تجنيد الأطفال في الصومال ظاهرة مقلقة.. أي مصير ينتظرهم؟

الصومال

تجنيد الأطفال في الصومال ظاهرة مقلقة.. أي مصير ينتظرهم؟


30/03/2019

لا تنفصل ظروف الأطفال القاسية في الصومال عن ظروف الحرب التي مرتها البلاد؛ فلم يسلم الأطفال من القتل أو الإصابة في جروح وعاهات في الهجمات التي لا تميز بين مدنيين ومقاتلين، كما يفقدون أسرهم عندما تطلق قذائف المورتر والعيارات النارية داخل المناطق المكتظة بالسكان، بينما تدمر بيوتهم ومدارسهم، ويتعرض معلموهم للتهديد، وينفصل العديد منهم عن أسرهم أثناء احتدام المعارك وما ينجم عنه من فوضى الفرار من مناطق القتال.

تدقّ منظمات أهلية ودولية، منذ أعوام طويلة، ناقوس الخطر جراء ظاهرة تجنيد الأطفال في الصومال

وتدقّ منظمات أهلية ودولية، منذ أعوام طويلة، ناقوس الخطر جراء ظاهرة تجنيد الأطفال في الصومال، وتقول: إنّ تفاقم هذه الظاهرة يهدّد مستقبل الطفولة في البلاد، ووجهت هذه التقارير اتهامات صريحة لكلّ من حركة الشباب؛ بالزجّ بمئات الأطفال في النزاع المسلح والمعارك الضارية التي تخوضها الحركة.
كما تتهم تلك المنظمات الحكومة الفيدرالية بإجراء محاكمات عسكرية للأطفال، وبعض المرات يتم استهدافهم بشكل عشوائي في الردّ على هجمات "الشباب" من قبل الجيش الصومالي، أو الجهات الأجنبية التي تسانده، وهو ما يؤكده أحدث تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية في هذا الشهر؛ ويوثق بضلوع الولايات المتحدة الأمريكية بقتل أطفال في الصومال.

أوصلت "حركة الشباب" ظاهرة تجنيد الأطفال إلى حدود مقلقة

تمزّق الأسر
وفّرت النزاعات المسلحة التي شهدها الصومال خلال العقدين الماضيين بيئة خصبة لاستقطاب الأطفال والزجّ بهم في صفوف القتال الدائر بين الكيانات المتنازعة على السلطة، وأوصلت "حركة الشباب" ظاهرة تجنيد الأطفال إلى حدود مقلقة، كما تفيد تقارير دولية.
كما تسبّب القتال، الذي لا يمكن توقع مكانه أو أبعاده، في تهجير أعدادٍ لا تحصى من المدنيين في ظروف عمّتها الفوضى؛ فنتيجة لذلك انفصل الكثير من الأطفال عن آبائهم وأمهاتهم وأقاربهم، ما حرم منهم الحماية والدعم.

اقرأ أيضاً: الميليشيات الحوثية وتجنيد الأطفال!
فبسبب الحرب؛ نزح مئات الآلاف من اللاجئين الصوماليين إلى مخيميات داداب للاجئين في كينيا؛ وهو من أكبر مخيمات اللجوء في العالم، وصرّح العاملون في ميدان الإغاثة هناك لـ "منظمة العفو الدولية"؛ بأنّ عدد الأطفال غير المصحوبين بقريب لهم ممن يصلون إلى المخيمات في ازدياد، وكثيراً ما تستوعب أسر صومالية أخرى من العشيرة نفسها هؤلاء الأطفال، أو يتبنّاهم الجيران بصورة مؤقتة، كما يوضع الأطفال غير المصحوبين بولي تحت الرعاية البديلة، لكن غالباً ما يتوجب عليهم القيام بأعمال منزلية، ويكونون أكثر عرضة للإساءة، وأقلّ خظاً في أن يرسلوا إلى المدرسة.

تجنيد حركة الشباب
وتستفيد حركة الشباب من هذا الوضع المقلق للأطفال؛ حيث تلجأ إلى تجنيد الأطفال للقتال في جبهات القتال، كما تستخدمهم لجمع المعلمومات الاسخبارية ولزرع القنابل في الشوارع، أو حتى لتنفيذ الهجمات الإنتحارية.
ومع أنّ الصبيان والشبان هم المستهدفون بصورة رئيسة من قبل "حركة الشباب" المسلحة، إلا أنّه يجري أحياناً تجنيد الفتيات؛ وتزوَّج الفتيات عنوة من المقاتلين، ومن الصعب تقدير مدى استفحال العنف الجنسي المرتبط بذلك؛ نظراً إلى عدم الإبلاغ عنه.

تستخدم حركة الشباب الأطفال لجمع المعلمومات الاسخبارية

وتظهر صور حديثة نشرتها حركة الشباب على حسابها في موقع "تلغرام"، صور أطفال يتلقّون محاضرات دينية في منطقة "بروايي"، وحول هذا الشأن، يقول الخبير الاجتماعي، عبد الرزاق عول، لـ "حفريات": "من المعلوم أنّ الحركة تمتلك معسكرات للتدريب في معظم القرى والأرياف في مناطق جنوب الصومال، وتقوم باستقطاب الأطفال والمراهقين والشباب وإغرائهم للانضمام إلى صفوفها، ناهيك عن تلقي الأطفال المنضمين إلى صفوفها، خطباً ودروساً، أيديولوجية تحريضية تنمي وتثير لديهم مشاعر التعصب الفكري والديني، فضلاً عن تدريبهم على استخدام جميع أنواع الأسلحة، وبعد ذلك يتم إرسالهم لتنفيذ هجمات انتحارية".

اقرأ أيضاً: معسكرات إيرانية لتجنيد الأطفال في سوريا

ويرجع عول في حديثه لـ "حفريات" أسباب تفاقم هذه الظاهرة إلى الفقر والثقافة القبلية والدينية، وانخفاض الوعي، وتدني التعليم والبطالة وغياب القانون، ويضيف: "إنّ حمل السلاح يعني الرجولة لدى الصوماليين، وإنّ الطفل اليافع عند حمله للسلاح يكون قد أصبح رجلاً، وهذا يستهوي الطفل".

وثمة صعوبة كبيرة في إحصاء عدد الأطفال المنخرطين في الصراعات أو الملتحقين، سواء بالجيش أو الجماعات المسلحة، لعدم اعتراف هذه الجهات، ولصعوبة التحقق من ذلك بوسائل عملية دقيقة.

اتهامات حقوقية موجهة للسلطات الرسمية

ومن جانبها، لا تسلم السلطات الصومالية الرسمية من التورط في ممارسات منتهكة حقوق الأطفال؛ حيث تحتجز في بعض الأحيان في ظروف غير إنسانية أطفالاً يواجهون تهماً بصلاتهم مع حركة الشباب، كما تتمّ محاكمة بعضهم في محاكم عسكرية كبالغين، وهو ما يعد انتهاكاً خطيراً لحقوق الأطفال.

وفّرت النزاعات المسلحة التي شهدها الصومال خلال العقدين الماضيين بيئة خصبة لاستقطاب الأطفال

والجدير بالذكر في هذا السياق؛ أنّ الصومال من بين الدولتين الوحيدتين في العالم، اللتين لم توقّعا اتفاقية باريس بشأن حماية الأطفال من التجنيد غير المشروع، أو استغلالهم من قبل القوات أو المجموعات المسلحة.
وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد اتّهمت في تقرير صدر نهاية العام الفائت، السلطات الصومالية باحتجاز غير مشروع لأطفال لهم صلات مزعومة بحركة "الشباب" المسلحة، وأحياناً تحاكمهم في محاكم عسكرية.
ويوضّح التقرير المعنون: "كأننا في السجن دائماً: الانتهاكات ضدّ الصبية المتهمين بجرائم الأمن القومي في الصومال"، الصادر في 85 حدود صفحة، تفاصيل انتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة، وغيرها من الانتهاكات منذ عام 2015، ضدّ الصبية المحتجزين لدى الحكومة؛ للاشتباه بصلاتهم بحركة الشباب.

اقرأ أيضاً: تجنيد الأطفال.. كيف تغسل جماعات إيران أدمغة النشء؟
وعادة ما يتم احتجاز الأطفال المعتقلين في العمليات الأمنية من قبل "وكالة الاستخبارات والأمن القومي" الصومالية في مقديشو، أو "وكالة استخبارات بونتلاند" في بوصاصو، وتتهم المنظمة المسؤولين والحراس بإخضاع الأطفال معاملة قسرية للاستجواب، بما في ذلك عزلهم عن أقاربهم ومستشاريهم القانونيين، وتهديدهم، وفي بعض الأحيان؛ يتمّ ضربهم وتعذيبهم، للحصول على اعترافات في المقام الأول، أو كعقوبة على الكلام أو الفوضى في الزنازين.

تتمّ محاكمة الأطفال في محاكم عسكرية كبالغين، وهو ما يعدّ انتهاكاً خطيراً لحقوق الأطفال

وذكر صبي عمره 16 عاماً احتجز لعدة أشهر في وكالة الاستخبارات والأمن القومي الصومالية، عام 2016، لمنظمة "هيومن رايتس ووتش": "كانوا يأخذونني من زنزانتي ليلاً، ويضغطون عليّ للاعتراف، في إحدى الليالي، ضربوني بشدة بشيء شعرت أنّه عصا معدنية، نزفت لأسبوعين، ولكن لم يعالجني أحد".

اقرأ أيضاً: تجنيد الأطفال سلاح إيراني خفي للسيطرة والنفوذ
ووصف الأطفال أيضاً احتجازهم مع البالغين في ظروف سيئة لأيام دون رؤية أسرهم، وقال صبي عمره 15 عاماً، احتجز إثر اعتقال جماعي عام 2017، ثم احتجزته وكالة الاستخبارات والأمن القومي عدة أسابيع: "لم أستطع النوم ليلاً؛ حيث لم يكن هناك متسع، وعانيت من صداع شديد، ولكن لم أتلقّ أيّ دواء".
ووجدت "هيومن رايتش ووتش"؛ أنّ السلطات تستفيد من نظام قانوني عفا عليه الزمن لمحاكمة الأطفال في المحاكم العسكرية كراشدين، بتهم جرائم أمنية، بما فيها العضوية في "الشباب"؛ حيث حوكم أكثر من 20 طفلاً في محاكم عسكرية ببونتلاند، وحدها منذ عام 2016.
وأشارت المنظمة إلى أنّ الحكومة الاتحادية الصومالية، وعدت بتسليم الأطفال المحتجزين إلى وكالة الأمم المتحدة لحماية الأطفال "اليونيسيف"؛ لإعادة التأهيل، "غير أنّ استجابة السلطات الوطنية والإقليمية في الصومال كانت غير متسقة، وأحياناً تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان".
صدمات نفسية لا تبرأ
إنّ مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة، وتولي كثيراً منهم أدواراً مباشرة في القتال، تجعلهم أكثر وحشية ويرتكبون مجازر دموية، ناهيك عن تعرض هؤلاء الأطفال لآثار نفسية خطيرة على المدى الطويل، وهو ما يجعل من عملية إعادة إدماجهم أمراً بالغ التعقيد.

اقرأ أيضاً: تجنيد الأطفال: إلى اليونسيف مع التحية
وبعض النظر عن ذلك، وسواء تمّ تجنيد الأطفال من قبل "الشباب"، أو تمّ اعتقالهم من قبل الحكومة بتهمة "الإرهاب"؛ فهم في نهاية الأمر ضحايا، ويتعرضون لضروب من الأذى والقتل أو الإصابة.
وتترك هذه الممارسات آثاراً نفسية مدمرة؛ بسبب ما فقدوه وما مروا به من تجارب، ويزيد من آثارها المعاملات القاسية التي يتلقونها من جميع الجهات.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية