"الانفتاح العربي" على العراق .. هل ثمة إدراك للعقبات؟

"الانفتاح العربي" على العراق .. هل ثمة إدراك للعقبات؟


01/04/2019

هناك سيناريو محتمل تُراهن فيه الولايات المتحدة الأمريكية على تقوية العراق كمنصة لصدّ الخطر الإيراني وباقي التهديدات التي تواجه أمريكا في منطقة الشرق الأوسط. غير أنّ ثمة عقبات كبيرة تقف أمام هذه المراهنة، وقد اتضح ذلك مجدداً في الأيام الأخيرة.

اقرأ أيضاً: هل يحاكم العراق معتقلي داعش الأجانب على أراضيه؟
فتصريحات كلّ من الرئيس العراقي، برهم صالح، ورئيس البرلمان العراقي، محمد الحلبوسي، لجهات أمريكية، أشارت بوضوح إلى أنّ الانفكاك العراقي من إيران ليس مسألة سهلة، أقلّ ذلك، على المدى المنظور وربما المتوسط، فالعراق، مثلاً، "يحتاج كهرباء إيران ثلاث سنوات إضافية"، كما صرّح الحلبوسي.

هناك سيناريو محتمل تُراهن فيه أمريكا على تقوية العراق كمنصة لصدّ الخطر الإيراني وباقي التهديدات التي تواجهها بالشرق الأوسط

ويبدو في التقدير الأمريكي أنّ ضعف العراق، وغياب سلطة مركزية قوية تحتكر العنف وتديره يُعَدُّ مصدر قلق للولايات المتحدة، وتحدياً أساسياً للرؤية الأمريكية للشرق الأوسط، التي تتبناها إدارة الرئيس دونالد ترامب، وهي رؤية تفترض أن يكون العراق موحداً آمناً مستقراً، وبعيداً عن هيمنة المليشيات المنضوية بطريقة شبه رسمية وغامضة في مؤسسات الدولة... حتى يكون مؤهلاً للانخراط في الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، لا سيما، وأن لدى العراق، كما يقول الخبراء، "قوة كامنة" تساعده على لعب أدوار مهمة في الإقليم، لكنه ما يزال يفتقر إلى قيادة قوية وقادرة على تحويل "القوة الكامنة" إلى "قوة حقيقية".

اقرأ أيضاً: إيران تسعى لمنح الجنسية العراقية لهؤلاء.. هل تنجح؟
في هذه الأجواء، جاءت مطالبة رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، خلال زيارته واشنطن الجمعة الماضية، الإدارةَ الأمريكية بتمديد الإعفاء الممنوح لبلاده من العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران؛ لأنّ بغداد، برأيه "لا يمكنها أن تستغني عن استيراد الكهرباء من إيران قبل ثلاث سنوات". وقد قال الحلبوسي خلال زيارة إلى "معهد السلام الأمريكي" في واشنطن "نأمل تمديد هذا الإعفاء، إلى حين تمكّن العراق من الوقوف على قدميه اقتصاديّاً".
الحلبوسي، كما نقلت عنه قناة "الحرة"، كان أكثر تفصيلاً وهو يتحدث عن هذه المسألة، فراحَ يقول إنّ العراق يستورد 30% من احتياجاته من الطاقة، وهو بحاجة لثلاثة أعوام تقريباً كي يحقّق اكتفاءه الذاتي على صعيد توليد الطاقة الكهربائية، معتبراً، في تلميح إلى إيران، أنّ "أي خطوة متسرّعة وغير محسوبة باتّجاه تبنّي سياسات وإجراءات ضدّ دول في هذه المنطقة، سيكون لها تأثير سلبي على المنطقة".

اقرأ أيضاً: ماذا يريد روحاني من العراق؟!
إنّ معضلة "التوازن" في علاقات العراق الخارجية، الإقليمية والدولية، ظهرت في جانب آخر أيضاً، فقد صرح الرئيس العراقي، برهم صالح الجمعة الماضية بأنه لا يرى أي معارضة "جدية" عندما يتعلق الأمر بوجود قوت أمريكية في العراق؛ طالما أنها ستبقى هناك لمهمة محددة تتمثل في المساعدة في محاربة تنظيم "داعش"، وهي معركة لم تنتهِ برأيه.
وقد ذهب الحلبوسي، في هذه المسألة، مسافة أكثر وضوحاً بقوله في تصريحات لصحيفة "الشرق الأوسط" أمس، إنّ الوجود الأمريكي "ضمانة للعراق"، لافتاً الأنظار إلى أن الاقتراحات التي صدرت عن بعض الكتل النيابية بتقديم مشروع قانون يدعو إلى خروج القوات الأمريكية "سحبت نهائياً من التداول".
رئيس المؤسسة التشريعية قال إنه لا يذيع سراً عندما يقول إنّ هناك "عدم ارتياح من التدخل الإيراني" في بلاده، مشيراً إلى تساؤلات "عن كيفية إنهاء تدخل طهران، سواء في العراق أو في المنطقة"، مضيفاً أن "العلاقة معها يجب أن تقوم على قاعدة الاحترام المتبادل واحترام سيادة العراق".

اقرأ أيضاً: روحاني يستدرج العراق إلى ساحة المواجهة مع واشنطن
ما يُستخلص من التدقيق في هذه التصريحات، هو أنه من الصعب أنْ تُلاقي أيُّ سياسات انفتاحية عربية على العراق النجاحَ وتحقيقَ الأهداف ما لم تتفطن إلى هذا المعطى، الذي يحكم علاقات العراق في الداخل والخارج. فالواقعية والعقلانية السياسية تقتضيان الإقرار بأوزان اللاعبين على الأرض، وإدراك ما يتوافرون عليه من أوراق قوة وأوراق ضعف. هذا يستلزم الإقرار بأن الغياب العربي عن العراق الجديد ما بعد سقوط نظام صدام حسين له أكلافه، وأن استعادة زمام المبادرة أمامها عقبات، وتتطلب وقتاً، حتى لو كانت الجهود تسير في اتجاهها الصحيح؛ نحو استعادة العراق كفاعل في المحيط العربي، وبما لا تتعارض مصالحه مع مصالح الجوار العربي.
وعلى الأغلب، لا يبدو حتى الآن أنّ هناك استراتيجية متكاملة أو رؤية شاملة في السياسة الخارجية العراقية لتحقيق ذلك، وهناك صعوبة قوية في إنتاج "التوازن"، وفي فهم معناه الحقيقي والدقيق والتفصيلي، في إطار علاقة العراق مع الإقليم، خصوصاً في مرحلة ما بعد هزيمة "داعش" عسكرياً. كما أنّ هناك التباساً في المؤسسية العراقية، وعقيدة العراق الدبلوماسية في إدارة مصالحه في المنطقة، وترتيب أولوياتها.

لدى العراق "قوة كامنة" تساعده على لعب أدوار مهمة بالإقليم لكنه ما يزال يفتقر لقيادة قادرة على تحويلها إلى "قوة حقيقية"

ومن المهم الانتباه كذلك، إلى أنه يصعُب الحديث عن رؤية عربية متناسقة تجاه العراق، بل ثمة رؤى مختلفة، وأحياناً متنافسة ومتعارضة ومتصارعة، ما يجعل الحديث عن "انفتاح عربي" على العراق من أجل تحقيق أمن عربي جماعي مشترك مسألة نسبية تنطوي على كثير من التجوّز والتساهل والتفاؤل. زد على ذلك، أن الجانب الأمريكي، حتى الآن، لم يُظهر ما فيه الكفاية من الجدية والإرادة والموارد اللازمة للاستثمار في العراق، كشريك استراتيجي للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، من أجل وقف التدخلات الإيرانية في شؤونه، وإبعاده عن أن يكون ساحة للاستقطابات الإقليمية وطرفاً في الصراع بين الولايات المتحدة وإيران، أو بين الأطراف العربية وإيران. بل إنّ غير المتفائلين يذهبون إلى أنه جرت العادة قيام تفاهمات أو توافقات ضمنية بين واشنطن وطهران؛ لإدارة مصالحهما في العراق؛ بعيداً عن سيناريوهات المواجهة الحادة، وكسر العظم، الذي قد يصل إلى المواجهة العسكرية. وحتى الآن ليس ثمة ما يؤكد في شكل حاسم أنّ وضعاً كهذا قد انتهى كليّة من قائمة الخيارات الأمريكية في التعامل مع العراق، والتعامل مع النفوذ الإيراني فيه، وهي مسألة جديرة بالتأمل لدى مقاربة عقبات "الانفتاحات" العربية على العراق.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية