤسس الأول لتنظيم داعش، أبو مصعب الزرقاوي، لشمال العراق، وقبل الغزو الأمريكي للبلاد، العام 2003، قرّر الارتكاز في بنائه الإستراتيجي لتنظيمه الأول "التوحيد والجهاد" على استهداف النقطة الأكثر حساسية في المجتمع العراقي، ذي التكوين المتنوع؛ ألا وهي الطائفية.

عزا المراقبون عودة التنظيم الأولى إلى السياسات الفاسدة للنظام السياسي القائم وقهر الطائفة السنّية

بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، كشف السقوط المدوي للرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، الغطاء عن مجتمع يئن بثقل الطائفية، فكانت الفرصة سانحة للزرقاوي ومجموعته لتحديد الطائفة الشيعية، كعدوّ مركزيّ يعلو في مرتبته العدو الأمريكي المحتل، حتى أفصح الزرقاوي في رسالة سرية لأسامة بن لادن، رأس القاعدة وقتذاك، وكشف عنها فيما بعد، بأنّه يقصد من استهداف الشيعة، زعمائهم وعمومهم، استنفارهم ضدّ مقاتلة السنّة، كي يستنفَروا بدورهم، وينخرطوا في القتال معه ضدّ عدوه المركزي.
ومع أنّ العشائر السنّية انتبهت لمخططات الزرقاوي وتنظيمه؛ بل وذهبت لتشكيل فصائل مسلحة قامت بطرد جماعته فيما بعد من المثلث السنّي، من العام 2007 حتى العام 2010، إلا أنّ القيادات السياسية العراقية فشلت في معالجة الملف الطائفي؛ بل اتهمت قيادات عديدة بممارسة عمليات اضطهاد وتهميش وإقصاء الجانب السنّي، ما دفع إلى عودة التنظيم مجدداً، بدءاً من عام 2013.

اقرأ أيضاً: كيف تتغذى الطائفية على الاستغلال السياسي للدين؟
ذهب إعلان رئيس الوزراء العراقي الأسبق، نوري المالكي، الذي أكّد فيه زوال تنظيم القاعدة في العراق، العام 2010، أدراج الرياح، بعد أن عاد المتطرفون بثوب أشد تشدداً من صحراء الأنبار، ليحتل "داعش" مدينة الموصل ذاتها، ثاني أكبر المدن العراقية بعد بغداد؛ بل ويرسل قادة التنظيم أفواجاً من المقاتلين، ليسيطروا على نحو 40 % من الأراضي السورية.
عزا المراقبون حينها عودة التنظيم إلى السياسات الفاسدة للنظام السياسي القائم، وقهر الطائفة السنّية، الذي بلغ أوجه في فضّ اعتصام الأنبار بالقوة دون الاستجابة لمطالب زعماء العشائر السنّية، الموصوفة بالاعتدال.
كشف السقوط المدوّي للنظام العراقي السابق الغطاء عن مجتمع يئن بثقل الطائفية

عودة إلى التكتيكات القديمة
بعد اندحار "داعش" مجدداً، وهزيمته في الموصل والأنبار وغيرها من المدن العراقية، أعلن رئيس الوزراء العراقي، هزيمة التنظيم الكاملة، بعد اندحاره في القائم.
إلا أنّ وتيرة الهجمات التي يشنها تنظيم داعش تزداد من آنٍ لآخر، في مناطق متفرقة من العراق، وذلك بعد اندحاره من مدينة الموصل، أكبر معاقله هناك، تشي بأنّ التنظيم انسحب مجدداً للصحراء، ليعاود تكتيكاته القديمة في عمليات الكرّ والفرّ، والهجمات الخاطفة.

اقرأ أيضاً: وزير يمني: إيران تزرع الطائفية في اليمن
فلم تكد تمضي أيام معدودات، حتى نشرت وكالات أنباء عالمية، أخباراً تتحدث عن هجمات يشنها تنظيم داعش، تستهدف في معظمها القوات الأمنية العراقية، وقوات الحشد الشعبي، على وجه الخصوص.
فمنذ بضعة أيام؛ لقي 5 من عناصر القوات العراقية مصرعهم، بينهم عنصر في الحشد العشائري، جراء هجوم شنّه التنظيم على نقطة أمنية واقعة في قرية الشهامة، شمال محافظة تكريت، بأسلحة خفيفة، ومستقلين سيارتين نوع "بيك آب"، فرتا بعد ذلك في اتجاه الجزيرة الغربية.
أما في شمال محافظة كركوك، وفي اليوم نفسه؛ شنّ التنظيم هجوماً على قوة أمنية تابعة للحشد الشعبي، إلا أنّ بياناً لــ"الحشد" أعلن أنّه تصدّى لذلك الهجوم "وفق فضائية الإخبارية العراقية".

ذهب إعلان المالكي زوال تنظيم القاعدة العام 2010 أدراج الرياح بعد أن عاد بثوب أشد تشدداً

الغرب يدقّ الجرس
اللافت؛ أنّ وسائل الإعلام العربية لم تلق اهتماماً كبيراً لمثل تلك الهجمات، بخلاف وسائل الإعلام الغربية، التي رأت فيها إرهاصات لإمكانية عودة التنظيم مجدداً للمشهد العراقي؛ بل والسوري أيضاً.

وسائل الإعلام الغربية رأت في الهجمات الأخيرة إرهاصات لإمكانية عودة التنظيم مجدداً للمشهد العراقي بل والسوري

تشي إصدارات التنظيم المرئية مؤخراً بأنّ شحنات الغضب والرغبة في الثأر لدى عناصره، الذين ما يزالون يؤمنون بفكرتهم، ولم يفقدوا الأمل بعد في قيام دولتهم، وأن ما جرى لهم لم يكن سوى امتحان من الله تعالى، واختبار لقوة تحملهم على المحنة والفتنة.
كما تحمل تلك الإصدارات التي يخرج بها "داعش" كل فترة إشارات غير مباشرة، في أنّهم يعدّون جيلاً سيكون أكثر دموية وعنفاً من الجيل الحالي؛ إذ ما يزال ينهي صانعو تلك الأفلام قصّتهم بمشهد الأطفال الذين يحملون راية التنظيم السوداء، وهم يفلون في اتجاه الغروب.
في هذا السياق؛ نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية عن العودة التي سيقوم بها تنظيم داعش في العراق، بعد الخسائر التي تلقاها في العامين الماضيين، وعزت ذلك إلى المليشيات الشيعية التي سيطرت على المناطق السنية التي حررتها، مما عزّز مشاعر الاستياء المحلية التي يمكن أن تغذي عودة الدعم للجماعة المتطرفة.

اقرأ أيضاً: تركيا وإيران... الأصولية والطائفية
وبحسب الصحيفة الأمريكية؛ فإنّ فوز الميليشيات الشيعية بحوالي ثلث المقاعد في الانتخابات البرلمانية، العام الماضي، جعلها تتمتع بسلطة عسكرية وسياسية غير مسبوقة في العراق، وأثار صعودهم المخاوف بين السياسيين العراقيين والسكان السنّة والمسؤولين الأمريكيين من أن قادة المليشيات يخلقون دولة موازية تقوض الحكومة العراقية المركزية، ويحيي ذلك المظالم التي عزّزت صعود داعش قبل ثلاثة أعوام.
وتيرة هجمات داعش الأخيرة تشي بانسحابه مجدداً للصحراء والعودة لتكتيكاته القديمة

مليشيات طائفية لم تعِ الدرس
ما تزال المليشيات الشيعية تحمل ميراثاً من الكراهية وعدم نسيان الماضي؛ فهي ما تزال تمارس أنواعاً من الاضطهاد للسكان المحليين في المناطق السنية، وهو ما يصبّ، بلا شكّ، في صالح التنظيم.

وفق صحيفة الغارديان التنظيم هرّب حوالي 400 مليون دولار إلى الخارج وهو يسعى إلى زيادة موارده

تقول صحيفة "واشنطن بوست": تمادت الميليشيات الشيعية فذهبت لإنشاء مكاتب سياسية وتوظيف، وتقوم بتشغيل نقاط على طول الطرق الرئيسة، وفرضت ضرائب على سائقي الشاحنات الذين ينقلون النفط والسلع المنزلية والطعام.
وأضافت الصحيفة: إنّ بعض رجال المليشيات انخرطوا في "ممارسات شبيهة بالمافيا"، مطالبين بأموال من الشركات الكبيرة والصغيرة، كما أنّ المليشيات تقرر أياً من العائلات السنية مسموح لها بالعودة إلى ديارها، كما أجبر قادة المليشيات المجالس المحلية، على إبطال حقوق الملكية للسنّة على أساس أنهم دعموا "الدولة الإسلامية"، وأدت هذه الممارسة إلى تغييرات ديموغرافية كبيرة في المناطق المختلطة مثل؛ الحلة وديالي.

اقرأ أيضاً: الرؤية الطائفية للإسلام في وعي المسلمين اليوم
بعد أن أعلنت القيادة السياسية النصر العسكري الكامل والشامل على التنظيم المتطرف، ثارت حينها موجة من التفاؤل عمّت أرجاء البلاد، بيد أنّ البشمركة الكردية في العراق مؤخراً، لم تعد ترى ذلك؛ إذ إنّ عدداً من قادتها صرّحوا في أكثر من مرة، بأنّ تنظيم داعش يعود للحياة الآن، مثلما ينهض طائر العنقاء من تحت الرماد، فيعيد تنظيم شتاته لملء الفراغ، الذي خلفه خصومه المتنازعون، وفق تقرير "بوديت نويرينك".

نصف انتصار
وصل الحدّ إلى أن صرّح اللواء عزيز ويسي، قائد قوات "الزيرفاني"، وهي قوات خاصة في بشمركة كردستان، لعبت دوراً مهماً في معركة العراق ضدّ داعش؛ بأنّ الإعلان عن هزيمة التنظيم بالكامل في العراق، والذي أدلى به رئيس الوزراء العراقي آنذاك، حيدر العبادي، في كانون الأول (ديسمبر) 2017، "كان كذبة".

المليشيات الشيعية ماتزال تمارس اضطهادات بحق السكان السنّة وهو ما يصبّ في صالح التنظيم

قال ويسي لــ"دويتشة فيله": داعش ما يزال يشكّل تهديداً كبيراً، وخصوصاً أنّ العالم يعتقد خطأً أنّ التنظيم قد تمّ تدميره في العراق، وسينتهي قريباً في سوريا أيضاً، لا أحد يفهم التهديد بشكل أفضل منا.
ماذا يحتاج تنظيم داعش من أجل البقاء؟ يقول ويسي: المال، الأيديولوجيا، المديرون التنفذيون والقيادة، أما المال فيحصل عليه التنظيم من مبيعات النفط، والأيديولوجيا ما تزال موجودة بين طائفة السنّة المحافظة، وما يزال العديد من الأجانب وضباط الجيش والمخابرات العراقيين السابقين يقاتلون مع التنظيم في آخر جيوبهم في سوريا، ولم يتم العثور على زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، حتى الآن، وما يزال هناك حوالي 3 آلاف مقاتل من داعش، وسيأتي كثيرون من سوريا إلى العراق، عندما يخسرون الأرض هناك العام 2014.. كانوا في حاجة إلى 500 رجل فقط، للاستيلاء على الموصل.

اقرأ أيضاً: تدمير الإسلام بالطائفية والدول بالتجزئة
وذكرت صحيفة "الجارديان" البريطانية؛ أنّ تنظيم داعش ترك إرثاً له في مدينة الفلوجة العراقية؛ التي تعدّ أولى المدن التي تمت استعادتها من التنظيم المتشدد، لافتة إلى أنّه يهدد العراق والعديد من الدول الأخرى، ومن بينها أفغانستان وسوريا واليمن.
ووفق الصحيفة؛ "التنظيم هرّب حوالي 400 مليون دولار إلى الخارج، وهو يسعى إلى زيادة موارده من خلال عمليات غسيل الأموال، فيما لفتت إلى أنّ زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، أزال أكثر من تسعة من دواوينه واحتفظ بثلاثة فقط، وهي؛ ديوان "الجند"، الذي يدير الشؤون العسكرية، وديوان للأمن والاستخبارات، وديوان مالي وإداري.

الصفحة الرئيسية