ماذا بعد تلاشي النشوة المبكرة لوصول آبي أحمد إلى الحكم في إثيوبيا؟

إثيوبيا

ماذا بعد تلاشي النشوة المبكرة لوصول آبي أحمد إلى الحكم في إثيوبيا؟


08/04/2019

مهّد وصول آبي أحمد إلى سدة حكم الساحة الإثيوبية؛ حدوث سلسلة إصلاحات سياسية واقتصادية دراماتيكية، وبرز آبي أحمد، الذي تخصّص في دراسة القيادة التحولية "Transformational Leadership"، كقائد إصلاحي يتبنّى رؤية لإنقاذ بلد يواجه تحديات مصيرية تهدّد تماسكه الوطني؛ حيث قاد، خلال العام الماضي، سلسلة إصلاحات حقيقية في بنى المجتمعات وتنميتها.

اقرأ أيضاً: إثيوبيا.. حكومة نسائية أقل فساداً وأكثر انضباطاً
وكانت الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الحاكمة في إثيوبيا انتخبت، في الثاني من نيسان (أبريل) 2018، آبي أحمد، البالغ من العمر 42 عاماً، رئيساً للوزراء، خلفاً لهايلي ماريام ديسالين، الذي استقال على خلفية احتجاجات شعبية واسعة.
الآن، بعد مرور عام من انتخابه، ومع تلاشي النشوة المبكرة التي رافقت عملية وصوله للحكم، والتي أطلقت عليها مجلة "الإيكونومست" بظاهرة "أبيمانيا"، ما يزال عدم اليقين يخيّم على الملفات الأكثر سخونة في البلد. لكن، وعلى وجه الإجمال؛ فإنّ آبي أحمد قطع شوطاً طويلاً من الإصلاحات على مدى العام الماضي.

اقرأ أيضاً: مَن يسعى لزعزعة الاستقرار في إثيوبيا والقرن الإفريقي؟
وبالنظر إلى الانقسامات الاجتماعية الهائلة في إثيوبيا، واتساع نطاق مشاكلها وعمقها، يقول المراقبون للوضع إنّ الحفاظ على مثل هذا المسار الإصلاحي يتطلب قدرات خارقة للطبيعة، وتحتاج إدارة آبي أحمد، لإنجاح هذا المسار، إلى تعميق الممارسات الديمقراطية، وإضفاء الطابع المؤسسي على الإصلاحات السياسية والاقتصادية الشاملة.

قاد خلال العام الماضي سلسلة إصلاحات حقيقية في بنى المجتمعات وتنميتها

أهم الإنجازات الرئيسة خلال عام
استولى رئيس الوزراء، آبي أحمد، على تحالف منقسم بشدة وبلد يواجه أزمات سياسية وأمنية وإنسانية، لا تعد ولا تحصى؛ كانت البلد تشهد حالة الطوارئ الثانية، خلال أقل من عامين، كما كان يقبع في السجن عشرات الآلاف من المواطنين في قضايا سياسية، بمن فيهم الصحفيون، وكانت البلاد تواجه تحدّي إعادة توطين لحوالي 2.4 مليون نازح داخلي.

تقف في طريق آبي أحمد تحديات جمّة؛ فهناك ملايين النازحين داخلياً، وما تزال النزاعات العرقية وجيوب العنف قائمة

ولهذا، استقبل معظم الإثيوبيين تعيين آبي أحمد، بتفاؤل وأمل لم يسبق لهما مثيل في جميع أنحاء إثيوبيا وحول العالم. وبدوره؛ دعا أحمد على الفور الخصوم التاريخيين للجبهة الشعبية الثورية الفارين إلى الخارج، والمصنّفين كإرهابيين، إلى العودة إلى ديارهم والانخراط في العمل السياسي السلمي، كما شكّل رئيس الوزراء لجاناً لتسوية النزاعات الحدودية بين الأقاليم الفيدرالية، لإنهاء العنف بين الأعراق والطوائف المختلفة.
كما أعلن رفع الأحكام العرفية، وأطلق سراح السجناء السياسيين، واعتذر عن العنف والتجاوزات التي ارتكتبها الدولة، وعقد اتفاقية مصالحة تاريخية مع إريتريا المجاورة؛ منهياً بذلك سحابة عداوة استمرت عقدين من الزمن.
وللمرة الأولى منذ سبعينيات القرن الماضي، لا توجد في إثيوبيا اليوم مجموعة متمردة تقاتل لإسقاط الحكومة في أديس أبابا بالقوة؛ لأنّ آبي أحمد فتح الفضاء السياسي أمام الجميع، ويوجد اليوم أكبر عدد من الصحف الخاصة في تاريخ إثيوبيا، وللمرة الأولى منذ أكثر من عقدين، لا يوجد صحفي وراء القضبان في البلاد؛ إذ ازدهرت حرية التعبير والصحافة بشكل لم يسبق له مثيل من قبل، لدرجة أنّ الكثيرين يطالبون الآن علانية بوضع بعض القيود، لأجل وضع حدٍّ للكراهية والتحريض بين المكونات الاجتماعية.

اقرأ أيضاً: إليكم تفاصيل القمة الإماراتية الإريترية الإثيوبية
وإضافة إلى ذلك، وفيما يخص الاقتصاد؛ أعلن آبي أحمد، عن خطط لخصخصة الشركات الرئيسة المملوكة للدولة جزئياً، بما في ذلك الخطوط الجوية الإثيوبية، و"Ethian Electric Power Corporation"، ومزود الاتصالات الوحيدEthioTelecom" "، كما تمّت خصخصة مجموعة من المؤسسات الحكومية متوسطة الحجم، مثل؛ مزارع السكر والمجمعات الصناعية، بالكامل، ووُضعت سياسات منتفحة لجذب الاستثمارات الخارجية.
الساحة الدبلوماسية
في الساحة الدبلوماسية؛ أعاد آبي أحمد إحياء العلاقات الدبلوماسية التي كانت مشحونة سابقاً مع الدول المجاورة، وكمحاولة لتعزيز مكانة بلاده كقوة إقليمية في القرن الأفريقي؛ سعى رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، خلال عامه الأول، إلى الاستفادة من الاندفاعة الخليجية، سيما من قِبل الإمارات وقطر اللتين زارهما في نهاية الشهر الماضي، في جولة هي الأولى له منذ توليه منصبه، في نيسان (أبريل) من العام الماضي، وركزت المحادثات التي أجراها مع الجانبين على الملفات الاقتصادية واستقرار الوضع في منطقة القرن الأفريقي.
واستضاف آبي أحمد، خلال عامه الأول، جميع قادة شرق إفريقيا تقريباً، واستضاف بعضهم لأكثر من مرة، للتوسط في اتفاقيات السلام، أو لإجراء مفاوضات ثنائية وثلاثية، كما استحوذت إثيوبيا، خلال العام الذي حكمه آبي أحمد، على حصص في الموانئ الإريترية والجيبوتية والكينية والصومالية والسودانية؛ من أجل تنويع فرص وصوله إلى المنافذ البحرية.

خلال حكمه استحوذ آبي أحمد على معظم موانئ المنطقة لتنويع فرص وصول بلاده للمنافذ البحرية

تحديات كبيرة
مع كل تلك الخطوات الكبيرة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية التي اتخذها آبي أحمد خلال الأشهر الـ 12 الماضية، ما تزال تقف في طريقه تحديات جمّة؛ فهناك ملايين النازحين داخلياً في جميع أنحاء البلاد، وما تزال النزاعات العرقية وجيوب العنف قائمة في أنحاءٍ كثيرة من البلاد.

يرجح أن تكون انتخابات عام 2020 بمثابة استفتاء حول قضيتين مهمتين إحداهما هي الوضع المثير للجدل لمدينة أديس أبابا

كما أنّ الأمل والضجة اللذين رافقا صعود آبي أحمد السريع إلى السلطة تسبّبا بتوقعات مبالغة. وتعتقد ميريرا جودينا، رئيسة حزب المعارضة المتعددة الأعراق، وأستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة أديس أبابا، في تصريح لها لمحطة "دويتشه فيله" الألمانية أنّ آبي أحمد يستحق الإشادة لتعديله التشريعات القمعية التي كبّلت المجتمع المدني ووسائل الإعلام، ومع ذلك، تستدرك: لم يتم وضع خريطة طريق للانتخابات في عام 2020، والقضايا السياسية الأخرى. وتعرب عن أسفها "لعدم وجود إجماع وطني بين الأحزاب السياسية، البالغة نحو 107 حزب سياسي".
المزاج العام هو أيضاً بدأ يتراجع، ويميل إلى الإحباط، ويقول كثيرون من الشباب، بحسب استطلاع نشرته محطة "دويتشه فيله"، في الثاني من نيسان (أبريل) الجاري إنّ إصلاحات آبي أحمد بشرت بحرية التعبير، لكن لم توفر لهم غير ذلك، ويرون أنّ آبي أحمد هو النتيجة المباشرة لكفاحهم وتضحياتهم، لكن الاقتصاد معطل وغير قادر على توفير وظائف لهم.
ومن جانبه، يؤكد آبي أحمد؛ أنّ إدارته تركز على إصلاح الاختلالات الكبيرة التي يعانيها الاقتصاد الإثيوبي، من خلال إعادة التفاوض على القروض الخارجية، واتخاذ تدابير تقشفية مالية صارمة، ومع ذلك، يرى المراقبون للوضع؛ أنّ البيروقراطية الحكومية المتضخمة تقف عائقاً أمام إصلاحات آبي أحمد السريعة الخطى.

يتحتّم على آبي أحمد السعي إلى حصول شرعية ديمقراطية لحلّ معضلات البلاد

آفاق المستقبل
يعطي آبي أحمد أولوية خاصة لإجراء أوّل انتخابات ديمقراطية حقيقية في البلاد، ولإظهار التزامه؛ عيّن، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، بيرتوكان ميدكسا؛ وهو سجين سابق وزعيم معارض بارز، لرئاسة المجلس الوطني للانتخابات، ووقع مؤخراً مدونة قواعد السلوك مع المعارضة لضمان تركه للسلطة في حال خسارته في الانتخابات المقبلة.

اقرأ أيضاً: لهذه الأسباب منحت الإمارات الرئيسين الإريتيري والإثيوبي وسام "زايد"
ومن المرجح أن تكون انتخابات عام 2020 بمثابة استفتاء حول قضيتين تهيمنان الآن على المشهد السياسي الإثيوبي: إحداهما هي الوضع المثير للجدل لمدينة أديس أبابا، وهي مدينة مختلطة عرقياً، يزيد عدد سكانها عن أربعة ملايين نسمة، ومحاطة بمستوطنات قومية الأورومو، وكان التوسع السريع للمدينة على الأراضي الأورومية سبباً لاضطرابات استمرت لأكثر من عامين. والقضية الثانية هي مستقبل الفيدرالية الإثيوبية نفسها.
ويحاول آبي أحمد إرضاء نشطاء قومية أورومو، الذين يريدون استعادة "الحقوق التاريخية" على المدينة، مع طمأنته في الوقت نفسه قطاعات المجتمع الأخرى؛ بأنّ المدينة ملك لكلّ الإثيوبيين، ويعكس التحوّط الذي يظهره آبي أحمد مدى تعقيدات الوضع في بلد تتشابك فيه الهويات العرقية والدينية.

اقرأ أيضاً: لماذا تأخرت المصالحة بين إثيوبيا وإريتريا عشرين عاماً؟
لكن، بالمجمل؛ يمثل كلّ من وضع مدينة أديس أبابا المتنازع عليها، وإشكالية الطابع العرقي التي تهدّد الاتحاد الفيدرالي الإثيوبي، فضلاً عن دور قوات الشرطة المتهمين بانتهاكات حقوق الإنسان والدستور الإثيوبي، الذي يسمح للأقاليم بالحقّ في الحكم الذاتي وحقّ الانفصال، تحدياً حقيقياً، يقول المراقبون عنه إنّه لا يمكن حله دون شرعية ديمقراطية، وهي ما يحتّم على آبي أحمد السعي إلى حصولها، خاصة أنّ الحزب الحاكم الذي، يمثله أحمد حالياً، يتمتّع بشرعية مشكوك فيها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية