الصراعات الدينية.. كيف تستنزف جماعات الإسلام السياسي المجتمعات؟

الصراعات الدينية.. كيف تستنزف جماعات الإسلام السياسي المجتمعات؟


01/09/2020

في الدفع بالصراع والعمل السياسي إلى أن يكون صراعاً دينياً أو صراعاً بين أنصار الدين وأعدائه، يمضي الإسلام السياسي بالحالة العامة إلى استعداء أيديولوجي عميق، يجعل تفكيك الأزمات والخلافات السياسية والاجتماعية أمراً صعباً ومعقداً، فبدلاً من أن تكون الصراعات، على سبيل المثال، حول إدارة وتوزيع الموارد العامة أو حول السياسات والتشريعات أو بين المكونات الاجتماعية والسياسية والإثنية للدولة والمجتمع، فإنّها تتحول بين تطبيق الشريعة الإسلامية ورفض تطبيقها دون ملاحظة القواسم الدينية والعقدية المشتركة والعميقة بين أطراف الخلاف والصراع.

اقرأ أيضاً: وباء الإسلام السياسي يأبى مغادرة جسد أندونيسيا

وهكذا فإنّ مساعي المشاركة السياسية أو التأثير فيها تتحول إلى جهاد في سبيل الله، ويكون الصراع أو الخلاف حولها حرباً بين الإيمان والكفر، وتصير السلطة السياسية التي تواجه جماعات الإسلام السياسي ينطبق عليها قوله تعالى "وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد" وتكون الاتجاهات الدينية المؤيدة للسلطة في مواجهة المعارضات "الإسلامية" مساجد ضرار، وتستحضر قصص المعارك والاضطهاد الذي تعرض له المؤمنون في التاريخ لتُفهم على أنّها أيضاً حالة الخلاف القائم بين السلطات والجماعات، فيكون الإسلام السياسي هو المؤمنون الذين حرقوا بالنار وصلبوا وقتلوا وتكون السلطات هي أصحاب البروج والفراعنة وغيرهم ممن حاربوا المؤمنين بالله.

لا يجب أن يكون مقبولاً الموت والقتل لذاته إنه يتحول بذلك إلى غاية مستقلة عن رواية الخلاف والصراع

وفي هذا الصراع المصحوب بحالات الفشل السياسي والتنموي والشعور بالظلم لدى طبقات وفئات اجتماعية لأسباب كثيرة مختلفة لا علاقة لها بالإيمان والكفر، وغياب الحريات وضعف المجتمعات وهشاشتها ونقص الموارد وتنامي البطالة والفقر والتهميش، وضعف التعليم وفقدان المعنى والجدوى، وما تضيفه العولمة والهيمنة والاحتلالات والاختلالات والفجوات الاقتصادية والاجتماعية؛ يتحالف اليأس الاجتماعي والشعور بالخوف والظلم مع مغامرة "الإسلام السياسي"، وتتحول الجماعات الدينية إلى مظلة سياسية واجتماعية لأفراد وفئات واسعة في الدول الهشة والمجتمعات المهمشة، فيكتسب الخلاف السياسي عمقاً اجتماعياً واقتصادياً، وتتشكل للصراع قواعد وحواضن اجتماعية، ثم يضيف المعنى الديني الجديد الذي اكتسب أبعاداً احتجاجية وحداثوية صلابة وتماسك رواية الإسلام السياسي، ويكون في مقدور الجماعات حشد المؤيدين والمحتجين والانتحاريين أيضاً.

اقرأ أيضاً: التداعيات الإقليمية لسقوط الإسلام السياسي في السودان

وإذا أضيفت إلى هذه المتوالية الدينية الثقافية الاقتصادية الاجتماعية أبعاد دولية، ففي الخلافات بين الدول والأطماع والتحالفات الخارجية تتحول حالة الإسلام السياسي إلى مورد ثمين للصراعات الدولية والحروب والصراعات بالوكالة، وفي حاجة الجماعات إلى المال والمأوى والاتصال والقدرة على التحرك والتأثير، تتحول إلى حليف قوي بل وتابع للدول والأنظمة السياسية وأقطاب الصراع.

اقرأ أيضاً: لماذا سقط الرهان على "الإسلام السياسي" في المجتمعات العربية؟

وقد يبدو الأمر منطقياً وقابلاً للحل والمعالجة أو التفكيك إذا ما بقي في بعده السياسي والاقتصادي وقابلاً للتسوية والتفاوض، ففي رد الخلافات والأزمات إلى أبعادها الاقتصادية والاجتماعية يمكن فهمها وتحليلها ثم بناء التفاهمات حول إدارتها والاتجاه بها نحو الممكنات والتوقعات الإيجابية، لكن في تحويلها إلى صراعات دينية وأيديولوجية عميقة تصبح عصية على الحلّ وتستمر في الاستنزاف والهدر للموارد والشعوب عقوداً بل قروناً طويلة، فالحروب الدينية في أوروبا، على سبيل المثال، استمرت أكثر من مائة سنة، وظلت بعد قرون من انتهائها تؤسس لمتوالية من الانقسام والحروب الأخرى التي لم تتوقف حتى منتصف القرن العشرين، بل واستمرت في بريطانيا والبلقان إلى تسعينيات القرن العشرين.

اقرأ أيضاً: محمد الكيلاني: الإسلام السياسي أكبر عائق أمام الديمقراطية

ولماذا نذهب بعيداً ولا نواجه أنفسنا بحقيقة أنّ الصراع السنّي الشيعي الذي بدأ وتشكل حول رواية سياسية لا علاقة لها بالدين أو الإيمان والكفر، اكتسب قدرة على البقاء والحماس والدافعية مئات السنين، وما يزال هذا الانقسام العميق الذي تحول إلى أمم ومجتمعات ودول ومذاهب متفرقة يعادي بعضها بعضاً يكتسب مزيداً من الصلابة والتضحيات الكبيرة.

اقرأ أيضاً: أولية العقل: نقد أطروحات الإسلام السياسي

وفي المقابل فإنّ النزعات القومية والفاشية والاشتراكية والفوضوية الأناركية، وإن نجحت في بناء رواية للدول والجماعات والصراعات والحروب، فإنها ظلت عرضة للتفكك والانحسار؛ لأنها ببساطة لم تتحول إلى أيديولوجيا دينية تجتذب الدعاة والمتحمسين المتعطشين للعطاء والتضحية والموت.

في رد الخلافات والأزمات إلى أبعادها الاقتصادية والاجتماعية يمكن فهمها وتحليلها والاتجاه بها نحو التوقعات الإيجابية

إنّ الصراعات في أفقها العملي تشبه مباراة تحدد نتائجها أدوات وموارد وقدرات أطراف المباراة، وقوانين المباراة أيضاً، فإذا كانت الصراعات بلا أفق واضح ولا قوانين وقواعد فإنها تتحول إلى هدف لذاتها أو  تدمير للذات، هكذا يجب أن يكون في مقدور جماعات الإسلام السياسي كما كل جماعة احتجاجية أن تصوغ أهدافاً عملية واضحة لمشاركتها في الصراع وأن تكون هذه الأهداف قابلة للتفاوض والتسوية على نحو يرضي الأطراف، وعلى نحو يؤكد حاجة الأطراف جميعها إلى بعضها البعض، لكن المضي في هذا الصراع نحو اللانهاية ومجرد الكراهية والقتل والإذلال، أو المضي وراء تصور غير عملي أو واقعي للنصر الذي يلغي الآخر نهائياً، يعطي الصراع مورداً للاستمرار والتوقف، ولماذا يتوقف الخصم عن المواجهة حتى لو كان يخسر أو يتألم إذا كان يعلم أن خصمه يريد إلغاءه ولا يقبل به ولا يوافق عليه كما هو أو بتنازلات وتسويات معقولة وممكنة؟

اقرأ أيضاً: مستقبل الإسلام السياسي: مآزقه وخياراته

وعلى هذا الأساس ليس ثمة صراع مقدس، ولا يجب أن يكون مقبولاً الموت والقتل لذاته، إنه يتحول بذلك إلى غاية مستقلة عن رواية الخلاف والصراع، ثم ويا للكارثة يتحول إلى متعة وأسلوب حياة ومصالح واستثمارات ويكون وقف الصراع تدميراً لمصالح وكيانات اجتماعية واقتصادية!

وبعبارة أخرى تتحول الجماعات المعارضة إلى جماعات خارجة من المجتمعات وخارجة عليها، ثم تجد مصلحتها في هذا الخروج، وتحوله إلى حالة أبدية ودائمة ثم رواية وطقوس دينية ورمزية تتشكل حولها هويات ودول وقيادات وثقافة وقيم وعادات وتقاليد وطقوس ومدن ومجتمعات.. واللي شبكنا يخلصنا!


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية