احتجاجات الجزائر ومخاوف تونس... أين تلتقي؟

الجزائر وتونس

احتجاجات الجزائر ومخاوف تونس... أين تلتقي؟


17/03/2019

تبعاً لقرار الرئاسة الجزائرية، مؤخراً، بعدم ترشّح الرئيس الحالي، عبد العزيز بوتفليقة، لولاية خامسة، استجابة لمطالب الحراك الشعبي، الذي انطلق منذ 22 شباط (فبراير) 2019، تنفّست الأوساط التونسية، حكومة ومعارضة وشعباً، الصعداء، لوجود أمل في انتهاء أزمة الشقيقة الكبرى الجزائر.

القلق التونسي من الحراك الشعبي الجزائري شرعي فالجزائر قوة إقليمية كبرى، فيما تُعدّ تونس حديقتها الخلفية وعمقها الإستراتيجي

يأتي ذلك بعد حالة التوجّس التي سادت الساحة التونسية، نظراً إلى عدّة اعتبارات؛ أوّلها أنّ التعاون بين سلطتَي البلدين يعدّ أساسياً في التصدي للمجموعات المسلّحة والمتطرفة التي تنشط في المناطق الحدودية الوعرة بين البلدين، خاصة أنّ الحدود بينهما تمتدّ على أكثر من ألف كيلومتر، خوفاً من إعادة إنتاج السيناريو الليبي، الذي ما تزال تبعاته تؤرق الأجهزة الأمنيّة التونسية.
وأبدى التونسيون الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي من غير المنتمين إلى الجهات السياسية، خشيتهم من إمكانية زعزعة الاستقرار في الجزائر، التي ترتبط مع تونس بعلاقات اقتصاديّة، فضلاً عن العلاقات الأمنيّة الوثيقة، خاصة أنّ السياح الجزائريين يشكلون نسبة مهمّة من إجمالي السياح الذين يزورون تونس سنوياً.

مظاهرة مساندة لحراك الجزائر وسط تونس العاصمة
وتفاعل الناشطون بكثافة على مواقعهم مع قرار الرئاسة بعدم ترشّح بوتفليقة لولاية خامسة، انتصاراً لإرادة الشعب، واستجابة لمطالبه، لتجنيب البلد فوضى قد تنعكس سلباً على مستقبل البلدين اللذين قاوما معاً انفلات الأمن في ليبيا، وتدفّق الإرهابيين إلى حدودهما.
ويذهب بعض المحلّلين إلى أنّ القلق التونسي من الحراك الشعبي الجزائري "شرعي"؛ لأنّ الجزائر تعدّ قوة إقليمية كبرى، فيما تُعدّ تونس حديقتها الخلفية وعمقها الإستراتيجي، وهو ما أكّده الخبير الأمني والضابط السابق بالحرس الوطني، علي الزرمديني، في تصريحه لـ "حفريات".

اقرأ أيضاً: إلى أين تسير الجزائر؟
وشدّد الزرمديني على أنّ استقرار تونس مرتبط بشكل قوي باستقرار الجزائر، والعكس، محذراً من إمكانيّة استغلال بعض الأطراف المتطرفة لأحداث الجزائر لتضر بالدولتين. منوهاً إلى أنّ الجزائريين ترقبوا بقلق أحداث تونس، خلال عام 2011.
هذا وتعاني تونس، منذ انهيار نظام الرئيس الليبي الراحل معمّر القذافي، انعكاسات أمنيّة واقتصاديّة خطيرة؛ بسبب انفلات الوضع هناك، ما جعل حدودها الشرقيّة تتحوّل إلى طريق مفتوح أمام المتطرفين في الاتجاهين، وهو ما بات يهدّد أمنها القومي.
السلطات التونسية تلتزم الصمت
والتزمت السلطات التونسيّة الصمت، منذ اندلاع أحداث الحراك الشعبي الجزائري، وظلّت تراقب عن كثب التطورات التي تشهدها الدولة المجاورة، ولم تصدر عن مسؤولي البلد إلا تصريحاتٌ قليلة جداً، وبدا الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، حذراً في تعليقه على الوضع الجزائري؛ حيث قال في تصريح مقتضب، على هامش زيارته إلى جنيف، آخر الشهر الماضي، إنّه من حقّ الشعب الجزائري "أن يعبّر مثلما يشاء، وأن يختار حكّامه بحرية"، مضيفاً أنّ "ما يقع في الجزائر شأن خاص، وأنّ تونس لا يمكنها أن تقدّم دروساً للآخرين".

قرار عدم ترشّح بوتفليقة لولاية خامسة أشعر جيران الجزائر بارتياح كبير، لا سيما تونس، فأمنها واستقرارها من أمن الجزائر

كما غابت أحداث الجزائر وتطوّراتها عن أنشطة وزير الخارجيّة التونسي، رغم التقائه مؤخراً بوزيرَي الخارجيّة، الليبي والجزائري؛ حيث اهتمّ فقط ببحث سبل عودة الاستقرار إلى ليبيا.
هذا ومنعت وزارة الداخلية التونسية محاولتين لتنظيم مظاهرة من قبل أفراد من الجالية الجزائرية المقيمة في العاصمة التونسية، مدعومين بتونسيين، يوم 1 آذار (مارس) الجاري، احتجاجاً على ترشّح بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة، وأوضح الناطق الرسمي باسم الوزارة، سفيان الزعق، في تصريح لوكالة الأنباء التونسية الرسميّة، أنّ المحتجّين لم يحصلوا على ترخيصٍ مسبقٍ للمظاهرة، وفق ما ينصّ عليه القانون التونسي.

اقرأ أيضاً: الأخضر الإبراهيمي... مفتاح الحل للأزمة الجزائرية؟
وهي عمليّة المنع الثانية، بعد أن منعت الأجهزة الأمنية، في المرة الأولى، مظاهرة كانت مقرّرة أمام السفارة الجزائرية، لكنّهم تمكنوا لاحقاً من تنظيم مسيرات هي الأولى من نوعها التي يدعو إليها أجانب، لدعم الشعب الجزائري، شارك فيها جزائريون وتونسيون.
وفي هذا السياق، يرى الدبلوماسي السابق، أحمد ونيس، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ ما قامت به السلطات التونسيّة ودبلوماسيتها، "هو نوعٌ من التحفّظ السياسي، والحيطة والحذر"؛ لأنّ الشعب الجزائري لا يسمح لأيّ طرفٍ من خارج بلده، وإن كان من شعبه الجار، أن يتدخّل في شؤونه أو أن ينتقده، وأن يبدي رأيه في حراكه".

منعت وزارة الداخلية التونسية محاولتين لتنظيم مظاهرة من قبل أفراد من الجالية الجزائرية
وأضاف ونيس؛ أنّ تونس عضو بالمغرب الكبير، كما الجزائر أو المغرب أو ليبيا أو موريتانيا، بالتالي لها الحقّ في تتبع كلّ ما يجري في هذه البلدان وتحليله وانتقاده.
من جهته، رأى الزرمديني، أنّ العلاقة التي تربط الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، بتونس، "علاقة قويّة واستثنائيّة، تجاوزت طابعها المؤسساتي، إلى الرابط العائلي؛ نظراً إلى علاقة النسب التي جمعته بسياسيين تونسيين خلال عهدي الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، وزين العابدين بن علي".
موقف المعارضة
ولم تتخذ المعارضة التونسية موقفاً بعد من مساندة الجزائريين من عدمه، ولم تصدر أحزابها بيانات تتضمّن مواقفها، أو تحليلها لما يجري في الجزائر، انطلاقاً من قناعة أنّ الجزائر لم تتدخل في الحياة السياسية التونسية، فضلاً عن إدراكها أنّ الوضع السياسي ما يزال معقّداً في الجزائر، ويجب أن تتضح الرؤية.

العلوي: ترقّبنا بحذر وخوف حراك الجزائر لانعكاس ذلك على الأمن الإستراتيجي لتونس

وتخيّر المعارضة التونسية، التي دأبت على مساندة التحركات الداعية إلى الديمقراطية في باقي دول العالم، عدم الدخول في عداء مع الطبقة السياسية الجزائرية، للحفاظ على حيادها تجاه هذا البلد المغاربي.
ورأى أيمن العلوي، القيادي في الجبهة الشعبيّة (ائتلاف حزبي يساري معارض)، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ الجبهة تقف دائماً مع إرادة الشعوب في كلّ البلدان، وأنّهم إلى جانب الشعب الجزائري، ويدعمون المستقبل الديمقراطي لبلدهم، لكنّهم ظلّوا يترقبون بعين الحذر والحيرة حراكهم، نظراً إلى جملةٍ من التخوّفات، منها أوّلاً؛ انعكاس ذلك على الأمن الإستراتيجي لتونس والجزائر، فضلاً عن الاستهداف المتواصل للجزائر من قبل، ما أسماه، "قوى أجنبيّة تسعى لتفكيك البلدان المتماسكة، واستغلال ثرواتها".

اقرأ أيضاً: بعد عودة بوتفليقة.. ماذا سيحدث في الجزائر؟
ودعا العلوي القوى المعارضة والوطنيّة إلى وضع هذه المخاوف على قائمة جدول أعمالها، مضيفاً أنّ قرار عدم ترشّح بوتفليقة لولاية خامسة أشعر جيران الجزائر، خاصّة تونس، بارتياح كبير؛ لأنّ أمن تونس واستقرارها مرتبط بأمن الجزائر واستقرارها.
في المقابل؛ ساند طيف واسع من نشطاء التواصل الاجتماعي بتونس احتجاجات الشعب الجزائري، ورفضه لولاية خامسة، معتبرين أنّ الشعب له الحقّ في تقرير مصيره، كما أصدرت عدّة منظمات تونسية بيانات تضامن مع الحراك الجزائري الشعبي، من بينها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية