الإخوان المسلمون في سوريا: خفايا التحالف مع عبد الحليم خدام

الإخوان المسلمون

الإخوان المسلمون في سوريا: خفايا التحالف مع عبد الحليم خدام


28/04/2019

تناول الجزء الأول من دور الإخوان المسلمين في سوريا علاقة الجماعة بـ"ربيع دمشق" عام 2000، وتداعيات المشهد السياسي في سوريا، بعد استلام الرئيس السوري، بشار الأسد، السلطة. وجرى إلقاء الضوء على تلك المرحلة من خلال الحوار مع أستاذ الاقتصاد الزراعي في منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة، السوري د. أحمد سعد الدين، والذي كان بين عامَي (2001-2007) ناشطاً سياسياً في حزب العمال الثوري العربي، الذي تحدث عن بداية فتح قنوات تواصل ما بين الإخوان المسلمين والمعارضة، عام 2005، من خلال مقابلة علنية بين المعارض والمناضل الشيوعي، رياض الترك، والمراقب العام للإخوان المسلمين، علي صدر البيانوني، آنذاك، ولقاء الدكتور أحمد سعد الدين باثنين أشقاء، كانا تابعين لجهة سياسية "إسلامية".

اقرأ أيضاً: حرص إماراتي على دور عربيّ في سوريا.. والكويت ترحب بعودتها
في الجزء الثاني من التقرير، يتابع الدكتور أحمد سعد الدين، بخصوص الطليعة المقاتلة، التي كانت قد انشقت بالفعل عن الإخوان المسلمين، عام 1974 تقريباً، وكانت أول تسمية لها "الطليعة المقاتلة لحزب الله"، وهذه التسمية أطلقها مروان حديد قبل أن يموت.
وفي مرحلة تالية، أصبح اسمها "الطليعة المقاتلة" فقط، بعد ذلك أحالت الطليعة المقاتلة نفسها للإخوان المسلمين، في عزّ أزمتها مع السلطة الحاكمة، عندما ارتكبوا مذبحة مدرسة المدفعية، وكتبوا على أحد جدرانها: "الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين"، وكانت تنفيذاً عملياً لمقولة مروان حديد: "واللهِ لو أخرجوني الإخوان المسلمين من الباب، لعدت إليهم من الشباك، وسأجرهم إلى الجهاد جراً"، كان مشروع الطليعة المقاتلة الأساسي؛ أنّ الإخوان المسلمين، بتنظيمهم العام، تحت قيادة عدنان سعد الدين، يرفضون الانخراط في مشروع عنفي مع النظام السوري، وكان هناك شدّ وجذب، وحوار مفتوح في مسألة رفضهم النهج العنفي.
 د. أحمد سعد الدين

الطليعة المقاتلة
الطليعة المقاتلة، كان مشروعها الأساسي، المبادرة باتجاه العنف، وجرّ التنظيم، والأغلبية السنّية في البلد معهم، إلى حرب طائفية، انطلاقاً من تصور أنهم هم الأغلبية، لكن في المقابل؛ هناك الكثير من الأدلة على أنّ العلاقة بين التنظيم الأم والجماعة المنشقة لم تنقطع، وأنّ الخلاف بينهم لم يكن مبدئياً؛ بل تكتيكياً، ويتركز حول "التوقيت الصحيح"، فيما يتعلق بمسألة استخدام العنف لتغيير النظام.

المعارض رياض الترك عن الإخوان المسلمين: البيانوني انفرد بموقف التعاون الخطير مع عبد الحليم خدام خارج إعلان دمشق

وبسؤال الدكتور سعد الدين؛ هل استمر تواصل الأشقاء مع المعارضة السورية وبالداخل؟ قال: بعد تقديمهم لأنفسهم، كجهة سياسية، أوصلتُ رسالتهم، إلى أوساط حزب العمال الثوري، وكانت وقتها ردود الأفعال متفاوتة، بين متحمس ومتردد، بعد ذلك تم تفويض اثنين من أعضاء قيادة الحزب، للقاء بهم، وبدء النقاشات معهم؛ حضر هذا اللقاء من قيادة الحزب: الدكتور حازم نهار، وشخص آخر يدعى س. ش، وأنا. اقترحنا عليهم تبادل الوثائق بهدف تدارسها، ليتم من خلالها طرح كيفية العمل المشترك.
في تلك المرحلة؛ قدموا أنفسهم بأنهم حركة مدنية تؤمن بالإصلاح الديني، والسياسي، ومشروعهم هو مشروع ثقافي تنويري، وبأنهم يراجعون التراث الإسلامي بهدف تنقيحه من التحريف، ومن الغبار الذي تراكم عليه، وبأنّ مشروعهم إصلاحي متكامل، وحتى السياسة بوصفها شأناً عاماً، هي واجب على كل مسلم، وليس رفاهية، ومن واجب المسلم أن يحمي المختلف عنه، حتى لو لم يكن مسلماً.
لكن في الوقت نفسه؛ بتُّ متأكداً من أنّهم إخوان مسلمون، رغم رفضهم الاعتراف بذلك، لأسباب كثيرة، منها؛ رفضهم تبادل أيّة وثائق معنا إضافة إلى حذرهم الشديد على المستوى الأمني، مثلاً عندما كنا نلتقي كانوا يطلبون منا، أن نضع كافة التلفونات النقالة في غرفة مجاورة مغلقة خشية قدرة النظام على التنصت من خلالها، حتى دون وجود خطّ مفتوح، كان في الموضوع مبالغة لكنّنا كنا نتفهم مخاوفهم.

اقرأ أيضاً: المنطقة العازلة: هل يدعو الإخوان المسلمون أردوغان لتمزيق شمال سوريا؟
ويتابع سعد الدين كلامه؛ بأنّ هذا الطرح المدني، كان قد بدأ يطرح رسمياً من قبل الإخوان المسلمين؛ إذ إنّهم وبعد بيانهم "ميثاق الشرف الوطني"، عام 2001، صدرت للإخوان وثيقة "المشروع الحضاري" في 2004، وهذه الوثيقة لعبت دوراً مهماً في تسريع الرغبة في التحاور معهم، من قبل أوساط المعارضة، باعتبارهم قوة سياسية كبيرة ومنظمة، ولديهم الآن مشروع سياسي يتقاطع في خطوطه العامة مع ما تطرحه المعارضة كبرنامج انتقالي على الأقل، ولا مشكلة كانت في تلك المرحلة بتجاوز الخلافات ببعض التفاصيل؛ إذ إنّ الجماعة لم تكن لديها النية بعد في التخلي عن أسلمة المجتمع، وأسلمة العلوم، وما إلى ذلك، كان هناك كلام بالتفاصيل بالغ السوء، لكنّ الإطار العام، وضمن الفقرات المهمة في البرنامج كانت جيدة؛ كالديمقراطية، والتعددية السياسية، وحرية الرأي، وفي النهاية؛ كان هذا الطرح يشكل أرضية مشتركة لتلك المرحلة، لكنّ جماعة الإخوان المسلمين لم يكونوا حلفاء إستراتيجيين للقوى الوطنية الديمقراطية التي تنادي بالتغيير على قاعدة علمانية؛ لذلك كان مفهوم المواطنة مركزياً في "المشروع الحضاري"، الذي عدّوه الترجمة الحديثة لـ "رابطة الأخوة".
ورغم رفضهم تبادل الوثائق تولد عن اللقاء ثقة كبيرة؛ إذ إنّهم اطمأنوا للشخصيتين اللتين حضرتا الاجتماع من جهة حزب العمال.
وعندما كان من الصعب تبادل الوثائق؛ طرحنا بديلاً، إذ قلنا لهم، نحن نتفهم أن جماعتكم يتواجدون بالخارج، (ولم نقل لهم إنهم إخوان مسلمون)، تشاوروا مع جماعتكم، وبإمكاننا كتابة مسودة لمشروع، ونراجع هذه المسودة معاً، ونتفق على بنودها، وبعد ذلك نطرحها على جميع القوى السياسية الأخرى، فيما بعد تبين لنا أنّ هذا المسار كان رياض الترك يسلكه بشكل أو بآخر، وما فهمناه فيما بعد أنّ الإخوان المسلمين، كانوا قد أعطوا الضوء الأخضر بالكامل للترك؛ أي "اكتب أو اطرح أية رؤية تريدها"، ونحن نوقّع.

 

لقاء الأشقاء مع رياض الترك
وفي سؤال لسعد الدين؛ عما إذا كان رياض الترك لديه أيّة تحفظات على الإخوان؟ يجيب: في تلك الفترة، لا. وإذا أردنا الحديث عن تحفظات رياض الترك، فكان الأخير لديه تحفظات على الجميع، لأنه شخص إشكالي بالمجمل.
ويتابع: أثناء وجودي في دمشق في تلك الفترة، كان البيت الذي أسكن فيه بالقرب من بيت رياض الترك، وكنا نلتقي بشكل متواصل، وكانت علاقتنا قد توطدت أكثر من ذي قبل، وفي إحدى المرات طلب مني الشقيقان، أن أرتب لهم لقاء مع رياض الترك، وبالفعل حدث اللقاء، وتحدثوا خلاله كثيراً، ورياض الترك ينصت لهم. وعندما أتذكر ذلك اللقاء، اليوم، بإمكاني القول إنّهم كانوا يتعاملون معنا بمنطق "الرشوة"؛ أي محاولة إقناعنا بأنهم قادرون على إنزال جموع كبيرة إلى الشارع، وبالطبع، صرحوا بأنّ لديهم خلايا نائمة، ومجموعاتهم الموجودة بكل مدينة في سوريا، وأنّ لديهم تنظيماً هرمياً محكماً، وشديد الحذر.

سعد الدين: جماعة الإخوان المسلمين لم يكونوا حلفاء إستراتيجيين للقوى الوطنية الديمقراطية التي تنادي بالتغيير على قاعدة علمانية

وفي رده إن كان هذان الشقيقان ليس لديهما علم بارتباطهما بالإخوان المسلمين؟ أجاب سعد الدين: نعم، ولا! بمعنى أنهما كانا يعتقدان أنّ استخدامهما لسمعة "الإخوان المسلمين"، من الممكن أن يكون بالنسبة إليهما مظلة سياسية للإسلاميين في المنطقة، وقد صرحا فيما بعد أنّ الشخصية التي تمثلهما في المعارضة السورية في الخارج هي نجيب الغضبان، وهو ابن أحد قيادي الإخوان المسلمين، وغادر البلاد وهو صغير، وهو حالياً أستاذ في أحد جامعات العلوم السياسية بأمريكا.
نجيب الغضبان؛ كان من الشخصيات الأكثر ليبرالية في الإخوان المسلمين، وكان يتفاعل بشكل دائم مع اليساريين والليبراليين، ولم يكن عنده أي حرج تجاه الأفكار الليبرالية.
وفيما بعد، وأثناء الثورة، اكتشفت أنّ نجيب الغضبان في الإخوان المسلمين، وبالطبع هو لا يقول ذلك، لكن هذه معلومات من أشخاص مقربين من الإخوان المسلمين.
ويتابع سعد الدين؛ أنّه بعد اللقاء مع رياض الترك، ولقاءات الشقيقين مع شخصيات في حزب العمال الثوري، جاءت الوثيقة التي اشتغل عليها من قبل أعضاء في حزب العمال الثوري، وكانت هناك محاولة في هذه الوثيقة بالابتعاد عن كلّ القضايا الخلافية، قرأ الشقيقان الوثيقة، ولم يضعا عليها أيّة ملاحظة، أما حازم نهار الذي لم يكن حاضراً عندما كتبت الوثيقة، فقرأها، وسجل عليها ثلاث ملاحظات أو أكثر، لكن أتذكر أنّ أحد هذه الملاحظات كانت خلوّ المسودة من أيّة إشارة لموضوع الدين وكان يقترح إضافة بند على شاكلة: "الدين لله، والوطن للجميع"، واقترح حازم نهار، أن يتم تضمين هذا البند بصياغة أو بأخرى، وتم ذلك فعلاً؛ بإضافة فقرة تنصّ على "حرية العبادة، والشعائر، وحرية الاعتقاد، ...إلخ".

اقرأ أيضاً: هل سهّلت حركة النهضة سفر تونسيين متطرفين للقتال في سوريا؟
ويرى سعد الدين أنّ هناك إرادة من قبل قوى معارضة بالداخل، بوجوب توحيد قوى المعارضة؛ ليبرالية، ويسارية، وقومية، وإسلامية، في ذلك الوقت؛ كان التجمع الوطني الديمقراطي (تجمع لخمسة أحزاب قومية ويسارية صغيرة) في سوريا، يعاني من حالة عطالة، لكن لديهم شعور بأنه يجب القيام بشيء ما، ورغم العطالة التي كان يعاني منها التجمع، إلا أنه كان أكبر قوى سياسية معارضة موجودة في الداخل، والباقي إما قوى غير واضحة المعالم مثل لجان إحياء المجتمع المدني، والذي كان فيه ميشيل كيلو وحسين العودات، أو التحالفات الكردية، أو حزب المستقبل، الذي يعدّ حزباً عشائرياً يتزعمه نواف البشير، وشخصيات مستقلة من كتّاب ومثقفين وأساتذة جامعات، وهذا يعني أنّ أيّ شيء لا يمكن أن يحدث إن لم يتبناه التجمع.
في هذا الإطار؛ جاء مسار آخر بضغط من ميشيل كيلو وحسين العودات، وكانا ممثلين للجان إحياء المجتمع المدني، وكان لضغطهما على التجمع آذان مصغية عند بعض قيادات التجمع كالدكتور حازم نهار، وتقدّم ميشيل كيلو بورقة، كانت عامة جداً وفضفاضة، ورفضت بسبب ذلك.

 

وثيقة إعلان دمشق والفقرة التي أثارت جدلاً
يقول سعد الدين: إنّه نتيجة ضعف الورقة التي قدمها ميشيل كيلو، دفعت التجمع للإمساك بزمام المبادرة، وهنا بدأ العمل على وثيقة "إعلان دمشق"، والذي اشتغل على صياغتها جورج صبرا، وسليمان الشمر، وأطلع على الوثيقة رياض الترك، وأضاف بعض التعديلات عليها.
كانت هناك فقرة في الإعلان، أثارت إشكالية، ولم تكن لها أيّة ضرورة، وحاولنا كثيراً، فيما بعد، أن نفهم لماذا وضعت هذه الفقرة؛ لأنّ الوثيقة التي اشتغلنا عليها ووافق عليها الإخوان المسلمون، أو ممثلوهم في الداخل، لم يكن فيها هذا الكلام، وكانت الفقرة أو المادة تبدأ بهذا الشكل: "الإسلام الذي هو دين الأغلبية وعقيدتها، بمقاصده السامية وقيمه العليا وشريعته السمحة، يعدّ المكون الثقافي الأبرز في حياة الأمة والشعب، وتشكلت حضارتنا العربية في إطار أفكاره وقيمه وأخلاقه، وبالتفاعل مع الثقافات التاريخية الوطنية الأخرى في مجتمعنا، ومن خلال الاعتدال والتسامح والتفاعل المشترك، بعيداً عن التعصب والعنف والإقصاء. مع الحرص الشديد على احترام عقائد الآخرين وثقافتهم وخصوصيتهم أياً كانت انتماءاتهم الدينية والمذهبية والفكرية، والانفتاح على الثقافات الجديدة والمعاصرة".

اقرأ أيضاً: هل تنسحب فرنسا من سوريا أيضاً؟
يتابع سعد الدين؛ أنّه أثناء تداول الورقة، كان رأي سليمان الشمر، وجورج صبرا، فيما يخص تلك الفقرة، أنهم يغازلون الشارع، وعامة الشعب، رغم أنها على مستوى الأوساط المعارضة، تم فهمها على أنها مغازلة للإخوان، كما أنّ وثيقة إعلان دمشق تم تداولها سراً وضمن أوساط مغلقة، وكانت هناك محاولة لجمع أكبر قدر ممكن من الإجماع عليها في لحظة صدورها، مع الموقعين عليها، دون الانخراط بمماحكات كلامية مع قوى قد تكون لديها حساسية من كلمة ما، فعلى سبيل المثال؛ حزب العمل الشيوعي، في حال لم يذكُر شيء عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فهناك احتمال كبير أن يحدثوا سجالات، ومماطلة، قد يتسبب ذلك في تأخير صدورها. كان القائمون على الوثيقة حريصين على صدروها بأسرع وقت خشية حدوث اختراق أمني قد يؤدي إلى اعتقالات تعرقل صدروها.

اقرأ أيضاً: هل أدرجت سوريا أردوغان على قائمة الإرهاب؟
أما القوى والتحالفات الكردية؛ فكانت موافقة على الوثيقة بشرط ضمان حفظ حقوقهم الثقافية، إلى جانب مسألة المواطنة، والحصول على الجنسية، وكان هناك إجماع، على حقوق الأكراد آنذاك، من جميع القوى السياسية المعارضة بمن فيهم الأحزاب القومية العربية.
وقّع على الوثيقة حزب التجمع الوطني الديمقراطي، وحزب المستقبل، ولجان الإحياء المدني، وأخذنا أيضاً تواقيع ما أسميناه الشخصيات الوطنية؛ إذ أخذ حسن عبد العظيم البيان إلى رياض سيف، الذي كان وقتها في السجن، باعتبار عبد العظيم المحامي الخاص لسيف، ووقع أيضاً كلّ من الشيخ الإصلاحي الكبيرة وداعية اللاعنف جودت سعيد، كما وقعت الدكتورة فداء حوراني (ابنة السياسي الكبير الراحل أكرم الحوراني)، ووقع أيضاً عبد الرزاق عيد، وشخصيات أخرى لا تحضر بذهني حالياً، لكنهم كانوا تسعة شخصيات وطنية، على ما أذكر.

اقرأ أيضاً: بقايا "داعش" في العراق وسوريا... الخطورة مستمرة
صدر البيان في أواسط تشرين الأول (أكتوبر) 2005، وكان موضوع لبنان (اغتيال الحريري)، والضغوط الشديدة على النظام السوري، من العوامل التي أدّت إلى عملية تسريع، ظهور إعلان دمشق. ويرى سعد الدين أنّه كان هناك هاجس أنّ هذه الفرصة التاريخية للمعارضة السورية لتقديم تصور للعالم، بعيداً عن التصور السائد؛ بأن هناك نظاماً بالداخل، ومعارضة بالخارج؛ بل هناك قوى معارضة حقيقة في الداخل أيضاً، وقادرة على تحمّل المسؤولية.
انتشر البيان على جميع المواقع الإلكترونية المعارضة، كما ذاعته بعض الفضائيات، كالجزيرة، خاصة بعد التأييد الفوري له من الإخوان المسلمين، وحاول القائمون على إعلان دمشق تنظيم مؤتمر صحفي في ساحة يوسف العظمة، ليأخذ شكلاً وحضوراً علنياً، وبالطبع جاء قوات من الأمن ومنعته، كان النظام السوري في ذلك الوقت مرتبكاً جداً، لكنه لم يكن خائفاً من هذه الخطوة كثيراً، وكان مشغولاً بتحقيق ميليس (نسبة إلى وكيل النيابة العام الألماني ديتليف ميليس الذي كُلِّف بالتحقيق باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وكان رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة المنشأة بموجب قرار 1595 الصادر لمجلس الأمن لعام 2005).
تأزمت الأوضاع بعد اغتيال رفيق الحريري

بعد انشقاق خدام عن النظام
أعلن عبد الحليم خدام انشقاقه عن النظام السوري، في كانون الأول (ديسمبر) 2005، وكان آخر منصب شغله هو منصب نائب الرئيس السوري، وبتاريخ 5 حزيران (يونيو) 2006؛ أسّس جبهة الخلاص الوطني بسوريا في تحالف علني مع جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وكان المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين علي صدر البيانوني، قد علق على هذا التحالف في حوار أجراه مع موقع "الجزيرة نت"، بتاريخ 29 آذار (مارس) 2006، عندما سأله المحاور؛ هل يعني ذلك أنكم تسامحون رجلاً كنتم تعتبرونه جلاداً كبيراً في النظام السوري؟ ليجيب البيانوني بكلام عام ودبلوماسي بعض الشيء، فيقول: "لا شكّ في أنّ عبد الحليم خدام يتحمل مسؤوليته عن الجرائم التي ارتكبها النظام في عهده، وإن كان هو لم يكن يباشر هذه الجرائم بنفسه، ولم يكن مسؤولاً عن السياسة الخارجية، ولكن نحن لسنا في معرض أن نعطي أحداً صكّ براءة أو صكّ مسامحة، ولا نملك هذا الحقّ، القضاء هو الذي يفصل في الاتهامات التي يمكن أن توجه للسيد خدام، أو لغيره، في المستقبل، وأي إنسان ارتكب جرائم بحق الشعب لا بدّ من أن يحاكم، ويتخذ القرار العادل المستقل الوطني".

عبد الحليم خدام
ورغم أنّ البيانوني قال في الحوار نفسه: إنّه "يعتقد أنّ جبهة الخلاص الوطني مكملة ومتممة ومتوازية مع عمل إعلان دمشق، وليست مناقضة له"، إلا أنّ هذا التحالف عمّق الخلافات بين القوى المعارضة السورية في الداخل، وجماعة الإخوان المسلمين، وانقسمت المعارضة ما بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة؛ ففي حين رأى الناطق باسم التجمع الوطني الديمقراطي، حسن عبد العظيم آنذاك؛ أنّ اتفاق خدام والبيانوني شأن خاص بهما، ولم يتمّ أيّ تنسيق بشأنه مع جماعة إعلان دمشق في الداخل، انتقد المعارض رياض الترك الإخوان المسلمين بقوله: البيانوني انفرد بموقف التعاون (الخطير) مع خدام خارج إعلان دمشق، وكان عليه ألا يستعجل باللقاء مع خدام، فكثير من المعارضين السوريين يرون خدام ظاهرة من قلب السلطة غير راضية عن أداء السلطة في عهد بشار الأسد، المسؤول عن إضعاف البلد، ووضع الدولة في مواجهة مع الخارج. وأضاف الترك: كان يجب على البيانوني أن ينسق مع إعلان دمشق، معتبراً أنّ قيادة إعلان دمشق غير راضية عن تحركات البيانوني الأخيرة مع خدام.
وفي أثناء حرب غزة (2008 – 2009) حاول الإخوان المسلمون استمالة النظام بهدف المصالحة معه، وكمحاولة لاستغلال الموقف؛ أعلنت جماعة الإخوان المسلمين "تجميد" معارضتهم للنظام السوري، في كانون الثاني (يناير) 2009، واستمر " تجميد" معارضتها للنظام، حتى عام 2011 بالتزامن مع بداية الثورة السورية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية