عن مكونات الأسرة الإنسانية الواحدة

عن مكونات الأسرة الإنسانية الواحدة


26/02/2019

عبدالحق عزوزي

في الرابع من فبراير الجاري وقّع فضيلة الإمام الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وقداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وثيقة «الأخوة الإنسانية» في العاصمة أبوظبي في ختام فعاليات لقاء الأخوة الإنسانية، عند «صرح زايد المؤسس‏»». وجاء في الوثيقة: «من خِلالِ هذه المُحادَثاتِ الأخَويَّةِ الصادِقةِ التي دارت بينَنا، وفي لقاءٍ يَملَؤُهُ الأمَلُ في غَدٍ مُشرِق لكُلِّ بني الإنسانِ، وُلِدت فكرةُ (وثيقة الأُخُوَّةِ الإنسانيَّةِ)، وجرى العَمَلُ عليها بإخلاصٍ وجديَّةٍ، لتكونَ إعلاناً مُشتَركاً عن نَوايا صالحةٍ وصادقةٍ من أجل دعوة كُلِّ مَن يَحمِلُونَ في قُلوبِهم إيماناً باللهِ وإيماناً بالأُخُوَّةِ الإنسانيَّةِ أن يَتَوحَّدُوا ويَعمَلُوا معاً من أجلِ أن تُصبِحَ هذه الوثيقةُ دليلاً للأجيالِ القادِمةِ، يَأخُذُهم إلى ثقافةِ الاحترامِ المُتبادَلِ، في جَوٍّ من إدراكِ النِّعمةِ الإلهيَّةِ الكُبرَى التي جَعلَتْ من الخلقِ جميعاً إخوةً».
هاته الوثيقة هي لوحة جميلة بليغة في عباراتها، فواحة بطيب كلمها.. ثرية في محتواها ودلالاتها.. رشيقة في عرض مقاصدها.. ذكية في تبليغ رسالتها. إنها لوحة متألقة خطها وهندس كلماتها وجمالياتها أناس يؤمنون بالأسرة الإنسانية الواحدة والبيت المجتمعي المشترك. فالبشرية اليوم وللأسف ليست على ما يُسعِدُها في أمنها واستقرارها، ولن يتغير حالُها إلى ما يرفع تحدياتها إلا بالتدافع الإيجابي بينها وتفعيل مكنونات الخير في مخزونها الوجداني من أجل عمارة الأرض وإقامة العدل وصون كرامة الإنسان وسلامة البيئة وتوفير الاستقرار والتنمية، وتحقيق تعايش بشري آمن.
لكن كيف..؟ البداية هي الحوار. مع التأكيد على أن الحوار ليس غاية بحد ذاته بل هو وسيلة حكيمة من أجل غاية عظيمة وجليلة ألا هي «التعارف». وحين يقوم التعارف بين جميع الناس دون استثناء، سينشئ مدخلاً كريماً وتربة خصبة ومناخاً حيوياً لغرس بذور غاية أعظم وأجل، ألا وهي «التفاهم». وحين تتأصل شجرة التفاهم في نفوسهم وتشمخ فروعها في آفاق حياتهم، وتأنس أرواحهم في ظلالها الوارفة.. سيبدؤون جني ثمراته، وإذاك ستكون المجتمعات قادرة على بلورة قيم ومبادئ وأخلاقيات ووسائل وضوابط سياسة راسخة، ستكون سبيلاً آمناً لمسيرة بشرية راشدة.
ويبقى السؤال ملحاً: كيف؟ وما السبيل إلى ذلك..؟
والجواب دائماً هو: الحوار.. أجل الحوار.. لكنه الحوار المحايد، المحايد دينياً والمحايد ثقافياً والمحايد سياسياً والمحايد اقتصادياً والمحايد عرقياً والمحايد جنسياً، نريد حوار الإنسان للإنسان وفق قيم محايدة بعيداً عن خصوصيات الفهم والاجتهاد والتأويل للمنطلقات الربانية الإنسانية الجامعة. لا نريد حواراً تنتصر فيه ثقافة على أخرى، بل حواراً ينتظم به التنوع البشري بكل أشكاله ومصالحه.
نريد حواراً مؤسَّساً على ثوابت الاحترام المتبادل، ترتكز منهجيته على عدم التعرض للخصوصيات الدينية والثقافية والاجتماعية، وعدم انتهاك رموزها ومقدساتها.. حواراً تحشد به طاقات وإمكانات التنوع البشري بكل انتماءاته ومضامينه ومسمياته وطموحاته من أجل التعاون والعمل الصادق لإجلال وصون:
1. قدسية قيم الإيمان بالله، ووحدة الأسرة البشرية ومصالحها المشتركة.
2. قدسية حياة الإنسان وكرامته وممتلكاته.
3. قدسية العدل والسلام وسلامة البيئة.
4. قدسية عقل الإنسان وحريته وغذائه وصحته وتعليمه.
ونفهم من خلال هذه الوثيقة، أن نظريات «صدام الحضارات» و«حرب الثقافات» نظريات خاطئة ومغرضة، تنبني على سجن الأفراد والجماعات في انتماءاتهم وهوياتهم الثقافية والحضارية، فلا يعقل أن تنمو وتتطور حضارة من الحضارات بمعزل عن الحضارات والثقافات الأخرى، فالحضارة الغربية استفادت من الحضارة العربية الإسلامية، وهذه حققت انطلاقاتها بتلاقحها وتمازجها مع الحضارات الفارسية والبيزنطية السابقة والمعاصرة لها.
فمن أسباب خلق الخلق اختلافهم، ولا يمكن الاستشهاد بهذه الرؤية المرجعية الكبرى وعدم الاتفاق حول الجوامع المشتركة، فهما عاملان لمعادلة توازنية واحدة، إذ كيف يمكن الإيمان بحقيقة الاختلاف الإنساني دون التفاهم حول الجوامع المشتركة، فالاختلاف قدر محتوم، والهدف منه هو التعارف والتآلف.
والإشكال، أخيراً، ليس في الحوار الإسلامي المسيحي أو الإسلامي اليهودي أو الإسلامي المسيحي اليهودي فحسب، إذ يقتضي الحوار مناقشة الكليات والجزئيات في الدين والسياسة والاقتصاد والثقافة والميادين الاجتماعية.

عن "الاتحاد" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية