ما الدور الذي لعبه شارل حبيب مالك في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟

ما الدور الذي لعبه شارل حبيب مالك في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟


كاتب ومترجم جزائري
25/02/2019

ترجمة: مدني قصري


بعد فترة شباب أمضتها بين فرنسا والولايات المتحدة، شغلت كلودين سِيرْ (Claudine Serre)، وهي دبلوماسية فخرية، مناصبَ في (Quai d'Orsay)، في القطاعات السياسية والإستراتيجية والاقتصادية والثقافية التي تتعامل مع مناطق مختلفة من العالم، أو المتداولة في المنظمات الدولية التابعة لمنظومة الأمم المتحدة، وهي، فضلاً عن ذلك، حاصلة على شهادة الدكتوراه في التاريخ، وكانت كلودين سِيرْ، حتى نهاية عام 2014، المستشارة الثانية في البعثة الدائمة لفرنسا لدى اليونسكو.

الدور العربي الوحيد
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي تمّ الاحتفال بالذكرى السنوية السبعين له، في 10 كانون الأول (ديسمبر) 2018، يدين بالكثير لرئيسة لجنة الصياغة، آنا إليانور روزفلت (Eleanor Roosevelt)، السيدة الأولى السابقة للولايات المتحدة (الفترة من 1933 إلى 1945 )، والمعروفة بالتزامها لصالح المحرومين، ولِرينيه كاسان ( René Cassin )، وهانزا ميهتا (Hansa Mehta)، الشخصية البارزة في تاريخ استقلال الهند، ولكن أيضاً لرجل لعب دوراً مركزيّاً في المفاوضات، الدكتور شارل حبيب مالك، الدبلوماسي والسياسي والأكاديمي اللبناني.

اقرأ أيضاً: لماذا هاجم الجيش اليمني الأمم المتحدة؟
شارل حبيب مالك (1987 - 1906) رجل سياسي ودبلوماسي ومفكر لبناني، كان العربي الوحيد الذي شارك في صياغة وإعداد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في كانون الثاني (ديسمبر) 1948، بصفته رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، شغل منصب وزير الخارجية، بين تشرين الثاني (نوفمبر) 1956 وأيلول (سبتمبر) 1958، كما شغل منصب وزير التربية والفنون الجميلة؛ من تشرين الثاني (نوفمبر) 1956 حتى آب (أغسطس) 1957، في حكومة سامي الصلح، في عهد الرئيس كميل شمعون، ساهم في بدايات الحرب الأهلية اللبنانية في تأسيس الجبهة اللبنانية، وكان من أبرز منظريها مع الدكتور فؤاد أفرام البستاني، وقد كان الوحيد بين أقطابها الذي لا ينتمي إلى الطائفة المارونية، توفي في بيروت، في 28 كانون الأول (ديسمبر 1987 (بسبب مرض السرطان.
 آنا إليانور روزفلت (Eleanor Roosevelt)

شاب جامعي تحت صدمة ألمانيا النازية

في بادئ الأمر؛ لم تؤهّله مهنته لشغل المناصب ذات الطابع الإستراتيجي المتزايد داخل منظومة الأمم المتحدة، ولد شارل مالك عام 1906، في بيتيرام، في شمال لبنان، وهي قرية محاطة بالجبال؛ حيث كان والده طبيباً، من أبوين مسيحيين أرثوذكس عرب، وكان طالباً في مدرسة التبشير الأمريكية في طرابلس، ثم درس في الجامعة الأمريكية في بيروت، لبنان في ذلك الوقت كان يمثل مزيجاً استثنائياً من الرجال والنساء من جميع الأديان والثقافات، بما في ذلك الثقافة الفرنسية، تعلّم الشاب اللغة العربية والفرنسية والإنجليزية، وتحمس لقراءة الكتاب المقدس، كما اهتم بالرياضيات والفيزياء والفلسفة، وخاصة بفلسفة العلوم.

لدى عودته إلى الأنشطة الجامعية حصل شارل مالك على عدد كبير من الألقاب الشرفية من الجامعات الأمريكية والأجنبية

بعد أن أرسِل كطالب لجامعة هارفارد، عام 1932، ما لبث أن أثار الإعجاب بجديته، عندئذ قرّر المعلمون منح شارل مالك، منحة للسفر، فذهب إلى جامعة "فريبورغ" لدراسة الفلسفة على يد مارتن هايدجر، لكن سرعان ما تعرّض شارل مالك لاعتداء جسدي من قبل النازيين الذين اعتقدوا أنه مواطن يهودي، فعاد إلى جامعة هارفارد، متأثراً بهذه التجربة، وقد وصف لاحقاً المعلمين بالقول إنهم يبدؤُون دروسَهم بتحية نازية يُجيب عليها الطلاب من خلال مدّ أذرعهم، وبعد الانتهاء من الدكتوراه في "ميتافيزيقيات الزمن وفلسفات وايتهيد وهايدغر"، عاد إلى بيروت للتدريس في الجامعة الأمريكية.

شارل حبيب مالك (1987 - 1906) رجل سياسي ودبلوماسي ومفكر لبناني

سفير لبنان لدى الولايات المتحدة والأمم المتحدة

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية واستقلال لبنان، وبينما كانت رغبته في متابعة مسيرته الجامعية، عيّنه مسؤولون رسميون سفيراً لبلاده لدى الولايات المتحدة والأمم المتحدة، وبعد تقديم أوراق اعتماده، في 19 نيسان (إبريل) 1945، إلى الرئيس ترومان، أُرسِل على الفور إلى مؤتمر سان فرانسيسكو؛ حيث جرى التفاوض والموافقة على العقد التأسيسي للأمم المتحدة، وفاز لبنان بواحد من ثمانية عشر مقعداً في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وقد تم تقدير عمله وتثمينه، وفي وقت لاحق؛ أصبح رئيساً للمجلس الاقتصادي والاجتماعي.

مناقشات فلسفية
عام 1947؛ ركّز عملَه على لجنة حقوق الإنسان، وفي كانون الثاني (يناير) 1947؛ اجتمعت هذه اللجنة في جلسة عامة، وانتخبت بالتزكية سيدة الولايات المتحدة الأولى، آن إليانور روزفلت، ونائب الرئيس، الدكتور بنغ تشون تشانغ، وهو دبلوماسي صيني؛ والمقرر الدكتور شارل مالك، كانت المناقشات الأولى فلسفية في المقام الأول، انتقد الدكتور بنغ زملاءه، الأوروبيين والأمريكيين، لتركيزهم على ثقافاتهم الغربية الخاصة بهم، والمجمدة في مبادئ القرن التاسع عشر، وهي الفترات الرئيسة للإمبراطوريات الاستعمارية، وتبنيهم الخطاب الأبوي المتسلط، وقال الدكتور بنغ: إنّ "الإعلان العالمي يجب أن يتضمّن أيضاً أفكاراً من كونفوشيوس وسانت توماس الأكويني، وهي الأفكار التي يستند عليها شارل مالك"، وأثار هذا النقاش الفكري تبادلاً بين الرجلين في عشاء نظمته إليانور روزفلت. وكانت هذه الأخيرة تلحّ على أن يحرص الأعضاء الثمانية عشر في لجنة الصياغة التابعة للإعلان، على التعارف فيما بينهم بشكل أفضل، وأن يأخذوا في الاعتبار اختلافاتهم الثقافية.
شارل: الإنسان وفرديته قبل أيّة جماعة أو طبقة
وبسرعة كبيرة، في المناقشات التي استمرت قرابة عامين، أرادت الأنظمة الشيوعية أن تفرض في مبادئ الإعلان أولوية وهيمنة المجتمع على الإنسان، لكن إليانور روزفلت، وبدعم من شارل مالك، والفرنسي رينيه كاسان، وبعد أن استشعرت التهديدات التي من شأنها أن تثقل كاهل الحريات الفردية، سرعان ما عارضت ذلك التوجه، وقد تفاعل شارل مالك بقوة؛ حيث إنّ الإنسان، وفرديته، في رأيه، يجب أن يأتيا قبل أي جماعة أو طبقة اجتماعية، أو دين، أو عرق. بالنسبة إلى هذا اللبناني المتألق؛ فإنّ "الفكر والوعي هما أكثر عناصر الإنسان قدسية، والأكثر تعرّضاً للانتهاك، فالمجموعة يمكن أن تخطئ بقدر ما يخطئ الإنسان، وفي أيّة حال، فإنّ الإنسان هو الوحيد القادر على الحكم".

اقرأ أيضاً: هذا ما قاله رئيس بعثة الأمم المتحدة عن الحوثيين بالحديدة
وقد قالت إليانور روزفلت في إصرار: "إنّ إعلان شارل مالك ذو أهمية قصوى، لا يتعلق الأمر باستبعاد الفرد من المجتمع؛ بل الاعتراف بأن لكل إنسان في كل مجتمع، حقوق فردية يجب أن تكون محميّة".
الفرنسي رينيه كاسان

دعم إليانور روزفلت من أجل تعميم المساواة بين الجنسين في الإعلان

كما لعب الدكتور شارل مالك دوراً مركزياً في الاعتراف الكامل بالمساواة بين الجنسين؛ فمن بين ثمانية عشر عضواً في لجنة الصياغة، لم يكن هناك سوى امرأتين فقط، إلى جانب إليانور روزفلت، مثلت هانزا ميهتا، بطلة استقلال الهند والقريبة من غاندي، بلدها أيما تمثيل، ومن مناقشات إلى مناقشات، تدخلت تلك التي رفعت علَم الهند، عام 1947، وفي ذهنها مصير الفتيات والنساء في الهند. وسرعان ما فرضت نفسها في المفاوضات، أوّلاً حول النقاط المتعلقة بالتعليم، لم يكن من المقبول بتاتاً صياغة إعلان عالمي، لا يهم في الواقع، سوى بلدان غربية معينة؛ لذلك أعطيت الأولوية للتعليم الابتدائي قبل التعليم الثانوي.

اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة إذ تصوّت على حماس وليس على القضية الفلسطينية

أدّت صياغة المادتين (1) و(2) إلى مناقشات ساخنة، رفضت هانزا مهتا (Hansa Mehta) بشدة استخدام مصطلح "جميع الرجال" (all men) لتمثيل كل سكان الكوكب في المادة (1) من الإعلان، وأوضحت أنّ الإشارة إلى كلمة "رجل" سوف تُستخدم في العديد من البلدان لاستبعاد النساء من الحقوق التي ستدرج في نصّ الإعلان.
استبدال كلمة رجال بـ "كائنات بشرية"
بعد نقاشات وجلسات طويلة، وبدعم من بعض الوفود، بما في ذلك الدعم الأساسي من شارل مالك بشأن النظر في حقوق المرأة، نجحت هنزا مهتا، بعد جهود مضنية، في الحصول على استبدال كلمة "رجال" بتعبير "كائنات بشرية"، وهو التعبير المستخدم في النسخة الفرنسية، المادة (1): "يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، لقد وُهبوا العقل والوجدان، وعليهم أن يتصرّفوا تجاه بعضهم بعضاً بروح الإخاء، وتنصّ المادة (2) على الحقوق "دون تمييز من أيّ نوع، بما في ذلك العرق أو اللون أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي، وما إلى ذلك".

اقرأ أيضاً: هذه هي القرارات التي تبنّتها الأمم المتحدة لصالح فلسطين
أثارت مسألة عالمية حقوق الإنسان، العزيزة على شارل مالك، مناقشات عميقة، لا سيما بشأن مسألة احترام الحرية الفردية، مشكلة التنوع الثقافي أثارت نقاشات عديدة، بعد التبادل مع ممثلي مختلف الديانات، بدا، سيما بفضل إشعاع هذا الدبلوماسي اللبناني، وهذا الأكاديمي الأخصائي في الأديان، أن قاعدة مشتركة لحقوق الإنسان يمكن الاعتراف بها من قبل جميع الدول المعنية.
ووفق المؤرخة ماري آن غليندونر؛ فإنّ الدبلوماسي اللبناني اعتقد أنه مع مرور الوقت "سوف تسفر مبادئ الإعلان عن اتفاق ضمني يعمل بالفعل، ربما دون وعي، في أنظمة وأنماط حياة مختلف الدول، وربماـ عن وعي، تُوسع وتعزز نقاط الاتفاق"، وهذا ما حدث بالفعل.

بعد إعلان "إسرائيل" وجد شارل نفسه مشتتاً بين وطنيته العربية وقيمه المسيحية والإنسانية

انقسام واضعي الإعلان بسبب فلسطين وإسرائيل

ومع ذلك؛ ففي أيار (مايو) 1948، أدى تأسيس "دولة إسرائيل" والقضية الفلسطينية إلى تقسيم واضعي الإعلان إلى معسكرين، ووجد شارل مالك نفسه مشتتاً بين وطنيته العربية وقيمه المسيحية والإنسانية؛ فقد شارك في إعداد الإعلان الذي كان سينشره المندوبون العرب عندما دخلت الجيوش المصرية والأردنية والسورية واللبنانية فلسطين، في 15 أيار (مايو)، ومع ذلك، فقد استمر شارل مالك في الخوض في صياغة الإعلان.

ستالين يطعن في جميع النقاط 
رغم جهود إليانور روزفلت وغيرها من المتحدثين، من أجل ألا يُعطّل الوضع الدولي في الشرق الأوسط استمرارَهم في صياغة الإعلان، فقد كان هناك سبب آخر للتوتر، مع تعيين ستالين لمندوب سوفيتي جديد، أليكسي ب. بافلوف، لقد أراد الأخير الطعن في جميع النقاط التي تم الاتفاق عليها بالفعل من قبل المحررين الثمانية عشر، وخلال هجمات هذا السفير على الولايات المتحدة، وخاصة فيما يتعلق بقضية العنصرية، ورغبته في فرض وجهات نظر شيوعية بحتة، قاومت وصمدت إليانور روزفلت، وحصلت على الدعم، من رينيه كاسين وشارل مالك، ومن الكندي جون هومبرري؛ الذي لم يكن ينوي التشكيك في الإعلان عن الحريات الفردية.

رفضت هانزا مهتا بشدة استخدام مصطلح "جميع الرجال" لتمثيل كل سكان الكوكب في المادة 1 من الإعلان

في حين كان من الضروري التوصل إلى اتفاق لاعتماد الإعلان، في كانون الأول (ديسمبر) 1948، أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في باريس، كانت العلاقات بين الكتلة السوفيتية والدول الغربية في أدنى مستوى لها، وكان العالم مرّة أخرى على وشك مواجهة كبرى، وكانت الطائرات الأمريكية والبريطانية تحلق في سماء برلين، وكانت الأجواء متوترة لدرجة أنّ إليانور روزفلت كتبت أنها تخشى ألا تحصل على ثلثي الأصوات اللازمة لاعتماد الإعلان، خوفاً من رفض الدول العربية لأسباب دينية، والدول الشيوعية لأسباب سياسية.
هانزا مهيتا Hansa Mehta

الوثيقة العظمى لكلّ البشر
في 9 كانون الأول (ديسمبر) 1948، في الساعة 8:30 مساءً؛ صعد شارل مالك إلى المنبر وقدّم الإعلان إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأعلن أنّ هذا الإعلان، على عكس سابقيه، يمثل، بعالميته، حداثة، لأنه تمكّن من دمج توليفٍ لجميع التقاليد والحِكم، السائدة في آسيا وأمريكا اللاتينية والقارات الأخرى، مثل هذا الإنجاز لم يتحقق في التاريخ من قبلُ قط.

اقرأ أيضاً: فشل الأمم المتحدة في جنيف
وأشاد شارل مالك بالهند التي قدّمت مبدأ عدم التمييز، سيما إزاء النساء، وأعلن أنّ فرنسا قد منحت أناقة التحرير، ومن بعده كان هناك خمسة وثلاثون تدخلاً، بعد ذلك، أعلنت إليانور روزفلت، كرئيسة للجنة الصياغة، أنّ هذا الإعلان يمكن أن يصبح ماغنا كارتا (Magna Carta ) (أي الوثيقة العظمى) لكلّ البشر، وأن اعتماده سيصبح حدثاً مهماً، مثل إعلان حقوق الإنسان، لعام 1789 في فرنسا، ووثيقة حقوق الولايات المتحدة (United States Bill of Right ).

اقرأ أيضاً: هذه مقترحات الأمم المتحدة لحماية الفلسطينيين..

في اللحظة الأخيرة، بُذلت محاولات من قبل الدول الكاثوليكية في أمريكا اللاتينية، مثل شيلي، لإدخال "الحق في الحياة، بما في ذلك للأجنة"، أما السوفييت، من ناحيتهم، وتحت أوامر جوزيف ستالين؛ فقد أدلوا بأقوال عدوانية ضد الولايات المتحدة، لقد أدرك اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية النجاح المتزايد لجسر اللدان الغربية الجوي، ولا سيما جسر الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى، وبحدّ أقل فرنسا التي كانت طائراتها العسكرية تشارك آنذاك في الهند الصينية، لتزويد برلين وسكانها أمام الحصار السوفييتي.
دور شارل الحاسم 
كما أنّ اعتماد الإعلان لم يكن مضموناً، لقد خشيت إليانور روزفلت، من أنّ بعض الدول قد ترفضه، لكن شارل مالك لعب دوراً حاسماً، كما روى ابنه حبيب مالك، الذي أجريت مقابلة معه بمناسبة الاحتفال بالذكرى السنوية السبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في مقابلة مع صحيفة (Le Temps ) ، لقد تحرك والده، الدكتور مالك، بالفعل وراء الكواليس، في ليلة التصويت النهائي...

اقرأ أيضاً: كيف ردّ التحالف العربي على تقرير الأمم المتحدة وانتهاكات الحوثيين؟
"بالنسبة إلى أبي؛ يمكننا أن ننسب إليه المادة (18) من الإعلان العالمي بشأن موضوع حرية الديانة؛ ففي حزيران (يونيو) 1948، ففيما كان يتنقل بين نيويورك وواشنطن، سألته السيدة الأولى السابقة، إليانور روزفلت، الرئيسة الأولى للجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إن كان يسعه كتابة ديباجة الإعلان، وصياغته هي التي تم اعتمادها".
توفَّى شارل مالك، في 28 كانون الأول (ديسمبر) 1987، في بيروت

اعتماد الإعلان النهائي
وأخيراً، بعد 83 اجتماعاً، امتد بعضها لعدة أيام، أو حتى أسابيع، وبعد 170 تعديلاً، في 10 كانون الأول (ديسمبر) 1948، اعتمِد الإعلان العالمي، دون تصويت مضاد، وهو ما مثل إنجازاً دبلوماسياً، ومع امتناع ثمانية أعضاء عن التصويت: بيلاروسيا وتشيكوسلوفاكيا، وبولندا والمملكة العربية السعودية، وجنوب إفريقيا، والاتحاد السوفييتي، وأوكرانيا، ويوغوسلافيا، خصصت الجمعية العامة للأمم المتحدة حفاوة بالغة لإليانور روزفلت.
مسؤوليات مرموقة في الأمم المتحدة ولبنان بعد اعتماد الإعلان العالمي
قال شارل مالك: "لا أرى، كيف كان يمكننا، من دون وجودها، أن ننجز كل ما أنجزناه، من جانبها، لم يفت إليانور روزفلت إبداء تقديرها له، لما تميّز به تعاونهما من تشارك ملحوظ ومن الاحترام المتبادل، لقد اقترحت السيدة الأولى السابقة للولايات المتحدة أن يصبح شارل مالك، عام 1951، خلفها في رئاسة لجنة حقوق الإنسان، وهو المنصب الذي تولاه حتى عام 1953، وفي أثناء توليه هذه المهام استأنف مهامه كسفير للبنان في الولايات المتحدة من 1953 إلى 1955".

اقترحت روفلت أن يصبح شارل مالك عام 1951 خلفها برئاسة لجنة حقوق الإنسان، وهو المنصب الذي تولاه حتى 1953

في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1956؛ تم تعيين الدبلوماسي والأكاديمي في وزارة الخارجية والتعليم في لبنان، وقد حظي دوره في الأمم المتحدة باعترافٍ نهائي وجميل، حيث كان مسؤولاً في عام 1958 عن رئاسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي مهمة مرموقة قرّرتها جميع الدول الأعضاء، وفي هذه المناسبة؛ تمّ التذكير بأنّ الدكتور مالك، منذ عام 1945، قد شارك في كلّ جمعية عامة للمنظمة.
لدى عودته إلى الأنشطة الجامعية حصل شارل مالك على عدد كبير من الألقاب الشرفية من الجامعات الأمريكية والأجنبية، ومن جانبها، تم ترشيح إليانور روزفلت لجائزة نوبل للسلام، لكن فرنسا، بحسب المؤرخين الأمريكيين، رغبت في أن يتم تقاسم هذه الجائزة مع الفرنسي رينيه كاسان، وكانت لجنة نوبل قد علقت هذا الترشيح، وفي وقت لاحق، عام 1962، أعلن جون كينيدي لإليانور روزفلت أنّه أرسل رسالة إلى لجنة نوبل للسلام في أوسلو لصالحها، فأجابته أنها تعتقد أنه لن يحدث شيء.
كانت إليانور روزفلت على حقّ، وماتت في العام نفسه، دون اعتراف دولي، وأخيراً كان رينيه كاسين الوحيد الذي رشح لجائزة نوبل للسلام، عام 1968، لا الدكتور مالك الذي عمل كثيراً في الأمم المتحدة من أجل تحقيق تقارب بين الشرق والغرب، ولا هنزا مهتا، ولا بعض الأعضاء الآخرين في لجنة الصياغة حصلوا على الحق في هذا الامتياز.
توفَّى شارل مالك، في 28 كانون الأول (ديسمبر) 1987، في بيروت، تاركاً وراءه تأثيراً كبيراً على القيم التي ما تزال الأمم المتحدة تدافع عنها اليوم.
 


المصدر: lesclesdumoyenorient



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية