التداعيات الإقليمية لسقوط الإسلام السياسي في السودان

السودان

التداعيات الإقليمية لسقوط الإسلام السياسي في السودان


09/05/2019

شكّل السقوط الدراماتيكي لنظام الإنقاذ في السودان صدمة حقيقية لمنتسبيه، بعد ثلاثة عقود كاملة من الحكم، الذي أوحى لعرّابيه أنّهم بلغوا حالة "التمكين"، ورسّخوا قواعدهم في كلّ مفاصل الدولة، بما فيها الجيش، قبل أن تفاجئهم الانتفاضة الشعبية العارمة، التي حققت أولى أهدافها بإجبار المؤسسة العسكرية على التدخل وعزل الرئيس السابق، عمر البشير، فهل وضع هذا السقوط فاصلة النهاية لمشروع الإسلام السياسي في السودان والمنطقة؟!

الزلزال الذي ضرب أركان الحكم السوداني ستكون له انعكاسات على كلّ النظم حوله وعلى الإسلام السياسي في المنطقة

"حفريات" استطلعت آراء بعض المختصين حول هذه القضية؛ حيث رأى الكاتب والصحفي السوداني، قصي مجدي سليم؛ أنّ "التجربة السودانية مع حكم الحركة الإسلامية، تكاد أن تكون الفداء لكل المجتمعات المحيطة بالسودان، العربية والأفريقية والإسلامية؛ لأنّها استمرت لفترة طويلة (30 عاماً)، طرح فيها الإسلاميون كلّ شعاراتهم، ووجدوا فرصتهم في تنزيل برامجهم وتطبيقها".

وكانت حصيلتها، بحسب سليم؛ "فشل الدولة وتفكك النسيج الاجتماعي، وانهيار الاقتصاد، وتدهور الخدمات الصحية والتعليمية، واستشراء الفساد". ويمكنك أن تقول مطمئناً "إنّ النظام السوداني ورث كلّ سلبيات الحكم الشمولي، ولم يرث أيّ ثمار، على عكس أنظمة كثيرة ديكتاتورية أو شمولية في الشرق والغرب".

ويضيف: "هذا الأمر أسهم وبصورة كبيرة في وقف مدّ فكر الإسلام السياسي في أوساط السودانيين، والركون أكثر للطرق الصوفية أو للأفكار اليسارية، خصوصاً بين الطلبة والشباب، لكن يجب ألا ننسى أنّ السودان (مثل معظم دول العالم الثالث) يعاني من الثالوث الشيطاني (الجهل، والفقر، والمرض)، ونسبة الأمية كبيرة، وهذا يساعد تيارات إسلامية متشددة أخرى في استقطاب الشباب، إما عن طريق الترغيب المادي، أو عن طريق إرهاب موجه يستخدم مخزون السلطة الدينية التقليدي.
توقف مدّ فكر الإسلام السياسي في أوساط السودانيين، والركون أكثر للطرق الصوفية أو للأفكار اليسارية

قِطار متعدد العربات
يضيف سليم: "تيار الإسلام السياسي قِطار متعدد العربات، فيه الإخوان المسلمون، وغيرهم، مثل: جماعات أنصار السنّة والبلاغ والدعوة، إلى التكفير والهجرة والقاعدة وداعش، وللأسف؛ إنّ كلّ هذه الحركات وجدت بيئة مناسبة خلال فترة نظام الإنقاذ لتترعرع وتنمو بين الناس".

اقرأ أيضاً: بعد التظاهرات.. هل يشهد السودان عصياناً مدنياً؟

وحول مستقبل السودان بعد سقوط نظام البشير؛ يرى الباحث السوداني أنّ "كلّ الاحتمالات مفتوحة، يمكن للسودان، إذا وجد البيئة المناسبة والإرادة السياسية، أن ينشط في محاربة هذه الأفكار مدعوماً بجهود داخلية وإقليمية ودولية، وعبر مخاطبة جذور المشاكل وحلها، وبإشاعة المنابر الحرة والسلام واستعادة سيادة القانون، كما يمكن أيضاً أن يتحول إلى مستنقع آسن، وحاضن جيد لكل الجماعات الإسلامية، إذا ما ضاعت الحقوق وتحاربت القوى السياسية واستشرّ الظلم والفساد، وانعدمت سلطة القانون".

اقرأ أيضاً: أي مستقبل لإسلاميي السودان؟

وفي ردّه على سؤال حول تداعيات انهيار النظام السوداني على أطروحات الحركات الإسلامية في المنطقة، يؤكد سليم أنّ "ارتباط الحركات الإسلامية في المنطقة بنظام البشير بدأ يفتر منذ فترة، خصوصاً مع الأزمة الطاحنة التي واجهت السودان اقتصادياً، فبعض الدول الإسلامية تظن أنّ السودان هو خطّ دفاعها الأخير في إفريقيا، لكنّ هذا غير صحيح، لأنّ النظام السوداني الإسلامي نفّر شعبه من كلّ دعاوى الإسلام السياسي، بل نفّر شريحة كبيرة من الدين نفسه، وهذا يقال عن الدول المحيطة بالسودان، فكلّ من اطّلع على التجربة السودانية، استيقن فشل دعاوى الإسلام السياسي، واستلهم العبر من تجربة السودان، التي -كما أشرت- فدت الكثيرين من أن يخوضوا التجربة، ولكن، كما قال الأستاذ محمود محمد طه؛ إنّ التجربة التي لا تورّث الحكمة، تعيد نفسها بصورة أقسى".
كل الاحتمالات مفتوحة لمستقبل السودان بعد سقوط البشير

لماذا فشل الإسلام السياسي في السودان؟ 
من جهتها، تقرأ الكاتبة والإعلامية الإريترية، آمال صالح؛ أنّ "فشل الإسلام السياسي في السودان  سابق لاندلاع الثورة الحالية، وذلك نظراً إلى إخفاق "نظام الإنقاذ" في إقامة نظام ديمقراطي حقيقي، وفي الحفاظ على وحدة السودان وتحقيق الحدّ الأدنى من الاستقرار السياسي والعدالة الاجتماعية، فنظام البشير فشل بشكل واضح في تطبيق الوعود التي أطلقها عشية الانقلاب العسكري، عام 1989، وكان أهمها: الاستقرار السياسي والاقتصادي، وبناء دولة  التنمية والرفاه، من خلال برنامجه الأساسي المسمى "المشروع الحضاري"، والذي تبين أنه مشروع سلطوي فاسد وفاشل؛ لذلك لم يكن غريباً أن تجد دعوات الثورة على النظام بعد ثلاث عقود من الحكم، هذه  الاستجابة الكبرى من قبل مختلف فئات المجتمع، تأكيداً على الشعور الجمعي الذي بلغ درجة من الوعي واليقين بفشل النظام ومن خلفه مشروع الإسلام السياسي، الذي تحققت له فرص الحكم أكثر من أيّ تيار آخر في السودان".

اقرأ أيضاً: قرقاش: هؤلاء سبب السخط السياسي في السودان
وتضيف آمال: "الشعب السوداني، وأغلبيته من شريحة الشباب، وصل إلى إدراك حقيقي بضرورة إسقاط النظام وإقامة دولة مدنية ديمقراطية على أنقاضه"، وعن تقديرها لمستقبل الإسلام السياسي في السودان، تقول آمال: "الشعب الذي ثار على النظام، لا أعتقد أنّه سيسمح لاحقاً بالارتهان لأيّ مشروع أيديولوجي يتستر بالدين، أو يمنح مساحة لتيارات الإسلام السياسي، سيما بعد التجارب المريرة التي عاشها طوال العقود الثلاثة الماضية".
وتردف "إن كان من المبكر الجزم بأنّ مشروع الإسلام السياسي في السودان قد انتهى كلياً، باعتبار أنّ الأمر يتطلب نضالات قاسية وطويلة، فإنّ فرص انبعاثه بذات القوة لم تعد ممكنة على المدى القريب".
تأثير سقوط البشير
وترى الإعلامية الإريترية؛ أنّ "تأثير سقوط نظام البشير، يتجاوز الخريطة السودانية، ليبلغ تطلعات الإسلام السياسي، في المنطقة ككلّ، موضحة "نحن في مرحلة مبكرة لا تمكننا من إصدار أحكام جازمة حول مدى التأثير الفعلي لهذا الحدث على تيارات الإسلام السياسي في المنطقة، لكن من المؤكد أنّ السودان ظلّ المعقل الأخير لهذا المشروع السلطوي، وتفكيك هذه المنظومة سودانياً حتماً سيكون له أثر كبير في تقليص وتقييد فرص الإسلام السياسي في المناطق والدول المجاورة للسودان".

اقرأ أيضاً: أردوغان قلق بشأن ليبيا والسودان!! هذا ما قاله

ويتفق الكاتب والروائي السوداني، فايز السليك، مع هذه الرؤية؛ حيث أكد لـ "حفريات" أنّ "سقوط النظام السوداني سيفقد حركات الدول المجاورة، مثل: مصر، وإريتريا، وأثيوبيا، وغرب إفريقيا، ميزات لوجستية مهمة؛ باعتبار أنّ البشير كان ملاذاً لتلك الجماعات منذ تسعينيات القرن الماضي، تحت مظلة المؤتمر العربي الإسلامي الشعبي"، مضيفاً: "التداعيات لا تتوقف عند العامل اللوجستي فحسب، بل إنّ لها بعداً فكرياً أيضاً".

اقرأ أيضاً: جان باخ: لهذه الأسباب يحتفظ السودان بربيعه

لقد أثرت التجربة السودانية، قبل سقوطها، بحسب رأي السليك، "في النموذج التونسي بقيادة راشد الغنوشي، الذي يعدّ تلميذاً نجيباً للدكتور حسن الترابي، كما ظهرت كتابات إسلاميين، ناقدة للتجربة، مثل: الموريتاني محمد مختار الشنقيطي، وكتابات سودانية الطيب زين العابدين، وعبد الوهاب الأفندي، ومحبوب عبد السلام.
أثرت التجربة السودانية، قبل سقوطها، في النموذج التونسي بقيادة راشد الغنوشي

مزيج من من السلفية والفاشية
ويرى السليك؛ أنّ تجربة الإسلام السياسي في السودان قدمت نموذجاً فريداً "كان مزيجاً من السلفية والفاشية، في تفكيرها بالانغلاق على شكليات الدين، أو الشعارات التي تتحدث عن الأخلاق، دون تقديم مشروع حياتي للإنسان السوداني، فكانت النتيجة التردي الأخلاقي والفشل في تقديم تنمية أو خدمات، بل أفقرت بلاداً يراها الناس سلة غذاء العالم".

الثورة الحالية التي قادها الشباب غير المنتمي أيديولوجياً أطاحت بكل المشروع الذي عمل فيه الترابي ببرغماتية شديدة

وبحسب رأي السليك؛ فإنّ "جوهر المشروع هو الفاشية الدينية، شعارات الإقصاء والإرهاب، التي يعبر عنها: "فليعد للدين مجده، أو ترق منهم دماء، أو ترق منا الدماء، أو ترق كلّ الدماء"، فقد كان القتل والقطع وبيوت الأشباح والحروب العبثية التي انتهت بانفصال جنوب السودان، وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في دارفور، وبعد ثلاثين عاماً، انتهى المشروع بانتفاضة الشعب عليه".
وفي قراءته لمستقبل هذا التيار في السودان الحديث، ما بعد ثورة ديسمبر، يقول السليك: "قد يقود هذا الوضع المستحدث في الخرطوم التيارات الإسلامية إلى اتخاذ أحد الطريقين:
إما التجمع في حاضنة المؤتمر الشعبي، الذي أسسه الترابي، بعد خلافه مع البشير، حول السلطات؛ لأنّ الجناح الآخر، بقيادة البشير، أصبح معزولاً، لكنّ استمرار هذا التجمع يتطلب مراجعة شاملة في الخطاب الديني، وعمل نسخة معدلة وثوب جديد، بدلاً عن ذلك الرثّ. أو التقوقع وإحياء خلايا نائمة من جماعات الإرهاب لتنطلق من السودان لنسف النظام".
 همد مستقبل الحركات الإسلامية في السودان الجديد

الزلزال الذي ضرب أركان الحكم
من جهته، يرى الصحفي الإريتري ومحرر موقع "عدوليس"، جمال همد: أنّ "فشل تجربة نظام الإنقاذ لم تكن على المستويين الفكري والسياسي فحسب، بل لجهة أنّها مثلت تجربة غير مسبوقة في الفساد المالي والإداري، في تاريخ السودان الحديث، إلى جانب ارتباطها بجرائم ضدّ الإنسانية، لا تحتاج إلى كبير عناء لاكتشافها".

اقرأ أيضاً: منع تظاهرة لإسلاميي السودان.. تفاصيل
ويرى همد؛ أنّ "الزلزال الذي ضرب أركان الحكم في الخرطوم، ستكون له انعكاسات كبيرة على كلّ النظم حوله، وعلى الإسلام السياسي في المنطقة ككلّ؛ ذلك لأنّ السودان بموقعه الجغرافي المترامي، وتأثيره الثقافي العميق، ظلّ لأعوام قبلة لمجمل الحركات الإسلامية بالمنطقة. أضف إلى ذلك؛ أنّ رأس المال الإخواني وغير الإخواني ظلّ يتحرك بارتياح من الخرطوم إلى عدة بلدان أخرى، خدمة لفكرة إعادة (صياغة الشعوب)، كما روّج لها عراب المشروع، حسن الترابي".
ويضيف همد: "الثورة الحالية التي قادها الشباب غير المنتمي أيديولوجياً، قد أطاحت بكل المشروع الذي عمل فيه الترابي ببرغماتية شديدة".
ويقدّر همد مستقبل الحركات الإسلامية في السودان الجديد بالقول: "أمام الحركات الإسلامية حلّ واحد لا غير؛ هو أن تراجع كلّ خططها وبرامجها ومرتكزاتها الفكرية، لتتحول إلى أحزاب سياسية مدنية؛ لأنّ تجربة النموذج الإسلاموي السابق ستظل تلاحقها باستمرار، أو أن تتحول إلى ما يدعو إليه الذين تمرغوا في أموال الإسلام السياسي".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية