مفارقة المآزق الأخلاقية عند الحركات الإسلامية

مفارقة المآزق الأخلاقية عند الحركات الإسلامية


04/03/2021

لماذا كلّ هذا التركيز على المآزق الأخلاقية عند الحركات والأحزاب الإسلامية في المنطقة؟ سؤال طالما توصلنا به في لقاءات أو جلسات مع أصدقاء، متضمناً بدوره أسئلة فرعية، من قبيل: هل هناك مشكلة عند بعض الإسلاميين مع المرأة أو الجنس؟ وماذا عن باقي المشاريع الأيديولوجية؟ ألا تعاني بدورها من مشكلات في السياق ذاته، وبالنتيجة، مؤكد أنّ هناك قضايا أخلاقية نادراً ما يتم الكشف عنها.

اقرأ أيضاً: الحقيقة الدينية والأخلاقية في الفضاء العام.. أين هي من الفردانية؟
لا يمكن الجزم بوجود أجوبة نهائية في معرض الردّ على هذه الأسئلة؛ لأنّ هناك قواسم مشتركة يصعب الفصل بينها، أقلها الحضور الوازن للعقلية الذكورية، في تجليتها السلبية بالتحديد، ولكن هناك فوارق أيضاً، في معرض الحديث عن حضور سؤال المرأة في العقل الإسلامي الحركي، مقارنة مع السؤال ذاته، في باقي العقول.

ما كان للرأي العام أن يُعير كبير اهتمام لواقعة طارق رمضان لو أنّه لم يكن يُروج للخطاب الإسلامي الأخلاقي

وقس على ذلك موضوع سؤال الجنس؛ لأنه لا يمكن حصر المآزق الأخلاقية المرتبطة بالجنس، بالتحديد عند مشروع أيديولوجي دون غيره، لولا أنّ هناك ميزة تهم الإسلاميين، تفسّر بعض أسباب تسليط الأضواء على الموضوع، لذلك، سنقتصر هنا على إشارات.
معلوم أنّ المآزق الأخلاقية أو المسماة إعلامياً "الفضائح الأخلاقية" لا ترتبط بأيديولوجية ما دون غيرها، بقدر ارتباطها بالإنسان؛ لأنّه بشر، معرض للسقوط في هذا المأزق، مع استثناء حالة الأنبياء والرسل وأهل الورع الشديد، أو "خاصة الخاصة"، بحسب التعبير الصوفي، وهؤلاء قلة أساساً، إضافة إلى أنّهم لا يكشفون عن أنفسهم أمام العامة؛ بل إنّ المتديّن الصوفي الذي يعمل بمقتضى الخطاب الصوفي، يرفض أن يكشف عن نفسه، بمقتضى احترام بعض مقتضيات الإخلاص، فالأحرى الحديث عن "خاصة الخاصة".

اقرأ أيضاً: أخلاق "الإخوان".. هل انهارت منظومة الجماعة القيمية؟
وبالنتيجة؛ لا يخلو أيّ مشروع أيديولوجي ما من وجود هذه القضايا، حتى لو زعم الطهرانية، وهنا مكمن العطب النظري عن الأيديولوجية الإسلامية الحركية؛ لأنها تدعي الطهرانية، متحدية السنن الكونية، وهي أنّ هذه القضايا الأخلاقية لصيقة بالإنسان، إلا إن كان ورعاً وتقياً، ولأننا نتحدث عن الأيديولوجية الإسلامية الحركية، في نسختها السياسية بالتحديد، فلو افترضنا أنها تعجّ بأهل الورع والتقوى، ما كان لهؤلاء أن يطبقوا الصمت عن حالات الفساد المالي والإداري التي تورط فيها العديد من أعضاء الأيديولوجية في المنطقة، وبشهادة أهل الأيديولوجية، وقس على ذلك التورط في المآزق الأخلاقية.

اقرأ أيضاً: الأخوة الإنسانية والحاجة إلى قيم أخلاقية كونية
وعِوَض طرق باب الصمت، وعدم مزايدة هذه الأيديولوجية على العامة والخاصة في الطهرانية وادعاء المرجعية الأخلاقية، وما إلى ذلك، نجدها مصرة على توزيع "مؤشر الأخلاق"، بينما لا تنتبه إلى كمّ تلك القضايا داخل التنظيم، والتي يتم الكشف عن بعضها بين الفينة والأخرى، مع الإشارة الضرورية في هذا المقام، إلى أنّ هذه الأيديولوجية محظوظة بمقتضى عدم الكشف عن جميع الحالات، كما هو الحال، على سبيل المثال لا الحصر، مع الأيديولوجية الإسلامية الحركية، من كثرة القضايا التي سُلطت عليها الأضواء من جهة، ومن هول القضايا التي لم يتم تسليط الضوء عليها، لأنه لم يُكشف عنها قط.

اقرأ أيضاً: الدين والأخلاق في الواقع المعاصر.. أزمة تطبيق أم فهم؟
لقد اتضح أنّ بعض المآزق الأخلاقية كانت أسباب الكشف عنها مرتبطة بصراعات تنظيمية حول الظفر بمناصب سياسية داخل المشروع، ولا علاقة لها قط بموضوع "المؤامرة" أو "التربص بأخطاء المشروع"، كما يدعي خطاب الأيديولوجية في الإعلام التقليدي والرقمي، فالأحرى مع ما تقوم به الكتائب الإلكترونية المكلفة بهذه المهام؛ لأنّه لو كان المنافسون يكشفون عن جميع الحالات، لكان الوضع مختلفاً عما هو معلوم اليوم، وسوف نتوقف عند واقعة جرت في الساحة المغربية.
ففي معرض الكشف عن إحدى القضايا الأخلاقية داخل التنظيم، والتي تمّ تسريبها لوسائل الإعلام عبر أحد أعضاء التنظيم، وجد الرأي العام نفسه أمام معضلتين: تتعلق الأولى بالواقعة ذاتها، أي القضية وتبعاتها، والتي أفضت حينها إلى إقالة القياديين المعنيين بها؛ بينما تتعلق الثانية بدلالة الإفراج عن الواقعة في إطار تصفية الحسابات، بمعنى أننا إزاء عقل إسلامي حركي، لم يشعر بأي حرج، وهو يوظف قضية أخلاقية في المشروع الذي ينتمي إليه، من أجل تصفية حسابات شخصية، لعله يظفر بمنصب سياسي لاحقاً إثر إقالة المنافس على المنصب ذاته.

اقرأ أيضاً: التربية الأخلاقية الفعالة ومحو الأمية العاطفية
لنتوقف عند واقعة داعية أوربي شهير، وهو باحث أيضاً، والحديث عن "واقعة طارق رمضان"؛ فما كان الرأي العام الإقليمي والأوروبي أن يُعير كبير اهتمام للواقعة، لو أنّه لم يكن يُروج للخطاب الإسلامي الأخلاقي في أعماله ومحاضراته ومواقفه؛ بل إنه يُدير مركزاً بحثياً خليجياً، يُعنى بقضايا الأخلاق والتشريع؛ لأنه من المؤكد وجود باحثين آخرين، ينهلون من أيديولوجيات مغايرة، لا علاقة لها بالمرجعية الإسلامية الحركية (الدعوية أو السياسية أو القتالية)، ولديهم علاقات جنسية خارج دائرة المعلوم، بما في ذلك علاقات شاذة، ولكن لا أحد يؤاخذ هؤلاء على هذه الاختيارات الشخصية، طالما لا يدعي هؤلاء أنهم إسلاميون أم أخلاقيون، أو شيء من هذا القبيل، وطالما أيضاً، لا يُروجون هذا الخطاب في أعمالهم ومحاضراتهم.
وهذه لطيفة دقيقة ما يزال العقل الإسلامي الحركي مصراً على عدم التفطن إليها، ولو فعل ذلك، فقد يأخذ بعض أتباع هذا المشروع مسافة من المشروع برمته، بمعنى قد يتوقفون عن رفع شعارات: "أسلمة المجتمع"، و"أسلمة النظام"، و"أسلمة الدولة"، كما تروم ذلك أغلب الحركات الإسلامية منذ تأسيس الحركة الأم في مصر، ابتداءً من عام 1928.

اقرأ أيضاً: هل ماتت الأخلاق في عالم السياسة؟
هناك قاعدة ذهبية في هذا السياق، على العقل الإسلامي الحركي الانتباه إليها، وإلا سيورط نفسه مراراً في الظفر بقليل أو كثير من ثقة المجتمعات والأنظمة والدول؛ وهي الثقة المنعدمة حالياً، لاعتبارات أخرى، وليس موضوع "القضايا الأخلاقية" إلا واجهة مغذية لفقدان هذه الثقة.
تفيد هذه القاعدة أنّه في اللحظة التي يدعي فيها خطاب ما، "المرجعية الإسلامية" أو "المرجعية الأخلاقية" وما إلى ذلك، ابتداء من تلك اللحظة بالذات، يُعرّض نفسه، من حيث يدري أو لا يدري، للمتابعة الغيبية المستمرة، وما هي سوى مسألة زمن حتى تظهر النتائج على أرض الواقع، من حيث يدري أو لا يدري.

لا يخلو أيّ مشروع أيديولوجي من وجود مشاكل أخلاقية حتى لو تم زعم الطهراني، وهنا مكمن عطب الأيديولوجية الإسلامية

لا يُفيد الخطاب الإسلامي هنا بالضرورة الخطاب الصادر عن فاعل إسلامي حركي مثلاً، فهؤلاء جزء من المنظومة، وإنما يُفيد كلّ من يدعي ذلك، سواء تعلق الأمر بمؤسسة دينية، حركة إسلامية، مفكر إسلامي حركي، طريقة صوفية، تيار سلفي، ...إلخ، سواء تعلق الأمر بقلم أو مؤسسة أو تيار أو منظومة أو ما شابه، لولا أنّ التركيز الذي يدور في فلك الإسلاميين مردّه إصرارهم الصريح على رفع هذه الشعارات، والتلويح بها على أساس أنهم يُجسدونها على أرض الواقع، أكثر من باقي الفاعلين في الحقل الديني (مؤسسات دينية، طرق صوفية، ...إلخ)، إضافة إلى أنّ هؤلاء، أي مختلف الفاعلين في الحقل الديني، لا يزايدون على العامة والخاصة، بقدر ما يتمحور خطابهم حول الوعظ والتوجيه والإرشاد، كما هو الحال مع المؤسسات الدينية، أو التذكير بأخلاق التزكية والتربية، كما هو الحال مع الطرق الصوفية.
رُبّ معترض، كما أشرنا في مقالة سابقة، أنّه في حالة طارق رمضان مثلاً، كانت هناك مؤامرة ضدّه، كما روّجت لذلك الكتائب الإلكترونية الإسلاموية، أو كما دافعت عنه العديد من الأقلام البحثية والإعلامية، في أوروبا والمنطقة، والحال؛ أنّه اعترف بتلك المآزق لاحقاً، وبالتالي كان هؤلاء في غنى عن رفع شعار المؤامرة بعد صدور تلك الاعترافات، ولو لم يكن يُروّج للخطاب الإسلامي والأخلاقي، ما كانت حالته لتثير كلّ هذا النقاش والجدل.
ومن سوء حظ شعوب المنطقة؛ أنّ الأمر لا يتعلق بهذه الحالة أو غيرها، وإنما بعديد ظواهر، وأقلام فكرية وغيرها، ما تزال مصرة على رفع هذه الشعارات، والمزايدة على شعوب المنطقة في "الأسلمة" و"الأخلاق"، كما لو أنّ هذه الشعوب ناقصة دين وأخلاق.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية