طرد داعش من سوريا... هل هي هزيمة إقليمية رمزية فقط؟

طرد داعش من سوريا... هل هي هزيمة إقليمية رمزية فقط؟


كاتب ومترجم جزائري
25/03/2019

ترجمة: مدني قصري


لقد استغرق الأمر ما يقرب من عام قبل أن تتمكن القوات الديمقراطية السورية، وهي تحالف عربي كردي تدعمه قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، من هزيمة فلول "دولة الخلافة" التي أعلنها تنظيم داعش، كجزء من المرحلة النهائية من عملية الجولة الهجومية التي بدأت في 2018.
خطر الخلايا النائمة
"تم القضاء على داعش نهائياً في سوريا"؛ هذا ما أعلنته القوات المناهضة للجهاديين، لكنّ داعش يمكنه من الآن فصاعداً تشغيل الخلايا النائمة.

يحذّر الخبراء من أنّ داعش قد يشغّل خلايا نائمة، فالمقاتلون متواجدون في بعض أجزاء صحراء البادية الوسطى الشاسعة

قبضة داعش الإقليمية في سوريا لم تعد موجودة؛ لقد أعلنت القوات المناهضة للجهاديين، يوم السبت 23 آذار (مارس) الجاري؛ أنها حققت "القضاء التام على الخلافة المزعومة، وهزيمة إقليمية بنسبة 100٪ لداعش"، لكن: هل انتهت "الدولة الإسلامية" في سوريا حقاً؟
في كانون الثاني (يناير)، أعلن تحالف عربي كردي تدعمُه واشنطن أنّ داعش حوصِر في مساحة ضيقة في شرق سوريا، وأنّ نهاية "الخلافة" كانت مسألة أيام فقط، لكنّ الأمر في النهاية استغرق وقتاً أكثر مما كان متوقعاً بكثير؛ لأنّ الهجوم انطلق في 18 شباط (فبراير)، وانتهى في 23 آذار (مارس).
كان آخر المقاتلين منعزلين في هذا الجيب، الذي يقلّ عن نصف كيلومتر مربع، في الباغوز، وهي قرية في محافظة دير الزور.
سقط داعش في سوريا ، لكن التهديد يظل قائما

هل ستنهي هزيمة داعش الإرهاب في الشرق الأوسط؟
هل يمثل القضاء على هذا الجيب الأخير من المقاتلين الجهاديين نهاية الإرهاب في الشرق الأوسط؟ ليس هذا هو السيناريو الأكثر احتمالاً.
يحذّر الخبراء من أنّ داعش قد يشغّل خلايا نائمة، فالجهاديون متواجدون بالفعل في بعض أجزاء صحراء البادية الوسطى الشاسعة، إضافة إلى ذلك، لم ينته العراق من استئصال جذور الشبكة الجهادية.

اقرأ أيضاً: ما مصير "أيتام الخلافة" بعد هزيمة تنظيم داعش في سوريا والعراق؟
حذّر وسيم نصر، الصحفي في "فرانس 24"، والمتخصص في الشبكات الجهادية، في شباط (فبراير)، من أنّ "هذه هي نهاية السيطرة على أرض مأهولة (...)، لكنّ الجهاديين ما يزالون متواجدين جنوب الفرات في منطقة صحراوية تزيد مساحتها عن ألف كيلومتر مربع من الصحارى والكهوف؛ حيث يتمتعون بحرية الحركة والمناورة".
وأضاف المتخصص وسيم نصر: "لا تنخدعوا: بمجرد أن يتراجع الضغط العسكري، قد يعودون"؛ ففي شباط (فبراير)، كان هناك أكثر من 200 هجوم في سوريا في مناطق كانت هادئة عادة، لأنّ الجهاديين نجحوا في إنشاء نسيج من الدعم، كما فعلوا في العراق بعد ثلاثة أعوام من الإدارة الحقيقية لهذا الإقليم"، خاصّة أنّ زعيم داعش في سوريا، أبو بكر البغدادي، الرجل المطلوب في العالم، ما تزال مطاردته متعذرة.

اقرأ أيضاً: مع تحرير الباغوز... الإعلان عن انتهاء داعش وماذا عن فكره؟
"منذ اللحظة التي هُزم فيها داعش عسكرياً؛ فإنّ هذه المجموعة الأيديولوجية المتطرفة تتحوّل وتتبدّل وتتنقّل، سنتعامل في الأعوام المقبلة مع حرب العصابات، كما كان الحال قبل إنشاء دولة الخلافة"، وهذا ما تنبّأ به من جانبه، فردريك أنسل، المتخصص في العلوم السياسية، على قناةRTL" "؛ ففي رأيه أنه عندما تتناثر كوادر داعش بين السكان المدنيّين "يصبحون أكثر خطورة بالنسبة إلينا في الخارج؛ لأنهم سيضطرون إلى أن يثبتوا بأنهم ما يزالون نشطين للغاية، وأنه سيتعين عليهم توجيه المزيد من الضربات الإرهابية".
ولصحيفة "فرانس أنفو"، قالت إيميليتشيلي، الأخصائية في ظواهر تسييس الإسلام: "إنّ توقّعنا بزوال داعش لا يعني اختفاء الهجمات".
 داعش المجموعة الإرهابية الدولية الأكثر نشاطًا

ما تزال جذور داعش تنمو في العراق
كما هو الحال في سوريا اليوم، أعلن العراق، قبل أكثر من عام، "النصر" على تنظيم "الدولة الإسلامية"، ومع ذلك، يواصل أتباع داعش القتل، وزرع القنابل في بلد ما تزال تربة الجهادية فيه خصبة.
إضافة إلى الجانب العسكري؛ فإنّ عودة الـ 1.8 مليون عراقي الذين ما يزالون مشرّدين، والمئات من المحاكمات "العاجلة"، والبؤس الاجتماعي، والصدمات النفسية الناتجة عن تعاقب الصراعات والانقسامات العميقة بين الطوائف، آفات عميقة ومستعصية لن تنتهي قبل أعوام، وهذا ما يحذر منه المدافعون عن حقوق الإنسان، الذين يخشون من أن يُجنِّد المتطرفون الفئات المهمّشة.

عودة الـ 1.8 مليون عراقي الذين ما يزالون مشرّدين، والبؤس الاجتماعي، آفات عميقة ومستعصية لن تنتهي قبل أعوام

بعد هزيمته العسكرية، لم تعد المجموعة المتطرفة، التي استولت، عام 2014، على ثلث العراق تقريباً، وأجزاء كبيرة من سوريا، تحتل أيّة منطقة مأهولة، لكنّها لم تفقد قدرتها على الأذيّة والإساءة.
يقول اللواء نجم الجبوري، قائد العمليات في محافظة نينوى الشمالية، التي تنتمي إليها الموصل، التي كانت "عاصمة" الدولة الإسلامية في العراق؛ "كلّ يوم هناك هجمات ضدّ الخلايا النائمة، من خلال المواجهات وعمليات التفتيش منذ استعادة الموصل اعتقلت القوات "2500 إرهابي"، كما أعلنت القوات العراقية بانتظام عن قتل العديد من الجهاديين في المعارك".
لكنّها تفقد قوات أيضاً في الهجمات، لقد صرح الجنرال ساكر كاوين، من الشرطة الفيدرالية، لوكالة "فرانس برس"؛ بأنّ الجهاديين "نفذوا 55 هجوماً بالقنابل ضدّ الشرطة في محافظة كركوك وحدها، شمال بغداد، وألحقوا أضراراً بالمنشآت الكهربائية عدّة مرّات".
كما قَتل الجهاديون، في الأشهر الستة الماضية، عشرة زعماء قُرى، وفق مسؤولين محليين، وعلى طول الحدود، يحاول مقاتلو داعش المحاصَرون بين القوات العراقية والسورية، القيام بانتظام بعمليات توغل.
"الحرب لم تنتهِ" بالنسبة إلى فرنسا
في كانون الأول (ديسمبر)؛ أعلن دونالد ترامب انسحاب 2000 جندي أمريكي متمركزين في سوريا لمحاربة داعش، مدّعياً أنّ الجماعة الجهادية قد هُزمت، وقد حذّرت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، من أنّ قرار ترامب قد يعزز وجود الحليفتين الرئيستين للنظام السوري؛ روسيا وإيران.
كما فاجأ قرار الولايات المتحدة، فرنسا، حليفة الولايات المتحدة، التي حشدت 1200 جندي لصالح التحالف الدولي المناهض للجهاديين بقيادة واشنطن.

اقرأ أيضاً: الباغوز.. هل هُزم فيها تنظيم داعش؟
في سوريا؛ "الحرب لم تَنْتَهِ"، هكذا قال في منتصف شهر شباط (فبراير)، وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لو دريان: "هناك حربان، هناك حرب ضدّ داعش غير كاملة، وهناك أولئك الذين يرون أنّ داعش قد تم القضاء عليهم وهم مخطئون"، وأضاف: "ثم هناك حرب أهلية داخلية، وأحياناً يكون للحربين صلات تربط بينهما".
أشاد الرئيس إيمانويل ماكرون، يوم السبت، بسقوط الخلافة التي أعلنتها الجماعة الإسلامية الجهادية، وقال: إنّه "رغم سقوط خلافة الدولة الإسلامية، يجب أن تستمر الحرب ضدّ الجماعات الإرهابية".
لا تتخلوا عن سوريا بعد النصر
بالنسبة إلى رئيس الدبلوماسية الفرنسية، ستواصل فرنسا "بلا كلل" التزامها "لصالح التسوية السياسية للأزمة السورية"، والتي "تفترض عملية انتخابية"؛ لأنّ المعركة ضد داعش ليست سوى واحدة من جبهات الحرب في سوريا، التي اندلعت في عام 2011، بعد قمع النظام للاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية، لقد أصبح هذا الصراع أكثر تعقيداً بمشاركة الجماعات الجهادية، وأدى إلى مقتل أكثر من 360000 شخص في ثمانية أعوام.
يحثّ الأكرادُ السوريون الأوروبيّين على عدم التخلي عنهم

الأكراد خائفون
كما يحثّ الأكرادُ السوريون الأوروبيّين على عدم التخلي عنهم بمجرد هزيمة داعش، وعلى المساهمة في إنشاء قوة دولية في شمال شرق سوريا في مواجهة تركيا.

اقرأ أيضاً: بالأرقام.. حصيلة أولية لمعركة الباغوز
"هذه الدول لديها التزامات سياسية وأخلاقية" تجاه الأكراد الذين بمحاربتهم لداعش، استطاعوا احتواء توسّع التهديد الإرهابي نحو أوروبا، كما حذّر أحد القادة الأكراد السوريين، ألدار خالد، في مقابلة مع وكالة "فرانس برس": "إذا لم تلتزم هذه البلدان بهذه الالتزامات، سيتخلّى عنا".
في ذروته، اجتذب داعش الآلاف من الأوروبيين والأمريكيين والآسيويين، من بين مقاتلين أجانب آخرين، هم الذين استقروا في المناطق التي احتلتها المنظمة المتطرفة، في أوائل عام 2014، في سوريا والعراق.
أشبه بأفعوان
في الواقع، لم تنته المعركة ضدّ داعش، فهو أشبه بـ "الأفعوان الخرافي ذي التسعة رؤوس الذي يجب التأكد باستمرار من أنه ليس في حالة استيقاظ" جديد، خاصة في العراق وسوريا، وقد حذر بالفعل الجنرال فرانسوا ليكوينتر، رئيس أركان الجيوش (CEMA) ، في أيار (مايو) 2018.
وسيتوقف كل شيء على "ما بعد"، أي على الحلول السياسية والدبلوماسية والعسكرية التي سيتم تنفيذها، لمنع الظروف التي سمحت بظهور داعش، من أن تتوفر مرة أخرى.
فمن المتوقع أنّ المنظمة الجهادية ستعمل على إخراج أيّة عملية تطبيع سياسي عن مسارها، وهكذا، يحذّر تقرير للأمم المتحدة، نُشر في شباط (فبراير)، من أن داعش في العراق وسوريا، سيحاول إثارة التوترات الطائفية، ومن أن يشكل نصيراً للسكان المهمشين، سيكون هدفه "تعريض أنشطة الاستقرار وإعادة الإعمار للخطر، وبشكل عام "منع التنمية الاقتصادية".
داعش قادر على تمويل نفسه
لهذا السبب، كما يقول التقرير، توقع داعش سقوط الخلافة من خلال العودة إلى الأرض وحرب العصابات، وأضاف التقرير أنه من الناحية المالية، يمكنه الحصول على الاحتياطيات المالية "من 50 مليون دولار إلى 300 مليون دولار"، وعلى الرغم من أن الخسائر الإقليمية قد حرمته من بعض مصادر الدخل، إلا أنّ احتياجاته أصبحت الآن أقل".
"وقالت الأمم المتحدة في تقريرها أيضاً: إنّ خلايا داعش ستُموّل نفسها ذاتياً، وتحقق الاكتفاء من خلال أنشطة مختلفة، بما في ذلك الابتزاز والاختطاف مقابل الفدية، والأنشطة الإجرامية الأخرى"، ووفق بعض التقارير؛ تحتفظ المجموعة بمعلومات عن السكان المحليين، والتي يمكن استخدامها في العمليات المستقبلية لابتزاز السكان، أو للحصول بشتى الطرق على التمويل، من المناطق التي كانت خاضعة مسبقاً لسيطرتها.
مصير البغدادي ما يزال مجهولاً
علاوة على ذلك؛ إذا كان معقل داعش النهائي قد سقط، فإنّ مصير زعيمه أبو بكر البغدادي (الملقب إبراهيم عوض البدري)، الذي تم تحديد مكافأة مالية لمن يقضي، أو يلقي القبض عليه، بـ 25 مليون دولار، من قِبل واشنطن، ما يزال غير معروف؛ ففي كانون الثاني (يناير)، وفق صحيفة "الغارديان"؛ ورد أنّه استهدف بالقرب من هجين بمحاولة اغتيال قام بها مقاتلون أجانب عن منظمته، وهو الأمر الذي لم يتم تأكيده رسمياً.

اقرأ أيضاً: سنجار العراقية بانتظار الناجين الإيزديين من قبضة داعش في الباغوز السورية
وكانت الصحيفة البريطانية قد أشارت إلى أنه "وفق مسؤولي استخبارات إقليميين، أسفر هجوم تم تخطيطه ضدّ البغدادي عن تبادل لإطلاق النار بين مقاتلين أجانب والحراس الشخصيين للزعيم الإرهابي الهارب، والذين اقتادوه إلى الصحارى القريبة".

المجموعة الإرهابية الدولية الأكثر نشاطاً

في أيّ حال من الأحوال؛ يقدّر تقرير الأمم المتحدة أنّ داعش "ما يزال إلى حدّ بعيد المجموعة الإرهابية الدولية الأكثر نشاطاً، والأقدر على القيام بهجوم واسع النطاق في المستقبل القريب"؛ فهو على استعداد لتحقيق ذلك باستهداف "الطائرات، واستخدام المواد الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية".
أيضاً: لا تضع نهاية "الخلافة" المادية لداعش حدّاً للتهديد الذي يمثله، خاصة أنّ تواجده لا يقتصر على بلاد الشام، ومن ثم فهو متواجد في إفريقيا، عبر بوكو حرام في منطقة بحيرة تشاد وفي الساحل، لكن تواجده لا يقتصر على هذه الأماكن فقط.
استمرار تهديد داعش في ليبيا ومصر 
في الواقع؛ داعش "ما يزال يشكل تهديداً في ليبيا"، في هذا الصدد يقول تقرير الأمم المتحدة: إنّ مقاتلي داعش ربما يكونون أقل عدداً، لكنهم ما يزالون نشطين في منطقة شاسعة تمتد على طول الساحل بين أجدابيا وطرابلس، وفي الجنوب، في محافظتي سبها والكفرة، كما تنشط المنظمة أيضاً في مصر، خاصة في سيناء، وقد ثبت وجودها أيضاً في الصومال، وبالتحديد في ولاية بونتلاند.
مواقع جديدة في أفغانستان وباكستان
إضافة إلى ذلك؛ أقام تنظيم داعش لنفسه مواقع جديدة في المنطقة الأفغانية الباكستانية؛ حيث يعلن بانتظام مسؤوليته عن الهجمات المميتة التي تستهدف معظمُها السكان الشيعة، لكنّ الأمر الأكثر إثارة للقلق هو توسع هذه المنظمة في جنوب شرق آسيا، خاصة في الفلبين، حيث تكثف قوات الأمن عمليات مكافحة الإرهاب، الخوف هو أنّ جنوب هذا البلد يمكن أن يكون بمثابة "جسر رئيس" للأنشطة الجهادية.
المصدر: huffingtonpost.fr و opex360.com



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية