قراءة أولية في خطاب البغدادي الأخير.. 7 رسائل أراد إيصالها

قراءة أولية في خطاب البغدادي الأخير.. 7 رسائل أراد إيصالها


01/05/2019

على مدى أكثر من ثمانية عشرة دقيقة؛ بثّت وسائط إعلامية تتبع لداعش شريطاً مصوراً يتضمن حديثاً لـ "خليفة المسلمين، قائد الدولة الإسلامية"، أبو بكر البغدادي، وهو الظهور الأول له منذ خطبته في مسجد النوري بالموصل، عام 2014، وجاء الفيديو الجديد للبغدادي وهو يجلس وحوله عدد من قادة التنظيم، يتحدث خلاله البغدادي، مركزاً على معركة الباغوز في سوريا، بوصفها سلسلة من المعارك المتواصلة بين "أمة الإسلام والصليبيين"، غير أنّ تفاصيل واتجاهات الخطاب، تجاوزت ثنائية "الزمكان"، ولم تقتصر على الباغوز.

اقرأ أيضاً: ما الذي أراد البغدادي قوله في شريطه الأخير؟

وتالياً قراءة أولية لمرجعيات ومخرجات خطاب البغدادي، والرسائل التي أراد إرسالها عبر هذا الخطاب، مع ملاحظة أنّه لا قيمة فعلية لتصريحات مسؤولي استخبارات غربية؛ بأنّهم بانتظار التأكد من مصداقية الفيديو، في ظلّ قناعات واسعة بأنّ المتحدث هو البغدادي:

الإعلان عن ولاية تركيا التابعة لداعش يعكس اتجاهاً جديداً بتحول إسطنبول من ساحة دعم للتنظيم إلى ساحة مستهدفة

أولاً: خلافاً لإعلانات متوالية صدرت عن مراجع أمريكية وغربية، وحتى من قبل روسيا، تؤكّد إصابة البغدادي إصابات بليغة، وطرح العديد من أسماء قادة التنظيم، الذين يتمكنوا من أن يتولوا قيادة التنظيم وخلافة المسلمين، فإنّ ظهور البغدادي، وإشارته إلى العمليات التي نفذت في سيرلانكا، الأسبوع الماضي، تؤكد أنّ التسجيل حديث؛ أي قبل أيام، كما أنّ صورته التي ظهر فيها "بصحة جيدة" تدل على أنّ المعلومات التي تم تسريبها حول إصابته ليست دقيقة.

ثانياً: في حديثه المطول عن معركة الباغوز، وتعداد قتلى التنظيم من قادة كتائب وأمراء، والإشادة بصمودهم في مساحة ضيقة جداً، ربما تشير إلى أنّه لم يكن، ومعه عدد من قيادات التنظيم في الباغوز، وهو ما يرجح احتمالات مصداقية ما تردد حول صفقة بين التنظيم والتحالف الدولي، بمغادرته قبل بدء محاصرة الباغوز، وأنه يتواجد في صحراء ما بين العراق وسوريا.

اقرأ أيضاً: البغدادي يعود من جديد

ثالثاً: إنّ حديث البغدادي حول التنظيمات القُطرية لداعش في إفريقيا، خاصة ليبيا ومالي وغرب إفريقيا، إضافة لمناطق في السعودية وسريلانكا وغيرها من المناطق، تتضمن تأكيداً من البغدادي على العودة إلى مقاربة "الجهاد العالمي"، التي طرحها وتبناها وروّج لها قياديّاً القاعدة الأم، أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري، وهو ما يعني بداية إشارات لإمكانية تخلي داعش عن مقاربة "الأرض"، التي كانت أحد أبرز الموضوعات الخلافية مع القاعدة، والعودة إلى الأسس التي أقرتها ورسمتها القاعدة بالالتزام، بـ "حرب العصابات"، كنموذج للعمل الجهادي العالمي، لما يوفره من مساحات بكلف قليلة مقارنة مع الانكشاف مع التمسك بالأرض، وربما كانت صورة الجلسة للبغدادي مع أبرز مساعديه، نموذجاً مكرراً لصور سابقة، لطالما كانت أحد أبرز محددات الصورة الدعائية لأسامة بن لادن والظواهري، وقاعدة القاعدة في أفغانستان.

اقرأ أيضاً: 25 مليون دولار جائزة من يدل على البغدادي.. من أعلن عنها؟

رابعاً: إنّ تقديم ملفات للبغدادي حول أوضاع التنظيم في الولايات، اليمن وتركيا، تشير إلى الطريقة الجديدة التي ستتابع فيها قيادة التنظيم فروعها، وهي ذات الطريقة التي كانت تتبعها قيادة القاعدة "اللامركزية"، وهو ما يعني فتح الباب على مصراعيه أمام سيناريوهات جديدة لممارسة العمل الجهادي، بما في ذلك الخلايا النائمة والذئاب المنفردة، واستقطاب تنظيمات تكفيرية عبر مبايعة قيادة التنظيم.

خامساً: ربما انتهت نظرية إقامة الدولة الإسلامية على بقعة من الأرض، لكن ما أراد البغدادي قوله: إنّ الدولة لم تنتهِ، سواء بكونها فكرة مقدسة عند غالبية المسلمين، أو من خلال استمرارها بطريقة جديدة من خلال تنظيمات قُطرية، تدير عملياتها وفق ظروفها وإمكاناتها.

سادساً: لم يأتِ البغدادي على ذكر تنظيم القاعدة، تصريحاً أو تلميحاً، رغم أنّ خطابات الظواهري لم تخلُ من هجوم وتشكيك بداعش ونهجه وخروجه عن أهداف الجهاد العالمي، وهو ما يثير تساؤلات حول مراد البغدادي من ذلك؛ فهل يطرح ضمناً مصالحة مع القاعدة وعودة للأم، خاصة مع تلاشي أسباب الخلاف، والاعتراف الضمني للبغدادي بانتهاء مقاربة السيطرة على الأرض؟

لم يأتِ البغدادي على ذكر تنظيم القاعدة، تصريحاً أو تلميحاً، رغم أنّ خطابات الظواهري لم تخلُ من هجوم وتشكيك بداعش

سابعاً: الإعلان عن ولاية تركيا التابعة لداعش لم تشكل أية مفاجأة، في ظلّ علاقات واسعة، وربما موثقة بحسب كثير من المصادر الغربية حول علاقات داعش بالقاعدة، وتنظيمات تتبع لهما في سوريا، غير أنّ الإعلان، في حدّ ذاته، يعكس اتجاهاً جديداً بتحول تركيا من ساحة دعم للتنظيم إلى ساحة مستهدفة، وهو ما يعني إمكانية عودة التنظيم لتنفيذ عمليات في تركيا، في ظلّ قناعات بأنّ الرئيس أردوغان استخدم التنظيم بوصفه ورقة، بما يحقق أهدافه، وأنّ أعوام العسل التركية التي تعاطت فيها تركيا مع روسيا وأمريكا في سوريا، قد انتهت، ولا يستبعد أن يكون التنظيم أكثر ضراوة في تركيا، ارتباطاً باختراقه للساحة السورية على مدى أعوام الثورة السورية.

اقرأ أيضاً: تهديدات البغدادي.. هل سيكون لها أيّ تأثير على أرض الواقع؟

وفي الخلاصة؛ إنّ خطاب البغدادي والهيئة التي ظهر بها تؤكد استجابة وتكيفاً ومرونة من قبل التنظيم في التعامل مع المستجدات، لكنّها تطرح تحديات بنزولها تحت الأرض، أكبر بكثير من التحديات التي كانت قائمة بممارسة نشاطها في بقعة جغرافية محددة ومكشوفة، تمكن متابعتها ومراقبة تحركاتها ومواجهتها، كما حدث في سوريا والعراق، وهو ما يعني أنّنا أمام عمليات نوعية جديدة، لعلّ أبرز ما يميزها أنها ستكون على غرار عمليات القاعدة، وربما ستكون العمليات التي نفذت في سريلانكا نموذجاً للعمليات القادمة، فيما سيكتفي البغدادي ومساعدوه بالتعليق على تلك العمليات، بإعادة إنتاج خطاب أسامة بن لادن، في الزعم بأنه يحرض شباب الأمة، مع ملاحظة أنّ سياقات الشعبوية في أمريكا وأوروبا، التي تتمّ ترجمتها في نتائج بعض الانتخابات الأوروبية، والعمليات التي نفذت انطلاقاً من مرجعيات يمينية متطرفة، بما فيها عملية نيوزيلندا ضد المصلين المسلمين، أثناء صلاة الجمعة، كلّها عوامل ستساعد في إنتاج أرضية تسوّغ أيّة عمليات قادمة لداعش والقاعدة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية