في ظل الإقصاء السياسي: هل ينجح الحوار الوطني في تونس؟

في ظل الإقصاء السياسي: هل ينجح الحوار الوطني في تونس؟


14/01/2021

تستعدّ تونس، خلال الأيام القليلة القادمة، إلى تنظيم "حوارٍ وطني" فرضه الوضع الاجتماعي المتأزم، والاحتجاجات التي انفجرت في عدة محافظات تطالب بتوفير الشغل وتحسين ظروف المعيشة وتندّد بالتهميش.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: مزايدات في تونس وخلاف مغاربي وملاحقات في السعودية

هذا الحوار هو مبادرة تقدّم بها الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية) ذو التأثير القوي في البلاد، لإنقاذ تونس من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، وربما حتى السياسية، التي تتخبّط فيها على امتداد السنوات العشر الماضية، وهي المبادرة الثانية، بعد الحوار الوطني الذي قادته أكبر أربع منظمات في البلاد، عام 2013، لتطويق الأزمة السياسية والأمنية التي سبّبتها عمليتا اغتيال سياسي، وأعمال إرهابية أودت بحياة زعيمين للمعارضة اليسارية وجنود في مرتفعات الشعانبي، وقد نجح الرباعي في حلّ الأزمة وفاز بجائزة نوبل للسلام عام 2015.

هل يحل الحوار الوطني أزمات تونس؟

المبادرة أيّدها الرئيس التونسيّ، قيس سعيّد، على أن تضمّ كلّ الجهات الوطنية والسياسية، واشترط سعيّد أن يتمّ إشراك ممثلين عن الشباب من كلّ محافظات البلاد في هذا الحوار، وفق معايير يتمّ تحديدها لاحقاً.

ويهدف الحوار إلى إقرار إصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية، وتصحيح مسار الثورة، التي تمّ الانحراف بها عن مسارها الحقيقي الذي حدّده الشعب منذ عشر سنوات؛ ألا وهو "الشغل والحرية والكرامة الوطنية"، بحسب تصريحات قادة المركزية النقابية.

انقسام بشأن حركة النهضة

مبادرة الاتحاد، التي ستضمّ حركة النهضة، رغم أنّها ترضي كثيرين على غرار الرئيس التونسيّ، قيس سعيّد، الذي يحظى بثقة شعبية واسعة، غير أنّها لا تحجب مخاوف العديد من الناقدين لسياسة الأمين العام للمركزية النقابية، نور الدين الطبوبي، كونه مقرّباً من الحركة الإسلامية، الأمر الذي جعل  قيادات بارزة تدقّ ناقوس الخطر، وأبرزها تدوينة سامي الطاهري، على حسابه بمواقع التواصل الاجتماعي، التي حذّر فيها من محاولة النهضة اختراق قلعة فرحات حشاد.

إقصاء أهم حزب في البلاد (الدستوري الحر)، الذي يتصدّر نوايا التصويت في الانتخابات البرلمانية القادمة، ومساواته مع ائتلاف الكرامة، خطأ كبير

كما يرى عددٌ من قادة اتحاد الشغل، أنّ مشاركة النهضة، التي تزعمت الحكم لعشر سنوات، من جديد، في أيّة مبادرة وطنية لحلّ الأزمة، هي بمثابة إعادة إنتاج الفشل نفسه، مع منحها فرصة لفكّ الخناق عنها، وأنّ هذه الحركة، التي حرّكت أنصار ما تسمى "حماية روابط الثورة"، المتهمة بالعنف وبمقتل الشهيد لطفي نقض، يجب أن تبقى بعيدةً عن حسابات الحوار الوطني الذي يبحث عن حلّ للأزمة التي تتخبّط فيها البلاد على جميع المستويات.

اقرأ أيضاً: إخوان تونس والمصالحة الخليجية: لزومُ ما يلزمْ

وأشار المحلل السياسي، جمعي القاسمي، في هذا السياق، إلى وجود تباين في وجهات النظر داخل قيادات اتحاد الشغل وقواعده حول الإعداد للحوار الوطني، والأطراف التي يجب أن تشارك فيه، منها حركة النهضة، وبعض الأحزاب الأخرى، خصوصاً بعد الاجتماع الذي جمع بين أمين عام المنظمة النقابية نور الدين الطبوبي، ورئيس البلاد قيس سعيّد.

المحلل السياسي، جمعي القاسمي

وقال القاسمي، في تصريحه لـ "حفريات"؛ إنّه "رغم هذا التباين الداخلي، إلا أنّ المواقف المعلنة تشدّد على ضرورة أن يكون الحوار شاملاً، يضمّ مختلف الفاعلين التونسيين، باستثناء من يريدون إقصاء أنفسهم، لافتاً إلى أنّ النّهضة، منذ عام 2011، تحاول اختراق اتحاد الشغل عبر خلايا وأطراف مندسة في إطار محاولات جرّه إلى مربّعها، لكنّها لم تنجح، ولا يبدو أنّها ستنجح مستقبلاً في ذلك.

هذا وتشهد العلاقة بين الاتحاد العام التونسي للشغل وحركة النهضة توتراً منذ السنوات الأولى التي تلت الثورة، خصوصاً بعد اعتداء أنصار روابط حماية الثورة المقربة من النهضة على نقابيين عام 2012.

مسار غامض

ويشهد مسار التحضير لإطلاق الحوار تجاذبات سياسية حادة بشأن شروط المشاركة في جلساته، في ظلّ رفض المركزية النقابية مشاركة الحزب الدستوري الحر (يدافع عن النظام السابق) لدعمها خطاب العنف، وائتلاف الكرامة (أقصى اليمين وحليف حركة النهضة) لدعمه الخطاب التكفيريّ في الحوار، في الوقت الذي يعدّ فيه الحزبان رقماً وازناً في المشهد السياسي التونسي، كما يحظيان بمكانة محترمة في سلّم تطلعات التونسيين، وهو ما قد يعقد بلوغ هذه المبادرة أهدافها.

وحذّر متابعون للشأن التونسي من أنّ إقصاء بعض الأطراف السياسية قد يقلص فرص نجاح الحوار، الذي يتطلّب أرضية ملائمة تقوم على التهدئة وإشراك مختلف الأطياف السياسية وتناول القضايا المطروحة بجدية.

المحلل السياسي جمعي القاسمي لـ"حفريات": "النّهضة" تحاول منذ 2011 اختراق اتحاد الشغل عبر خلايا وأطراف مندسة في إطار محاولات جرّه إلى مربّعها

يذكر أنّ خلافاتٍ حادّةٍ تحكم العلاقة بين اتحاد الشغل وائتلاف الكرامة، الذي اتهم قيادات نقابية في السابق بالثراء غير المشروع، فيما ترفض حركة النّهضة بشدّة التفاوض مع الدستوري الحر، بدعوى انتمائه إلى منظومة الحكم السابقة التي أسقطها التونسيون.

وكانت عبير موسي، رئيسة الدستوري الحر، قد هاجمت بشدة قيادات اتحاد الشغل، واتهمت نور الدين الطبوبي، رئيس النقابة، بالوقوف في "صفّ الظلاميين والتكفيريين"، على حدّ تعبيرها، من خلال إشراكه حركة النهضة في الحوار الوطني وإقصاء أحزاب وطنية أخرى، مثل حزبها، مهدّدة بفضح كلّ ما سيتم تداوله خلال الحوار الوطني، عبر عقدها لقاءات إعلامية يومية لـ "كشف الأكاذيب".

اقرأ أيضاً: سجن القروي.. انطلاقة لفتح ملف إخوان تونس

من جانبه، رأى غازي الشواشي، الأمين العام للتيار الديمقراطي (وسط)، ووزير أملاك الدولة السابق: أنّ تونس تحتاج اليوم إلى حوار شاملٍ، دون إقصاء أيّ طرف من الأطراف، مشيراً إلى أنّ الحزب الدستوري الحر قد رفض المشاركة في الحوار قبل التشاور حول إمكانية ضمّه، بالتالي هو الذي أقصى نفسه بنفسه، ولا يمكن إجباره على المشاركة في إنقاذ البلاد.

الأمين العام للتيار الديمقراطي، غازي الشواشي

وأضاف الشواشي، في تصريحه لـ "حفريات": "ائتلاف الكرامة أقصى نفسه أيضاً، عبر معاداة الدولة المدنية والتبييض للعنف وللإرهاب، ومن الطبيعي أن يجد نفسه خارج حسابات الحوار الوطني، في المقابل على باقي الأطراف الفاعلة في الشأن التونسي إنجاز هذا الحوار لمحاولة إخراج البلاد من الأزمات التي عانت منها خلال السنوات الماضية".

تونس تتخبّط في الأزمات

يأتي كلّ ذلك، في وقت تواجه فيه السلطات التونسية موجةً جديدة من الاحتجاجات والإضرابات، مع بداية العام الجديد، وهو ما يؤشر لغلق مواقع الإنتاج من جديد، وتأزيم الوضع الاقتصاديّ، المُنهك أصلاً بتداعيات جائحة كورونا والتداين.

وتطالب كلّ الحركات الاجتماعية بتحسين ظروف العيش وتأمين فرص شغل جديدة، وتندّد بالأوضاع الاجتماعية والمهنية المتردية، فضلاً عن سياسة "المماطلة" التي تنتهجها الحكومة في الإيفاء بوعودها.

اقرأ أيضاً: تونس: أشباح عهد بن علي تطارد الثورة؟

وكانت محافظتا؛ القصرين (وسط غرب تونس)، وصفاقس (جنوب تونس)، قد أعلنتا دخولهما في إضراب عام مع بداية العام الجديد، للمطالبة بمواطن شغل وتنمية، وذلك بعد أن شنّت محافظة قفصة إضراباً عاماً، في خطوة يرى مراقبون أنّها حركة احتجاجية حديثة بعد موجة إضرابات عامة شملت سابقاً عدة محافظات، على غرار: تطاوين والقيروان وباجة وجندوبة وقابس.

ولا يتوقع المحلل السياسي، منذر بالضيافي، أن ينجح الحوار الوطني في حلّ هذه الأزمات التي أرهقت البلاد منذ سنوات؛ أنّ هذه المبادرة وُلدت ميتة، ولم تستوفِ الآليات الدنيا للنجاح، نظراً لعدّة أسباب، في مقّدمتها الشروط التي وضعها الرئيس، ومن بينها عدم إشراك المتورطين في قضايا الفساد، والحال أنّ القضاء لم يصدر قراره بعد، إذا ما كانوا متورّطين أم لا.

المحلل السياسي، منذر بالضيافي

وأضاف بالضيافي، لـ "حفريات": "سعيّد لم يكن متحمساً منذ البداية لفكرة الحوار الوطني، واستغرق شهراً للردّ على اتحاد الشغل بالموافقة على إنجازه، ويبدو أنّه انقلب على المبادرة الأولى، بعد أن اشترط إشراك الشباب من مختلف المحافظات، وإقصاء بعض الأطراف السياسية، بهدف التمديد لمشروعه السياسي الغامض".

وشدّد المحلل السياسي على أنّ إقصاء أهم حزب في البلاد (الدستوري الحر)، الذي يتصدّر نوايا التصويت في الانتخابات البرلمانية القادمة، ومساواته مع ائتلاف الكرامة، خطأ كبير، لأنّ الحوار لا يمكن أن يُبنى على فكرة الإقصاء، كما يتطلّب أن يضمّ الأطراف المختلفة، لا أن يضمّ الأطراف المتفقة، وإلا سيفقد قيمته.

الصفحة الرئيسية