الجزائر بين الإسلام والعصيان السلمي

الجزائر بين الإسلام والعصيان السلمي


كاتب ومترجم جزائري
24/03/2019

ترجمة: مدني قصري


منذ بداية الاحتجاجات في الجزائر ضدّ تمديد ولاية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والتي تميّزت برفض النظام، لم تظهر أيّة مطالبة ذات بعد إسلاموي خلال المسيرات، فلم تظهر الشعارات مثل: "الإسلام هو الحلّ"، أو "من أجل دولة إسلامية" التي كانت رائجة خلال التسعينيات، أثناء الانفجار المفاجئ للحركة الإسلاموية على الساحة السياسية الجزائرية، لكنّ هذا التراجع والاختفاء، رغم تواجد أفراد في المظاهرات يمكن التعرف إليهم من مظهرهم ولِحاهم، لا يعني أنّ الأحزاب الإسلامية غائبة.
عودة إلى القيم الدينية
يقول الخبراء: إنّ المجتمع الجزائري يمرّ، منذ عدة أعوام، بعودةٍ إلى قيم الإسلام الأساسية؛ إنها حركة أساسية لكنها لا تنذر بتطرف التمرد.
رفض عميق لكلّ أشكال التطرّف 
قال عبد الرحيم مساور، الناشط الجزائري في فرنسا: إذا كان الدين قد استعاد مكانةً مهمّة بين الجزائريين؛ فإنّ "الجيل الحالي يرفض فكرة الأسلمة والإسلاموية"، فالجزائر واحدة من الدول التي قدّمت أقل عدد من الجهاديين إلى داعش؛ حيث تمّ إحصاء 150 داعشياً جزائرياً فقط في عام 2014، مقابل 5000 مغربي، و2000 تونسي، وفق أرقام مجموعة صوفان (Soufan Group).

اقرأ أيضاً: الجزائر: الدائرة تضيق حول بوتفليقة.. ما الجديد؟
ويؤكد الباحث راسموس ألينيوس بوسيروب، المتخصص في الشؤون المغاربية: أنّ "الجزائر مرّت بالفعل بالإسلام المتطرف، لكنّها الآن "محصّنة" ضد التطرف الإسلاموي. من عام 1992 إلى عام 2002، مرت البلاد بـ "عقد أسود"، وهي حرب أهلية شهدت نموّ سلطة الإسلاميين المتطرفين، قبل أن يتمّ إقصاؤهم من السياسة، ويضيف الباحث: "هناك العديد من الخلايا الجهادية النائمة داخل الجزائر: الآلاف من الأشخاص الذين تم العفو عنهم بعد العقد الأسود ينتظرون وقتهم، لكنّ هؤلاء صاروا كباراً في العمر الآن"
الجزائريون يرفضون العهدة الخامسة

الملجأ الديني
إذا كان عبد الرحيم موساور، العائد مؤخراً إلى وطنه، يؤكد أنّ هناك بالفعل "أسلمة المجتمع في الجزائر العميقة وفي المدن"، مع العودة إلى قيم القرآن الكريم الأساسية، فقد لاحظ أيضاً "الغياب التام للحركات الإسلاموية" في المظاهرات الجارية الآن، وتقول لاتيتيا بوكايل، عالمة الاجتماع السياسية في "إينالكو"  :(Inalco) "المسلمون والعلمانيون متصالحون فيما بينهم، ولم يعد يرفض كل طرف الطرف الآخر".

اقرأ أيضاً: احتجاجات الجزائر ومخاوف تونس... أين تلتقي؟
بالنسبة إلى العديد من الجزائريين، تُشكّل العودة إلى الدين "ملجأ" ضدّ الركود الاقتصادي والاجتماعي الذي يضرب البلاد، بالنسبة إلى الشباب الذين نراهم في المدن، "لا يوجد طريق آخر سالك، سواء في مجال التعليم، أو في المجال الثقافي، أو في إمكانات السفر، أو حتى لبناء المستقبل"، يقول عالم الاجتماع.
تسارع العودة إلى الإسلام
عام 2017؛ نشر مركز البحوث الأمريكي، معهد هدسون (Hudson Institute)، المتخصّص في البحث في السياسة العامة والقضايا الدولية والإستراتيجية، تقريراً حول موضوع أسلمة الجزائر، وفي هذا التقرير؛ أشار إلى عودة الإسلاميين إلى الوعظ الديني، بهدف أسلمة المجتمع.

اقرأ أيضاً: إلى أين تسير الجزائر؟
ووفق هذا التقرير؛ فإنّ "العودة إلى الإسلام تتسارع،" رغم أنها "لا تظهر في البيئة الاجتماعية والممارسات اليومية للسكان"، لكنّها "تهيمن على جميع المناقشات"، عودة الإسلاميين الجزائريين إلى الوعظ مردّه "الفشل السياسي للأحزاب الإسلامية"، ناهيك عن دور التيار الوهابي الذي سيحاول أن يفرض نفسه من خلال تمويل دول الخليج.
طرد إسلاميين من المظاهرة
في يوم الجمعة، 15 آذار (مارس)، في الجزائر العاصمة، خلال الاحتجاج على تمديد ولاية بوتفليقة الرابعة، تم طرد اثنين من ممثلي حزب العدالة والتنمية، الحزب الإسلامي؛ حيث هتف المتظاهرون "ارحلْ!".

اقرأ أيضاً: الأخضر الإبراهيمي... مفتاح الحل للأزمة الجزائرية؟
ليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها طرد ممثلي الإسلام السياسي من المظاهرات ضدّ النظام في الجزائر؛ في 8 آذار (مارس)، دان المتظاهرون عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم(MSP) ، الذي يشارك في حكومة بوتفليقة.

عبد الرزاق مقري، زعيمُ حزب مجتمع السلم
أرادت شخصية إسلامية أخرى، وهو الشيخ عبد الله جاب الله، رئيس جبهة العدالة والتنمية (الإسلامي)، وكذلك نائب عن الحزب، المشاركة في مظاهرة يوم الجمعة 15 آذار (مارس)، لكنّهما اصطدما بالمحتجين الذين صرخوا فيهما "جاب الله، ارحل!".
سيناريو على الطريقة التونسية غير محتمل
شبح "الربيع العربي" لعام 2011 بات قريباً، وبدأ يقلق الطبقات الحاكمة، يمكن ملاحظة بعض أوجه الشبه، خاصة مع التعبئة التونسية ضد البطالة والفساد وقمع الشرطة، والتي أدت إلى رحيل بن علي، في السلطة منذ عام 1987، ومع ذلك؛ يرى الخبراء أنّ سيناريوهاً جزائرياً على الطريقة التونسية، حيث يمارس الإسلاميون ثقلاً في الحياة السياسية، يبدو غير مرجّح.

اقرأ أيضاً: الجزائر تشهد التظاهرات الأكبر منذ "الربيع العربي"
المتظاهرون ضد تمديد ولاية بوتفليقة الرابعة لا يعارضون الرئيس فقط؛ بل النظام بأكمله، كما يتضح من شعار "أيها النظام ارحلْ!"، إنهم يعارضون الاستحواذ على الاحتجاجات من قبل التيارات المحافظة، التي يعدّ الإسلاميون جزءاً منها، ويضعون لأنفسهم هدفًا للتخلص من الطائفة الفاسدة بأكملها في السلطة.

جاب الله رئيس جبهة العدالة والتنمية الاسلامي
حجة الإسلاميين في عدم المشاركة في المظاهرات
يذكّر السيناريو الجزائري بموقف الإخوان المسلمين المصريين في بداية الاحتجاجات في مصر، عام 2011، حيث فضلوا الابتعاد عن الحراك، وانتظار اللحظة المناسبة لاقتحام المظاهرات، واستعادة الحركة التي ستقودهم إلى السلطة، فالإسلاميون الجزائريون يبذلون قصارى جهدهم كي لا يختلطوا بشكل مباشر وبكثافة مع المتظاهرين، وكي يعطوا صورة السياسيين الذين يحترمون الشرعية، مع تشجيع الحركة على الاستمرار في احتجاجها إلى أن تلبَّى مطالبهم، وهذا يعني في الحقيقة، لغاية إلغاء انتخابات 18 نيسان (أبريل).
لعبة حركة مجتمع السلم
هذه هي اللعبة المثيرة للقلق، التي يطبّقها عبد الرزاق مقري، زعيمُ حزب مجتمع السلم، وهو نفسه مرشح لهذا الاقتراع؛ ففي بيان نُشر مؤخراً على حسابه في تويتر، قال عبد الرزاق مقري: إنّه وحزبه مستهدفون بحملة لا هوادة فيها على الشبكات الاجتماعية، من خلال تضمين حسابات "مغتصبة" تتحدث نيابة عنه، هدفها إشراكهم في "إستراتيجيات" ضدّ الاحتجاجات الشعبية السلمية"، وبالتالي ينفي مقري أنه دعا لـ "جمعة غضب"، كما تشير إليه هذه "الرسائل الملفقة"، وينفي أيّ استعداد لقيادة الحركة، هذه الرسالة موجهة بشكل غير مباشر إلى السلطات لتسبق أيّ ردّ فعل قوي من جانب السلطات في حالة حدوث انزلاق خطير.

الابتزاز الذي اعتقدت السلطة أنّها تمسك به الجزائريين بالتلويح بمخاطر العودة إلى الحرب الأهلية بالتسعينيات، لم يعد فاعلاً

والحال أنّه؛ إذا كان التهديد الذي يمثله التأثير على الأفكار من خلال الشبكات الاجتماعية التي أشار إليها مقري، حقيقياً؛ فإنّ مقري وحزبه وأتباعه في حركة مجتمع السلم لا يتحرجون، مع ذلك، من الصيد في الماء العكر، من خلال الدعوة إلى استمرار عصيان الشوارع التي يعرفون أنها على الأرجح ستظل آمنة ودون مخاطر.
ومع ذلك؛ ففي أعين الرأي العام، يجب أن يظل حزب مجتمع السلم متماشياً مع الغضب الشعبي، هذا ما أكده مكتبه التنفيذي، الذي اجتمع يوم الثلاثاء الماضي في الجزائر العاصمة، في بيان حول أعماله، من بين القرارات الأخرى التي تم تبنّيها، رحب حزب مقري "بالتحدي السلمي والمدني لجميع شرائح المجتمع لمعارضة الولاية الخامسة"، مع الإصرار على ضرورة مواصلة "المقاومة السلمية من قبل جميع المواطنين، من أجل فرض سياسة الأمر الواقع "، و"إحباط جميع الخطط الهادفة إلى إذكاء التوترات، بهدف إجهاض الاحتجاج الشرعي. "

اقرأ أيضاً: لماذا لن يحكم الإسلاميون الجزائر؟
في الوقت نفسه؛ يدعو حزب مجتمع السلم، السلطة القائمة إلى الامتثال لمطالب المحتجين، من خلال "التخلي عن الولاية الخامسة"، السبيل الوحيد، وفق هذا الحزب، لحماية البلاد من "انجراف خطير".
المتظاهرون يطردون عبد الله جاب الله، رئيس جبهة العدالة والتنمية الاسلامي

تدخّل الإخوان المسلمين في أزمة الجزائر
من تركيا دعا الداعية الأصولي، وجدي غنيم، الإسلاميين الجزائريين إلى استثمار الشارع، وفرضِ الشريعة من خلال إسقاط السلطة بالقوة.
في شريط فيديو نُشر عشية المظاهرات الكبرى، يوم الجمعة الماضي، طالب هذا الداعية بعدم الاكتفاء بالمطالب التي عبّرت عنها غالبية المتظاهرين، ولا سيما رحيل الرئيس بوتفليقة، أو رحيل نظامه، لكنّ للمطالبة بتطبيق الشريعة، وقال: "أطلب من إخواني الجزائريين أن يطالبوا صراحة برحيل النظام العلماني، الذي يجسده أتباع فرنسا الاستعمارية".

اقرأ أيضاً: ماذا يخفي مشهد التظاهرات في الجزائر؟
لقد طلب من الجزائريين عدم تكرار الخطأ الذي ارتكبه الإخوان المصريون، عام 2011، عندما دعا المواطنون خلال المظاهرات ضدّ نظام حسني مبارك، إلى مواجهة السلطة الحاكمة "يداً بيد، مع المسيحيين أو العلمانيين"، على حدّ تعبيره، ونصحهم بألا ينخدعوا بدعوات الإصلاحات، أو التغييرات التي يرفعها قياديون، سوف يُعيدون، في رأيه، إنتاج نفس النظام "الذي يجب أن يحاربه ويُدمّره المؤمنون".
 الداعية الأصولي وجدي غنيم

محرّض لصالح أردوغان
في لهجة عدوانية، دعا هذا المحرّض، وهو عضو في جماعة الإخوان المسلمين، ويعمل لصالح نظام أردوغان اليوم، الإسلاميين الجزائريين إلى توخّي الحذر من أي تعايش مع بعض الزعماء العلمانيين في الاحتجاج، بمن فيهم النساء غير المحجبات، "لا تَدَعوهم يستولون ويهيمنون على الحركة! لا تفعلوا كما فعلنا نحن في مصر! وحذّر الجزائريين من "تلاعبات الجيش"، مطالباً إياهم تعلّم درس ممّا حدث في بلده، وعدم الاستجابة إلى "رسائل الأخوّة" الموجهة إليهم، وهي "فخّ"، بحسب رأيه.

اقرأ أيضاً: دائرة الاحتجاجات تتسع بالجزائر.. تفاصيل
لإيصال رسائله بشكل أفضل؛ أعاد هذا الداعية خطاباً يحظى بشعبية كبيرة في الأوساط الشعبية في الجزائر، يتناول فيه فساد ونهب ثروات بلد مليء بالموارد الطبيعية التي وصلت إلى مستوى من التدهور؛ حيث لا تتوفر الجزائر على مستشفى واحد قادر على علاج رئيسها المريض.
سيل من الشتائم ضدّ غنيم
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ واعظ الفتنة هذا لقي ردوداً من الشتائم من قبل مستخدمي يوتيوب الجزائريين، ردّاً على نداءاته المحرّضة، وقد جاءت التعليقات الغاضبة قوية وكثيفة إلى درجة أنه أجبِر على محو حسابه على الشبكة، بعد أن أدرك أن وعظه، على العكس، قد أيقظ استياء الجزائريين ضد قوى الفتنة ورُسل الإرهاب.
وزير الشؤون الدينية الجزائري ينفي ادّعاءات الإعلام الخارجي
عندما سُئل، يوم الجمعة الماضي، في المنتدى الذي نظمته الصحيفة اليومية "ويست تريبيون" الجزائرية، حول الأقوال التي نُسبت إليه من قِبل وسيلتَي إعلام سعوديتين، تفيد باعتقال السلطات الجزائرية لمئات الأشخاص بسبب التبشير الشيعي في الجزائر، نفى وزير الشؤون الدينية، محمد عيسى، بشدّة، واصفاً هذه "الخرجات" الإعلامية بالتواطؤ الذي لا اسم له، وبـ "التلاعبات والمناورات الفاشلة".

محمد عيسى وزير الشؤون الدينية الجزائري
نسبت وسائلُ إعلام مملوكة للسعودية، ومنها قناة "العربية" الفضائية، والموقع الإخباري "إرم"، إلى وزير الشؤون الدينية الجزائري، محمد عيسى، أنّ السلطات الجزائرية اعتقلت 400 شخص في مطار الجزائر العاصمة، لدى عودتهم من الأماكن الشيعية المقدسة في العراق، وقد أشارت وسيلتا الإعلام المذكورتان اللتان نقلتهما العديد من وسائل الإعلام العراقية على وجه الخصوص، في مقالاتها، إلى تدخل الوزير الجزائري في المنتدى الذي نظمته القناة الأولى للإذاعة الوطنية، يوم الإثنين الماضي، في حين أنّ القناة أكدت أنّ الوزير لم يشر في أيّ وقت من مداخلته، إلى هذا الموضوع.

اقرأ أيضاً: الجزائريون يردّون على رسالة بوتفليقة وحزبه

لإغلاق هذا الجدل، قال محمد عيسى: إنّ الجزائر "ترفض الطائفية والقتال، لأنها لم تكن لديها مطلقاً أيّة رؤية لتفضيل مصالح دولة على حساب دولة أخرى"، وأضاف: "الدول المعنية تدرك جيداً موقف ومبادئ الجزائر".
حماس تنفي
وفي الوقت نفسه؛ استنكر محمد عيسى التأكيدات التي نشرتها وسيلة إعلام سعودية أخرى، وهي صحيفة "عكاظ" الموالية للحكومة، ادّعت "تورّط الجزائر في تمويل حركة حماس الفلسطينية المموّلة من قبل حزب الله، عبر بنوك جزائرية"، وقد نفى المتحدث باسم حماس، سامي أبو زهرة، هذا الادّعاء في بيان لوكالة الأنباء الفلسطينية.
سقوط جدار الخوف من التطرف الإسلامي
يبدو أنّ جدار الخوف من الإسلاميين وتطرفهم المرعب قد سقط في الجزائر، الشارع مشغول مرّة أخرى في جميع أنحاء البلاد؛ لقد جرت المظاهرات الأولى في البلدات متوسطة الحجم، مثل: برج بوعريريج، أو خراطة، في الشرق، قبل حدوث تحوّل رمزي، يوم الثلاثاء 19 شباط (فبراير)، في خنشلة، في إقليم الشاوية (جبال أوريس، شرق الجزائر العاصمة).
حسابات السلطة الزائفة
فوجئت القوة السياسية الجزائرية بالزخم الشعبي منقطع النظير، في 22 شباط (فبراير)، وقال ناصر جابي، المتخصص في علم الاجتماع: "هناك هامش غير متوقع من السكان الجزائريين المدنيين، المتعلمين، والمتضامنين بشكل تلقائي استعادوا المساحة العامة التي ظلت مصادَرة منذ أكثر من 20 عاماً، كان هذا ممكناً لأنّ التجديد الديموغرافي للمجتمع قد غيّر اللعبة، الشباب الذين لم يختبروا العقد الأسود للتسعينيات هم القوة النشطة اليوم".

بالنسبة إلى العديد من الجزائريين تُشكل العودة إلى الدين "ملجأ" ضد الركود الاقتصادي والاجتماعي الذي يضرب البلاد

إنّ الابتزاز الذي اعتقدت السلطة أنها تمسك به الجزائريين، بالتلويح بمخاطر العودة إلى الحرب الأهلية التي أثارتها حركة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، بقيادة زعيمها عباس مدني، في التسعينيات، لم يعد فاعلاً، وهناك عملية حسابية أخرى للعشيرة الرئاسية فشلت أيضاً، ألا وهي إبقاء الجزائريين فيما يسمى "الوفاق المدني"، الذي يجبر المواطنين على التخلي عن حقوقهم مقابل سخاء دولة الرفاهية التي شُرع في توزيعها بقوة، لقد وعدت الحكومة بتوزيع آلاف المساكن الاجتماعية، مرّة أخرى خلال هذا الشهر، وأصدرت إعلانات حول المساعدات، من خلال القروض التي تَعِد بمنحها للشباب أصحاب المشاريع.
أجندة سياسية تحت التوتر
رغم هذه الرغبة في التحرر، ما تزال الأجندة السياسية تسير على إيقاع النظام، وتاريخ الجزائر يتعثر ويتلعثم: هناك طريقان يرتسمان مرة أخرى بين إجراء أو إلغاء الانتخابات، يبدو الخيار الأخير هو الأكثر خطورة؛ لأنّه سيشهد حالة طوارئ محتملة والعودة إلى القوة العسكرية، والخيار الأول لا يقل خطورة؛ لأنّ النظام ما تزال مفاتيح الدولة في متناول يده، ويبقى السؤال: هل يجب أن يضع المواطنون الجزائريون ثقتهم في الانتخابات المقرر إجراؤها في 18 نيسان (أبريل)، على أمل أن النظام قد تلقى الرسالة، أو بالأحرى يفضل الهروب الجماعي في شكل إضراب عام؟
نحو نهضة مجتمع مقاوم للأصولية؟
بفضل قدرته على الصمود، تعلّم "الشعب الجزائري" كيف يجدّد نفسه، بفضل شباب يتحدّى قوى الموت بقوى الحياة، وبمقاومته للأصولية الإسلاموية، من خلال اللاعنف؛ هل سينجح المجتمع المدني في تغيير ممارسة السلطة في الجزائر؟ وما هي الموارد المتاحة له لرسم الخطوط الأولى لمجال سياسي مستقل خامد للفتن في الجزائر؟

مقري وحزبه وأتباعه بحركة مجتمع السلم لا يتحرجون، من الصيد بالماء العكر، من خلال الدعوة لاستمرار عصيان الشوارع

منذ مظاهرات عام 1988، وربيع القبايل عام 2001، والتعبئة عام 2011، أو تلك التي حدثت ضدّ استخراج واستغلال الغاز الصخري في الجنوب، عام 2015، يبدو أنّ المجتمع الجزائري يخرج اليوم من حداد طويل، تكيّف خلاله مع الوضع بشكل من أشكال الإنكار واليأس.
هل ستكون هذه النهضة مستدامة؟ هل سيكون العصيان المدني على النظام، باعتباره ممارسة سياسية غير عنيفة، كافياً لإحياء هذه الصحوة؟ هل تم استيفاء الشروط لسيناريو وحدة مدنية لا مكان للتطرف الإسلامي فيها؟
من خلال دعوة النظام الجزائري إلى السماح لمجتمعه المدني بالتعبير عن نفسه، والاستماع إلى ما يقوله، يقدّم المواطنون مثالاً يحتذى به؛ تهدئة المجال السياسي تمرّ بتغيير في ممارسة السلطة التي تسمح أخيراً باستعادة شرعية الدولة/الأمة في أعين السكان، وتفادي "الصدمة الاستعمارية".

اقرأ أيضاً: الدرس الجزائري السوداني
الإسلام متجذّر في الجزائر؛ ففي هذه البلاد، التي تضم 99٪ من المسلمين، تكتشف فرنسا بفضل المظاهرات العملاقة التي تتواصل منذ 21 شباط (فبراير)، في العديد من مدن البلاد، للتنديد بولاية بوتفليقة الخامسة، الوجود الهائل للنساء المحجبات، أو ممارسة الصلاة في المدارس؛ فهي مندهشة، وترى أنّ شبح الربيع العربي، الذي استعاده الإسلاميون، يحوم فوق الجزائر.
مقاومة أيّة محاولة احتواء
يخشى عبد الرحيم مساور من أن تقوم السلطة المركزية بالاستحواذ على "أسلمة المجتمع"، من أجل خلق انقسامات في المجتمع"، كما كان الحال أثناء الحرب الأهلية التي أشعلها الإسلاميون في التسعينيات، ومع ذلك؛ فقد أظهر المجتمع الجزائري، حتى الآن، مقاومة لا هوادة فيها لأيّة محاولة احتواء. يقول راسموس ألينيوس بوسيروب: "المجتمع الجزائري ليس ساذجاً، كما كان الحال خلال الربيع العربي"، بالنسبة إليه؛ الخطر ليس خطر انجراف جهادي إسلاموي للحركة، لكن الخطر الحقيقي هو "سيناريو يستعيد فيه الجيش سيطرته".


المصدر: الكاتبة Caroline Vinet صحيفة لاكوا الفرنسية

la-croix، Revolutionpermanente ، algeriepatriotique


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية