بين الالتقاء والافتراق.. النظام والكُرد السوريون إلى أين؟

الأكراد

بين الالتقاء والافتراق.. النظام والكُرد السوريون إلى أين؟


26/05/2019

من تهميش وإنكار، وفق ما يؤكده ساسة كُرد، إلى تصدّر محاربة الإرهاب ضمن تحالف دولي يضم عشرات الدول بريادة الولايات المتحدة الأمريكية، يبدو أنّ الكُرد في سوريا وجدوا ضالتهم في تلك المهمة، خاصة أنّ التهمة ذاتها؛ أي (الإرهاب)، لطالما كانت تُلصق بنشاطاتهم التي يقومون بها في مناوأة حكومات دولٍ هي: إيران وتركيا وسوريا والعراق.

اقرأ أيضاً: جدار حول عفرين .. ماذا تفعل تركيا في الشمال السوري؟
والحال كذلك، تمكّن الكُرد في العراق، إبان التدخل الأمريكي، العام 2003، من الاستحواذ على حقوقهم ضمن العراق الفيدرالي، ليفتح ذلك شهية الكُرد في سوريا أيضاً، عقب اندلاع الحراك الشعبي فيها، العام 2011، من خلال الدعوة لبناء سوريا جديدة لامركزية، تتقاسم فيها الأقاليم مختلف السلطات، وتكون الحكومات المحلية مسؤولة أمام شعوب مناطقها، لكنّها رؤية لا تجد لها نصيراً، خاصة من طرف النظام السوري، الذي يؤمن أنّ اللامركزية بوابة للتقسيم والتجزئة، وعليه يؤكد ضرورة عودة الحال إلى ما كانت عليه، العام 2011.
حال الكُرد في سوريا قبل العام 2011  
عضو اللجنة السياسية في حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)، رشيد شعبان، يقول إنّ "القضية الكُردية في سوريا قضية شعب يعيش على أرضه التاريخية منذ القدم، حُرم من حقوقه القومية الطبيعية، هي قضية ديمقراطية ووطنية بامتياز، تهمّ جميع السوريين؛ لأنه لا يمكن تحقيق الاستقرار والأمان في سوريا دون إيجاد حلّ ديمقراطي عادل للقضية الكُردية".

استحواذ الكُرد في العراق على حقوقهم إبان التدخل الأمريكي فتح شهية الكُرد في سوريا

ويتابع شعبان حديثه لـ"حفريات": "الكُرد موجودون على أرضهم التاريخية في سوريا قبل تشكيل الدولة السورية، وأثناء اتفاقية سايكس بيكو وقع جزء من الأراضي الكُردية ضمن سوريا، ومن الأدلة على ذلك؛ أنّ منطقة عفرين في عهد الدولة العثمانية كانت تسمى بمنطقة (كُرداغ/ اسم تركي يعني جبل الكُرد)، وبعد تشكل الدولة السورية، كانت عفرين معروفة باسم جبل الكُرد، وهذا دليل على وجود الكُرد على أرضهم التاريخية، وأنهم ليسوا دخلاء، كما يدعي ويزعم البعض، فعبر التاريخ مارس الكُرد حياتهم على أرضهم، وهناك الكثير من المواقع الأثرية التي تحمل أسماء كُردية".
وحول تعاطي النظام مع الكُرد قبل الحرب السورية، يقول شعبان: "النظام السوري اعتمد على سياسة الحزب الواحد المتبنّي لسياسة إنكار القضية الكُردية، ومارس كافة أنواع الاضطهاد القومي بحق الشعب الكردي، فمنذ العام 1963؛ يعيش السوريون في ظلّ قانون الطوارئ والأحكام العرفية؛ حيث انتهجت سياسات خاصة تمثلت بتغيير أسماء المناطق الكُردية، ومنعنا من تعلم اللغة الكردية، إضافة للحرمان من الحقوق الطبيعية؛ بدءاً من سحب الجنسية السورية، العام 1962؛ حيث سُحبت حينها الجنسية من حوالي 120 ألف مواطن كردي، إضافة إلى شنّ حملات الاعتقال بحقهم عند مطالبتهم بحقوقهم القومية، واعتقال قادة الأحزاب الكُردية ومنتسبيها"، متابعاً: "كما تمّ منعهم من تبوّؤ المناصب القيادية في السلطة، ومنع وصول الكُرد إلى المناصب الحساسة؛ كالطيران والمناصب الأمنية، حيث كان التعامل مع الكُرد مبنياً على الحذر".

اقرأ أيضاً: الكُرد السوريون.. مُعارضون أم موالون للنظام؟

صورة لبطاقات مكتومي القيد أو المجرّدين الكرد من الجنسية السورية والذين يعدّونهم "أجانب"

الدور التركي في منع الحلّ
ويرى شعبان؛ أنّ "طبيعة النظام السوري، منذ تأسيس الدولة السورية، خاصة بعد فترة الانقلابات وتشكيل الوحدة بين سوريا ومصر، كانت دائماً تقوم على انتهاج سياسة عنصرية شوفينية تجاه الكُرد، وعند استلام حزب البعث السلطة فعل كما حصل في العراق؛ حيث انتهج سياسة قائمة على إنكار القوميات الأخرى، وكان للدول الإقليمية دور كبير؛ حيث كانت تركيا تنتهج هي الأخرى سياسة ظالمة، ولها تأثير في دول المنطقة، وكذلك النظام الإيراني؛ حيث تعرض الكُرد في هذه الدول الأربع (تركيا وإيران والعراق وسوريا) للقهر والظلم والاضطهاد، ورغم وجود خلافات كبيرة بين هذه الدول، إلا أنّها كانت متفقة في قمع الكُرد".

لطالما أُلصق الإرهاب بنشاطات الكرد المناوئة لحكومات دولٍ إيران وتركيا وسوريا والعراق

ويستذكر شعبان في هذا السياق ما حدث العام 1957؛ عندما افتتحت هيئة الإذاعة الكُردية في مصر، وبثّت من القاهرة، ما دفع السفير التركي هناك للاجتماع مع جمال عبد الناصر؛ حيث طالبه بإلغاء الإذاعة، إلى جانب عقد تركيا اتفاقات أمنية مع إيران والعراق وسوريا لمنع الكُرد من الاستحواذ على حقوقهم في أيّة منطقة"، منوهّاً إلى أنّ "السياسات التركية الحالية تجاه الكُرد هي امتداد لسياساتها القديمة".
ويؤكد شعبان أنّه مع اندلاع الثورة السورية، رأى الكُرد أنفسهم كجزء من الثورة السلمية، "فالأحزاب الكُردية والشعب الكُردي معارضون لسياسات النظام البعيدة عن الديمقراطية، وبالتالي نحن، كشعب كُردي، معارضون للنظام، وتبشرنا خيراً في إحقاق حقوق شعبنا وتحوّل سوريا من نظام شمولي إلى نظام ديمقراطي تعددي، وفي هذه الأثناء حاول النظام التقرب من الكُرد، وبُعثت رسالة للقاء مع قيادات الأحزاب الكُردية، العام 2011، لكنّ القيادات الكُردية رفضت اللقاء مع الرئيس الأسد، والذي كان هدفه مُحاولة تحييدهم عن الثورة، على اعتبار أنّ الكُرد لا نية لديهم في استلام السلطة او الانتقام من النظام"، مردفاً: "إلا أنّ المعارضة، وللأسف، قد أخلّت بوعدها، وتعاملت مع الكُرد بحدّية أشدّ مما كان يتعامل بها النظام، بدليل أنّه لا يوجد، حتى الآن، أيّ مشروع لدى النظام أو لدى المعارضة للتعامل مع القضية الكردية، فالكُرد، ومنذ تأسيس أول حزب لهم في سوريا، العام 1957، كان نضالهم ومطلبهم ديمقراطياً وسلمياً، وما نزال ننتهج مبدأ الحوار لإقرار الديمقراطية والحقوق الطبيعية للكُرد ضمن وحدة البلاد، عبر دستور جديد يلبي طموحات مكونات الشعب السوري، ويحمي ويحفظ حقوق جميع الأقليات بناءً على شرعة حقوق الإنسان".

اقرأ أيضاً: تركيا تضرب العرب بالكرد في سوريا لخدمة أحلامها العثمانية

جانب من الاجتماعات التركية السورية في تشرين الأول 2009

نفي وممارسات فردية
من جهته، ينفي العضو في مؤتمر سوتشي، فيصل العازل، الاتهامات الكُردية بحق النظام؛ حيث شارك العازل كأحد الفعاليات الاجتماعية والعشائرية عن محافظة الحسكة في هذا المؤتمر (وهو ما عُرف بمؤتمر الحوار الوطني السوري، الذي رعته روسيا، وعُقد في الثلاثين من كانون الثاني (يناير) 2018، وشاركت فيه شخصيات محسوبة على الموالاة والمجتمع المدني السوري، ووفود من المعارضة، وبلغ عدد الحاضرين 1511 مشاركاً، وكان من أبرز مخرجاته الاتفاق على تأسيس لجنة لإعادة كتابة الدستور السوري).

علاوة على مُواجهة تركيا يتفق الكُرد في سوريا مع النظام على مُحاربة تنظيم الإخوان المسلمين

يقول العازل لـ"حفريات": "ليس هناك شيء من هذا القبيل، فالدولة السورية سعت دائماً إلى أن يكون جميع مواطنيها من الدرجة الأولى، وإن كان هناك شيء من ذلك قد حصل، فقد يكون بسبب ممارسات فردية، لكنها لم تكن منهجية عمل أو سياسة مُتبعة، على العكس؛ كان الكُرد السوريون ينطلقون من سوريتهم، وتعاونت الدولة معهم على هذا الأساس، ووصل الكثير منهم إلى مواقع مرموقة في الدولة، من خلال عملهم في مؤسساتها كمدراء وسياسيين ووزراء".
مضيفاً: "بعد الأحداث التي حصلت في سوريا، كانت الدولة منفتحة على الجميع، وسعت لأن يكون الكلّ مساهماً في حلّ الأزمة، وكانت تعوّل كثيراً على الكُرد السوريين، كمواطنين، لحرصهم ووطنيتهم بغية الحفاظ على الدولة السورية، وعلى مناطقهم آمنة، ولم يكن الموضوع موضوع مُهادنة، فالكُرد سوريون، ومن واجبهم الدفاع عن الدولة السورية، وعن مناطقهم، وهذه العلاقة في تطور دائم، وليست مُنقطعةً أو مرحلية".

اقرأ أيضاً: تركيا تعاني من "الفوبيا الكردية".. والكرد شمال سوريا يخشون "تجربة عفرين"

جانب من اجتماع سوتشي في كانون الثاني 2018 بحضور أكثر من 1500 شخصية

إشكالية عامة
يرى العازل؛ أنّ الإشكالية ليست حول الكُرد؛ "فالإشكالية القائمة هي مع حزب معين، وهو حزب الاتحاد الديمقراطي، أما عدا ذلك فلا توجد إشكالية بين الدولة السورية والكُرد عامة"، قائلاً: "حزب الاتحاد الديمقراطي انتهج نوعاً من سياسة مُغايرة لما هو في سوريا ونهج الدولة السورية، ووضع يده في يد أمريكا، هذا الأمر أصبح يزعج السوريين بشكل عام، ويزعج القيادة السورية؛ لأنّنا ندرك تماماً ماهية هذا الأمر، وما هي الغاية من الارتباط مع أمريكا، وندرك تماماً ما هي المصالح الأمريكية في المنطقة وأطماعها، لذلك كنا نتمنى أن يفكّ حزب الاتحاد الديمقراطي العلاقة بينه وبين أمريكا، في سبيل أن ينسّق لصالح المنطقة ولصالح الدولة السورية".

فيصل العازل: اللامركزية التي تؤدي إلى الفدرالية أو الحكم الذاتي أمر مرفوض

وحول اللامركزية التي تطالب بها الإدارة الذاتية، والمركزية التي تطالب بها السلطة في دمشق، يعتقد العازل أنّ "الأنسب هو أن يكون هناك نوع من اللامركزية في بعض القرارات، أما المركزية الأساسية فهي مهمة جداً"، قائلاً: "نحن مع مركزية القرار، مع وحدة الدولة السورية بعيداً عن التجزئة والمسميات التي يمكن أن تؤدي إلى تقسيم الدولة السورية".    
ويستطرد العازل: "الموضوع ليس المركزية أو اللامركزية؛ فالهدف هو الحفاظ على وحدة سوريا، أرضاً وشعباً، والدولة السورية دولة واحدة ولا تريد الإقرار بهذه اللامركزية، التي يطالب بها حزب الاتحاد الديمقراطي فقط، وليس الكُرد عامة، فهذا الأمر إن حصل، سيدفع بالكثير من المناطق السورية لانتهاجها، وهذا سيؤدي إلى تمزيق الدولة السورية وتجزئتها ويخلّ بوحدتها، ومن ناحية أخرى؛ اللامركزية مُطبقة حالياً، ولكن بشكل مغاير لما يطالب به حزب الاتحاد الديمقراطي، من خلال الإدارة المحلية والمرحلة الخامسة منه، والذي يتضمن نوعاً من اللامركزية في الكثير من القرارات والأمور الخاصة بالمحافظات، أما اللامركزية التي تؤدي إلى الفدرالية، أو الحكم الذاتي؛ فهي أمر مرفوض، ولا يمكن أن يقبل به الشعب قبل أن تقبل به الدولة السورية".

اقرأ أيضاً: بين المعارضة والنظام: سوريات يدفعن الثمن مرتين

أحد الاجتماعات التحضيرية للنظام الاتحادي شمال سوريا

من المُعارضة إلى الحياد
لكن، رغم خلافهما على شكل البلاد المستقبلي، لم يتطور الأمر بين النظام والكُرد السوريين إلى مُواجهات عسكرية مفتوحة، كالتي وقعت بين كلّ من الطرفين من جهة، والمعارضة المدعومة من تركيا في الجهة الأخرى؛ حيث يتفق الطرفان (النظام والكُرد) على ضرورة مُواجهة المطامح التركية في الشمال السوري، دون أن يخلو الأمر من اشتباكات مُتقطعة وقعت بينهما خلال فترات من عمر الصراع السوري، كان يجري حلها بترحيل ملفاتها إلى المستقبل.

عبد السلام أحمد: النظام مايزال على عهده بالنظر للآخر المختلف أنه إرهابي وجزء من المشروع التآمري

وحول التعاطي بين الكُرد والنظام عقب اندلاع الحراك الشعبي في سوريا، العام 2011، يقول مُمثل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في لبنان، عبدالسلام أحمد: "القوى السياسية الكردية حجزت لنفسها مقعداً في صفوف المعارضة السورية مع بدء الحراك الجماهيري سواء في إطار هيئة التنسيق التي انطلق مؤتمرها التأسيسي في دمشق، أو المجلس الوطني السوري الذي اختار مدينة أنطاليا التركية مكاناً لإعلان المؤتمر، وشارك الكرد بفعالية في المظاهرات التي عمّت كافة أرجاء سوريا، على أمل تغيير النظام بكافة رموزه ومرتكزاته وبناء نظام ديمقراطي برلماني تعددي لامركزي، ودستور يضمن الحقوق القومية للشعب الكًردي، كثاني قومية في البلاد".

اقرأ أيضاً: ما هدف الإخوان المسلمين من دعوة تركيا للسيطرة على شمال سوريا؟
ويستدرك أحمد خلال حديثه لـ"حفريات": لكنّ لجوء الحكومة السورية إلى العنف واستخدام القوة العسكرية أدى إلى تشكل فصائل مسلحة؛ حيث تكاثرت الفصائل والرايات بعناوين اسلامية جهادية، والقوى التي ادّعت تمثيل الثورة لم تكن تملك برنامجاً متماسكاً ورؤية واضحة لسوريا المستقبل، التي ننشدها، وتخلق الاطمئنان بأنّ البديل القادم سيكون أفضل، وقد زاد الشرخ أنّ الفصائل التي اجتمعت تحت مسمى الجيش الحرّ، أعطت ظهرها لدمشق، وزحفت باتجاه المناطق الكردية، بدعم وتمويل وتحريض تركي، مما اضطر وحدات حماية الشعب للدفاع والتصدي للمهاجمين المتسللين عبر الحدود التركية، وكان الاشتباك الأول في مدينة رأس العين، في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2012".

الخط الثالث

يذكر أنّ الكُرد السوريين أطلقوا على نهجهم السياسي مسمى (الخط الثالث)، والذي أعلنوا عبره التزامهم الحياد من الصراع القائم بين النظام والمعارضة؛ حيث وجد الساسة الكرد أنّ الصراع بين الطرفين بات على السلطة، وصرفوا همهم إلى بناء نظام إداري جديد في مناطقهم تحت مسمى "الإدارة الذاتية"، بالتشارك مع العرب والمسيحيين، والمكونات الموجودة في مناطق الشمال السوري، مُطالبين النظام بالاعتراف به كجزء من الدولة السورية، وهو ما لا يبدو أن يلقى آذاناً صاغية.

محمد شاكر: الصدام بين الطرفين ستكون كارثية على المكون العربي الذي يتوزع بين ثلاثة مشاريع

يقول أحمد: "لقد أثبتت مجريات الأحداث صوابية، هذا الخط (الثالث) المبني على القراءة الصحيحة للمشهد السوري، لمعرفتنا التامة بطبيعة النظام الأمني في دمشق، وتعقيدات الجغرافية السياسية التي نتواجد فيها، وكذلك حساسية اللوحة الاجتماعية، وتعدّد مكونات المنطقة؛ حيث تؤدي أية ملامسة خاطئة لها إلى إدخالنا في حالة صراع وحرب أهلية، بالتالي فوضى مدمرة، سيما أنّ النظام سبق له أن قمع انتفاضة آذار 2004 في القامشلي، من خلال استخدام الورقة العشائرية العربية، وتحريك بعض هذه العشائر لمواجهة الحراك الكُردي.
ويؤكد أحمد أنّ الكرد نجحوا في إفشال ما كان يحاك لمنطقتهم؛ "جنبناها الحرب المدمرة التي طالت المناطق السورية، التي دخلتها فصائل المعارضة بمختلف مسمياتها، وحافظنا على السلم الأهلي من خلال تشكيل إدارات مشتركة؛ من الكُرد، والعرب، والسريان الآشور، والأرمن، الشيشان، والتركمان، وقوات عسكرية ينضوي تحت رايتها أبناء سوريا من كلّ مكونات المنطقة، ولم تشهد منطقتنا حرباً أهلية على أسس قومية او دينية، كالتي شهدتها بعض المناطق في سوريا، ورغم قلة الخبرة وحداثة التجربة والحصار الاقتصادي، والتهديد التركي بالاجتياح الذي حصل باحتلالهم عفرين، وتحوّل مناطقنا إلى ملجأ للآلاف من للنازحين السوريين واللاجئين العراقيين، إلا أننا نجحنا في تشكيل إدارات استطاعت تأمين الأمن والأمان، وأسباب العيش الكريم للملايين من الناس".
الخيارات السياسية والعسكرية
علاوة على مُواجهة تركيا، يتفق الكُرد في سوريا مع النظام على مُحاربة تنظيم الإخوان المسلمين، وحول ذلك يقول أحمد: "نحن في موقع الدفاع عن النفس تجاه تركيا، والفصائل التي تأتمر بأوامر الاستخبارات التركية، ومنهم الإخوان المسلمون، لقد مددنا يدنا للسلام مع الجميع، ولم نذهب إليهم محاربين، هم جاؤوا إلينا لينشروا الموت والدمار في قرانا ومدننا، وكذلك الحكومات التي توالت على السلطة منذ الاستقلال وللآن، خاصة بعد استلام حزب البعث الحكم في سوريا؛ حيث انتهجت في مقاربتها للقضية الكُردية سياسة الأقصاء والأنكار، وسارت في ذلك على المبادئ التي وضعها مؤسس الحزب، ميشيل عفلق، والتوصيات التي قدمها ضابط الأمن السياسي، محمد طلب هلال، لقيادته في دمشق، العام 1963، والقاضية بصهر الكُرد في بوتقة القومية العربية، أو طردهم من الوطن العربي التي يزعمون بأنّها تمتد من جبال طوروس للمحيط، ما تزال هذه العقلية هي المسيطرة لدى أصحاب القرار في دمشق والخيار العسكري يتقدم لديهم على الخيار السياسي، نحن منفتحون على الحوار مع كلّ الأطراف المعنية بالقضية السورية، ولن نلجأ للسلاح إلا دفاعاً عن النفس".

اقرأ أيضاً: تركيا تحرم 38 ألف طالب كُردي من التعلم بلغتهم الأم

سبق أن هدّد النظام السوري وقادته العسكريون قوات سوريا الديمقراطية بالخيار العسكري

ماذا لو اتفقا؟
وحول رؤيتهم لإمكانية الاتفاق بين النظام وتركيا على حساب الكُرد السوريين، صرح مسؤولون أتراك سابقاً بوجود اتصالات استخبارية مع الجانب السوري، يقول أحمد: "الحكومة السورية ما تزال ملتزمة مع الحكومة التركية ببنود اتفاقية أضنة، التي تمّ التوقيع عليها بين الدولتين، في تشرين الأول (أكتوبر) 1998، الاتفاقية الأمنية التي تستهدف الكُرد أمنياً، ولم يتم إلغاء هذه الاتفاقية، رغم أنّ لتركيا دوراً أساسياً فيما آلت إليه الأوضاع في سوريا من دمار وخراب، وما كان لتركيا أن تحتل جرابلس والباب وعفرين دون موافقة ومباركة من الحكومة السورية، وقد حدث ذلك في إطار اتفاقيات الأستانة، وصفقات ترحيل فصائل المعارضة السورية من حلب ودمشق وحمص ودرعا، مُقابل السماح لتركيا باحتلال تلك البلدات وضرب الكُرد ومشروع الإدارة الذاتية، لم يعد لدى الحكومة السورية ما تقايض به تركيا، خاصة شرق الفرات؛ حيث الهدف التركي".

اقرأ أيضاً: هل تسلخ تركيا "لواء إسكندرون" آخر من سوريا؟
وحول مستقبل العلاقة بين الجانبين؛ يختتم أحمد حديثه بالقول: "النظام ما يزال على عهده في النظر للآخر المختلف على أنه إرهابي وجزء من المشروع التآمري على سوريا، وهذا سيطيل أمد الأزمة ونزيف الدم، وإذا استمر النظام في سياساته الإقصائية والخيار العسكري، فسيدفع البلاد باتجاه التقسيم وقضم مساحة واسعة من الأراضي السورية من قبل تركيا، التي تطمع بالسيطرة على حلب ومنابع النفط في شرق الفرات، والتمدّد باتجاه العمق السوري، أما إن قام بخلاف ذلك، فسيقوى موقفه، خاصةً في حال توصله لتوافقات مع الإدارة الذاتية الديمقراطية، مما قد يمهد الطريق أمام الحل السياسي وتحرير البلدات التي احتلها الجيش التركي والإرهابيون".
التوافق وارد
من جانبه، يقول الدكتور محمد شاكر، رئيس التيار العربي المُستقل (وهو تيار سياسي أطلقته مجموعة من أبناء المنطقة الشرقية في سوريا، ويهدف وفق القائمين عليه لمشروع وطني جامع، وتفكيك المشروع الطائفي ومواجهته، انطلاقاً من مناطق شرق الفرات): "العلاقة بين قسد والنظام هي علاقة وجب أن نحدّدها بأنّها علاقة تفترق عن موضوع الثورة السورية، فقوات سوريا الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطي هما من إفرازات الصراع في سوريا، وليست مولدات الثورة، هم لديهم رؤية وحقوق يطالبون بها، كما كلّ المشارب الموجودة في المعارضة السورية؛ حيث إنّ هناك مشارب عدة لعلاقة النظام مع المعارضة وهي تتفاوت، وهناك من لديه بعد سياسي وهناك من لديه بعد اجتماعي يصطف بحسب رؤية كل دولة، وعليه فمن الوارد جداً في إطار هذه العلاقة؛ أن تحصل تفاهمات بين النظام السوري وقسد؛ حيث إنّ للأخيرة مطالب معينة تتعلق بحقوق الكُرد ورؤية سياسية في شكل سوريا المستقبلي، وعليه؛ فإنّ هذه العلاقة مفتوحة لجميع الاحتمالات بما فيها التصعيدية أو التقاربية".

اقرأ أيضاً: الكُرد يتخلون عن حلمهم بالفيدرالية استجابة للأسد ودرءاً لأردوغان

راية وحدات حماية الشعب مع العلم الرسمي السوري في أحد المواقع بسوريا

تجاذبات
وحول التنازلات التي يمكن أن يقدمها كلّ من الطرفين للآخر، يقول شاكر في حديثه لـ"حفريات": "المسألة ليست تنازلات بقدر ما هي إلى أين يسير الصراع السوري؛ فالنظام لديه رؤية بالمشروع التركي، وأيضاً قوات سوريا الديمقراطية لديها رؤية، وهو ما يعني وجود نقاط التقاء فيما بينهما، كمسألة تركيا، وقد يقدم النظام بعض المطالب لقوات سوريا الديمقراطية في إطار العملية السياسية، كأن يكون شكل الدولة لامركزياً في بعض المناطق، فيما قد تقدم بالمقابل قسد تنازلات للنظام، فمثلاً ليس لمجلس سوريا الديمقراطية أيّة مصلحة في مناطق كالرقة ودير الزور، ومن الوراد أن يترك الرقة ودير الزور للنظام، مقابل الحصول على حقوقه، المسألة تجاذبات، ولا يمكن أن يُنظر لها ككتلة واحدة، وتبقى جميع الأمور مرهونة بالتجاذب الروسي الأمريكي".

اقرأ أيضاً: العودة إلى عفرين: الأكراد أمام مُقاومة بيضاء أو استسلام بطعم الهزيمة
ويخلص شاكر إلى القول: "ربما أكبر نقاط الالتقاء هي إقصاء الدور التركي، والتي تحدد العلاقة بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام"، لكنّه يستدرك بالإشارة إلى أنّه "في حال الصدام بين الطرفين، المسألة ستكون كارثية؛ حيث سيدفع ثمنها المكوّن العربي الذي يتوزع بين ثلاثة مشاريع، هي: المشروع التركي، ومشروع شرق الفرات، والعرب الموجودون في إطار قوات سوريا الديمقراطية، والمشروع الإيراني الموجود في غرب الفرات، وكلّ هذه المشاريع لديها مجلس عشائر، وبالتالي؛ فإنّ مادة الصراع ستكون المكون العربي في حال أيّ صدام بين تلك الأطراف".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية