نتنياهو وإيران.. وعسر الهضم

نتنياهو وإيران.. وعسر الهضم


14/04/2019

رضوان السيد

تجمع لنتنياهو من عناصر النجاح ما لم يتجمع لا لهرتزل ولا لبن غوريون وبيغن ورابين وشارون مجتمعين. لقد استطاع بفضل إدارة ترامب (بل وبوتين) أن يُرضي جشع الشعبويين الدينيين والمستوطنين، وكل الذين يريدون العيش على ظهور الفلسطينيين. يكون المرء ساذجاً إن لم ير توافُقاً أو تنافُساً بين إدارة ترامب وإدارة بوتين في مراعاة نتنياهو واحتضانه. هذا يضم إليه الجولان قبل أسبوعين من الانتخابات، وذاك يهديه رُمّة جندي إسرائيليٍ قُتل في لبنان عام 1982. بل أهداه الروسي ما هو أكبر: الموافقة على الغارات الإسرائيلية على قواعد لإيران وأتباعها في أنحاء سوريا. كنا نظن أن المطلوب الابتعاد 60 كيلومتراً عن الحدود مع إسرائيل، وتبين حتى بعد سقوط الطائرة الروسية، أنّ الإسرائيليين يمكنهم الإغارة على مبعدة 200 كلم. يقول العسكريون الإسرائيليون إنهم كانوا من قبل يضربون القوافل المحملة بسلاح إلى «حزب الله» عبر سوريا، أما بعد 2016 فحاول الإيرانيون إنشاء قواعد صاروخية ومصانع صواريخ في سوريا. وهم متحيرون: هل يكونون آمنين أكثر في سوريا، رغم أنهم دويلة أقوى من الدولة في لبنان؟ أم أنهم لتوسيع الجبهة يريدون أن يستطيعوا الهجوم من محورين في حالة نشوب الحرب. وفي الأسابيع الأخيرة قالت أوساط «حزب الله» إنه في حالة نشوب الحرب يمكنهم الهجوم من لبنان وسوريا والعراق، وغزة أيضاً!
ويذكر المراقبون أن سبب دعم ترامب غير المشروط لنتنياهو هو كسب الأصوات اليهودية في الولايات المتحدة وقد اقتربت الانتخابات، وما تزال نسبة يهودية كبيرة من داعمي الحزب الديمقراطي. ورغم أن هذا السبب غير كافٍ لتعليل سياسات ترامب الكاسحة ضد الفلسطينيين، فما هي الأسباب التي تُحرِّكُ الروس لهذا الدعم المتحمس لنتنياهو شخصياً؟ هناك من يقول: لإزعاج الإيرانيين وإزعاج بشار الأسد. وهناك من يقول: إنّ الطرفين الروسي والأميركي يريدان شراكته في حلٍ «معقولٍ» مع الفلسطينيين. ولهذا تأتي كل هذه الإغراءات، مع أنّ الجنرالات الذين ترشحوا كانوا لو شكلوا الحكومة أكثر تجاوُباً مع إمكانيات حلٍ متوازن نسبياً. العذر أنّ الجميع تعودوا على نتنياهو، حتى «حماس» و«الجهاد الإسلامي» والقطريين وأردوغان!
نتنياهو لا يستطيع ابتلاع هذه الكمية الضخمة من الحلوى، كما أنّ المأكولين لا يستطيعون إعدام أنفسهم لكي يستسيغ نتنياهو افتراسهم! ولذا فالمخيف أن تكون للجميع مصلحةٌ في الحرب، حرب يقدم عليها القوي والضعيف بنفس الحماس: حماس الفائض القوة، وحماس اليأس الذي يصبح فيه الموت والحياة سيّان!
وأين هي إيران من هذه المائدة التي تجلس إليها منذ سنواتٍ في لبنان والعراق وسوريا واليمن؟
إيران هاوية للاستعمار في زمنٍ ما عاد فيه استعمار غير ذلك الإسرائيلي في فلسطين. ولا يقدمُ المسؤولون الإيرانيون تعليلاً مقنعاً لذلك: فمرةً إلحاق مضيق هرمز وباب المندب وبحر عُمان وبحر العرب.. بل والمحيط، ومرةً نُصرة التشيع في سوريا ولبنان واليمن، ومرةً الوصول إلى مياه البحر المتوسط، ومرةً للإعجاب ببطولة نصر الله وحزبه! وهي أسباب ما عادت تُقنع الشعب الإيراني الجائع. المهم أنّ إيران تجد من يصرخ مؤيداً مشروعها.
هناك عملٌ مكثفٌ من جانب إيران لثلاثة عقود، ولا يعرض الأميركيون الآن على إيران إلاّ الانسحاب أو الاختناق. لكنّها تريد أن تعرف ماذا تكسب إن انسحبت؟ وهي تقول لأنصارها: نحن باقون والحرب والسلم عندنا سيّان، ولا تنسوا أننا نجحنا من قبل، ونستطيع النجاح الآن! هل يستطيع الإيرانيون التصعيد في سوريا أو العراق أو لبنان، رغم أن القوى الكبرى وإسرائيل حاضرة؟!
إنما، وبسبب ذهنية القوة والجبروت، يمكن أن تغامر إيران بالحرب باعتبار أنها لا تخسر شيئاً! بالأمس كان الحزب هو الذي يغامر، أما اليوم فصار صاحب سلطةٍ وأراضٍ ورعية، وهو يكره الخسارة، لكن قد يمكن الإفادة من الحرب في الحاضر والمستقبل. إذ سيتدخل الوسطاء لوقف النار، وتصير الحرب هي الموضوع، وليس الأراضي التي تحتلها إسرائيل وإيران! لولا إيران الجديدة، لما كانت إسرائيل الجديدة. لذا، وكما حدث حتى الآن، هناك من يقول: ينبغي إرضاؤهما معاً!

عن "الاتحاد" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية