ما حظوظ ماكرون الانتخابية؟.. وما علاقة أوروبا؟

ما حظوظ ماكرون الانتخابية؟.. وما علاقة أوروبا؟


19/01/2022

تشكّلت السياسات الفرنسية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية من خلال الانقسام بين التيارات السياسية اليمينية، بقدر ما تشكّلت من خلال المنافسة الإيديولوجية بين اليسار واليمين. ولطالما حلم اليمينيّون بتوحيد التيارات اليمينيّة الـ3، وربما يكون الرئيس السابق نيكولا ساركوزي اقترب من ذلك، حينما حصل على أصوات اليمين المتطرف والليبرالي، وهو ما مكّنه من الفوز في عام 2007، ولكن كانت رئاسته للبلاد غير متماسكة وغير منتظمة.

ويواجه ماكرون تحديات من أجل تأمين ولاية رئاسية ثانية، وذلك لأنّ حزبه قد يخسر أغلبيته البرلمانية في الانتخابات المقررة في حزيران (يونيو) المقبل، لذا فإنّه من المحتمل أن يتقاسم السلطة مع الجمهوريين في جميع الأحوال.

المرشح اليميني إريك زمور

ويفضّل ماكرون خوض السباق مع زعيمة حزب التجمع الوطني الفرنسي اليميني المتطرّف، والمرشحة للرئاسة الفرنسية مارين لوبان، أو حتى خوض جولة إعادة سهلة مع اليميني المتطرّف إريك زمور، حيث يمكن أن يقدّم نفسه مرة أخرى على أنّه رئيس مناهض لليمين المتطرّف، ولكن يبدو أنّ الفرنسيين ليست لديهم رغبة كبيرة في مثل هذا الاختيار. وصحيح أنّ مرشحة اليمين فاليري بيكريس قد تتعثر في السباق، حيث تتقدم بفارق ضئيل على منافسيها من اليمين المتطرّف، ولكن باعتبارها أوّل مرشحة رئاسية محافظة تمثل تحدياً جديداً لماكرون، الأمر الذي سيعزز شرعيته في حال فوزه، كما أنّه يُعدّ أمراً جيداً للديمقراطية الفرنسية.

اليمين المتطرف والانتخابات

وتُوصف الانتخابات المقبلة باعتبارها معركة بين (4) مرشحين، بداية من الصعود المذهل لإريك زمور، الذي جاء نجاحه في استطلاعات الرأي إلى حدٍّ كبير على حساب مارين لوبان، التي تخوض حملتها الرئاسية الـ3، ثم جاء فوز فاليري بيكريس المفاجئ في الانتخابات التمهيدية لجمهوريي يمين الوسط، والتي باتت منذ ذلك الحين تسبق المرشحين اليمينيين المتطرفين، حيث تأتي في المركز الثاني في استطلاعات الرأي خلف الرئيس إيمانويل ماكرون.

باحث سياسي لـ"حفريات": قد تكون السوق الأوروبية كبيرة، وتُعدّ قوة اقتصادية كبرى، إلّا أنّها متأخره في كثير من المجالات، مثل مجال المعلومات

وفي كتابه "التيار اليميني فى فرنسا"، الذي نُشر في عام 1954، وتمّ تحديثه في عام 1982، وضع المؤرخ رينيه ريمون تصنيفاً يستند إلى السوابق اليمينية في فترة ما بعد الثورة الفرنسية، الذي، حتى لو كان غير دقيق في ذلك الوقت، فإنّه ملائم للوقت الحالي بشكل ملحوظ. وكتب ريمون أنّ التيار اليميني مُقسم إلى (3) تيّارات: الشرعيون (المعارضون للثورة)، والأورليانيون (الجمهوريون المعتدلون)، والبونابرتيون، وبالنظر إلى هذا التصنيف، فإنّ زمور ولوبان هما شرعيّان، أو رجعيّان مناهضان للّيبرالية، وأمّا ماكرون، فهو ليبرالي أورلياني، مثله مثل بيكريس الأكثر تحفظاً.

تسبّب رفع علم أوروبا على قوس النصر في أزمة لماكرون

وقد كانت السمة السياسية لماكرون هي أنّه استطاع تجاوز اليسار واليمين، ومع ذلك حكم البلاد باعتباره محافظاً ليبرالياً، وفي حين أنّ أصوات ناخبيه الأساسيين تشمل الديمقراطيين الاجتماعيين والوسطيين، فإنّ غالبية مؤيديه من يمين الوسط. وتؤكد الفوضى التي يعاني منها اليسار الفرنسي كيف يمكن لليمين أن يخوض الحملة الانتخابية للسباق الرئاسي المقرر في نيسان (أبريل) المقبل ويفوز فيها.

اقرأ أيضاً: ماكرون: تركيا تنفذ مشروعاً لتوسيع الإسلام السياسي

وكان مركز الثقل السياسي في فرنسا قد تحوّل إلى اليمين في الأعوام الأخيرة، مع صعود قضايا الجريمة والهجرة والهوية الوطنية على رأس أولويات جدول أعمال البلاد، حتى لو كانت مستويات المعيشة ووباء كورونا قد باتا مؤخراً هما الظاهران في الواجهة.

أزمة علم الاتحاد الأوروبي

وفي تحدٍّ صارخ من اليمين المتطرّف لماكرون، أُزيل علم ضخم للاتحاد الأوروبي كان قد وُضع على قوس النصر في باريس احتفالاً بتسلم فرنسا رئاسة الاتحاد، وذلك بعد انتقادات من جانب اليمين الفرنسي. وقالت الزعيمة اليمينية المتشددة مارين لوبان: "استبدال العلم الفرنسي بعلم الاتحاد الأوروبي كان بمثابة هجوم على هوية البلد"، ووصف المرشح اليميني المتشدد المستقل إريك زمور رفع العالم بأنّه "مثير للغضب".

اقرأ أيضاً: حزب الله إذ يساعد ماكرون كي يصبح "بطل لبنان الخارق"

وأضافت المرشحة المحافظة فاليري بيكريس، معترضة على اللفتة في تغريدة على تويتر: "رئاسة أوروبا: نعم، محو الهوية الفرنسية: "لا"، ولم يصدر أيّ تعقيب من ماكرون المؤيد للاتحاد الأوروبي، الذي تتهمه لوبان بأنّه أعطى "أمراً مباشراً" بوضع العلم.

مرشحة اليمين مارين لوبان

وقد علّق وزير الدولة للشؤون الأوروبية كليمون بون قائلاً: إنّ "رفع العلم مؤقت"، ونفى تماماً أن تكون الحكومة رضخت لضغوط من اليمين المتشدد، وأكد أنّ العلم أزيل كما كان مخططاً سلفاً، وكتب في تغريدة على تويتر: "لم يتمّ استبدال العلم الفرنسي، الحملة الانتخابية ليست تصريحاً مجانياً للأكاذيب والجدالات التافهة"، وأضاف: "كان من المقرر أن يُزال العلم الأحد، لم نحدد وقتاً معيّناً".

أحلام ماكرون الأوروبية

ولدى فرنسا ميل تاريخي يجنح إلى سياسة أوروبية موحدة، تعبّر عن مصالح فرنسا، إلى جانب سيادة تصورات لدى الفرنسيين أنّ فترة حكمهم في الاتحاد الأوروبي قد تسمح لهم بتمرير أفكارهم، ولكن ربما ينتهي الأمر بمجرّد محاولة الوصول إلى حلول وسطى، والسير بضع خطوات في الملفات المشتركة بين فرنسا والاتحاد، وفق ما صرّح به مصدر لـ"حفريات".

اقرأ أيضاً: هل صار ماكرون وفرنسا عقدة أردوغان؟

وحدّد الرئيس إيمانويل ماكرون أولويات رئاسة فرنسا للاتحاد الأوروبي، القائمة على (3) أسس: "تقوية الاستقلالية الأوروبية، وتطوير نموذج جديد للنمو، وخلق أوروبا أكثر قرباً من مواطنيها". وتتضمّن الأهداف المحددة حماية أفضل للحدود، والتحكم بالهجرة، وحالة أفضل للأمن، وتجديدات تقنية، والدفاع عن حكم القانون، كما أضاف ماكرون.

اقرأ أيضاً: إيران تعرض على ماكرون تسليم لبنان رسمياً لـ"حزب الله"!

ويقول المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه: "أحلام فرنسا يصعب تحقيقها، وتتطلب الكثير من الإجراءات"، وأضاف: "قد تكون السوق الأوروبية كبيرة، وتُعدّ قوة اقتصادية كبرى، إلّا أنّها متأخرة في كثير من المجالات، مثل مجال المعلومات، فلدى أوروبا (4) شركات بترول كبرى، في مقابل أمريكا التي تملك (3) فقط، ولكن في مجال المعلومات لا تملك أيّ شركة كبرى، تقف فيها أمام أمريكا أو الصين".

مرشحة اليمين فاليري بيكريس

وأفاد المصدر: "قد تعتقد أوروبا، لأنّها تملك سوقاً كبيرة، أنّ بإمكانها فرض معاييرها الخاصة على العالم، ولكنّ هذا لن يتحقق".

التعقيدات الإيديولوجية

وهناك كثيرٌ من التعقيدات التي تواجه الحلم الفرنسي، وربما تكون فرنسا هي عدوة نفسها، حين ترى طريق الزعامة سهلاً، وتغمض عينيها عن الحقيقة الكائنة أمامها مباشرة، وهي مشكلة المعتقد الديني في تعاطيها مع أوروبا.

وعلى الرغم من أنّ فرنسا تؤمن بمشروع أوروبي تتزعمه هي، إلّا أنّها ربما تخلق عائقها بيديها، وهذا بسبب اختلاف زاوية الرؤية مع دول أوروبا الشرقية، فعلى حسب المصدر السابق لـ"حفريات": "الفرنسيون لا يلاحظون أنّهم لا يطمئنون شركائهم"، وأفاد: "الدين يلعب دوراً مهمّاً في دول أوروبا الشرقية، بخلاف فرنسا، ولهذا تأثير في الكثير من الأمور".

مركز الثقل السياسي في فرنسا تحوّل إلى اليمين في الأعوام الأخيرة، مع صعود قضايا الجريمة والهجرة والهوية الوطنية على رأس أولويات جدول أعمال البلاد

وأكد المصدر: أنّه "في الوقت نفسه لا تريد فرنسا تحمّل عقبات هذا الاتحاد، وهذا ما يجعل دول البلطيق، والكثير من دول أوروبا، تشعر بالتخوف وعدم الوثوق في فرنسا، التي ترفض مشاركة سلاحها النووي، أو إقحام نفسها في مشاكل قد تستدعي استخدام السلاح".

بالإضافة إلى ما سبق، يقول المصدر: "هناك الذاكرة السلبية التي تحملها دول أوروبا الشرقية، بعدما تخلّت كلٌّ من فرنسا وإنجلترا عنهم في الحرب العالمية الثانية".

استحالة إقامة جيش أوروبي

ويُعتبر اتفاق دول أوروبا على إقامة جيش موحد هو الطلب الذي لطالما ألحت فرنسا على ضرورة تحقيقه، إلّا أنّ هناك عقبات دون ذلك، ولعلّ أحد الأسباب هي تباين آليات اتخاذ قرار الحرب بين دول أوروبا؛ ففي فرنسا اتخاذ القرار مسألة يسيرة، بخلاف ألمانيا التي تسير فيها الأمور بوتيرة بطيئة، فهي تحتاج إلى موافقة البرلمان، وتقديم بيانات عن طبيعة المهمّة، هذا بالإضافة إلى السؤال الأهم: هل تستطيع الجيوش العمل مع بعضها بعضاً في تناغم؟.

لوبان مع تجمّع لأنصارها من اليمين المتطرف

وهنا أكد المصدر السابق أنّ "فرنسا طموحاتها دائماً أكبر من إمكانياتها"، وأكمل: "معايير الحكومة القوية في نظر فرنسا تقوم على بناء جيش فرنسي قوي، والوجود في الفضاء، والتعامل مع مشاكل الإرهاب، بالإضافة إلى الاستقلال الاستراتيجي". وقد طرح سؤالاً: "هل الصناعة الفرنسية قادرة على تحقيق كل هذا"؟ وأجاب: "إنّه ليس أمامهم طريقة للتمويل إلّا عن طريق بيع السلاح، أو بناء جيش أوروبي قوي"، وأشار إلى أنّ "هذا فكر ماكرون، ولكنّ المؤسسة العسكرية الفرنسية لا تريد ذلك".

اقرأ أيضاً: هل يخرج أردوغان مرتزقته من ليبيا؟ ماذا قال ماكرون عن الموضوع؟

وفي وقت سابق، أكد الرئيس الفرنسي أنّه أوفى بالتزاماته خلال الأعوام الـ(5) الأخيرة، وقام: "بإعادة الاستثمار في مجال أمن البلاد"، مذكراً بإيجاد (10) آلاف فرصة عمل في صفوف القوى الأمنية، وتحديث أسطول الآليات منذ 2017، وأعلن عن مضاعفة عدد عناصر، وإنشاء (200) مركز لألوية الدرك في الأرياف، ورفع الموازنة المخصصة للقضاء بنسبة 30% خلال فترة ولايته، معلناً عزمه عن زيادة الغرامة على التحرش (3) مرّات، لتصبح (300) يورو، ومضاعفة عناصر الشرطة في وسائل النقل، وتحدّث أيضاً عن زيادة عدد المحققين المتخصصين بالعنف الأسري إلى (4) آلاف في الأعوام الـ(5) المقبلة.

وجاءت تصريحات ماكرون في خضم انتقادات من اليمين مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي، وهو ما جعل ماكرون، الحريص على نيل ولاية رئاسية ثانية، يُدافع عن سياسته في مجال الأمن، وتعزيزها بالإعلانات السابقة.

وسيعيش الفرنسيون (3) أشهر ساخنة، مع احتدام سباق الانتخابات الرئاسية، التي كشفت استطلاعات الرأي أنّها ستنحصر بين إيمانويل ماكرون ومرشحي اليمين.

وقد تولت فرنسا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي منذ العام 1958، بواقع (12) مرّة، وتعتبر هذه المرة هي الـ13. وتندد المعارضة باستغلال ماكرون لرئاسة الاتحاد الأوروبي لدعمه حظوظه الانتخابية، وقد تؤمّن الورقة الأوروبية أصواتاً لماكرون لدى المؤيدين للاتحاد، ولكنّها في الوقت نفسه تمنح خصومه من اليمين سلاحاً يوجهونه إلى صدره.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية