هل تصلح تركيا لرعاية المفاوضات بين الصومال وصومالي لاند؟

إفريقيا

هل تصلح تركيا لرعاية المفاوضات بين الصومال وصومالي لاند؟


25/02/2019

عيّنت تركيا، في 28 كانون الأول (ديسمبر) عام 2018؛ سفيرها السابق في الصومال، الدكتور أولغان بيكار، مبعوثاً خاصاً لمحادثات الصومال وجمهورية صومالي لاند المعلنة من طرف واحد، في خطوة تشير إلى الاهتمام المتزايد لدى أنقرة بالتأثير على مجريات الأمور في المنطقة، بما فيها الخلاف العالق بين الصومال وصومالي لاند طوال العقود الثلاثة الماضية.

إنّ رهان تركيا الثقيل على الصومال، وتحديداً على مقديشو يدرّ نتائج اقتصادية مربحة لأنقرة

ومع أنّ تركيا ليست الدولة الوحيدة التي تهتم بعودة محادثات صومالي لاند والصومال إلى طاولة المفاوضات، للوصول إلى نوع من التسوية، لكنّها في هذه الخطوة تعدّ الدولة الوحيدة في العالم التي تستحدث منصباً خاصاً لديها لهذا الشأن.
وتشهد محادثات الصومال وصومالي لاند حالة من الجمود، منذ الجولة الأخيرة من المحادثات التي عُقدت في جيبوتي، في كانون الأول (ديسمبر) 2014، بين الرئيسين السابقين؛ حسن الشيخ محمود وأحمد سيلانيو، والآن أصبح للدولتين حكومتان جديدتان، دون أن تتخذ أيّ منهما خطوات جادّة للعودة إلى طاولة المفاوضات، وقد بدأت عدة محاولات للضغط على الجانبين من قبل المجتمع الدولي لاستئناف المحادثات، لكن لا شيء من هذا تحقق؛ بل واجهت سلسلة من النكسات، أبرزها مطلع العام 2018، عندما عارضت الحكومة الفيدرالية اتفاقية كل من القاعدة العسكرية وامتياز شركة موانئ دبي العالمية بين صومالي لاند ودولة الإمارات العربية المتحدة، ما أدّى إلى تعليق صومالي لاند أيّ احتمال لتجديد جولة المحادثات، كما تنامت منذ ذلك الوقت حدّة الخطابات التصعيدية المتبادلة بين الطرفين.

غياب الهيئات الدولية والقارية أفسح المجال لاستحواذ تركيا على لعب دور الوسيط بين الطرفين

وبشكل عام؛ لم تفلح عملية المفاوضات بين الطرفين سابقاً في اجتذاب اهتمام المنظمات الإقليمية والدولية، مثل؛ الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، أو الجامعة العربية، على النقيض من الأدوار التي لعبتها هذه الهيئات في الماضي في حالات مماثلة، مثل؛ محادثات السلام بين السودان وجنوب السودان، وهذا الغياب هو ما أفسح المجال لتركيا لاستحواذ لعب دور الوسيط بين الطرفين، دون أن تصل هي الأخرى إلى نتائج ملموسة.

وسيط غير نزيه
ووفق بيان صادر عن رئاسة صومالي لاند في أعقاب اجتماع الرئيس، موسى بيحي، مع المبعوث الجديد أولغان بيكار، في 9 شباط (فبراير) الجاري، أبلغ الرئيس المبعوث التركي بأنّ المحادثات السابقة التي رعتها تركيا لم تسفر عن أيّة نتائج، بضرورة أن تكون أيّة مفاوضات قادمة بين صومالي لاند والصومال تحت إشراف مباشر من المجتمع الدولي.

روبين: تركيا لا تملك سجلاً نزيهاً بما يتعلق بصومالي لاند، ولدى أردوغان أجندة أيديولوجية لا تقدّر ديمقراطية المنطقة وأمنها

وذكرت مصادر من وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي في صومالي لاند، التي حضرت الاجتماع مع الرئيس والوفد التركي؛ أنّ الرئيس بيحي أبلغ المبعوث التركي أيضاً بأنّ غياب مستوى من التوازن في الاستثمارات التركية، في كل من الصومال وصومالي لاند دليل كافٍ لاعتبار تركيا طرفاً غير محايد في الخلاف بين البلدين.

أيّة مفاوضات قادمة بين صومالي لاند والصومال يجب أن تكون تحت إشراف دولي

ويرى مايكل روبين، وهو باحث مقيم في معهد "أمريكان إنتربرايز"، في حديثه مع صحيفة "صوماللاند كرونيكل"، إلى أنّ "تركيا لا تملك سجلاً نزيهاً بما يتعلق بصومالي لاند، كما أنّ لدى الرئيس أردوغان أجندة أيديولوجية لا تقدّر ديمقراطية وأمن صومالي لاند"، ودعا روبين ضرورة إِشمال الوساطة إلى أكثر من بلد واحد.

النفوذ التركي في الصومال
تقدم تركيا نفسها في الصومال، بوصفها الراعي الرسمي للحكومة المحلية هناك؛ حيث تقدم لها الدعم في شتى المجالات، وتستوحِي تركيا نموذج خطة مارشال الأمريكية الموجهة للدول الأوروبية، عقب الحرب العالمية الثانية، بانتشال البلد من جحيم الحرب الأهلية.

اقرأ أيضاً: القرن الإفريقي والتسليح.. مخاوف من وقوع الأسلحة بأيدي حركة الشباب المتشددة
فعسكرياً؛ ومع أنّ بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال هي الجهة العسكرية الأٌقوى في الصومال، لكنّ التواجد العسكري لتركيا في الصومال يقزِّم أيّ تواجد عسكري آخر بما فيها القوات الإفريقية؛ حيث افتتحت تركيا أكبر قاعدة ومنشأة عسكرية تركية خارج تركيا في مقديشو.
وتبلغ القدرة الاستيعابية لمنشأة التدريب العسكرية التركية، التي تبلغ مساحتها 1.5 ميل مربع إلى تخريج 1500 من الجنود المدربين والمجهزين بشكل كامل في المرة الواحدة، وفي حين أنّ تركيا تحتل المرتبة الثامنة عشرة من حيث الإنفاق العسكري على مستوى العالم، وامتلاكها صناعة أسلحة ناشئة، فإنّ إعادة بناء الجيش الوطني الصومالي يمثل لها فرصة مربحة لها لتجريب المعدات التي تصنعها.

اقرأ أيضاً: القمة الإفريقية 2019: ما أبرز التحديات التي تواجه القارة السمراء؟
ومن ناحية الاستثمارات؛ تستحوذ مجموعة البيرق (Albayrak Group)، منذ تاريخ 21 كانون الأول (سبتمبر) 2014، في تشغيل ميناء مقديشو على امتياز مدته 20 عاماً؛ حيث تأخذ الشركة 45٪ من إجمالي الإيرادات من الميناء.
وهناك أيضاً تجمعات نشطة تركية أخرى في مقديشو، مثل:(Enez-İnşaa)، و(Kozuva Group)، ويدار مطار آدم عبد الله الدولي في مقديشو، منذ أيلول (سبتمبر) عام 2013، من قبل شركة تابعة لشركة "كوزوفو" التركية، وتسمى شركة "فافري" للمطارات (Favori Airports LLC).

تركيا تكسب من الصومال أكثر مما تنفق عليه

وتحصل الشركات التركية المهيمنة في الصومال على عقود المشاريع التنموية التي تمولها الدول الأجنبية، على سبيل المثال؛ أعلن رئيس الوزراء الصومالي، حسن خير، مؤخراً، فوز شركة "أنيز – إيناسات" (Enez-İnşaat) بعقد بناء شبكات الطرق بين مقديشو وأفغوي وجوهر، وهو مشروع تموّله دولة قطر.

اقرأ أيضاً: صراع "داعش" و"الشباب" في الصومال: التنافس على ميدان الإجرام
إنّ تركيا غالباً ما تصوّر نفسها كمنقذ للصومال، لكن عملياً من الناحية الاقتصادية؛ فإنّ أنقرة تكسب من الصومال أكثر مما تنفق عليه، فعلى سبيل المثال؛ يُعد خط طريق مقديشو - أنقرة الخط الأكثر ربحية في الخطوط الجوية التركية بأكملها، وفق بعض التقديرات، وذلك لأنّ الطيران التركي هو الطيران الدولي الوحيد الذي يسير رحلات مباشرة من وإلى مقديشو.
وفي سياق متصل؛ تستضيف تركيا أكبر عدد من الطلاب الجامعيين الصوماليين، ويدرس معظمهم على برامج المنح الحكومية؛ حيث تشير بعض المصادر إلى أنّ الطلبة الصوماليين في تركيا يصلون بحدود أربعة وعشرين ألف طالب، وهو مشهد يعيد إلى الأذهان ما حصل في حقبة السبعينيات، عندما حصل آلاف الأفارقة على منح دراسية مجانية للدراسة في بلدان الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة في خضمّ الحرب الباردة بين القطبين.

اقرأ أيضاً: على خُطى تشاد.. مالي في سبيل تطبيع علاقاتها مع "إسرائيل"
إنّ رهان تركيا الثقيل على الصومال، وتحديداً على مقديشو يدرّ نتائج اقتصادية مربحة لتركيا، وعلى عكس ما هو متوقع، لا تقع أكبر سفارة لتركيا في العالم في واشنطن أو بروكسل أو برلين؛ بل تقع في مقديشو في الصومال.
وفيما يتعلق بصومالي لاند؛ هناك العديد من التعهدات التركية التي لم يتم الوفاء بها من قبل الحكومة التركية في الماضي للمساعدة في مشاريع تتعلق بالبنية التحتية، ووفق مسؤولين في حكومة صومالي لاند؛ لم تتحقق أيّاً من هذه التعهدات.

هل ستلفح الوساطة التركية؟
إلى الآن تمّ عقد سبع جولات من المحادثات بين جمهورية صومالي لاند والحكومة الفيدرالية الصومالية، وكان دور المجتمع الدولي يقتصر في هذه المحادثات على تسهيل الاجتماعات للوصول إلى تسوية معينة، وقد اجتمع وفود الطرفين، للمرة الأولى، في لندن، في شيفينينج هاوس، في حزيران (يونيو) العام 2012، لوضع إطار للحوار، وبعدها بدأت المحادثات بشكل رسمي وجهاً لوجه، في اجتماع بين الرئيسين، السيد أحمد سيلانيو وشريف الشيخ أحمد، في دبي 28 حزيران (يونيو) العام 2012، تلتها ثلاث جولات من المفاوضات في إسطنبول وأنقرة، بين عامَي 2013 و2014، قبل توقّف المحادثات بالكامل، في آخر اجتماع عُقد في جيبوتي، في 21 كانون الأول (ديسمبر) عام 2014.

اقرأ أيضاً: مشاهد من مقديشو: ارتياب وحنين غريب
ومع وصول فرماجو إلى سدة الحكم في الصومال، في شباط (فبراير) عام 2017، وفوز بيحي في الانتخابات الرئاسية في صومالي لاند، في كانون الأول (ديسمبر) من العام نفسه، أظهر كلاهما رغبة أقلّ في إعادة بدء عملية المحادثات.

البحث عن دور الوسيط في المحادثات الصومالي لاندية-الصومالية لتحديد تقرير المصير

الخلاف بين الصومال وصومالي لاند لا يختلف عن حالات النزاع السوداني وأنغولا وإندونيسيا وكولومبيا؛ فقد اقتنع المجتمع الدولي، في كلّ هذه الحالات، بضرورة إيجاد طرف ثالث محايد وملزم لمخرجات المحادثات بعد أعوام طويلة من النزاع والخلافات المسلحة، وبالتالي تمكّن المجتمع الدولي من الوصول إلى حلّ ناجح ونهائي عبر المفاوضات الملزمة للأطراف المتنازعة.

اقرأ أيضاً: هل ستكون بريطانيا أول دولة تعترف بصومالي لاند؟
وهذا بالتحديد ما تفتقر إليه تركيا، وهو ما يشير إليه وزير خارجية صومالي لاند، ياسين حاجي محمود "فرتون"؛ الذي تحدث، في الخامس من كانون الأول (ديسمبر) الماضي، في المركز الإفريقي التابع للمجلس الأطلسي؛ حيث قدّم فرتون صومالي لاند باعتبارها واحة من الاستقرار في منطقة متقلبة بشكل كبير، وسلط الضوء على أسلوب الحكم الديمقراطي في صومالي لاند، مشيراً إلى العديد من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وعلى مستوى المقاطعات التي تم تنظيمها بنجاح، منذ أن أعلنت استقلالها عن جمهورية الصومال الفيدرالية، عام 1991، كما ناقش فرتون جهود أرض الصومال للاندماج في الاقتصاد الإقليمي، خاصة شراكة بلاده مع دولة الإمارات العربية المتحدة، لتحديث ميناء بربرة وتطوير منطقة اقتصادية حرة، لجذب الشركات الصناعية، وخلق فرص عمل جديدة.

اقرأ أيضاً: هجوم نيروبي: حركة الشباب تعيد نشر الرعب في كينيا
وأعرب فرتون عن تمسك بلاده بتقرير المصير، على أن تكون برعاية دولية وملزمة للطرفين، وهو الأمر نفسه الذي كرّره الرئيس الصومالي لاندي، في زيارته لهذا الأسبوع إلى إثيوبيا؛ حيث بحث مع رئيس الوزراء الدولي لعب الاتحاد الإفريقي دور الوسيط في المحادثات الصومالي لاندية-الصومالية، لتحديد تقرير المصير.

وفي العموم؛ تبذل تركيا جهوداً كبيرة في محاولة للتوسط بين صومالي لاند والصومال، وفي الواقع؛ كانت هناك جولات عديدة من المحادثات التي استضافها الأتراك في الماضي، والتي يشرف عليها شخصياً الرئيس أردوغان بنفسه، لكن لا يبدو أنّها ستصل إلى نتائج حقيقية؛ لغياب ثقة الطرف الصومالي لاندي بحيادية الوسيط التركي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية