هذا ما قالته منظمات حقوقية عن حرية التعبير في الجزائر

هذا ما قالته منظمات حقوقية عن حرية التعبير في الجزائر


كاتب ومترجم جزائري
08/04/2019

ترجمة: مدني قصري


أشارت منظمة العفو الدولية، مرة أخرى إلى الجزائر، كدولة يتعين عليها القيام بجهد في مجال حقوق الإنسان؛ ففي بيان صدر في 2017، قالت المنظمة غير الحكومية: إنّها "تشعر بقلق عميق إزاء التهديدات والمضايقات المستمرة للمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والمتظاهرين المسالمين في الجزائر".
تقدّم وتراجع
وأشار البيان إلى أنّه "بينما ترحب منظمة العفو الدولية بقبول الجزائر للتوصيات المتعلقة بجعل تشريعاتها المتعلقة بحرية تكوين الجمعيات والتجمع مطابقة تماماً لمعايير الدولية لحقوق الإنسان؛ فإنّ منظمة العفو الدولية تدعو إلى التزام السلطات علناً بآجالٍ لوضع اللمسات الأخيرة لهذه العملية".

يساور منظمة العفو الدولية القلق إزاء عدد عمليات الاعتقال التي حدثت منذ بداية المظاهرات

كما دانت منظمة "مراسلون بلا حدود" قمع الصحافة، على هامش مظاهرات الاحتجاج في الجزائر، ومنذ اندلاع الاحتجاجات في البلاد على ولاية عبد العزيز بوتفليقة الخامسة، وثقت "مراسلون بلا حدود" عدداً مثيراً للقلق من حالات العنف إزاء الصحف: الاعتقالات، والاعتداءات، وفرض الحظر على الغطاء الإعلامي، ومصادرة المواد والضغط على وسائل الإعلام العامة، وتباطؤ شبكة الإنترنت.
وقالت ("مراسلون بلا حدود"Reporters Sans Frontières)؛ وهي منظمة غير حكومية تنشد حرية الصحافة، وتتخذ من باريس مقراً لها، منذ 22 شباط (فبراير) 2019: تبذل السلطات الجزائرية قصارى جهدها لإخماد الصحفيين ووسائل الإعلام الذين يرغبون في الإدلاء بشهاداتهم حول المظاهرات الكبرى، التي تهز البلاد للاحتجاج على ترشيح عبد العزيز بوتفليقة لفترة رئاسية خامسة، في الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 نيسان (أبريل) المقبل، لقد مُنع العديد من الصحفيين من التغطية، وتعرض بعضهم للاعتداء العنيف على أيدي ضباط الشرطة، اعتُقل الصحفيون الذين يفضلون عدم الكشف عن هويتهم، خشية على سلامتهم في وسط مدينة الجزائر، وصودرت معداتهم، وفي مواجهة ضغوط الشرطة، اضطر آخرون إلى حذف صورهم، كما تمّ اعتقال العديد من الصحفيين الآخرين لعدة ساعات قبل إطلاق سراحهم".

منذ 22 فبراير، خرج ملايين الجزائريين إلى الشوارع
وقال صهيب خياطي، مدير مكتب "مراسلون بلا حدود" في شمال إفريقيا: "مراسلون بلا حدود يشعرون بالقلق من هذه الحملة على الصحافة الجزائرية، التي لا تعكس إلا الأخبار السياسية لبلادها"، لم تعد السلطات الجزائرية تكتفي بالضغوط الاقتصادية والقضائية التي لا حصر لها، التي تفرضها على الصحفيين ووسائل الإعلام؛ فهي تهاجم الصحفيين وتعتقل وتمنع تداول المعلومات، ندعو السلطات إلى التوقف عن عرقلة عمل الصحفيين والإعلاميين الذين لا يقومون إلا بعملهم الإعلامي وبالمشاركة في النقاش العام حول حدث كبير في السياسة الجزائرية ".

اقرأ أيضاً: الجزائريون يرفضون المرحلة الانتقالية.. هذه هي الأسباب
في يوم السبت 23 شباط (فبراير): أعلنت مريم عبده، الصحفية ورئيسة تحرير "القناة الإذاعية 3" (إذاعة عامة)، على وسائل التواصل الاجتماعي، استقالتها، احتجاجاً على عدم وجود تغطية إعلامية لاحتجاجات 22 فبراير، تم إخطار الصحفية التي أعلنت أنها تركز الآن فقط على برنامجها "L'Histoire en marche" باعتقالها.
إضافة إلى ذلك؛ لاحظت "مراسلون بلا حدود" اضطرابات كبيرة على الإنترنت، وكان الوصول إلى الشبكات الاجتماعية صعباً للغاية، منذ 21 شباط (فبراير) 2018، وبالتالي منع تداول المعلومات، لكن في بيان لها نفت شركة "الجزائر تليكوم" أن تكون وراء الانقطاعات.
تحتل الجزائر المرتبة 136 من أصل 180 في مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2018 الصادر عن "مراسلون بلا حدود".
إصرار وتفاؤل
تقول ياسمين كاشا، الباحثة في منظمة العفو الدولية عن الجزائر والمغرب والصحراء الغربية: إنّ السلطة يجب أن تنهي الاعتقالات التعسفية للأشخاص الذين يطالبون بالتغيير.

لم يسبق للجزائريين منذ عقود من الزمان أن تمسكوا بحرية التعبير والتجمّع بهذا القدر من الشدة والإصرار

منذ 22 شباط (فبراير)؛ خرج ملايين الجزائريين إلى الشوارع في جميع أنحاء البلاد، ومعظمهم من دون عنف، للاحتجاج على محاولة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة البقاء في السلطة، وهي حركة لم يكن يمكن تصوّرها قبل بضعة أشهر فقط؛ ففي مواجهة الضغوط، أعلن بوتفليقة، البالغ من العمر 82 عاماً، والذي ظلّ في السلطة منذ 20 عاماً، يوم الإثنين 1 نيسان (أبريل)؛ أنه سيستقيل قبل نهاية ولايته في 28 نيسان (أبريل).
في الوقت نفسه؛ تواصلت المظاهرات، لم يسبق للجزائريين منذ عقود من الزمان أن تمسكوا بحرية التعبير والتجمع بهذا القدر من الشدة والإصرار، ياسمين كاشا: "خلال الأسبوعين اللذين قضيتهما مؤخراً في مهمة في الجزائر، كان من الرائع أن أشعر بروح التفاؤل التي تجتاح البلاد، وكذلك الاعتقاد بأن التغيير لا مفر منه".

روح التفاؤل تجتاح البلاد
الجزائريون مقتنعون بأنّ لا شيء يمنعهم من التعبير عن معارضتهم لِما يسمّونه "عصابة اللصوص"، حتى السلطات بدت أكثر تساهلاً مع المعارضة، مما سمح بتنظيم المظاهرات في الجزائر العاصمة، وفي أماكن أخرى من البلاد، رغم الحظر الفعلي للمظاهرات التي كانت سارية في العاصمة، منذ عام 2001، والحظر الجنائي لجميع المظاهرات غير المصرّح بها، الوضع يسير في الاتجاه الصحيح، لكن هناك الكثير مما يجب عمله لتحقيق تغييرات إيجابية في حقوق الإنسان في الجزائر.
اللجوء المفرط للقوة
على وجه الخصوص، يجب على الدولة الجزائرية رفع جميع القيود المفروضة على الحقّ في حرية التعبير والتجمع السلمي، ووضع حدّ للاعتقالات التعسفية للأشخاص الذين يطالبون بالتغيير، كما يجب عليها أن تتخلى عن الدعاوى القضائية لأسباب سياسية، بما في ذلك ضد الناشط المسجون، الحاج غرمول، الذي تطالب منظمة العفو الدولية بالإفراج عنه، يجب على الجزائر أيضاً أن تعالج الظلم المرتبط بنظام "الحُقرة" (أي التعسف والظلم)، وهي كلمة جزائرية تُستخدم عادة لوصف التجاوزات والقمع الذي تمارسه الدولة، فضلاً عن الإفلات من العقاب الذي يصاحب هذه التجاوزات التعسفية.

اقرأ أيضاً: الشارع الجزائري يرفض المؤسسة العسكرية كبديل لنظام بوتفليقة
رغم أنّ الاحتجاجات كانت إيجابية إلى حدّ كبير، إلا أنّ هناك تقارير مقلقة للغاية عن الاستخدام التعسفي أو المفرط للقوة من قبل الشرطة التي استخدمت الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي ضدّ متظاهرين لم يمارسوا أيّ عنف، والتي لجأت إلى استعمال خراطيم المياه العنيفة وأسلحة الدفع الكهربائي، للسيطرة على الحشود، كان معظم المتظاهرين سلميين، لكن بعضهم ألقوا الحجارة على رجال الشرطة عندما بدؤوا بإطلاق الغاز المسيل للدموع.
خلال إقامتي في الجزائر؛ التقيت صبياً يبلغ من العمر 14 عاماً، أصيب في 22 آذار (مارس) برصاصة مطاطية أطلقها رجل شرطة، لقد وجدته يعالج جرحه في درج مبنى في الجزائر العاصمة، أخبرني أنه جاء من حيّ باب الواد (من أحياء العاصمة الشعبية)، وأنه كان يتظاهر بسلام كلّ يوم جمعة، قال هذا الفتى الشجاع إن إصابته لن تمنعه من العودة للاحتجاج من أجل تغيير النظام.
قلق منظمة العفو الدولية
يساور منظمة العفو الدولية القلق أيضاً إزاء عدد عمليات الاعتقال التي حدثت منذ بداية المظاهرات؛ تمّ إطلاق سراح بعض المعتقلين بعد ساعات قليلة، هذا هو الحال مع عشرة صحفيين قُبض عليهم، في 28 شباط (فبراير)، أثناء مظاهرة مؤيدة لحرية الصحافة التي شاركوا فيها، أو التي نفذوا فيها التغطية الإعلامية، يحاكم ما لا يقل عن 20 شخصاً شاركوا في الاحتجاجات لمشاركتهم في "تجمعات غير مسلحة"، وهي تهمة تُستخدم لتجريم الاحتجاجات السلمية، بينما تتم محاكمة آخرين بسبب أعمال عنف وسرقة.

الوضع يسير في الاتجاه الصحيح، لكن هناك الكثير مما يجب عمله لتحقيق تغييرات إيجابية في حقوق الإنسان في الجزائر

لقد تحدثت إلى أحد أقارب أحد الأشخاص الذين تمّت محاكمتهم في أعقاب احتجاجات 15 آذار (مارس)، أخبرني أن شقيقه قُبض عليه ومثُل أمام قاضٍ، في 17 آذار (مارس)، واتُّهم بالمشاركة في "تجمع حاشد" بموجب المادة 97 من قانون العقوبات الجزائري، تمّ إطلاق سراح الرجل لاحقاً، لكن تمّ استدعاؤه إلى المحكمة في 23 أيار (مايو)، هناك 19 شخصاً آخرين، على الأقل، يعيشون الموقف نفسه الذي يعيشه هذا الشخص.
كل أسبوع تقريباً، تعلن الشرطة عشرات الاعتقالات، بعضها بسبب المشاركة في "تجمع غير مسلح"، أخبرني أحد المحامين، عبد الغني بادي، بأنّ الوقت قد حان كي تتوقف السلطات الجزائرية عن أن تستعيد بيدٍ ما أعطته باليد الأخرى"، في إشارة إلى حقيقة أن الناس يحاكمون بتهمة "تجمعات غير مسلحة"، في حين أن الدستور يضمن الحقّ في حرية التجمع.
في بعض الحالات، اعتُقل المحتجون بشكل تعسفي لبضع ساعات قبل إطلاق سراحهم، وأحياناً في عزّ الليل، على بعد عدة كيلومترات من الجزائر العاصمة، يقال إنّ هذه المناورات تهدف إلى إرسال تحذيرات إلى الأشخاص الذين يحتجون، حتى يفكروا في "عواقب أفعالهم".
المطالبة برحيل بوتفليقة

مخاوف من الانتقام في المستقبل
في 24 شباط (فبراير)، قُبض على فارس بدوش بالقرب من ساحة أودين في الجزائر العاصمة، واحتُجز لأكثر من 12 ساعة؛ إنه يعتقد أنه كان مستهدفاً بصفته ناشطاً في (الجيل الجديد)، وهو حزب سياسي عضو في جماعة "المواطنة" التي أطلقت الدعوة للاحتجاج في ذلك اليوم.
"هذا الاعتقال غير مبرر ويقوّض حقوقي الأساسية، حتى الشرطة لم تكن قادرة على أن تخبرني لماذا تم اعتقالي"، هكذا قال لي فارس، لقد كانوا في انتظار مكالمة هاتفية لإخلاء سبيلي من مركز الشرطة في تيسالا المرجة (بلدية في ولاية الجزائر العاصمة)، على بعد أكثر من 25 كيلومتراً من مكان اعتقالي.

اقرأ أيضاً: بعد استقالة بوتفليقة.. ماذا يريد الجزائريون؟
أخبرني الكثير من الأشخاص الذين تحدثت إليهم أنهم يخشون الانتقامات في المستقبل، خاصة ضدّ الصحفيين والقضاة والمحامين، الذين أعربوا عن دعمهم للاحتجاجات، أو طالبوا بحرية الصحافة واستقلال القضاء، خلال إقامتي في البلاد، جمعت معلومات حول حالات أربعة أشخاص، صحفي وقاضيان ومحامٍ، واجهوا تهديدات أو تدابير تأديبية لإعلانهم دعمهم للمظاهرات، أو رفضهم إدانة أشخاص من المتظاهرين دون أدلة كافية.
الصحفيون الأجانب مقيدون في أنشطتهم أيضاً؛ في 31 آذار (مارس)، تم ترحيل الصحفي في "رويترز"، طارق عمارة، بعد اعتقاله أثناء تغطيته لمظاهرة ضدّ الرئيس بوتفليقة.
فرصة جديدة في حقبة جديدة
وقالت حسينة أوسيدك، مديرة منظمة العفو الدولية في الجزائر: "تواجه الجزائر فرصة فريدة للدخول في حقبة جديدة لحقوق الإنسان"، يجب أن تضمن الدولة حماية الحريات الأساسية، وأن يتمتع جميع الجزائريين بالوصول إلى العدالة، هذه أولويات".
دعونا نأمل في أن تتمكن الدولة الجزائرية من إظهار أنها سمعت أصوات ملايين الجزائريين والجزائريات التي تطالب بالتغيير بصوت عالٍ وبإلحاح.


المصدر: lemonde.fr/afrique

الصفحة الرئيسية