إعادة محاكمة حامي الدين تؤجج صراع الإسلاميين واليساريين بالمغرب

المغرب

إعادة محاكمة حامي الدين تؤجج صراع الإسلاميين واليساريين بالمغرب


11/03/2019

قبل الثمانينيات مثّلت الجامعة قلعة حصينة لليسار، ومجالاً لممارسة معارضته للنظام، لكن سرعان ما تغير ذلك، وظهرت فصائل إسلامية، حاولت أن تضع الحد للمد اليساري في تلك الفترة، ولتتحول الجامعة حينها إلى ساحة للاقتتال بين تيارين متعارضين.
كان الطلبة اليساريون يعتبرون الإسلاميين دخلاء على الجسم الطلابي ويحملون فكراً ظلامياً، بينما كان الإسلاميون يرون اليساريين ملحدين يتبنّون أيديولوجيا غربية، وجبَ محاربتها واستئصال جذورها من الجامعات المغربية.

اقرأ أيضاً: جماعة العدل والإحسان تلتف على القوانين المغربية لعقد اجتماعات سياسية
لكن الصراع ما لبث أن انتقل من أيديولوجي إلى مواجهات دامية بين الطرفين، لا سيما بعد تأسيس جماعة "العدل والإحسان" لجناحها الطلابي، ومثّلت حادثة مقتل بنعيسى آيت الجيد منحى بارزاً في هذه العلاقة بعد إعادة فتح ملف القضية في الساحة المغربية مؤخراً، واتهام القيادي في حزب "العدالة والتنمية"، عبد العالي حامي الدين، بالمشاركة في القتل وكان طالباً آنذاك.
 "كانوا يتسابقون فيما بينهم سعياً لقتل الكافرين وطمعاً في الجنة"

"لازلت أحفظ ملامحهم "
في العام 1991 عُثر على جثة طالب يساري يُدعى المعطي بوملي، كانت قد اختطفته عناصر تنتمي إلى تيار طلبة "العدل والإحسان"، فيما شهد العام 1993 مقتل الطالب بنعيسى آيت الجيد، بعد أن وجد نفسه محاصراً بين مجموعة من الطلبة الإسلاميين المنتمين للجماعة ذاتها.
وفي هذا السياق، كانت جريدة الصباح المغربية نشرت شهادة الخمار الحديوي، الشاهد الوحيد في قضية مقتل الطالب آيت الجيد، على يدي مجموعة مكونة من حوالي 30 طالباً إسلامياً أمام مقهى مجاور لمحطة وقود.

شهد العام 1993 مقتل الطالب بنعيسى آيت الجيد بعد أن وجد نفسه محاصراً بين مجموعة من الطلبة الإسلاميين

ذكر الحديوي في شهادته بمحكمة النقض في نهاية العام 2017، أنّهم خيّروه وزميله بين الموت ذبحاً أو رمياً بالحجر، مضيفاً أنّ الطلبة ينتمون للعدل والإحسان والتجديد الطلابي، "كانوا يتسابقون فيما بينهم سعياً لقتل الكافرين وطمعاً في الجنة"، على حد تعبيره.
وأضاف الخمار أنّ حامي الدين وضع قدمه على رقبة بن عيسى استعداداً لذبحه، "لازلت أحفظ ملامحهم، لأنّهم مارسوا عليّ الإرهاب".
وكان حامي الدين نفى، بعد تحريك القضية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، ما جاء في شهادة الخمار، رافضاً الإجابة عن عدد من أسئلة القاضي، مشيراً إلى أنّ القضاء سبق له أن بتّ في هذه القضية، "بغض النظر عن رأيه في الحكم الذي صدر في حقه سابقاً"، وكان حُكم عليه العام 1993 بالسجن عامين بعد إدانته بـ"المشاركة في مشاجرة مورس خلالها عنف أدى إلى موت".
"العدالة والتنمية" يرد
ويعتبر بعض أعضاء حزب "العدالة والتنمية"، أنّ "إعادة محاكمة حامي الدين ضرب لمبدأ أساسي في قانون المسطرة الجنائية والمواثيق الدولية مفاده أنّه لا يحاكم المتهم في نفس القضية مرتين، على حد تعبيرهم".

حُكم على حامي الدين العام 1993 بالسجن عامين بعد إدانته بـ"المشاركة بمشاجرة مورس خلالها عنف أدى إلى موت"

وانتقد عبد إله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، في تسجيل صوتي بث على صفحته في فيسبوك الأسبوع الماضي، أمينة بوعياش، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بسبب موقفها من قضية إعادة محاكمة حامي الدين في ملف آيت الجيد.
وقال الأمين العام السابق لحزب "العدالة والتنمية": "لا أتفق مع أمينة بوعياش في أن تعود لقضية معروضة أمام القضاء وتناصر المنطق الذي كان يدعو إليه حزب "الأصالة والمعاصرة"،  وهو إعادة محاكمة حامي الدين"، مضيفاً: "سيفهم الناس أنّ ما تفعله لا يناسب لا المهمة التي كلفها بها الملك، ولا يناسب المؤسسة التي تعمل فيها".

اقرأ أيضاً: ما قصة اعتكاف "العدل والإحسان" المغربية في رمضان؟
من جهته، يقول الكاتب المغربي، سعيد ناشد: "ملف آيت الجيد مفتوح منذ اللحظة الأولى، ومعركة عائلته ورفاقه بدأت قبل أن تتشكل حكومة "العدالة والتنمية"، لكن الملف خضع لمد وجزر عندما كان أحد أعضاء حزب "العدالة والتنمية" يشغل منصب وزير العدل، وذلك ما أثّر على الملف".
وتابع ناشد في حديثه مع "حفريات": "هناك عناصر تؤكد أنّ ملف آيت الجيد تم تدبيره ضد العدالة، مثل عدم الإنصات إلى الشاهد الرئيسي حينها، وطريقة التعامل مع الملف تبرز وجود لوبي نجح في اختراق بعض مؤسسات الدولة".
يعتبر بعض أعضاء "العدالة والتنمية" أنّ "إعادة المحاكمة ضرب لمبدأ أساسي في القانون

"تساؤلات حول تحريك الملف
يرى المحلل السياسي والحقوقي، المعطي منجب، أنّ "متابعة حامي الدين جاءت بسبب مواقفه المعارضة"، مشيراً، في حديثه لـ "حفريات"، إلى أنّ القضاء "أصبح تابعاً للسلطة بطريقة تامة منذ إعطاء كل السلطات للنيابة العامة، وأضحى سهلاً استعماله من طرف جهات بالدولة للاستهداف السياسي للمعارضين".

أكد الشاهد الخمار أنّ حامي الدين وضع قدمه على رقبة بن عيسى استعداداً لذبحه

ويضيف منجب أنّ "الشاهد في ملف حامي الدين كان متابعاً وسجيناً ومعتقل رأي سابقاً، لم يذكر في 2011  أبداً اسم حامي الدين، بل قال إنّه تعرف إليه في السجن ولم يره في الشجار الذي أدى إلى مقتل آيت الجيد".
وتساءل منجب: "كيف نأتي بعد 25 سنة بنفس الشاهد الذي هو متهم في الملف؟ و بالتالي ليس له حق الشهادة نظراً لأنّه شارك في الشجار وحُكم عليه بالسجن سنتين".
وفي ردّه على بعض اليساريين بالمغرب الذي يعتبرون أنّ ملف آيت الجيد مجرد ورقة سياسية للضغط على الإسلاميين، يقول ناشد: "إنّ هؤلاء اليساريين الذين يفرشون البساط الأحمر للإسلاميين، يحقدون على الأنظمة ويعتبرون أنّ الإسلام السياسي أخف من النظام، كما هو الحال في سوريا، حيث تحالف بعض اليساريين مع إسلاميين لمواجهة الشر الأكبر وهو النظام في نظرهم".

اقرأ أيضاً: حسن حنفي: لا تعارض بين اليسار والإسلام الحقيقي
واعتبر الكاتب المغربي أنّ "اعتقاد بعض اليساريين أنّ الإسلام السياسي يمكن تعديله هو فكر خاطئ ورهان مفلس"، مشيراً إلى  أنّ "المعركة مع الأنظمة هي معركة مشروعة، ولكن أن نشحن ونتحالف مع القاعدة وداعش هذا أمر غير مقبول".
إصرار على المحاسبة
وسط هذا السجال، تستمر شبيبة اليسار الموحد في المطالبة بمحاسبة المتورطين في مقتل آيت الجيد؛ يقول غسان الوازي، عضو في حزب اليسار الموحد: "إنّ حراك العام 2011 شكّل بداية توافق بين بعض اليساريين والإسلاميين، وكان جزء من اليسار وهو "النهج الديمقراطي" يدعو إلى المصالحة مع جماعة العدل الإحسان، هذا ما خلق انقساماً داخل اليسار بين مؤيد ورافض للفكرة ".

حامي الدين نفى بعد تحريك القضية في كانون الأول الماضي ما جاء في شهادة الخمار

ويضيف عضو حزب اليسار الموحد في حديثه لـ "حفريات": "بعد انسحاب العدل والإحسان من حركة 20 فبراير، استمرت العلاقة بين النهج الديمقراطي وجماعة العدل والإحسان، وأصبحت بعض مكونات اليسار تلحّ على ضرورة تواجد الجماعة في أي حراك سواء جرادة أو الريف"، مؤكداً أنّ "بعض مكونات اليسار لازالوا متشبثين بالقطيعة مع الإسلاميين، معتبرين أنّه لا يوجد مشترك بين تيارين متناقضين، وإنّ جروح الماضي لا يمكن أن تندمل بسرعة، ولا يمكن أن ننسى مقتل آيت الجيد ومعطي بوملي وعمر بن جلون" .
واعتبر الوازي أنّ لجوء الإسلاميين إلى العنف، راجع إلى "رفضهم للآخر والمنطق السائد لديهم أنّهم يمتلكون الحقيقة المطلقة".

اقرأ أيضاً: الأندلس: اليمين المتطرّف ينهي حكم اليسار
يُذكر أنّه بناءً على طلب من هيئة دفاع عبد العالي حامي الدين، القيادي بحزب "العدالة والتنمية"، المتهم بالمساهمة في قتل الطالب اليساري عيسى آيت الجيد، قرّرت هيئة المحكمة بفاس تأجيل جلسة المحاكمة إلى يوم 19 آذار (مارس) الجاري.
وتزامناً مع انعقاد الجلسة في إطار محاكمة حامي الدين، كانت عائلة آيت الجيد وأصدقاؤه نظموا وقفة احتجاجية، ورفعوا شعارات تطالب بـ"كشف الحقيقة ومعاقبة الجناة وعدم إفلاتهم من العقاب".
ضحايا الصراع بين اليساريين والإسلاميين
لم تكن قضية حامي الدين معزولة عن أحداث سابقة مماثلة، ففي العام 1975 اغتالت خلية من خلايا "الشبيبة الإسلامية" عمر بن جلون، أحد أبرز رموز اليسار المغربي، وفي شهادة للعربي العظم الذي كان مسؤولاً عن القطاع العمالي للشبيبة الإسلامية في تلك الفترة يقول، وفق ما ورد في كتاب "ذاكرة الحركة الإسلامية المغربية" لبلال التليدي: "بدأت عملية الشحن ضد اليساريين، وضد عمر بن جلون بشكل خاص، ولما تمت عملية الشحن جاءت تعليمات لتنفيذ العملية، وظلوا شهراً كاملاً يترصدون عمر بن جلون".

اقرأ أيضاً: لماذا لم ينجح اليسار في تونس رغم إخفاق الإسلاميين؟
وسقطت ضحية أخرى نتيجة الخلاف بين اليساريين والإسلاميين، العام 2014، وجاء ذلك عقب إعلان تيار "التوحيد والإصلاح" عن تنظيم ندوة في كلية الحقوق بجامعة ظهر المهراز فاس، كان سيحضرها عبد العالي حامي الدين.
ورفض طلبة اليسار، ممثلين في النهج الديمقراطي القاعدي، حضور من وصفوه أحد "قتلة" رفيقهم بنعيسى، مؤكدين أنّهم لن يسمحوا بأن تطأ أقدامه الحرم الجامعي، ما أدى إلى اشتباكات أسفرت عن مقتل الطالب عبد الرحيم حسناوي، واعتقلت السلطات المغربية العديد من المشتبه بهم.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية