مجلات الجماعات الإسلامية عبر 9 عقود.. كيف ارتبطت بالدعاية السياسية لحركات الإسلام السياسي؟

مجلات الجماعات الإسلامية عبر 9 عقود.. كيف ارتبطت بالدعاية السياسية لحركات الإسلام السياسي؟

مجلات الجماعات الإسلامية عبر 9 عقود.. كيف ارتبطت بالدعاية السياسية لحركات الإسلام السياسي؟


11/01/2024

أثارت مجلة "دابق" الصادرة عن تنظيم داعش اهتماماً واسعاً عند الباحثين والمراقبين، ولفتت تصاميمها المتقنة وخطابها الدعائيّ انتباههم، حتى ظنّ كثيرون أنّها كانت بدعة غير مسبوقة، لكن، في الواقع؛ إنّ هذا الارتباط بين وسائل الإعلام، المجلّات والصحف تحديداً، وبين حركات الإسلام السياسي، بمختلف تياراتها، ودعايتها السياسية، يعود إلى زمن أسبق من ذلك بكثير، فلنتعرف على القصّة من البداية.
البداية.. جريدة الإخوان المسلمين
تأسست جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928، وقد عرّفت نفسها، منذ الانطلاق، باعتبارها حركة دعوية، وفي عصر كانت الصحافة في مصر تشهد نهضة ورواجاً واسعاً، كان لا بدّ للجماعة من الاتجاه نحو إصدار مجلتها الخاصّة بها، لتكون ناطقة بلسان حالها، ووسيلة للتعبير عن مواقفها وتوجّهاتها.

اقرأ أيضاً: كيف استغل الإخوان المسلمون سلاح الإعلام لتمرير أفكارهم؟
وفي تاريخ 15 حزيران (يونيو) عام 1933؛ صدر العدد الأول من مجلّة "جريدة الإخوان المسلمين"، أوّل مجلّة خاصّة بالجماعة، عرّفت نفسها بأنّها "جريدة أسبوعية، إسلامية، جامعة، تصدرها جمعية الإخوان المسلمين بالقاهرة، ويحرّرها عدد من أعضائها". ترأس تحرير المجلّة الشيخ "طنطاوي جوهري" (1870-1940)، أما إدارة التحرير فعُهد بها إلى الشيخ "محبّ الدين الخطيب" (1886-1969)، وأمّا مرشد الجماعة، حسن البنّا، فتولّى تحرير القسم الديني فيها، وساهم أعضاء في الجماعة بالمجلّة، بشكل أساسي، ومن بينهم عدد من الأزاهرة.

الشيخ طنطاوي جوهري رئيس تحرير مجلة جماعة الإخوان الأولى

انصبّ تركيز المجلة على القضايا الدعوية والشرعية، من الدعوة إلى الالتزام بالفضائل، إلى الحديث عن مزايا الشريعة، وكانت المجلّة تتضمن؛ قسماً أدبياً، وقسماً تاريخياً يتناول سيرة السلف وأمجاد المسلمين الماضية، إضافة إلى احتوائها على فقرة خُصِّصت للحديث عن فوائد علمية وصحيّة، ونجد في العدد الأول من المجلة، ضمن هذه الفقرة حديثاً، ونصائحَ للفلاحين، وهو ما يشي بحرص الجماعة للوصول إلى أكبر قدر ممكن من القرّاء؛ سعياً لتوسيع قاعدتها، وفي الأعداد المتأخّرة من المجلّة؛ كانت الافتتاحيّة تبدأ بالعنوان "عقيدتنا"، وتكتب تحته معتقدات الجماعة السبعة الأساسية؛ "أعتقد أنّ الأمر كلّه لله.. أعتقد أنّ من واجب المسلم إحياء مجد الإسلام، ...إلخ".

اقرأ أيضاً: وسائل الإعلام في قطر والتضليل
أما القسم الديني؛ الذي كان يقوم بكتابته حسن البنّا، فهو متعلّق بعلوم الدين؛ من تفسير، وعقائد، وفقه، وتصوّف، وأخلاق، وتضمّن القسم فقرة بعنوان "عِظة منبرية"، إضافة إلى الفتاوى، ووفق ما ذكره البنا في تقديمه وتعريفه بهذا القسم؛ فإنّه قد عزم على أن يستخدم فيه أسلوباً مبتكراً وجديداً في الكتابة الشرعية، يختلف عن الأسلوب الشرعي التقليدي؛ حيث يكون مواكباً لأسلوب الكتابة في العصر، ويصل إلى أكبر شريحة من الناس.
وكان البنّا قد نشر عدداً من المقالات الدينية الأكثر شهرة له في هذه المجلة، مثل: "دعوتنا"، و"إلى أيّ شيء ندعو الناس؟"، وغيرها من المقالات التي تحدث فيها عن أسس دعوة الجماعة، مما جُمع ونُشر لاحقاً في كتاب بعنوان: "رسائل الإمام الشهيد".
توالت أعداد المجلة في الصدور، وفي شباط (فبراير) 1938؛ تولّى رئاسة تحريرها "محمد الشافعي"، الذي انحرف بها عن وجهة الجماعة، وجعلها مجلة إسلامية مستقلة غير معبّرة عن الجماعة، إلى أن توقف صدورها تماماً، وكان العدد الأخير منها، العدد رقم (68)، بتاريخ 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 1938.

ترويسة المجلة.. نقلاً عن موقع موسوعة الإخوان المسلمين

"النذير".. نبرة جديدة في الخطاب
وبعد انحراف وخروج جريدة "الإخوان المسلمين" عن وجهة الجماعة ودعوتها، بادرت الجماعة لتأسيس مجلة أخرى، كانت مجلّة "النذير"، والتي صدر العدد الأول منها بتاريخ 30 أيار (مايو) 1938، وعرّفت المجلة نفسها بأنّها: "سياسية، إسلامية، أسبوعية، لسان حال الإخوان المسلمين"، وكان "محمود أبو زيد" هو صاحب امتيازها ورئيس تحريرها، أما مدير التحرير فهو صالح العشماوي (1910-1983).

أظهرت مجلة "النذير" حماس الشباب الإسلامي المتطلع للثورة والرافض لمظاهر الفساد المتزايدة في العهد الملكي

اهتمت مجلّة "النذير"، بشكل متزايد، بالجوانب السياسية والاجتماعية، على حساب الجانب الديني، وقد كتب فيها البنا أكثر من ثمانين مقالاً، وظهر في هذه المجلة حماس الشباب الإسلامي المتطلع للثورة، والرافض لمظاهر الفساد المتزايدة في المرحلة المتأخرة من العهد الملكي.
وكان البنّا قد كتب مقالاً في العدد الأول من المجلة بعنوان: "خطوتنا القادمة؛ الدعوة الخاصة بعد الدعوة العامة، أيّها الإخوان تجهّزوا"، تحدّث فيه عن دخول الجماعة مرحلة جديدة، تتمثل في دعوة المسؤولين للسير بالبلاد في طريق الإسلام وحكم الشريعة.
أما مقال العشماوي الافتتاحي، فبدأ بـــ "بسم الله الواحد القهّار القويّ المتين العزيز الجبّار.."، إلى قوله: "وباسم الشباب الثائر، المتقد حماسة، والمشتعل ناراً، المتحفز للوثوب، والمتعطش للجهاد والفداء في سبيل الله ورسوله وفي سبيل الإسلام ودستوره…، نقدّم اليوم إلى القراء صحيفتنا "النذير"؛ لتنذر قوماً نسوا الله فأنساهم، وضلّوا سبيله فارتدوا فاسقين…"، وهو ما يعبّر عن التوجه والنبرة الجديدة "الناريّة"، التي تبنتها الجماعة في هذه المرحلة وتجلّت في هذه المجلّة.

اقرأ أيضاً: داعش يتراجع إعلامياً.. هذه هي الأسباب
وبعد وقوع أزمة تلقي الشيخ البنّا مبلغ خمسمئة جنيه من شركة قناة السويس، عام 1939، واعتراض عدد من أعضاء الجماعة، وهو ما تطوّر إلى حدوث انشقاق داخل الجماعة، وتأسيس حركة منشقّة باسم "جماعة شباب محمد"، استولت الجماعة الجديدة المنشقّة على هذه المجلة، وبذلك خرجت أيضاً عن سيطرة الجماعة، وتزايد التوجّه الثوري فيها، لتتوقف "النذير" بشكل نهائي لاحقاً، في 8 كانون الثاني (يناير) 1940، بعد اندلاع الحرب العالمية، وإعلان الأحكام العرفية.

ترويسة العدد الثاني من مجلة النذير عن موقع موسوعة الإخوان المسلمين

عودة النشاط.. بعد تفاهم مع "الوفد"
بعد انشقاق جماعة "شباب محمد"، أصدرت الجماعة مجلة جديدة باسم "التعارف"، وصدر العدد الأول منها بتاريخ 2 آذار (مارس) 1940، وجمعت هذه المجلة بين الجوانب الشرعية والسياسية والاجتماعية، بصورة أكثر توازناً، وحاولت تقديم خطاب أقل حدّة مما كان في "النذير"، إلّا أنّ اندلاع الحرب العالمية الثانية، وإعلان الأحكام العُرفية في البلاد، تبعه تضييق على الصحافة، وكان مصير المجلّة المصادرة والتوقف، وصدر العدد الأخير منها بتاريخ 7 أيلول (سبتمبر) 1940.

اقرأ أيضاً: منصات قطر الإعلامية: صناعة الأكاذيب
وبعد توقف استمرّ لعامين؛ سمحت حكومة الوفد للجماعة بإصدار مجلّة، وذلك بعد تنازل البنّا عن الترشّح لانتخابات عام 1942، وهنا أصدرت الجماعة مجلة باسم "الإخوان المسلمون"، صدر عددها الأول بتاريخ 29 آب (أغسطس) 1942، واستمرّ صدورها أكثر من ستة أعوام، حتى 4 كانون الأول (ديسمبر) 1948، عندما صدر قرار حلّ الجماعة، وتمت مصادرة جميع ممتلكاتها، وذلك في عهد وزارة النقراشي باشا.
وقد عرّفت هذه المجلة نفسها بأنّها: "مجلة إسلامية اجتماعية، يصدرها المركز العام للإخوان المسلمين"، وكانت تصدر تحت شعار الإخوان: "دعوة الحق، والقوة، والحرية"، ونشر البنّا في هذه المجلة أكثر من مئة مقال في مختلف القضايا الشرعية والاجتماعية والسياسية، وكان ينشر فيها سلسلة مقالات تحت عنوان "من أهداف الدعوة"، يبيّن فيها رؤية الإخوان في الإصلاح، ومعالم دعوتهم.
"الدعوة" مجلة كلّ الفئات
وبعد خروج الإخوان من المعتقلات، قام صالح العشماوي، الوكيل العام للجماعة آنذاك، بالإشراف على مهمة إصدار مجلة جديدة للجماعة، وفي 30 كانون الثاني (يناير) عام 1951، صدر العدد الأول من مجلة "الدعوة"، التي ستصبح أشهر مجلّات الجماعة.
وباستعراض أعداد من المجلة صدرت في فترة السبعينيات، يوفّرها أرشيف موقع "تراث الإخوان" على شبكة الإنترنت؛ نجد أنّ المجلة قد تضمنت مقالات وفقرات متنوعة؛ فهناك المقالات الفقهية والشرعية، وهناك المقالات ذات الصلة بالأحداث السياسية، ونجد ضمن الفقرات فقرة خاصة بـ "أخبار الشباب والجامعات"، وهو ما يعكس التوجّه السائد عند الجماعة آنذاك، نحو بناء قاعدة طلابية لها، كما نجد فقرة أخرى بعنوان "نحو بيت مسلم"، تعكس تصوّر الجماعة عن إصلاح المجتمع والافتراض بأن ذلك يبدأ من إصلاح الأسرة، عبر بناء لَبِنَة الأسرة المسلمة، ونجد من ضمن التوجيهات في هذه الفقرة، في أحد الأعداد مثلاً، تحذيراً للأسرة من مشاهدة برامج تلفزيونية معينة، توصف بـ"الخلاعة والفجور"، وضمن هذا الإطار أيضاً، يطالعنا  في عدد صادر عام 1978 إصدار العدد الأول من سلسلة خاصة بالأطفال باسم "أشبال الدعوة"، باعتبار أنها تأتي كمحاولة للمساهمة في إعداد النشء المسلم.

اقرأ أيضاً: إعلاميون في مؤسسات إخوانية يفضحون خفايا التنظيم
وكان عمر التلمساني (1904-1984) هو مدير المجلة، وصالح العشماوي هو رئيس التحرير، وكان التلمساني يكتب افتتاحية العدد، ومن عناوين مقالاته في هذه الفترة: "يا حكام المسلمين.. انصروا الله ينصركم"، وعنوان لمقال آخر: "بعض ما وعينا عن إمامنا الشهيد"، وآخر: "وجود الإخوان المسلمين واجب ديني"، وهو ما يعطينا فكرة عن مدى توظيف المجلة كوسيلة دعاية سياسية للجماعة.

شعار وترويسة مجلة الدعوة للعدد الصادر في شباط 1981

تضمّنت الدعوة فقرات متنوعة عديدة، نجد منها؛ فقرة بعنوان "طريق الدعوة"، توجّه نصائح دعوية للقرّاء، وفقرة مخصصة لمتابعة الأخبار، مع التركيز الكامل على أخبار الحركات الإسلامية حول العالم، وهناك فقرة بعنوان "أعلام الإسلام"، وفقرة "قطوف الحِكمة"، التي تقدّم الحِكَم للقراء، وفقرة باسم "الإخوان المسلمون في صفحات الأمس"، مخصصة لعرض تاريخ جماعة الإخوان المسلمين، كما تضمّنت المجلة قسماً خاصاً بالفتاوى، وقسماً لبريد القرّاء، إضافة إلى نشر إعلانات تجارية، أغلبها لمنتجات استهلاكية منزلية.

اقرأ أيضاً: روحاني يكشف حقيقة الإعلام الإيراني
أما بالنظر للمقالات ومواضيعها؛ فنجدها تركّز على الدعوة، والمطالبة بتحكيم الشريعة، واتّباع طريق الإسلام في شتى مناحي الحياة، ويتجه المنحى العام للخطاب في المجلة نحو التركيز على انتقاد مظاهر الفجور والمعاصي والتغريب، وفق ما يَرد من أوصاف فيها، وهو ما يمكن فهمه على أنّه يكرّس حالة من التوتر الفكري والهوياتي داخل المجتمع، عبر تقسيمه إلى معسكر إسلامي وآخر علمانيّ منحلّ أخلاقياً ودينياً.

اقرأ أيضاً: لماذا رغب الإعلام القطري والإخواني في نشوب أزمة بين تونس والإمارات؟
ومن الناحية السياسية؛ يبرز اهتمام المجلة البالغ بالهمّ الإسلامي العالمي؛ فالمجلة تتابع باهتمام وحرص أخبار "المجاهدين" في أفغانستان، وتحتفي ببطولاتهم ضدّ السوفييت "الملاحدة"، وكذلك تفعل مع أحداث الصدامات بين الإخوان والنظام الحاكم في سوريا، وهي تصفها أيضاً باعتبارها قتالاً بين مجاهدين مؤمنين وكُفّار، كما تتابع المجلة أخبار نجم الدين أربكان وحزب الرفاه في تركيا، ومواجهته للمؤسسة العسكرية، في حين أنّها لا تظهر اهتماماً بالبعد السياسي الوطني المصري، ولا تتعرض للشأن المحلّي، إلّا في ما يخصّ شؤون الجماعة.

صورة الغلاف في عدد شباط 1981 تعبير عن نصرة الإخوان للمجاهدين بسوريا

كتب في مجلة "الدعوة" عدد من كبار الأسماء في حركة الإخوان المسلمين، خلال مرحلة الستينيات والسبعينيات، مثل: سيد سابق، ومحمد الغزالي، وسيد قطب، ومحبّ الدين الخطيب، وعبد الحكيم عابدين.
وانتهت مجلة "الدعوة" في أواخر العهد الساداتي، بعد تأزّم العلاقة بين الرئيس السادات والجماعة، وصدر آخر عدد منها في آب (أغسطس) 1981.
"لواء الإسلام": متابعة لأخبار الجماعات الإسلامية حيثما وجدت
وفي فترة الثمانينيات؛ برز اسم مجلة أخرى للجماعة؛ وهي مجلة "لواء الإسلام"، والتي كانت قد بدأت بالصدور عام 1947، وكان مؤسسها أحمد حمزة، ورفعت شعار "الجماعة صوت الحقّ، والقوة، والحرية". ونشرت المجلة لأسماء بارزة كحسن البنا، ومصطفى مشهور.
ومن ناحية الخطاب؛ فهو تقريباً مطابق لما هو عليه في "الدعوة"، مع ميل أكبر للسياسة، ويلاحظ في الأعداد الصادرة خلال السبعينيات والثمانينيات، احتفاء المجلة بـ "الثورة الإسلامية" في إيران، واحتفاء بـ "الصحوة الإسلامية" ومباركتها، واعتبار أنّ الثورة الإسلامية هي أساس انطلاق هذه الصحوة.

اقرأ أيضاً: الإمارات وتونس: إعلام الجزيرة والإخوان يحاول صناعة أزمة من لا شيء
في العدد الصادر في تموز (يوليو) عام 1989؛ تعرض المجلة متابعة مفصّلة لانتخابات مجلس الشعب، وهي تعتبرها غير نزيهة، مع تأييد قاطع لموقف الجماعة.
ونجدها كذلك مناصرة لأربكان في تركيا، ولـ "المجاهدين" في أفغانستان، مع وصفها النظام الأفغاني الموالي للسوفييت بـ "الملحد"، ما يُفصح عن تصور ديني للسياسة يقوم على ثنائية الكفر والإيمان، دون أيّ تعاطٍ من منظور العلاقات الدولية، كما نجد في المجلة اهتماماً وتفاعلاً كبيراً مع أحداث الانتفاضة الفلسطينية الأولى، مع التأكيد على وصفها بـ "الإسلامية".

غلاف مجلة "لواء الإسلام" للعدد الصادر في كانون الأول 1989

"الراية": تحليل سياسي في فلك المؤامرة
منذ تأسيسه، عام 1953، في القدس؛ بادر حزب التحرير إلى إصدار النشرات والمطبوعات، في محاولة لنشر أفكار دعوته، وكانت أولى الجرائد التي أصدرها الحزب؛ جريدة "الراية"، التي صدر العدد الأول منها في تموز (يوليو) 1954.
وما تزال الراية تصدر حتى اليوم، وبإلقاء نظرة إلى العناوين المتضمنة في أعدادها الأخيرة؛ تُلاحظ سيطرة التوجه السياسي عليها؛ فهي تنشر مقالات توصف بأنها "تحليلية" لقادة الحزب ومسؤوليه في مختلف الدول (الولايات بحسب تعبير الحزب)، ومنهم "أمير الحزب" عطا أبو رشتة، ويتمحور محتوى المقالات حول اتهام أنظمة الحكم العربية بالعمالة والتبعية، ودعوة الشعوب للتسمك بالخيار الإسلامي، ومشروع الخلافة.
طلاب جامعيون يحاولون إعادة صياغة "وعي" الأمّة
لكنّ مجلة الحزب، التي اشتهرت على نحو واسع خلال العقدين الأخيرين؛ هي مجلة "الوعي"، التي تعرّف نفسها بأنها: "جامعية، فكرية، ثقافية، تصدر كُلّ شهر عن ثلّة من الشباب الجامعي المسلم في لبنان بترخيص عن وزارة الإعلام اللبنانية، بتاريخ 15 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1989". ويأتي اسمها "الوعي" من اهتمام الحزب بمحاولة نشر وعي جديد وإحداث تغيير على مستوى العقائد والأفكار عند الشعوب المسلمة.

اقرأ أيضاً: الإرهاب والإعلام العربي.. معضلة المواجهة
ويعود تاريخ صدور العدد الأول منها إلى شهر أيلول (سبتمبر) عام 1987، وهي تعلن عن أهدافها بأنها: "خدمة الفكر الإسلامي، وبثّ الوعي، ونشر الثقافة الإسلامية، والكشف عن كنوز حضارتنا الزاهرة، وبيان ما فيها من خير لنا وللإنسانية جمعاء، والتصدّي لافتراءات ومزاعم أعداء الإسلام، وتزويد الجيل الإسلامي الجديد من الشباب المثقف بخير زاد الفكر والعلم".
تبدأ أعداد المجلة بفقرة افتتاحية بعنوان "كلمة الوعي، وفي العدد (385) (10/2018)، نجدها بعنوان "الثبات على المبدأ"، تتحدث عن صراع حضاري بين "الغرب الرأسمالي" والإسلام، وتدعو للثبات على مبدأ الخلافة وحكم الإسلام.

اقرأ أيضاً: دور الإعلام الإيراني في نشر الفوضى ودعم الإرهاب
كما تصدّرت مقالات أخرى بعناوين مثل: "نماذج عوجاء لأنظمة عرجاء لتضليل المسلمين"، الذي يهاجم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وجماعة الإخوان المسلمين، وتنظيم "داعش"، ويعدّها جميعاً نماذج لتشويه الحكم الإسلامي.
وفي العدد (386) (11/2018) جاءت كلمة الوعي بعنوان "حروب الغرب في بلاد المسلمين هي صراع حضارات، النصر فيها للإسلام، والهزيمة لحضارة الغرب الفاشلة"، واحتوى على مقالات بعناوين: "مكر أو انهيار تركيا"، و"أهل الذمة: رعايا كسائر المسلمين وليسوا أقلية".

غلاف العدد (386) من مجلة "الوعي" وصورة تعبيرية للمقال الافتتاحي

وفي العدد (387) (12/2018)؛ جاءت كلمة "الوعي" الافتتاحية بعنوان "الرأسمالية تحتضر.. هل من بديل؟"، واحتوت على مقالات بعناوين مثل: "النظام الرئاسي في تركيا بقيادة أردوغان نظام كفر"، و"الأمن الغذائي في ظلّ دولة الخلافة".
وتتضمن المجلة فقرات ثابتة، مثل: أخبار المسلمين في العالم، وفقرة "مع القرآن الكريم"، التي تعرض مقتطفات من كتاب "التيسير في أصول التفسير لعطا خليل أبو رشتة، وفقرة بعنوان "فبهداهم اقتده"، تعرض لسير شخصيات وأعلام من التاريخ الإسلامي.
في العموم؛ تتمحور مضامين مقالات وفقرات الوعي حول حديث وتناول اختزاليّ للعالم، ولكل ما هو غربي بالتحديد، وما يسمونه بـ "النظام الرأسمالي"، الذي يتم اعتباره بأنّه نظام حاكم للعالم، وأنّه نظام فاشل، وهو لا محالة ماضٍ إلى زوال، مع التبشير بقرب قيام نظام "الخلافة"، النظام الإسلامي.

اقرأ أيضاً: المشاهد العربي يطوي مرحلة "الغفلة الإعلامية" لقناة الجزيرة
ويطغى على المجلة هوس بالمؤامرات، وهجوم دائم على الحكّام العرب، إضافة إلى مهاجمة حركات الإسلام السياسي التي توصف بالاعتدال، واعتبار أنها حركات تحريفية حادت عن الجادّة، في مقابل الثبات على المبادئ الذي يتصّف به حزب التحرير.

 

دابق: إبهار تصميمي.. ورسائل إلى "الذئاب المنفردة"
أطلق تنظيم داعش في العراق، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2006؛ مؤسسة إعلامية باسم "مؤسسة الفرقان للإنتاج الإعلامي"، تولّت مهمة إنتاج النشرات والملصقات ومقاطع الفيديو الدعائية، وبعد تأسيس تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، عام 2013، وإعلان قيام "الخلافة" عام 2014، انبثق عن مؤسسة الفرقان مركز إعلامي باسم "مركز الحياة"، تخصص في إنتاج المواد الدعائيّة باللغات الأجنبية، وفي تموز (يوليو) 2014؛ أطلق المركز مجلة ناطقة باللغتين؛ العربية والإنجليزية، حملت اسم "دابق"، وأتى اسم المجلة من اسم قرية "دابق" السورية، التي يرد ذكرها في كتب الفتن والملاحم على أنها الموقع الذي سيشهد المعركة الملحمية النهائية بين الكُفّار الروم والمسلمين.
نشر التنظيم مجلّته هذه عبر "الإنترنت العميق" (Deep Web)، كما تمّ بيع الأعداد الأولى منها عبر موقع بيع الكتب "أمازون"، وقد وصفت على الموقع بأنّها: "مجلة دورية تركّز على مسائل التوحيد، والمنهج، والهجرة، والجهاد، والجماعة"، قبل أن يقوم الموقع بإيقاف بيعها، في حزيران (يونيو) عام 2015.

غلاف الإصدار الأول من مجلة "دابق".. حمل عنوان "عودة الخلافة"

قبل إصدار المجلة؛ كان التنظيم قد أصدر ثلاثة أعداد من سلسلة بعنوان "تقارير أخبار الدولة الإسلامية"، وجاء في افتتاحية العدد الأول من المجلة: "بعد مراجعة بعض التعليقات على الأعداد الأولى من التقارير الإخبارية للدولة الإسلامية، قرر مركز الحياة للإعلام تركيز جهوده على مجلة دورية، تركّز على موضوعات التوحيد، والمنهج، والجهاد، والجماعة، وسوف تضمّ أيضاً تقارير مصوّرة، وأحداثاً جارية، ومقالات معلوماتية عن أمور لها علاقة بالدولة الإسلامية".

نشر تنظيم داعش مجلة "دابق" عبر الإنترنت العميق وباع أعداداً منها عبر موقع "أمازون"

وتبدأ جميع أعداد المجلة بمقولة أبي مصعب الزرقاوي: "وها هي الشرارة قد انقدحت في العراق، وسيتعاظم غُبارها بإذن الله، حتى تحرق جيوش الصليب في دابق"، ثم تأتي مقالة افتتاحية، عبارة عن مقال قصير يتناول فكرة معينة، ويكون عادةً متعلقاً بأحداث راهنة، وباستعراض عدد من الافتتاحيات نجد مثلاً، في العدد الأول، تعريفاً بالمجلّة، وفي العدد الثاني حديثاً عن التزامات عناصر التنظيم الموجودين في كلّ مكان من العالم، وفي العدد الرابع تتناول الكلمة حملات التحالف الدولي ضدّ التنظيم، وفي العدد السابع تحدثت عن الرهائن اليابانيين الذين تم ذبحهم، وفي العدد العاشر تمتدح هجوم ليون الإرهابي.
أما فيما يتعلّق بالمقالات؛ فنجد من أبرز المقالات وأكثرها لفتاً للانتباه وإثارة للجدل؛ مقالاً في العدد الخامس بعنوان "إحياء الرقّ قبل قيام الساعة"، قدّم تأصيلاً شرعياً لاسترقاق طائفة الإيزيديين، مستدلاً بالحديث "أن تلد الأمة ربّتها"، وفي العدد الثالث عشر؛ نجد مقالاً يُهدر دماء علماء السعودية لتبريرهم إعدام عدد من "الجهاديين"، مع نشر لائحة بأسماء المهددين بالقتل منهم، ودعوة الذئاب المنفردة لقتلهم.

نشرت المجلة صور منفذي هجمات بروكسل في آذار 2016 وأسمتهم "الفرسان"

كما تضمّنت أعداد المجلة تقارير تتناول الأحداث والأخبار المتعلّقة بالتنظيم، وتتابع المعارك التي يخوضها على الأرض، إضافة إلى إظهار تفاصيل الحياة داخل الأراضي التي يحكمها، مثل: خبر حرق كميات من المخدّرات والسجائر، ومشروع الدينار الذهبي، واحتفالات الأهالي بانتصارات التنظيم وتوسّعاته، ومن الفقرات الثابتة في المجلة؛ فقرة "أقوال الأعداء"، التي تحاول إثبات التأثير في الخصم.
لقد ركّزت مقالات المجلة، عموماً، على التأصيل الشرعي لفكرة الإمامة وضرورة إقامة الخلافة، مع محاولة إثبات أن التنظيم هو الذي يمثل هذه الإمامة المنصوص عليها في النصوص الشرعية، وإثبات أنّ منهج الدولة هو المنهج الصحيح، بينما تندّد مقالات أخرى بمواقف المعادين للتنظيم، بما في ذلك قادة تنظيم القاعدة.

اقرأ أيضاً: صحافة الإرهاب .. صناعة التضليل: "النبأ" الداعشية نموذجاً
ويُلاحظ المتصفّح لأعداد المجلّة التركيز الكبير على نموذج "الذئب المنفرد"، وتوجيه الخطاب له ودعوته لتنفيذ الهجمات، وتُلاحظ، بشكل عام، سيطرة خطاب الكُره والعداء لليهود، والنصارى، والشيعة، والحركات الإسلامية الأخرى. وتُفصح "دابق" عن مدى حرص التنظيم على إحداث الإنبهار عند المتابع الغربي، ومدى الاهتمام بالإعلام عامة، وكيفية تسخيره كآلية للتجنيد وتوجيه الأتباع والأنصار.
وبعد تلقي التنظيم ضربات متتالية، عام 2016، وإخراجه من قرية "دابق"، ومقتل "أبو محمد العدناني"، المتحدث باسم التنظيم، توقّف صدور المجلة، وصدرت بعد فترة مجلّة جديدة باسم "روميّة"، وهي مجلة إلكترونية صدر العدد الأول منها بتاريخ 9 أيلول (سبتمبر) 2017، وجاء اسمها من البشارة المنسوبة للنبي، صلّى الله عليه وسلّم، بفتح المسلمين لمدينة روميّة (روما) بعد فتحهم للقسطنطينية في ملاحم آخر الزمان.
ومن ناحية المضمون والخطاب؛ لم تختلف "روميّة" عن سابقتها "دابق".

غلاف العدد الأول من "روميّة" وتظهر فيه صورة أبو محمد العدناني

إنّ الجهود الدعائيّة للحركات لم تقتصر على المجلات والصحف؛ إنما امتدت إلى مختلف الوسائل المرئية والمسموعة، بالتزامن مع ظهورها وانتشار كلّ منها، من النشرات والملصقات، إلى أشرطة الكاسيت، وبرامج التلفاز، إلى مواقع الإنترنت، وبدت علاقة الاطّراد ثابتة، بين حجم الانتشار وتطوّر الوسائل.
واليوم، مع زيادة سطوة العالم الافتراضي، تجاهد تلك الحركات بكلّ قوة للعثور على موضع في غمار التدفّق المعلوماتي اللامحدود.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية