شارلي شابلن والأخلاق.. من المسؤول عن البشاعة من حولنا؟

شارلي شابلن والأخلاق.. من المسؤول عن البشاعة من حولنا؟

شارلي شابلن والأخلاق.. من المسؤول عن البشاعة من حولنا؟


30/04/2019

لدينا وقت كافٍ لنموت معاً..

العالم مليء بالموت المجاني لدى كثيرين، والموت مدفوع التكاليف لدى البعض الآخر، فلا ذنب لكثيرين سوى أنهم أبرياء بلا مصالح ولا مكاسب أو منافع، ولدى آخرين ذنوب كثيرة جراء نوايا سوداء أو أفكار مسمومة أو جهل مريب، الجميع يموت إذن، وتبقى الحرب.

الحرب سيئة إلى هذا الحدّ، وأكثر من ذلك.

إنها تقتل بعينين مفخختين، أو بجديلتين معلقتين كمشنقة.. أو بخصرٍ نحيل مثل "صاروخ" أو قذيفة.. الحرب تختبر النيَّات.. وتمتحن الحنين، وتفضح كل الأشواق التي تركناها يابسة ومكسورة ومهزومة.

العلماء الذين بلا أخلاق حولوا العالم إلى حرب كبيرة والمتشددون حولوا الحياة أيضاً إلى عصبية وتطرف وفوضى

إنها سيئة  حتماً.. تأخذ الجميع، ولا تريد أن تترك أحداً "وحيداً" مع خيبات بشِعة كما لو أنّها "جماجم" بداخلها أفكار فاسدة ونوايا أفسد.

لماذا يحدث كل هذا؟ السؤال مكرر ومستعاد ومستمر، لكن ربما أجمل إجابة هي تلك التي قالها بغضب واضح وحنق مكشوف، الرجل الذي أضحك العالم كثيراً جداً "شارلي شابلن"، فقد اعتبر أننا "في هذا الرحم الذي تركنا أنفسنا نتقولب فيه ناجم عن فقداننا للحدس الثقافي. لقد اندفعنا بصورة عمياء إلى البشاعة والتكدس، وفقدنا حسنا الجمالي. أما حس الحياة لدينا فحلّه اشتهاء الربح والسلطة والاحتكار. لقد تركنا هذه القوى تحاصرنا دون أن نهتم ولو بأدنى الحدود بالنتائج المخيفة التي قد يؤدي إليها ذلك".

اقرأ أيضاً: الوعي بالحداثة.. الجهل بالدين: كيف نفكر بشكل فاشل؟

لقد قل الذين ما يزال بإمكانهم أن يقولوا لنا: هذه الحياة جميلة، وتكاثر الذين يروجون للبشاعة وموت الجماليات تحت رحى الحروب، وتناسلوا بشكل مريب ومخيف.

الحياة جميلة، لكن هذا لا يكفي حتماً، نحتاج دوماً لمن يقول لنا إنّ الحياة جميلة، وتلك فكرة قالها لي أحد أساتذة الجامعات المغربية، في إحدى المؤتمرات قبل عشرين عاماً، حين ذكر لي قصة أحد النقاد الفرنسيين الذي زار طنجة، والتقى مع صديق له على شرفة بيت وأمامهم منظر ساحر لجزء من طنجة، قال المغربي لضيفه: انظر ما أجمل هذا المنظر، قال الضيف الفرنسي: يصبح جميلاً فعلاً حين نجد من نقول له أو يقول لنا هذا منظر جميل.

اقرأ أيضاً: "العالم ليس بخير".. فهل المستقبل فكرة مرعبة حقاً؟

إنها فكرة التشاركية في الحياة والمتعة والجمال، تماماً مثل الفكرة الدينية التي جمعها الحديث الشريف "إن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر للعامل فيهن أجر خمسين رجلاً يعملون مثله، قلت يا رسول الله أجر خمسين منهم؟ قال: أجر خمسين منكم، فأنتم تجدون على الخير أعواناً، ولا يجدون على الخير أعواناً".

الحياة كلها تحتاج لأعوان وشركاء، لكن التعقيدات المتزايدة للحياة الحديثة، والإيقاع المجنون الذي يميّز القرن العشرين -كما يقول شارلي شابلن- تجعل المرء محاطاً بمؤسسات عملاقة تهدده من كل جانب، على شتى الأصعدة: السياسي، والعملي والاقتصادي. إننا نغدو ضحايا تشريط النفوس، والعقوبات والإباحات.

اقرأ أيضاً: الثقافة في محنة.. أم كان الجاحظ يدخن البانجو؟! ‎

يختصر شابلن الفكرة معتبراً أنّ العلم المفتقد لتوجه عقلاني ولحس المسؤولية، سلَّم أسلحة دمار للسياسين والعسكريين بحيث يقبضون بأيديهم على مصير كل المخلوقات الحيّة على هذه الأرض.

يقول شابلن: "لقد قال لي الدكتور روبرت أوبنهامر ذات يوم: إنّ الإنسان مدفوع بحاجة إلى المعرفة" وهذا جيد جداً، ولكن الناس لا يهتمون في كثير من الحالات بالنتائج. ولقد كان الدكتور موافقاً معي على هذه النقطة. إنّ بعض العلماء يشبهون متدينين متعصبين، يندفعون إلى الأمام، ظانين أنّ ما يكتشفونه هو للخير دائماً وأنّ فعل إيمانهم العلمي يشكل أخلاقاً بحد ذاته".

إن بعض العلماء يشبهون متدينين متعصبين يندفعون إلى الأمام ظانين أن ما يكتشفونه هو للخير دائماً

كل شيء حين يخلو من الأخلاق يسير بشكل أعمى إلى البشاعة، العلم والدين، كلاهما حين ينتزع منهما رجالهما الأخلاق يصبحان أكثر قدرة على إنتاج الفوضى والدمار والبؤس والبشاعة. إنها إشكالية قائمة، ومستمرة، كتب فيها كثيرون، وأدلى فيها باحثون بدلالات كثيرة، مملوءة تفسيرات وتأويلات وإحالات، لكن تبدو أنها إشكالية متفاقمة، في بيئات ما تزال تخضع لسطوة الدين "العباديّ" الذي يكرس أتباعه الصورة، ويتجاهلون "الجوهر" فالعبادات صورة تحولت إلى حالة تنميط، فيما تحولت "المعاملات" إلى هامش ضئيل.

لقد بُعث النبي الكريم محمد، صلى الله عليه وسلم، ليتم صالح الأخلاق، في إشارة إلى أنّ الأخلاق تشكل سابقة على الدين، وأنّ الله تعالى لم يبعثه مُعْنِتاً ولا مُتَعَنِّتاً. ولكن بعثه مُعَلِّما مُيَسِّراً، كما في الحديث، فأزمتنا الأخلاقية في المعنتين والمتعنتين والمتنطعين.

العلماء الذين بلا أخلاق حولوا العالم إلى حرب كبيرة، والمتشددون الذين هم بلا أخلاق حولوا الحياة أيضاً إلى عصبية وتطرف وفوضى.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية