هجوم نيوزيلندا: إلى متى يتجنب الغرب الاعتراف بـ"الإرهاب الأبيض"؟

الإرهاب

هجوم نيوزيلندا: إلى متى يتجنب الغرب الاعتراف بـ"الإرهاب الأبيض"؟


17/03/2019

أثار الحادث الإرهابي الذي قُتل فيه 50 شخصاً، على الأقل، فضلاً عن إصابة العشرات من المصلين، جراء هجومين استهدفا مسجدين خلال صلاة الجمعة الماضية، في مدينة كرايست تشيرش، بجنوب نيوزيلندا، تساؤلات إلى متى يتجنّب الغرب توصيف حوادث مماثلة بالإرهاب، ويتعمّد غض الطرف عن التقارير الأمنية المتوالية حول صعود التطرف اليميني للقومية البيضاء في مجتمعاته؟ وهو ما انعكس بالتعصب والعداء ورفض الآخر حد اللجوء إلى العنف، وغالباً أول من يدفع فاتورة هذا الاستقطاب الجاليات المسلمة.

اقرأ أيضاً: إرهاب اليمين المتطرف الخطر القادم من الغرب
وفي تصريح غير مسبوق، وصفت رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا أرديرن، الحادث بأّنّه إرهابي، وأنّ منفذه ينتمي إلى اليمين المتطرف، معلنة رفع الحالة الأمنية من منخفض إلى عالٍ؛ تحسباً لأي عمليات أخرى، مؤكدة أنّ الهجوم كان مخططاً بشكل جيد بحسب المعلومات التي وردت للأجهزة الأمنية عن العمليتين؛ معتبرةً الحادث "أسوأ يوم شهدته نيوزيلندا".
الإرهابي منفذ الهجوم

اليمين المتطرف يمتد جنوباً
لا يقتصر هذا التطرف والإرهاب اليميني على أوروبا والولايات المتحدة؛ إذ أخذ يمتد إلى أوقيانوسيا، أقصى الجنوب، رغم البعد الجغرافي لمعاقل هذا التيار شمالاً، والدليل هو صعود حزب "أمة واحدة" الأسترالي المعروف بدعواته إلى وقف الهجرة ومعاداة الإسلام، وطالما أثارت زعيمته، بولين هانسون، الجدل بمهاجمة المهاجرين الذين أطلقت عليهم "أهل الزوارق"، وأكدت أنّ الشعور الأسترالي العام إزاء القادمين المسلمين هو القلق، وصرّحت مؤخراً "نحن في خطر اجتیاح من قبل المسلمین الذین یحملون ثقافة وأیدیولوجیة تتعارضان مع ثقافتنا وأیدیولوجیتنا"، مدعية أنّ الإسلام یمثل "تھدیداً لأسلوب الحیاة الأسترالیة".

أثار الهجوم قضية تعمّد الغرب غض الطرف عن التقارير الأمنية المتوالية حول صعود اليمين المتطرف في مجتمعاته

الآن صار حزب هانسون أقوى من أي وقت مضى، وبات المسلمون الأستراليون الذين يمثلون 1.5% من السكان، بالإضافة إلى العديد من طوائف الأقليات الأخرى، يشعرون بالقلق؛ حيث أكدت صحيفة "الأستراليان"، في عدد صادر صباح الأربعاء 24 آب (أغسطس) 2016، أنّ التمييز العنصري ضد المسلمين في المجتمع الأسترالي "ارتفع بشكل ملحوظ".
وفي تقرير للميدل إيست، أعرب أحد المواطنين المسلمين في نيوزيلندا عن أنّه لم يعد يعرف الناس باسمه الحقيقي "محمد"، ويفضل استخدام اسم "تقي"، بسبب تصاعد الكراهية للمسلمين في البلاد.

اقرأ أيضاً: هل يحكم اليمين المتطرف العالم؟
إنّ إجراءات السفر المفتوحة بين نيوزيلندا وأستراليا إضافة إلى توسع انتشار المسلمين في هذه الدول، والشعور بضمور الهوية الوطنية والخصوصية الثقافية، هذا بالإضافة لدور وسائل الإعلام في بث ثقافة التعصب والجهل والتطرف، أدى إلى تعزيز ظاهرة "القومية البيضاء" والتطرف تجاه المسلمين.
في هذا المناخ نشأ برينتون تارانت (28 عاماً)، اليميني الأسترالي منفّذ الهجوم الإرهابي، الذي بث جريمته على الهواء مباشرة على صفحته على موقع فيسبوك، وهو من ضمن الأربعة الذين تم إلقاء القبض عليهم.

اقرأ أيضاً: اليمين المتطرف الألماني يحوّل حفلاً إلى معركة.. لماذا؟!
بحسب وثيقة نشرها الإرهابي على الإنترنت، فإنه ينتمي إلى عائلة أسترالية من الطبقة العاملة، وأهدافه هي إخلاء المجتمعات الغربية من غير البيض والمهاجرين بغرض حمايتها، وكذلك "الانتقام للحوادث الإرهابية والجرائم الجنسية التي يقوم بها مسلمون ومهاجرون"، بحسب أقواله، مشيراً إلى نيّته الوقوف بوجه الهجرة إلى العالم الغربي بتخويف المسلمين بشكل مباشر عن طريق العنف.
لا يقتصر هذا التطرف والإرهاب اليميني على أوروبا والولايات المتحدة

التربة الاقتصادية والتطرف اليميني
من خلال هذا الحادث يمكن رصد عدد من التطوّرات ساهمت بصورة مباشرة وغير مباشرة في "صبّ الزيت على النار" وانتشار موجات من التطرف والإرهاب وبروز اليمين المتطرف، ومنها: الجانب الاقتصادي، والربط غير المنهجي أو الموضوعي ما بين ارتفاع البطالة من جهة، وارتفاع نسبة الوجود البشري الإسلامي في أستراليا والبلدان الغربية بوجه عام.

أخذ الإرهاب اليميني يمتد إلى أقصى الجنوب رغم بعده الجغرافي عن معاقل هذا التيار في أوروبا وأمريكا

إنّ ازدياد سطوة الأحزاب اليمينية انعكس في موجة من التشريعات القانونية لمنع الهجرة إجمالاً، والتشجيع على ترحيل من يمكن ترحيلهم من الأجانب عموماً، مدفوعاً بحملات سياسية وإعلامية، ساهمت في ربط مشكلة البطالة بنسبة الوجود الأجنبي، والواقع هو أنّ الهجرة الفعلية بقيت محدودة لا تتجاوز نطاق ما يعرف بالهجرة غير القانونية، ولكنّ أثر المخاوف كان ظاهراً في نشر المناخ المعادي للأجانب عموماً.
لم تنطلق الحملات الأولى ضد الأجانب من جماعات التطرّف اليميني، إنّما كانت تتمثل في "الحملات القانونية" الرسمية، مثل إقدام الحكومة الألمانية منذ مطلع الثمانينيات على ربط مكافحة البطالة بتشريع قانوني يعرض مبلغاً من المال على من يرحل إلى بلده من العمال الأجانب، أو الأخذ بنظام التأشيرات في بلجيكا وهولندا تجاه المغاربة بعد أن كانت غير مطلوبة لزمن طويل.

اقرأ أيضاً: ألمانيا واليمين المتطرف
بغض النظر عن التصريحات السياسية نفسها، كان الانطباع الناجم لدى عامّة السكان عن هذه الإجراءات  وأمثالها، هو "وجود عدد كبير من العمال الأجانب"، وأنّ هذا مما يسبب ارتفاع البطالة بين أهل البلاد الأصليين، والنفقات الناجمة عن ذلك.
يسري ذلك أيضاً على أستراليا ونيوزيلندا؛ حيث أصبح الحديث عن هذه المشكلات مرتبطاً في أذهان المواطن العادي وتحت تأثير التصريحات السياسية نفسها، بالأجنبي الذي يسبب نفقات "اجتماعية" باهظة، يقابلها اضطرار السلطات إلى تخفيض نفقات أخرى في قطاع "الضمانات الاجتماعية".
أزمة الهوية
إنّ الجنوح نحو التطرف اليميني الذي أصبح ظاهرة متزايدة باطراد، ينطوي على أبعاد أخطر تتمثل في تعمق العداء بين الأديان والثقافات وأنماط الحياة، فقد تصاعدت ظواهر الإسلاموفوبيا (التخويف من الإسلام) واستهداف الخصوصيات الإسلامية، ويتوازى ذلك مع أزمة الهوية للمسلمين المهاجرين وبروز أحزاب وجمعيات تطالب بطردهم، ما شكل دافعاً مثالياً لهذا الحادث الإرهابي البشع.

لقد نتجت أزمة الهوية في المجتمعات الغربية بسبب وجود نوعين من المهاجرين، الأول من أصل عربي، وأبناء المهاجرين العرب، أما الثاني فدخل في الإسلام حديثاً، والفئة الأولى تعيش أزمة هوية حادة، حيث كان عليهم أن يختاروا ما بين الاندماج والذوبان في المجتمع المضيف، أو أن يظلوا مقيمين في الثقافة الأصلية التي تربى عليها آباؤهم، ورغم أنّ بلداً مثل أستراليا تطبق قانون الأرض الذي يقضي أنّ من ولد على الأرض يحمل جنسية مولده، إلا أنّ واقع الممارسة كان يقضي بشيء آخر.

 

ثمة مخاوف لتكرار مثل تلك الحوادث خاصة عند التمعن بردود الفعل وبعض التعليقات المتطرفة المؤيدة لها

ووفق دراسة أعدها عبدالله محمود، لمركز دراسات الشرق الأوسط باريس، فإنّ هناك صراعاً للهوية والاندماج يخوضه المسلمون في المجتمعات الغربية، وإنّ هذا الصراع الذي يتدخل فيه اليمين المتطرف داخل المجتمعات الغربية يصنف، كما يقول، إلى 4 مستويات: أولها المستوى القانوني للمهاجر، والاجتماعي، والثقافي، ثم اندماج الأهداف والقيم العليا، وهو الذي يطلق عليه اندماج الهوية، ووفق هذا لم يتجاوز الاندماج عند النسبة الساحقة من المهاجرين المستوى الثاني، وهنا يبدأ الخطر.
يقول كريم يوسف، الباحث بكلية الآداب بالرباط، في دراسة حول المهاجرين بين قضايا الهوية والإرهاب، إنّه على إثر تراكمات تاريخية في حقل المفاهيم الأمنية للهوية، تكونت قناعة شبه ذاتية أنّ التعددية الثقافية هي بالفعل مشكلة بنيوية، وقد تحددت الإشكالية في صعوبة دمج المجموعات المهاجرة في أنظمة المجتمعات الديمقراطية، خاصة أولئك الذين تحدوهم عقائد تشددية، وفي مواجهة جملة التحديات التي تثيرها الهجرة في بعدها الثقافي، اعتمدت بعض الدول مخططات من شأنها أن تخفف من حدة التعارض والتنازع الثقافي والعقدي بين الأغلبية (الساكنة الأصلية) والأقلية (المجموعات المهاجرة)، وهي كلها سياسات جعلت من مقاصدها الأساسية التحكم بالديناميكية السياسية والاجتماعية لمجتمعات الهجرة، ومنها: سياسات الإبعاد التي طالت العديد من الأقليات من أصول مهاجرة إلى البلدان الأصلية التي ينحدرون منها، في إطار ما عُرف بـ "سياسة إعادة التوطين"، وسياسات رفض الحالة الانعزالية لمثل هذه الأقليات وتقوقعها حول نفسها في محيطات مجتمعية ضيقة وهشة، هذه السياسات ساعدت بدورها على استفحال أعمال العنف وارتفاع مستويات الجريمة، وتطوير النزوعات الإرهابية لدى شريحة عريضة من عناصرها.

اقرأ أيضاً: احتجاجات اليمين المتطرف في ألمانيا.. آخر المستجدات
إنّ من أهم الصور السائدة غربياً عن المهاجر القادم من جنوب المتوسط أنّه يؤمن بدين مغاير للدين المسيحي، وبالتالي فهو يمثل خطراً دينياً يتعين التوجس منه والحذر إزاءه، كما أنّ المهاجر يمثل خطراً ديموغرافياً، كما أنّه هو مصدر للعنف والتطرف، وقد تعززت هذه الصورة عقب الممارسات الترهيبية التي ضربت أقطاب العواصم الغربية، ورسختها التصورات الاستشراقية العنصرية، التي جعلت من المهاجر المسلم كائناً دموياً يعشق القتل وقتل الرؤوس.
وفي هذا السياق، قال الباحث الجزائري د. إسماعيل نقاز لـ "حفريات": إنّ الخوف من ازدياد عدد المسلمين، هو سبب مباشر في حادث نيوزيلندا، وإنّ تلك الحوادث مرشحة للتصاعد.

اقرأ أيضاً: كيف تلتقي الإسلاموية مع اليمين المتطرف؟
وهو ما ذهب إليه د. هاني سليمان، المدير التنفيذي للمركز العربي للبحوث، بقوله إنّ الحادث "يؤذن بمستقبل غامض للمسلمين في الدول الغربية، وسينعكس على حالة من الاحتقان والاستقطاب في الغرب وسيؤثر بشكل كبير على الحراك السياسي الداخلي بين اليمين المتطرف والتيارات المناوئة له، بحيث يظل مصير المسلمين مهدداً طوال الوقت في انتظار محددات ونتائج تلك التوافقات السياسية".
يبدو أنّ ثمة مخاوف مبررة لاحتمالية تكرار مثل تلك الحوادث، خاصة عند التمعّن بردود الفعل وبعض التعليقات المتطرفة التي تفاعلت مع العملية الإرهابية، وتشير لوجود قطاع غير قليل من المتطرفين المؤيدين للهجوم، بشكل أو بآخر، عبر وسائل التواصل.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية