هل تبخرت أحلام تركيا بإنشاء قاعدة عسكرية في سواكن السودانية؟

هل تبخرت أحلام تركيا بإنشاء قاعدة عسكرية في سواكن السودانية؟


كاتب ومترجم جزائري
27/05/2019

ترجمة: مدني قصري


في ضوء تطور الأزمة السودانية، تخشى دول الخليج أن يصبح الساحل الغربي للمملكة العربية السعودية في متناول تركيا.

على الرغم من تغيير السلطة في السودان، إلا أنّ عدة عقود دولية ما تزال سارية في هذا البلد الإفريقي، بما في ذلك المعاهدة المبرمة مع أنقرة في عام 2017 بشأن إعادة إعمار بلدة سواكن القديمة، الواقعة على جزيرة في البحر الأحمر، كما تذكر الصحيفة اليومية Nezavisimaya gazeta.

اقرأ أيضاً: محور تركيا قطر: هل يفقد نفوذه في السودان وليبيا؟‎

وتشتبه بعض الحكومات العربية في أنّ تركيا تريد تثبيت قاعدة عسكرية فيها، حسب وسيلة الإعلام المذكورة. أما عن القوات السودانية الموالية لها، فإنها تطالب الأتراك بوقف هذه المشاريع.

كانت جزيرة سواكن نقطة عبور للحجاج المسلمين الذين يتوجّهون إلى الحج من البلدان الإفريقية

إشكالية سواكن

تقع مدينة "سَواكِن" في شمال شرق السودان، على الساحل الغربي للبحر الأحمر، وعلى ارتفاع 66 متراً فوق سطح البحر، وتبعد عن العاصمة الخرطوم  بحوالي 642 كيلومتراً، غرباً، وعن مدينة بورتسودان 54 كيلومتراً، وتضم منطقة أثرية تاريخية وكانت سابقاً ميناء السودان الرئيسي، وقد بنيت المدينة القديمة فوق جزيرة مرجانية وتحولت منازلها الآن إلى آثار وأطلال.

اقرأ أيضاً: السودان والتركة الثقيلة من حكم الإسلاميين

يستمر التوتر الدبلوماسي بين السودان ومصر، وأحد أسباب هذا التوتر الجديد هو التقارب الأخير بين الخرطوم وأنقرة. السودان، الذي فقد أكثر من نصف عائداته النفطية باستقلال جنوب السودان، يبحث عن مستثمرين، وقد سُلّمتْ إدارة جزيرة سواكن لتركيا مقابل وعود بالاستثمارات، وإعادة الإعمار والتعاون العسكري، وتخطط تركيا في هذه الجزيرة لإنشاء قاعدة عسكرية.

ثاني أكبر ميناء في العالم

وفقاً للاتفاقية التي تمت عام 2017 ، فإنّ السودان يمنح  ولمدة 99 عاماً جزيرة سواكن الواقعة في الشمال الشرقي من البلاد، لتركيا. وتبلغ مساحة الجزيرة 70 كم2، لكن ميناءها يعد واحداً من أقدم الموانئ في إفريقيا، ويعتبر موقعها في البحر الأحمر إستراتيجياً؛ لأن هذا الطريق البحري هو ثاني أكبر ميناء في العالم.

اقرأ أيضاً: إطاحة البشير تعرقل "مسلسل أردوغان" في السودان؟

تتمتع تركيا بعلاقات اقتصادية قوية مع السودان الذي يعاني من وضع اقتصادي صعب؛ إذ اشترت أنقرة كل إنتاج القطن السوداني في عامي 2016 و 2017 وتعتزم زيادة التجارة الثنائية. كما تم تشكيل لجنة تنفيذية مؤخراً لتنفيذ العديد من الاتفاقيات الزراعية والعسكرية.

اتفاقية لم تعد سارية

من المتوقع أن تستجيب تركيا لشرط القيادة العسكرية السودانية بمغادرة جزيرة سواكن، في الوقت الذي تقوم السلطات التركية بإعادة ترميم مينائها التاريخي، بموجب اتفاق تم توقيعه في عام 2017، والذي يعد واحداً من بين 12 اتفاقية تعاون في مجالات السياحة والأمن والقطاع الصناعي العسكري بين رجب طيب أردوغان والزعيم السوداني السابق عمر البشير.

زعمت أنقرة أنها تريد تحويل جزيرة سواكن إلى موقع حجّ وبدأت في إنجاز أعمال الترميم عام 2018

وزعمت أنقرة أنّها تريد تحويل جزيرة سواكن إلى موقع تجمع حجيج، وبدأت في إنجاز أعمال الترميم في عام 2018. وفي هذا العمل، انضم إلى الأتراك حلفاؤهم التكتيكيون-القطريون. في الوقت الحالي، يقول رئيس المجلس العسكري السوداني عبدالفتاح برهان إنّ هذا الاتفاق لم يعد سارياً.

حالياً، تركيا لا تفعل شيئاً، وتعلن أنّها لا ترى أي سبب لمغادرة الجزيرة. لقد صرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، هامي أكسي، أنّ الاتفاقيات الثنائية بين السودان وتركيا ما تزال سارية على الرغم من الانقلاب، وأنّ الوكالة التركية للتعاون والتنسيق تواصل أعمال ترميم التحف التي يعود تاريخها إلى العصر العثماني.

في وقت من الأوقات، كانت جزيرة سواكن نقطة عبور للحجاج المسلمين الذين يتوجّهون إلى الحج من البلدان الإفريقية، وكانت الجزيرة تتمتع بِبنية تحتية تم تطويرها بمساكن أو مراكز جمركية، أو حتى مواقع عسكرية، إلا أنّ العديد من الآثار أصبحت قديمة جداً أو تم تدميرها.

تغيّر المطالب بتغير السلطة

وكانت السعودية أودعت 250 مليون دولار في البنك المركزي في السودان، هذا المبلغ يمثل جزءاً من 3 مليارات دولار من المساعدات التي تعهدت بها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

اقرأ أيضاً: التداعيات الإقليمية لسقوط الإسلام السياسي في السودان

وقال وزير المالية السعودي، محمد بن عبدالله الجدعان، إنّ الوديعة ستعمل على تعزيز الوضع المالي والاقتصادي في هذه الدولة الإفريقية. كما تم التخطيط لتوفير الغذاء والوقود والضروريات الأساسية للسودان بمبلغ 2.5 مليار دولار.

 

الخوف من أن تصبح الجزيرة معقلاً للجيش التركي

بهذا التوجه، فإنّ المطلبَ بأن تتخلى تركيا، عن مشاريعها الاقتصادية في جزيرة سواكن، يبدو منطقياً. لكن هذا الشرط يُخفي خوفاً أعمق بكثير؛ إذ تشتبه العواصم العربية بشكل متزايد في أنّ هذه الجزيرة الواقعة في البحر الأحمر، مقابل مدينة جدة السعودية، يمكن أن تصبح معقلاً للجيش التركي.

اقرأ أيضاً: أردوغان قلق بشأن ليبيا والسودان!! هذا ما قاله

فمع الوجود العسكري لجمهورية تركيا في الصومال وقطر، فإنّ مواقع عسكرية محتملة على سواكن يمكن أن تُغلق المثلث الإستراتيجي التركي في البحر الأحمر. هذا الوضع الجغرافي لا يفيد بعض الدول العربية، إنّ فكرة أنّ الخط الساحلي الغربي للمملكة العربية السعودية يمكن أن يصبح حساساً بالنسبة لحليف تكتيكي لإيران يُرعِب ممثلي النخبة العسكرية والسياسية في الخليج.

محيط معادٍ

بالنظر إلى أنّ اليمن، الواقع بالقرب من البحر الأحمر، يُعتبَر منطقة نشاط لجماعات موالية لإيران (الحوثيون)، فإن الدول الرئيسية في مجلس التعاون الخليجي تجد أنفسها، بحكم الواقع، في محيط معاد. إن العنصر الرئيسي الذي يجب أن يشغل مراكز القوة العربية اليوم ليس ما تُعِدُّه إيران في سياق تعزيز العقوبات الاقتصادية الأمريكية وتركيز الوجود الأمريكي بالقرب من الخليج، بل إنه على الخصوص ما يفعله، ضمناً، حلفاءُ إيران التكتيكيون قبالة سواحل المملكة العربية السعودية، وهو الذي يثير مخاوفهم.

طموحات تركيا لتعزيز موقعها في الناتو

في تحليل لخبير المجلس الروسي للشؤون الدولية، أنتون مارداسوف، يقول: "منذ عدة سنوات، كان البحر الأحمر ساحة للمواجهة الجيوسياسية الخطيرة بين القوى المختلفة. تركيا بلد يقع تحت حكم أردوغان الذي يزعم أنه حامي العالم الإسلامي، ولهذا السبب فبتعزيز نفوذها في المنطقة، بما في ذلك إنشاء قواعد في قطر والصومال، والمطالبة بجزيرة سواكن، بالتالي الاقتراب من مكة المكرمة، فإن تركيا لا تستعرض فقط طموحات قوة إقليمية عظمى قادرة على إنشاء آليتها الأمنية في منطقة مضيق باب المندب، حيث يمر 14٪ (1.8 تريليون دولار أمريكي) من تجارة النفط العالمية، بل إنها تؤكد مرة أخرى موقعها الخاص في نظام الناتو، لأن مثل هذا النشاط يجري بين قوسي نظام إحداثيات التحالف".

وفقاً للاتفاقية التي تمت عام 2017  فإن السودان يمنح  ولمدة 99 عاماً جزيرة سواكن الواقعة شمالي البلاد لتركيا

ومن وجهة نظر الخبير، تعمل أنقرة أيضاً على تعزيز توسعها الاقتصادي من خلال وجودها العسكري المحتمل.

ويضيف: "يقدَّر حجمُ الاستثمارات التركية المحتملة في إفريقيا بنحو 6 مليارات دولار. من الواضح أن هذا النشاط لا يحظى بتقدير السعودية والإمارات، بل وأيضاً مصر التي تواجه نزاعاً إقليمياً مع السودان بشأن مثلث حلايب، وإيران".

يوضح الخبير "لهذا السبب من الممكن للأطراف الخارجية أن تحاول منع الوجود التركي في السودان، من خلال تعزيز مواقف الجهات الفاعلة المحلية المعارضة لوجود أنقرة في البلاد"...


المصدر: sputniknews.com



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية