السودان: ماذا كشفت تحقيقات ملف الإخوان وأموال الأوقاف؟

السودان: ماذا كشفت تحقيقات ملف الإخوان وأموال الأوقاف؟


11/01/2021

ما زالت التجاوزات التي ارتكبتها جماعة الإخوان المسلمين في السودان، تتكشف أمام الرأي العام، على الرغم من مرور أكثر من عام ونصف العام على ثورة الشعب السوداني، وإسقاط نظام الإنقاذ، وعزل الرئيس عمر البشير، بعد ثلاثة عقود مظلمة، تجرّع فيها السودانيون مرارة الاستبداد والإفقار، وضراوة الحروب الأهلية والانفصال.

تصريحات وزير الشؤون الدينية والأوقاف السوداني كشفت الكثير من خفايا تجاوزات الجماعة

ومازالت السلطة الانتقالية تحاول معالجة آثار هذه الحقبة الصعبة، بإصدار قوانين تتيح الحريات، وترفع التمييز العنصري عن النساء، وتفكك في الوقت نفسه أدوات التمكين التي هيمنت من خلالها جماعة الإخوان على مؤسسات الدولة، من خلال آليات ناجزة، لعل أبرزها قانون العزل السياسي، الذي يمنع رموز الإنقاذ من ممارسة العمل السياسي، لمدة لا تقل عن عشر سنوات، وحل حزب المؤتمر ومصادرة أمواله، وكذلك ملاحقة كل من تورّط في نهب ثروات السودان وإفقار شعبه.

استغلال العمل الخيري

 لعل التصريحات الصحافية الأخيرة، التي خرجت عن وزير الشؤون الدينية والأوقاف السوداني، الشيخ نصر الدين مفرح، تفصح عن الكثير من الخفايا، وتكشف مدى التجاوزات الذي ارتكبتها الجماعة، التي استولت وحدها على أموال الوقف الخيري، وتاجرت بالحج والعمرة، مثلما استغلت الدين من قبل، لتحقيق أهدافها السياسية.

سامح مهدي: الإخوان منذ ظهورهم في السودان اتجهوا صوب العمل الخيري غطاءً لأنشطتهم السياسية والاقتصادية

يقول الباحث المصري في الفكر السياسي، الدكتور سامح مهدي، إنّ "نهب الإخوان لأموال الأوقاف ليس مستغرباً، فالإخوان منذ ظهورهم في السودان، في أربعينيات القرن الماضي، اتجهوا صوب العمل الخيري، كغطاء لأنشطتهم السياسية والاقتصادية، ولعبت جبهة الميثاق الإسلامي التي دشنها حسن الترابي، دوراً في تكريس مبدأ المال السياسي، خاصة بعد التقارب الذي جرى بين الإخوان ونظام جعفر النميري، في العام 1978، حيث اتجه الإخوان للهيمنة على مؤسسات الدولة، وكان الوقف الإسلامي هدفاً صريحاً لهم"، مضيفاً في تصريحه لـ"حفريات": "كما نشطت البنوك الإسلامية في هذا السياق، خاصّة في ظل سيطرة الإخوان عليها، وبعد انقلاب العام 1989، باتت لهم اليد العليا في المؤسسات الدينية، بحيث وضعت الجماعة من خلال أذرعها الدينية، يدها على معظم المساجد والصناديق الملحقة بها، ومؤسسات الوقف وغيرها".

الباحث المصري في الفكر السياسي، الدكتور سامح مهدي

ويرى مهدي أنّ جهداً كبيراً ينتظر اللجان المختصة بتفكيك السيطرة الإخوانية على أموال الوقف، "فما صنعه الإخوان ومن على شاكلتهم في ثلاثة عقود، يصعب معالجة تداعياته في وقت قصير، وسوف تشهد الأيام المقبلة حركة مقاومة عنيفة، خاصّة على مستوى البنى الاجتماعية والاقتصادية؛ لأنّ هذا البناء التحتي، يتميز بقدرة طويلة المدى على الممانعة، نظراً لارتباطه مع آخرين بجملة من المصالح الخاصة".

لصوص الوقف وتجار الحج

في تصريحات نارية، قال الشيخ نصر الدين مفرح، في حوار مع موقع مصراوي، هو الأول له منذ تولى الوزارة، أنّه بعد تشكيل لجنة تحقيق، وُجد أنّ الإخوان استولوا على الكثير من الأموال المخصصة للوقف، وتحول الحج والعمرة إلى سلعة تجارية، فالسودان بحسب وزير الشؤون الدينية والأوقاف، "لديه 32 ألف تأشيرة حج سنوياً، كان الإخوان يطرحون نصفها للعامة، والنصف الآخر يباع في السوق، لأصحاب الحظوة وأتباعهم وأسرهم، لك أن تتخيل طائرة واحدة تذهب لأداء الحج والعمرة، وكل من فيها أبناء عمومة وأهل، لأفراد جماعة الإخوان".

مهدي: جهد كبير ينتظر اللجان المختصة بتفكيك السيطرة الإخوانية على أموال الوقف

أمّا الفساد الممنهج الذي مارسته الجماعة، داخل المؤسسة الدينية، فيقسمه وزير الشؤون الدينية والأوقاف السوداني إلى ثلاثة أنواع: الأول فساد في الخطاب الإسلامي، من خلال أدلجة الخطاب نحو اتجاه منغلق، يكرس للجهوية، ويقزّم منطلقات الوعي الديني لصالح وجهة نظر الجماعة، ربما سعياً وراء التربح الساسي. والثاني، يكثف الشيخ مفرح عن وجوده في "خطاب الكراهية، وخطاب التشدد، وخطاب التكفير، الذي انتهجته جماعة الإخوان، وأدّى إلى حدوث حرب بين السودانيين، ما تسبب في فقدان عشرات المئات من الشباب".

أمّا الثالث فهو الفساد في مجال الأوقاف، فالجماعة بحسب الوزير السوداني، "لم تجد مالاً إلا وفسدت فيه، وكان الحج والعمرة بالنسبة لها عبارة عن مرابحة وسلعة تباع وتشترى".

وعن جهود الوزارة في استرداد الأموال المنهوبة، فقد نجحت اللجان المختصة، بحسب الشيخ مفرح، في استرداد نحو 48 عقاراً بـما قيمته حوالي 389 مليون دولار، في ثمانية أشهر فقط، مؤكداً أنّ "حملة التطهير في طريقها نحو استعادة أموال المسلمين من براثن الإخوان".

مقر منظمة الدعوة الإسلامية في الخرطوم شهد واقعة تسجيل بيان انقلاب عمر البشير في العام 1989

من جانبه، يرى الباحث السوداني في الفكر الإسلامي، الدكتور فتح العليم عبد الحي، أنّ "التجربة الإخوانية في السودان، تجربة بشرية قابلة للخطأ، وجماعة الإخوان المسلمين ليست جماعة من المعصومين، وفي إطار سلطتهم ودولتهم حدثت تجاوزات في الأوقاف وغيرها"، مبدياً، في حديثه لـ"حفريات"، تحفظه على أن يطلق وزير الأوقاف هذه التصريحات بشكل علني في وسائل الإعلام، وكان يفضل إعلان نتائج التحقيق الرسمي الذي تقوم به اللجان، "فهو كرجل دولة لا بد أن يتوجه فوراً إلى النائب العام، لمحاسبة من أجرم في حق الشعب السوداني، تلافياً لحدوث أيّ تضارب في التصريحات خاصّة بين رئيس الوزراء، ووزير الشؤون الدينية والأوقاف".

الباحث السوداني في الفكر الإسلامي، الدكتور فتح العليم عبد الحي

ويرى أنّ "وزير الشؤون الدينية والأوقاف أمامه مهمة، تتلخص في العمل بآليات متعددة، نحو ترشيد الممارسة الدعوية، والخطاب الدعوي، وكذلك إدارة الحوار بين المجموعات المختلفة".

اقرأ أيضاً: دليل استرشادي: ماذا يحدث بين السودان وإثيوبيا؟

هذا وتواصل لجنة إزالة التمكين بالسودان عملها في دأب، حيث أوصت بإلغاء قانون منظمة الدعوة الإسلامية لسنة 1990، وهي أحد أبرز الأذرع الإخوانية، التي أسّسها حسن الترابي، في العام 1980، بداعي نشر الإسلام في جنوب السودان وإفريقيا، مع استرداد كل أموالها وحساباتها، والحجز على أصولها العقارية والمنقولة، داخل السودان وخارجه، وكذلك وضع يد الدولة على أصولها المالية، بما في ذلك شركاتها واستثماراتها، على أن يؤول كل هذا إلى وزارة المالية.

يذكر أنّ مقر منظمة الدعوة الإسلامية في الخرطوم، بحسب عضو لجنة إزالة التمكين، صلاح مناع، شهد واقعة تسجيل بيان الانقلاب للرئيس المعزول عمر البشير، في العام 1989، ما يعكس الدلالة الرمزية التي يحملها قرار المصادرة، واستماتة الأذرع الإخوانية في الدفاع عن وجودها.

الصفحة الرئيسية