"العالم ليس بخير".. فهل المستقبل فكرة مرعبة حقاً؟

"العالم ليس بخير".. فهل المستقبل فكرة مرعبة حقاً؟


22/01/2019

مستقبل البشرية أو العالم غير مشرق تماماً، ربما تكون هذه العبارة خاطئة، ولكنها بالتأكيد تحتمل الصواب؛ لأن المقدمات التي يعيشها العالم اليوم تستوعب استنتاجات وتوقعات غير مشرقة، ونستطيع أن نقرأ مستقبل العالم من عناوين حاضره، فقلّما نجد عنواناً إخبارياً لا يحمل في محتواه حرباً أو قتلاً أو أزمة أو جريمة، أو يكون بعيداً على الأقل عن الإرهاب والتطرف أو الأفكار المسمومة، ومن يستعرض ما تطالعنا به الفضائيات والصحف يومياً يرى كيف يغرق العالم في الفوضى التي تقود إلى الهاوية؛ حيث المستقبل الذي لا يطاق.

تجار الحرب وسماسرتها يعيشون ملهاتهم على وقع مأساة شعوب بأكملها ترزح تحت وطأة القتل والتشريد والدمار

ما معنى أن لا تنتهي حرب حتى تبدأ طلائع أخرى؟ وما أن تُحلّ أزمة حتى تولد أخرى؟ ما معنى أن يدفع العالم ثمناً باهظاً لكل هذا التقدم الذي تعيشه المجتمعات؟ ابتداء من صناعة آلات الحروب التي تعمل على موته وفنائه، وانتهاء بآلات عيش الرفاه التي تقوض جماليات الكوكب.
ما معنى أن يختصر الحاضر البشرية كلها في دائرة ضيقة هي وحدها التي تستحق أن تحيا، بينما يبقى عدد هائل مكدسون على هامش الحياة، يموت منهم يومياً 30 ألف إنسان جوعاً وفقراً ومرضاً، عدا عن الذين قضوا في سبيل الإرهاب والتطرف أو تحت وطأته؟ ما معنى أن تبقى 80% من ثروات العالم بيد 20% من الناس، بينما يمتلك بقية البشر أقل من 20% من هذه الثروات؟

اقرأ أيضاً: إبراهيم نصر الله: "حرب الكلب الثانية" تحذير من المستقبل

ما معنى أن يبقى العالم مشغولاً بحروب لا تنتهي، بينما تؤذنه الطبيعة بحروب أخرى، لا تميز بين أحد ولا تختار دولة عن أخرى، أو تنحاز لشعب أو مجتمع دون آخر؟ متى يستوعب عالم اليوم أن المستقبل يشترك فيه الجميع، من طبقات "فقراء وأغنياء" ومن فئات "عمال ورأسماليين" ومن جهات "شرق وغرب".. فمن سيدافع إذن عن مستقبل هذا العالم؟
ثمة حلقات أخرى لبؤس هذا الحاضر، إنها تغير المناخ، وشح المياه، بينما فكرة نضوب الغذاء وحدها تبدو فكرة مرعبة ومخيفة، بما ستتسبب به من أزمات وحروب المستقبل، الذي تتفوق فيه كفاءة استدامة الموت على كفاءة استدامة الحياة.

اقرأ أيضاً: الأطفال المسلحون: أي استثمار في المستقبل؟

يقول كارل ماركس "التاريخ يعيد نفسه، الأول كمأساة والثاني كملهاة"، لم يكن يقصد التاريخ، لمجرد أنه تاريخ، بل لأن صانعيه أو مزوّريه أرادوه أن يكون مأساة وملهاة في ذات الوقت، والشواهد على ذلك كثيرة، من أحداث ومجريات، جبهات حرب أنجز الكثير منها، وجبهات سلام لم ينجز منها شيء في عالم لمّا يزال متهالكاً وفوضوياً، ومحتقناً بالصراعات العرقية والمذهبية، والتصفيات الطائفية.

حروب وجرائم، لا حصر لها ولا حساب، لا تبتدئ بجريمة قتل يقترفها أحد ما في بقعة ما بدافع الثأر أو الشرف، أو في أحد أحياء السود في أمريكا بدافع لا يعرفه القاتل نفسه، ولا تنتهي بجريمة قتل وإبادة وتشريد شعب كاملة وجماعات وأعراق، لا ذنب له إلا أنه وقع عليه الاختيار بالقرعة أو بالسياسة، لا فرق!

اقرأ أيضاً: الخوف المزمن من الغرب.. هكذا تصبح الحياة مكاناً لبيع العنف

نعم، التاريخ يعيد نفسه، بالصورتين معاً، عبر قدرة توليفية مدهشة بين المأساة والملهاة؛ فالحرب مأساة وملهاة في ذات الوقت، والجوع والفقر، وكل شيء في هذا العالم المعاصر أصبحت قابلة لأن تحمل الصفتين معاً، تجار الحرب، وسماسرتها يعيشون ملهاتهم على وقع مأساة شعوب بأكملها ترزح تحت وطأة القتل والتشريد والدمار، وأصحاب رأس المال الجشعون يبنون إمبراطورية أموالهم ويصنعون مجد ثرائهم من نواتج الفقر والحرمان والموت.

يصدر تجار الأفكار أفكاراً شرسة تبعث المرض في العقول وتصيب الشعوب في مقتل بالغ

وتجّار الموت أولئك أيضاً الذين يعبئون المرض في زجاجات الدواء، والفيروسات بحقن المضادات الحيوية، فكل شيء ممكن في عالم لم يعترف أبداً بأحكام الضمير والإنسانية، فمن جعل إذن الآلاف من البشر حقل تجارب سابقة للجمرة الخبيثة وجنون البقر وإنفلونزا الطيور والخنازير، وسارس؟ من أين جاءت هذه الأمراض وكيف ذهبت على عجل، وفي غفلة من الناس والمجتمعات؟

وهناك تجار الأفكار، الذين يصدِّرون الأفكار الجاهزة، الأشبه بعلب التونا، أفكاراً شرسة حقاً، تبعث المرض أيضاً في العقول وتصيب الشعوب في مقتل بالغ.

بعد كل هذا الذي نعرف، وذاك الذي لا نعرف، نسأل أنفسنا بالفطرة وحسن النية، هل حقاً هكذا هو العالم، أم أننا مفطورون على التشاؤم والسوداوية، لقد أتحفنا العالم المتقدم بالإنترنت، ومواقع التعارف البريئة، الفيسبوك وتويتر وانستغرام وغيرها، كي نعيد اكتشاف أنفسنا وقدرتنا على الحب والمحبة والرضا.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية