هل تشهد أزمة التعليم بتونس انفراجاً؟

تونس

هل تشهد أزمة التعليم بتونس انفراجاً؟


10/02/2019

انتهت مساء السبت 9 شباط (فبراير) 2019، أزمة التعليم الثانوي بتونس التّي استمرّت لأشهر، وأدّت إلى إلغاء امتحانات الثلاثي الأوّل وتوقّف الدروس، وخروج التلاميذ وأوليائهم وكذلك الأساتذة، في مسيرات غضب متلاحقة، بما حوّل الخلاف إلى أزمة وطنيّة بامتياز، قبل انفراجها، وذلك بعد توصّل نقابة التعليم إلى اتّفاق مع الحكومة.

دعا السميطي التلاميذ وأولياءهم إلى الاحتجاج ضد الطرف الحكومي لأنه المعني الأول والوحيد على مستقبل أبنائهم وعلى دراستهم

ووافقت الحكومة التونسيّة على مطالب المدرّسين التي تنصّ على زيادة "منحة العودة المدرسيّة"، والتّي تُصرف بمناسبة بداية كل عام دراسي بنحو 75 بالمئة من الأجر الأساسي لكُل مدرّسٍ.
وأكّد الكاتب العام المساعد لنقابة التعليم، فخري السميطي، في تصريح لـ"حفريات"، أنّ الاتفاق، الموقّع بين الطرف الحكومي والنقابي، نصّ على مضاعفة "منحة الامتحانات"، التّي تُصرف للمعلّمين بمناسبة جهودهم في مراقبة الاختبارات وتصحيحها، واستحداث ترقية تحفيزيّة لتثمين كلّ عمل تعليمي وتربوي.

احتجاجات الطلّاب في الجنوب التونسي
وتابع السميطي أنّه تمّ قبول مبدأ التقاعد لمن قضوا 35 عام عملٍ وبلغوا من العمر 55 عاماً، مع السماح لمن لا ينطبق عليهم شرط العمل لـ35 عاماً، عند بلوغهم 55 عاماً بالانتقال للعمل خارج أقسام الدرس (عمل إداري)، فضلاً عن تمكين المعلّمين من التقاعد المبكّر لأسبابٍ صحيّةٍ.
وحسب المصدر ذاته، سيتمّ وفق نصّ الاتّفاق زيادة ميزانيات المؤسّسات التربوية بنسبة 20 بالمئة، كما سيتمّ تكوين لجانٍ للنّظر في المدارس التّي تشكو صعوباتٍ في بنيتها التحتيّة لترميمها وإعادة هيكلتها، واعتبر السميطي توقيع الاتّفاق مكسباً للمدرسة التونسيّة، وانتصارٌ نقابيٌ ضد السياسة الحكوميّة.

اقرأ أيضاً: الإمارات تدعم التعليم في اليمن.. آخر مشاريعها
وستتخلى النقابة، على ضوء هذا الاتفاق، عن الإضرابات، والاعتصامات، وحجب العلامات، على أن يعود الأساتذة للعمل لإنجاح السنة الدراسية.

بدايات الأزمة
شهد قطاع التعليم في تونس إضرابات متواصلة، انطلقت منذ ثورة 2011، بسبب خلافاتٍ بين وزارة التعليم والمدرّسين حول مطالب مهنيّة، انتهت بوقف الدروس مرات عدّة، وأعلنت الحكومة التونسية في 2015 نجاح كلّ طلاب المرحلة الابتدائية، إثر إضراب نفذه المعلّمون خلال فترة الامتحانات.

الشويخي: إنّ منظومة التعليم الحكومي المجاني أثبتت فشلها منذ التسعينيات لعدم أخذها بعين الاعتبار متطلبات الطفل

ودخلت الأزمة المتواصلة منعرجاً خطيراً خلال العام الدراسي الحالي، واتّسعت الفجوة بين وزارة التعليم، والنقابات ليدخل الطلاب وأولياؤهم على خطّ الاحتجاجات، بسبب تهديد الأزمة مستقبل العام الدراسي.
ويرى مختصّون، بينهم الخبير في البيداغوجيا الجديدة، ورئيس جمعية منتيسوري لشمال إفريقيا، فريد الشويخي، أنّ تونس دخلت مرحلة "تأزّم الأزمة" في ملف التعليم، وأنّ المدرسة الحكومية التونسية لم تعد تستوعب متطلبات الطلّاب؛ لأنها لم تعد مواكبة لتطورات العالم.
كما أكّد الشويخي في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ منظومة التعليم الحكومي المجاني "أثبتت فشلها منذ التسعينات لعدم أخذها بعين الاعتبار متطلبات الطفل، وتركيزها على التزاماتها تجاه الدولة بدل التزاماتها تجاه الطالب، الذي لجأ إلى المدارس الخاصة".
جانب من احتجاجات أولياء الطلّاب

احتجاجات المدرّسين
وقد بدأ المدرّسون، بتنفيذ وقفات احتجاجية واعتصامات منذ تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2018،  في المديريات الجهوية للتعليم، ما تسبب في تعليق الامتحانات الجزئية الأولى، ثم تعطلت الدروس حتى اليوم.
وهدّدت الجامعة العامة للتعليم الثانوي (هيكل نقابي يُعنى بالدفاع عن المدرّسين)، بإلغاء الامتحانات الجزئية الثانية، المُفترض إنجازها خلال الشهرين القادمين، إذا لم تستجب وزارة التعليم إلى مطالبهم بضرورة الترفيع في الأجور، والمنح المالية، وتفعيل اتفاقيات سابقة بخصوص الترقيات المهنية، ووضع قانون أساسي منظم لقطاع التعليم، وقد اتّهمت نقابة المدرّسين وزارة التعليم بعدم الجديّة في المفاوضات وبعرض مقترحات هزيلة.

اقرأ أيضاً: تجاربنا التعليمية وتجاربهم.. هل تصلح المقارنة؟
وازداد الأمر تعقيداً حين رفض وزير التعليم في تونس حاتم بن سالم سابقاً، الاستجابة لكافّة مطالب المدرّسين التي وصفها بالمجحفة، نظراً للوضع المالي الصعب الذي تمر به البلد، وأكّد  أن المنح التي يطالبون بها تصل كلفتها الجملية إلى 285 مليون دينار، حوالي 95 مليون دولار، وقد تصل إلى 400 مليون دينار؛ أي 120 مليون دولار.
من جهته، اعتبر المسؤول السابق عن الملفّ النقابي بمصالح الوزارة زهيّر العيدودي في حديثه لـ "حفريات"، أنّ المسؤوليّة الأكبر يتحمّلها في هذه الأزمة، الوزير لأنّه "أبعد المختصين في ملف التعليم عن الحوار، وأحاط نفسه بإداريين ليست لهم معرفةً كبيرةً بالموضوع، ولم يقدّموا حلولاً مقنعة، وهو ما أجّج غضب المدرّسين".
غضب شعبي
وخرج، منذ بداية شهر كانون الثاني (يناير) آلاف الأهالي في تجمّعات احتجاجيّة في عدة مدن بأنحاء البلاد، معبرين عن غضبهم من عدم اهتمام الأطراف النقابية والحكومية بمصالح أبنائهم، ودعت منظّمات مدافعة عن حقوق الطفل والتعليم، إلى وقفات احتجاجية بهدف الضغط على طرفي الخلاف من أجل الاتفاق، وإنقاذ العام الدراسي المعطل.

رضا الزهروني: نطالب وزارة التربية ونقابة التعليم بالتعهّد بإبعاد أبنائنا عن تجاذباتهما مستقبلاً

وطالب الأولياء خلال احتجاجاتهم بالاستئناف الفوري للدروس والامتحانات، رافعين شعارات تؤكد أن التعليم والأبناء "خط أحمر"، كما طالبوا بحقوق الطالب في الدراسة واجتياز الاختبارات، وحمّلوا مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع لوزارة التعليم والحكومة من ناحية، ولنقابة التعليم من ناحية ثانية، مطالبين بتدخل عاجل من السلطات الثلاثة لإيجاد حل سريع بعد أن بات شبح السنة البيضاء يخيم على المشهد.
وطالب رضا الزهروني، رئيس جمعية الأولياء والطلاب، في تصريحه لـ"حفريات"، بتعهد طرفي الخلاف بإبعاد أبنائهم عن تجاذباتهما مستقبلاً، وعدم تكرار ما حدث خلال الأعوام الماضية، مراعاة لمصالح أطفالهم، لافتاً إلى أنّ "كل الأطراف تحاول استغلال الملف من أجل مصالحها الانتخابية والنقابية".

احتجاجات المدرسين
هذا وأودع المئات من ضمنهم أولياء، شكايات قضائيّة لدى المحاكم التونسية، في عدد من المحافظات ضد الجامعة العامة للتعليم، بوصفهم متضررين من قرار مقاطعة الامتحانات، ومجالس الأقسام بالنسبة للثلث الأول من السنة الدراسية الحالية.
ويعتقد 89% من التونسيين أنّ بلادهم ليست في الطريق الصحيح، فيما عبر 83% منهم عن عدم رضاهم عن مسار إصلاح منظومة التعليم، حسب نتائج سبر الآراء لشهر كانون الثاني (يناير) الحالي،  لمؤسسة سيغما كونساي (مؤسّسة خاصّة تُعنى بسبر الآراء).

الطلّاب يضربون عن الدراسة للمطالبة بالامتحانات

ومنذ 21 كانون الثاني (يناير) الحالي، أوقف مئات الآلاف من الطلاب الدراسة، وخرجوا إلى الشارع، مطالبين بحقّهم في إجراء الامتحانات، وعدم استغلالهم في الصراع الحاصل بين النقابات والحكومة، وتعطلت على إثر ذلك الدروس في كل المعاهد والمؤسسات التعليميّة.
ونظّم الطلاب  مظاهرات ومسيرات، طالبوا فيها بحل الإشكال بين الوزارة وجامعة التعليم، وعدم الزجّ بهم في هذه الأزمة، كما دعوا إلى ضرورة إيجاد حلول عاجلة لهذا الإرباك الدراسي، في حين اتجه آخرون لإغلاق بعض الطرقات.

اقرأ أيضاً: أسرى فلسطينيون يتابعون تعليمهم خلف القضبان ويتحدون عتمة السجون
وفي هذا السياق، صرّح الطالب الذي يقود احتجاجات الطلّاب في محافظة سيدي بوزيد، محمد عواينية، لـ"حفريات"، أنهم يطالبون بعدم حشرهم في الصراع القائم بين وزارة العليم والمدرّسين، لافتاً إلى أنّ الأزمة أرهقتهم.
ومن الشعارات التي رفعها الطلاب خلال الاحتجاجات التي قادها عواينية، "قرارات وزارية، إجراءات نقابية، والتلميذ (الطالب) هو الضحية"، "يا تلميذ يا ضحيّة اخرج شارك في القضيّة"، "يا تلميذ يا مسكين العام مرّ في عامين".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية