هزيمة إسطنبول كشفت نقاط ضعف أردوغان

هزيمة إسطنبول كشفت نقاط ضعف أردوغان


23/04/2019

إلهان تانير

نفوذ أردوغان يتلاشى: خلال الفترة الطويلة التي أعقبت سباق الانتخابات على منصب عمدة إسطنبول، والتي أُجريت في 31 مارس وكان احتمال فوز مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم بن علي يلدريم فيها مطروحاً، بدأت احتمالات خسارة الانتخابات تضغط على وضع الحزب. وكان التنظيم الحزبي، الذي من الطبيعي أن يخسر في يوم من الأيام ويبدأ من جديد في اليوم التالي، قد أمضى الأسابيع الثلاثة الأخيرة يستيقظ في الصباح ويتساءل "هل من الممكن أن نفوز؟" ثم يخلد إلى نومه في كل ليلة وقد تسلل إليه الشعور بالتشاؤم. وما زال المسؤولون يتبادلون إلقاء اللوم على بعضهم البعض، بينما يتزايد الشعور بالإرهاق الذهني في داخل الحزب.

فشل ذريع: يواجه أردوغان اتهامات بعدم الاعتراف بهزيمته وعدم معرفته لمعنى الخسارة وكيف تكون؛ فحزب الرئيس التركي كان تحت يده كل الموارد الحكومية على مدى 17 عاماً وكل مورد من موارد الدولة على مدى السنوات الثلاث إلى الخمس الأخيرة. لكن حقيقة أنهم قد أرجعوا خسارتهم في انتخابات إسطنبول إلى بعض نظريات المؤامرة شوهت شرعيتهم.

انتشار الرسائل والسياسات المتضاربة فيما بعد الانتخابات: بعد صلاة فجر الجمعة (الساعة 05:34 بالتوقيت المحلي) أطلق أردوغان في تغريدة على تويتر دعوةً إلى تركيا "للاتحاد على أرضية مشتركة" وقال بعد ذلك في تغريدة أخرى "هذه فترة علينا أن نتصافح فيها ونحتضن بعضنا البعض ونعزز وحدتنا وتضامننا".
لكن خلال جنازة بعد صلاة ظهر اليوم ذاته، شاهدنا لقطات لأردوغان وهو يُحجم عن مصافحة العمدة أكرم إمام أوغلو ويُعرض عنه ليصافح الشخص الذي كان إلى جواره. وعلى هذا النحو يواصل أردوغان تجاهل خصمه المنتصر وإهانته.
وبتبنيه هذا النهج تجاه إمام أوغلو، الذي تلقى التفويض بتولي مهام منصبه رسمياً من المجلس الأعلى للانتخابات، يُظهر أردوغان أنه ما زال لا يحترم مرشحاً انتُخب "بإرادة وطنية" كما يشير إليها الرئيس التركي نفسه.

صناديق الاقتراع توجه ضربة قوية لأردوغان: لسنوات، ظل أردوغان يشير إلى صناديق الاقتراع على أنها العنصر الوحيد للديمقراطية؛ وفي واقع الأمر، كان هذا هو الحال في تركيا. لكن الوضع وصل الآن إلى نقطة تجعل الرئيس التركي لا يستطيع بعد الآن أن يصف نفسه بأنه ديمقراطي صناديق الاقتراع. ففي السنوات التي أعقبت محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في عام 2016 على وجه الخصوص، عندما أُجريت الانتخابات في ظل فرض حالة الطوارئ، لم تكن الانتخابات حرة ولا نزيهة. وترسم قيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم لنفسها صورة الآن بأنها اختارت عدم القبول بنتائج أول انتخابات تُجرى في البلاد بعد انتهاء حالة الطوارئ التي امتدت لعامين في تركيا.

دعوات دولية للشرعية: دعت عدة حكوماتٌ أوروبية ووزارة الخارجية الأميركية أردوغان إلى القبول بنتائج الانتخابات المحلية لإسطنبول وأنقرة. وقد عمت العواصم الغربية صورة أردوغان الرافض لما تمخضت عنه الانتخابات.

أردوغان خسر كنزه: لم يخسر رجل تركيا القوي مدينة إسطنبول التي تمثل له الكنز الأكبر فحسب، بل إنه خسر أيضاً مئات الملايين من الدولارات التي كانت تنهمر على جمعياته الخيرية من خزائن إسطنبول.

أردوغان خسر صورة الرجل الذي "لا يُقهر": قبل استفتاء عام 2017 توجه أحد المعارضين إلى واشنطن وقال في اجتماع إن مشكلة تركيا الأكبر تتمثل في أن الجميع يعتقدون بأن أردوغان "لا يُقهر". بعد ذلك خرج أردوغان من الاستفتاء منتصراً أيضاً. لكن هذه المرة، خسر أردوغان صورة الرجل الذي لا يُقهر.

أردوغان بلا حول ولا قوة: لو أن أردوغان قبِل بخسارته في إسطنبول في الأيام الأولى التي أعقبت الانتخابات، لما كان أحدث الكثير من المشاكل لنفسه.
بعد الانتخابات بقليل، تحوّل شخص مغمور نسبياً – وهو نائب رئيس حزب العدالة والتنمية علي إحسان يافوز – إلى واجهة للحزب فجأة. ولم يُبد مرشح حزب العدالة والتنمية لمنصب عمدة إسطنبول بن علي يلدريم الكثير من التشدد في مزاعم الفوز. كما ذكر يلدريم جهاراً في مقابلات أنه لا يوافق رئيس حزب العدالة والتنمية أردوغان على خطاب "البقاء" الذي انتهجه خلال الحملة. ومن المعروف بالفعل أن يافوز نشر صورة غريبة لقصر إسحاق باشا في دوغبايزيد، وأنه دافع عن أفكار سخيفة، ومن بينها نظرية تقول إن معجون تنظيف الأسنان يُضعف العقل. وتبني موقفٍ منافٍ للعقل بالادعاء بأن انتخابات خاسرة لم تُخسَر يعزز صورة أردوغان كرجل "لا حول له ولا قوة".

أردوغان على خط الدفاع: إلى الآن يحاول أردوغان، الذي عرفناه دائماً يقف "في موقف الهجوم"، عدم التنازل عن إسطنبول. لكن بغض النظر عن كم المحاولات التي يبذلها ليعطي الانطباع بأنه يفعل كل ما بوسعه لانتزاع إسطنبول بالقانون، فإنه لا يستطيع فعل أي شيء.
بعد هذه الفترة التي قاربت على ثلاثة أسابيع من رفض أردوغان الإقرار بالهزيمة، في الوقت الذي لم ينتصر فيه أيضاً، فربما لم يكن قد فقد صورة السياسي الذي يمكن أن يثق فيه مؤيدوه.
وبالخسارة التي مُني بها أردوغان، يكون الكثيرون ممن هم في دائرته قد انقلبوا خاسرين أيضاً. وهناك شائعات منذ فترة طويلة عن احتمال أن تكون هناك حركة جديدة من داخل حزب العدالة والتنمية أو أن يخرج حزب جديد من رحمه، وهو ما بات يشكل تهديداً أكبر لحكم أردوغان.

هزيمة أردوغان شجعت معارضيه: شجعت هزيمة أردوغان معارضيه أيضاً؛ فزعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كليجدار أوغلو لم يفز بإسطنبول فحسب، وإنما فاز أيضاً في مدن أخرى كبرى مثل أنقرة وأضنه ومرسين. وهذه الهزيمة التي مُني بها أردوغان في الآونة الأخيرة تخلق سيكولوجية الفشل.

المعارض الضحية وُلد: صار إمام أوغلو أول مرشح يدور الحديث عنه كبديل لأردوغان؛ فقد كان فوز عمدة إسطنبول المعيّن حديثاً مشابهاً كثيراً لفوز أردوغان في عام 1994. وقد بات يُنظر إلى إمام أوغلو الآن في التقارير الإعلامية وبعض الدوائر الغربية على أنه منافس محتمل لأردوغان. ويذكرنا إمام أوغلو برئيس الوزراء الراحل تورغوت أوزال من حيث جذوره المحافظة، وبقوة أتاتورك التي تسري في عروقه، وهو ما يخلق أملاً جديداً.

البعض سيطرحون هذا السؤال: بعد الضربة القوية التي تلقاها أردوغان في أعقاب انتخابات إسطنبول، والتي ناقشناها في معرض حديثنا هنا، قد يقول البعض – وهم على صواب– إن الرئيس التركي لم يعد لديه ما يخسره. وبالنسبة لسياسي خسر تقريباً كل شيء له صلة بانتخابات إسطنبول، فإن من المهم أن نتذكر أن طلبه النهائي سيكون إجراء انتخابات جديدة. وهناك احتمال قوي لأن يفعل أردوغان كل ما بوسعه ويستخدم كل سلطاته ليحقق ذلك؛ فهو خاسر بالفعل، وربما أنه يفكر في توجيه ضربة شاملة من خلال الدفع في اتجاه إلغاء الأمر برمته.

عن "أحوال" التركية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية