الغرامات المالية... سياسة إسرائيلية لتعذيب الأسرى وعائلاتهم

فلسطين

الغرامات المالية... سياسة إسرائيلية لتعذيب الأسرى وعائلاتهم


11/03/2019

قوانين تعسفية وإجراءات مشددة ومجحفة تفرضها محاكم الاحتلال العسكرية على الأسرى الفلسطينيين، خاصة الأطفال منهم، بهدف الضغط على ذوي الأسرى، بعد صدور الأحكام الفعلية بحقّ أبنائهم المعتقلين داخل السجون الإسرائيلية، لتضاف إلى سنوات الاعتقال الثقيلة، ويرهق كاهل عائلات الأسرى، ويضاعف من آلامهم، ما يشكّل نوعاً من الضغط الاقتصادي والنفسي الإسرائيلي عليهم للانتقام منهم وسرقة أموالهم، في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعانيها المواطنون في الأراضي الفلسطينية.

ووفق هيئة شؤون الأسرى والمحررين؛ فقد بلغ عدد الأسرى الفلسطينيين القابعين بداخل السجون الإسرائيلية 6 آلاف أسير، من بينهم 270 أسيراً من الأطفال، و51 أسيرة فلسطينية، و450 أسيراً يواجهون الاعتقال الإداري، والذين لم تصدر بحقهم السلطات الإسرائيلية أيّة لائحة اتهام، ولم يتم تقديمهم للمحاكمات العسكرية، فيما يقضي 570 أسيراً أحكاماً بالسجن المؤبد.

 بلغ عدد الأسرى الفلسطينيين القابعين بداخل السجون الإسرائيلية 6 آلاف أسير

انتقام إسرائيلي من الأسرى وذويهم

أحمد شتية (39 عاماً)؛ والد الأسير خالد شتية، المعتقل في سجن عوفر، غرب رام الله، منذ العام 2018، يقول لـ "حفريات": إنّ "قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت نجله خالد (17 عاماً)، في شهر شباط (فبراير) الماضي، أثناء مشاركته في المسيرة الأسبوعية في قرية كفر قدوم شمال الضفة الغربية، وقامت محكمة سالم العسكرية غرب جنين بالحكم عليه بالسجن لمدة عامين، ودفع غرامة مالية تقدر بـ 7 آلاف شيكل (زهاء 1900 دولار)".

فرضت محاكم الاحتلال الإسرائيلي، أحكاماً بالسجن الفعلي بحقّ أطفال فلسطينيين في معتقل "عوفر"، إلى جانب غرامات مالية باهظة

ويضيف شتية أنّه "بعد صدور الحكم والطعن عليه رفضت محكمة الاحتلال طلب محامي العائلة بتخفيض مبلغ الغرامة المالية التي تم فرضها على ابني الأسير؛ بل هددت المحكمة بزيادة قيمتها في حال جرت المطالبة بتخفيضها، وفي حال عدم دفعها؛ فإنّ الغرامة المالية سيتم استبدالها بالسجن الفعلي بداخل المعتقلات الإسرائيلية، ليشكّل ذلك عبئاً اقتصادياً علينا، وعلى ذوي الأسرى، والذين تفرض على أبنائهم غرامات مالية باهظة من قبل المحاكم الصهيونية".

ويتابع أنّ "قيمة الغرامة المالية المفروضة على نجلي تعادل ضعف راتبي الذي أتقاضاه شهرياً من عملي في إحدى المدارس الحكومية بالقرية، مما اضطرني لاقتراض جزء من المبلغ، وجمع ما تبقَّى منه بشق الأنفس، الأمر الذي أضاف عبئاً إضافياً على كاهلي، للضغط علينا وابتزازنا مادياً والانتقام من عائلات الأسرى، للضغط على أبنائنا بعدم المشاركة في أية فعاليات أو احتجاجات مناصرة لقضيتنا الفلسطينية، وتندّد بعنصرية الاحتلال الإسرائيلي".

ولفت شتية إلى أنّ "الغرامات المالية تشكل انتقاماً واضحاً ومخططاً له من قبل السلطات الإسرائيلية، حتى لو كانت هذه العوائل ذات وضع اقتصادي جيد، فكيف الحال بالنسبة إلى العائلات التي لا تمتلك مصدر دخل ثابت، وتعيش تحت مستوى خط الفقر المدقع، كي تبقى هذه الغرامات المالية كابوساً يلاحق الأسرى وذويهم؟".

أحكام غير عادلة

الأسير المحرر، طالب خفش (23 عاماً)، من بلدة دير استيا، قضاء سلفيت، شمال الضفة الغربية المحتلة؛ اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال العام 2016، بعد محاصرة منزله بعشرات الآليات العسكرية، بدعوى إلقائه الحجارة على قوة إسرائيلية اقتحمت البلدة قبل عدة أيام من اعتقاله، وتمّ الحكم عليه بالسجن لمدة عام، ودفع غرامة مالية تقدر بـ 3 آلاف شيكل".

الأسير المحرر طالب الخفش لـ"حفريات": شاهدت مدى ظلم دولة الاحتلال العنصرية في فرض الغرامات المالية بحق الأسرى

وفي حديثه لـ "حفريات"، يقول خفش إنّ "أسباب الاعتقال لم تكن واضحة والأحكام التي صدرت بحقي غير عادلة، ولم تكن نزيهة، كحال معظم الأسرى القابعين داخل السجون الإسرائيلية، خاصة مع إجباري من قبل المحكمة العسكرية المختصة على دفع غرامة مالية باهظة؛ ليشكّل ذلك عقوبة ازدواجية بحق المعتقلين لا تقتصر على سنوات الاعتقال؛ بل تطال إرهاق وعقاب عائلات الأسرى التي تعيش أوضاعاً اقتصادية ومعيشية صعبة، لتكون العائلة بين خيارين؛ أحدهما مرّ؛ إما بقاء أبنائها داخل الأسر، أو دفع الغرامة المالية".

اقرأ أيضاً: فلسطينيون يسكنون الكهوف يصادقون الخوف ويحلمون بالشمس

واستدرك "بعد محاولات عديدة، لتخفيض أو إلغاء قيمة الغرامة المالية، من قبل محامي الدفاع، قامت المحكمة الإسرائيلية بزيادة قيمة الغرامة إلى 4 آلاف شيكل، لأشاهد مدى ظلم هذه الدولة العنصرية في فرض الغرامات المالية بحق الأسرى، ومع عدم مقدرة عائلتي على دفع وتسديد هذه الغرامة لدى المحاكم الصهيونية، تمّ استبدال قيمة الغرامة بالسجن الفعلي الإضافي، لعام ونصف آخر، داخل المعتقل، لتصبح مدة الاعتقال عامين ونصف".

جميع الأحكام العسكرية بحقّ الأسرى الأطفال؛ اقترنت بغرامات مالية بنسبة 100%

الأطفال الحلقة الأضعف

رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين، عبد الناصر فروانة، أبلغ "حفريات" بأنّ هناك نوعين من المخالفات التي تفرضها السلطات الإسرائيلية على المعتقلين داخل السجون، "النوع الأول يعرف بغرامات المخالفات، وهي غرامات غير قانونية، ولا ترتبط بوقت معين، ويدفعها الأسير بشكل يومي أو شهري، وتفرض كإجراء عقابي في حال إرجاع الأسير وجبات الطعام، وتأخره عن العدّ الصباحي، ورفض المعتقل التفتيش العاري، وتأخر الأسير في النوم أو أداء الصلاة، وأسباب أخرى عديدة، والنوع الثاني؛ هي غرامات المحاكم، التي تذهب إلى خزينة دولة الاحتلال ومؤسساتها الرسمية ومستوطنيها".

اقرأ أيضاً: لماذا لا تجد مخرجات البحوث الفلسطينية طريقها إلى صانع القرار؟

ويضيف أنّ "المحاكمات العسكرية الإسرائيلية غالباً ما تقترن بفرض غرامات مالية على الأسرى، خاصة الأطفال منهم، باعتبارهم الحلقة الأضعف داخل المعتقلات الصهيونية؛ حيث أصدرت المحاكم الإسرائيلية خلال العام 2018، غرامات مالية باهظة بحقّ الأطفال الأسرى، تقدر بـ مليون و18 ألف شيكل في معتقل عوفر فقط، وهي أرقام خطيرة تدل على ابتزاز وسرقة واستغلال الجانب الإسرائيلي لعائلات الأسرى، لتمويل المستوطنين والمحاكم والأجهزة الأمنية والحكومية الإسرائيلية".

ويتابع أنّ "جميع الأحكام العسكرية بحقّ الأسرى الأطفال؛ اقترنت بغرامات مالية بنسبة 100%، في حين أوقفت السلطة الفلسطينية المساهمة في دفع الغرامات المالية للأسرى، لعدم تشجيع الاحتلال على فرض المزيد منها بحقهم، مما اضطر الأهالي لتحمل أعباء دفع هذه الغرامات العالية، أو ترك أبنائهم بداخل المعتقلات، في حال عدم مقدرتهم على تسديدها".

ولفت فروانة إلى أنّ "الغرامات المالية لا تستثني الأسرى من النساء والأطفال والرجال، وقد صعّدت المحاكم الإسرائيلية في الفترة الأخيرة من فرض الغرامات على المعتقلين الفلسطينيين لتصل إلى ملايين الشواكل، لسرقة ونهب عوائل الأسرى تحت مسمى تطبيق القانون، الأمر الذي يدفع بمعظم العائلات لدفع هذه الغرامات حماية لمستقبل أبنائهم، في استنزاف مالي واضح للعائلات".

وحذّر فروانة من مبالغة المحاكم الإسرائيلية بفرض العقوبات على الأسرى، سواء بالحبس أو بدفع الغرامات المالية، بهدف تمويل مؤسساتها الحكومية ومصلحة السجون الإسرائيلية على حساب المعتقلين الفلسطينيين، لخطورة هذا الشكل من المحاكم العنصرية وغير الشرعية، والتي أضحت أدوات جباية قوامها الظلم والابتزاز للأسرى وذويهم".

2018 الأسوأ على الأسرى الفلسطينيين

وكشفت هيئة الأسرى والمحررين، في تقرير لها، حجم الانتهاكات التي تعرض لها الأسرى، خلال العام 2018؛ حيث وصفته بأنّه الأسوأ على الحركة الأسيرة منذ أعوام، وأنه عام العقوبات الجماعية على الأسرى، نتيجة تعرضهم لسلسلة من الإجراءات التعسفية والانقضاض على حقوقهم الإنسانية والمعيشية.

وبيّن التقرير تسجيل ما يقارب 185 عملية اقتحام ومداهمة لغرف وأقسام الأسرى، جرت خلال عام 2018، على يد وحدات قمع خاصة مدججة بوسائل القمع تابعة لإدارة السجون، وارتفعت بنسبة 26% عن العام الماضي، وما يصاحب ذلك من اعتداء على الأسرى وإذلالهم وتخريب ممتلكاتهم الشخصية والمواد الغذائية، وفرض عقوبات فردية وجماعية عليهم؛ كالحرمان من الزيارات، ومن الكنتين، ومعاقبة الأسرى في زنازين انفرادية لمدة محدودة، وفرض الغرامات المالية، بحجة البحث عن الهواتف الخلوية.

اقرأ أيضاً: هكذا تحارب المناظرات الشبابية في فلسطين التعصب وتعزز الحوار

وأشار التقرير إلى أنّه؛ خلال عام 2018، ارتفعت قائمة شهداء الحركة الأسيرة إلى 217 من الشهداء، وذلك بارتقاء 5 شهداء، وهم: الشهيد ياسين عمر السراديح (33) عاماً من مدينة أريحا، والذي استشهد بعد اعتقاله من منزله، ومن ثم الاعتداء عليه بالضرب المبرح في المناطق العلوية من الجسد، وإطلاق نار عليه بشكل مباشر من مسافة قريبة جداً دون أن يشكل خطراً على الاحتلال، وأعلن الاحتلال استشهاده بعد 4 ساعات من اعتقاله.

وهناك الشهيد الجريح محمد صبحي عنبر (46 عاماً)، من مخيم طولكرم، الذي ارتقى في مستشفى "مائير"، بعد 6 أيام من اعتقاله مصاباً بجروحه نتيجة إطلاق النار عليه من قبل جنود الاحتلال على حاجز جبارة جنوبي طولكرم، إضافة إلى الأسير الجريح؛ محمد عبد الكريم مرشود (30 عاماً)، من مخيم بلاطة شرق نابلس، الذي استشهد متأثراً بالجراح التي أصيب بها نتيجة إطلاق النار عليه من قبل المستوطنين شرق القدس.

واستشهد الأسير المقدسي عزيز موسى عويسات (53 عاماً)؛ نتيجة تعرضه إلى اعتداء همجي في سجن "إيشل" على يد الوحدات الخاصة بالهراوات، والركلات على رأسه ورقبته وبطنه، ما أدى إلى تهتّك في الرئتين ونزيف داخلي، ونتيجة الاستهتار بحياته تراجع وضعه الصحي، وأصيب بجلطة قلبية حادة، ورفض الاحتلال إطلاق سراحه بشكل مبكر، فارتقى شهيداً، وهو محكوم بالسجن لمدة 30 عاماً، أمضى منها 4 أعوام.

وأما الشهيد محمد زغلول الريماوي (24 عاماً)، من رام الله، فقد اعتقل على يد الوحدات الخاصة، ونقل إلى مستوطنة "حلميش"، واعتدوا عليه بالضرب المبرح والهمجي بالعصي وأعقاب البنادق، وبعد ساعتين من اعتقاله؛ أعلنت سلطات الاحتلال استشهاده.

عدد الأطفال المحكومين 22 طفلاً، تراوحت أحكامهم بالسجن الفعلي ما بين 31 يوماً إلى 14 شهراً

قسم الأسرى الأشبال

وأوضحت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، في تقرير صدر عنها عام 2018؛ أنه خلال شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، تم إدخال 37 أسيراً قاصراً إلى قسم الأسرى الأشبال في معتقل "عوفر"، 22 اعتقلوا من المنازل، و10 من الطرقات، وأسيران اثنان تم اعتقالهما على الحواجز العسكرية، وأسيران لعدم حيازتهما تصريح، وأسير بعد استدعائه.

اقرأ أيضاً: مهربون يخاطرون بحياتهم للحصول على الحسون من الأردن وبيعه في فلسطين

وأشارت الهيئة إلى فرض محاكم الاحتلال الإسرائيلي، أحكاماً بالسجن الفعلي بحقّ عدد من الأطفال الفلسطينيين القابعين في معتقل "عوفر"، إلى جانب غرامات مالية باهظة، وصل مجموعها إلى أكثر من 46 ألف شيكل خلال الشهر ذاته.

وبينت الهيئة في تقريرها؛ أنّ عدد الأطفال المحكومين 22 طفلاً، تراوحت أحكامهم بالسجن الفعلي ما بين 31 يوماً إلى 14 شهراً، وأضافت أنّه ما يزال هناك أسيران قاصران قيد الاعتقال الإداري.

وذكرت هيئة شؤون الأسرى والمحررين؛ أنّه من بين الأحكام بدفع تعويضات مالية كبيرة صدرت بحق الأسير محمد أبو شاهين، من سكان قلنديا، الذي حكم بالسجن مؤبدين، ودفع تعويض مالي بقيمة 3 ملايين و500 ألف شيكل، وسبق أن أصدرت محاكم الاحتلال أحكاماً مشابهة بحقّ أسرى، منهم أطفال، كالحكم بالسجن 12 عاماً على الطفل أحمد مناصرة، وغرامة مالية تقدَّر بـ 180 ألف شيكل، وشروق دويات بالحكم 16 عاماً، وغرامة مالية 80 ألف شيكل.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية