من "نقطة للصراع" إلى "وسيط للحل"... كيف تبدلت الأدوار الإقليمية لليبيا؟

من "نقطة للصراع" إلى "وسيط للحل"... كيف تبدلت الأدوار الإقليمية لليبيا؟


12/04/2021

جاء إعلان اليونان أخيراً عن انفتاح ليبيا على مناقشة مسألة الحدود البحرية معها، بل استعدادها للتطرّق إلى القضية محلّ الخلاف مع أنقرة، قبل ساعات من زيارة لرئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة إلى تركيا، ليكشف عن استراتيجية السلطة الانتقالية في ليبيا، التي تسعى إلى تمرير وضمان الهدوء داخلياً، عبر الحضور الخارجي على كافة المستويات، وبالقرب ذاته من القوى المتناحرة.

 

يأتي التصريح اليوناني الأخير ليكشف عن تجاوز الدور الذي يمكن أن تلعبه ليبيا للحفاظ على استقرارها هي، إلى تهدئة الأجواء في المنطقة ككل

 

وعلى الرغم من أنّ الزيارة المرتقبة للدبيبة إلى تركيا أثارت القلق والاستياء من قبل بعض القوى، خصوصاً في ظل العدد الكبير من الوزراء الذي يصطحبه رئيس الحكومة خلال الزيارة لعقد أول اجتماع لـ"المجلس الاستراتيجي" بين البلدين، غير أنّ نظرة متفحصة لتحركات كل من الدبيبة ورئيس المجلس الانتقالي الليبي محمد المنفي، تؤكد تلك الاستراتيجية، التي ترغب في الحفاظ على علاقات جيدة مع كافة القوى الفاعلة في الملف، دون الانحياز إلى قوى على حساب أخرى.

وقد مثل التحزب والتكتلات عمق الأزمة الليببة على مدار الأعوام الماضية، والتي لم تسفر سوى عن مزيد من الخلافات كادت في مراحل معينة أن تلقي بظلال مواجهة إقليمية عسكرية واسعة، لذا فإنّ الاستراتيجية التي تتبعها السلطة الانتقالية قادرة على تحقيق التوازن أملاً في الهدوء.

ويعزز من تلك الاستراتيجية تغيرات إقليمية عدة تشهدها المنطقة؛ منها مثلاً التقارب المصري ـ التركي، الذي وإن لم يكن قد اتخذ قفزات حقيقية، إلّا أنّ مؤشرات عدة تعكس التوجه لتحقيقه، ويُعدّ الملف الليبي محوراً رئيسياً فيه.

وتشترط مصر على تركيا لتحقيق أيّ تقارب معها وتطبيع العلاقات المقطوعة منذ العام 2013، إلى جانب التخلي عن جماعة الإخوان المسلمين المصنفة إرهابية في مصر، ووقف دعايتها المضادة ضد النظام، تشترط الانسحاب من ليبيا، وذلك بسحب المقاتلين السوريين الموالين لها ومستشاريها العسكريين.

وقبل الزيارة التي تستمرّ على مدار يومي 12 و13 نيسان (إبريل) الجاري، زار الدبيبة القاهرة، حتى قبل استلامه مهامه رسمياً، وكانت أول زيارة خارجية له في 18 شباط (فبراير) الماضي، في دلالة واضحة على أهمية مصر ودورها في الملف الليبي.

وبعد أقلّ من شهر، زار رئيس المجلس الانتقالي الليبي القاهرة، في 25 آذار (مارس) الماضي، وقد كانت أول دولة عربية يزورها، وثاني دولة بعد فرنسا، التي كانت تقف في الصف ذاته مع مصر في الأزمة الليبية، في الفريق المقابل لتركيا.

ومن القاهرة توجّه المنفي إلى أنقرة، وبحسب عدّة وسائل إعلام فإنّ الزيارة تضمنت طلباً رسمياً من أنقرة بسحب المرتزقة.

ومن المتوقع أن يتكرّر الطلب ذاته خلال زيارة رئيس الحكومة الليبية إلى أنقرة، مع تأكيدات على محورية العلاقات، والانتقال من الدور الذي كانت تسعى تركيا إلى لعبه في ليبيا عبر إثارة الفوضى، إلى صيغ أكثر هدوءاً واستقراراً.

في غضون ذلك، يأتي التصريح اليوناني الأخير ليكشف عن تجاوز الدور الذي يمكن أن تلعبه ليبيا من الحفاظ على استقرارها هي، إلى تهدئة الأجواء في المنطقة ككل، بأن تصبح وسيطاً مقبولاً في أزمة المتوسط، ورمّانة الميزان في البحث عن حصص وتقسيمات جديدة للمياه.

 

يعزز من تلك الاستراتيجية تغيرات إقليمية عدة تشهدها المنطقة، منها مثلاً التقارب المصري ـ التركي، الذي وإن لم يكن قد اتخذ قفزات حقيقية، إلّا أنّ مؤشرات عدة تعكس التوجّه لتحقيقه

 

وبالتزامن مع انتهاء زيارة الدبيبة إلى تركيا الثلاثاء، يبدأ رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي زيارة إلى اليونان تلبية لدعوة رسمية، وكان رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس في زيارة رسمية إلى ليبيا انتهت بالتصريحات حول المتوسط.

وعقب زيارة رئيس الوزراء اليوناني إلى طرابلس، صرّحت المتحدثة باسم الحكومة اليونانية  أريستوتيليا بيلوني بأنّ ليبيا مستعدة لمناقشة قضية ترسيم المنطقة البحرية مع اليونان، بحسب ما أورده موقع "روسيا اليوم" نقلاً عن صحيفة "بوابة الوسط" الليبية.

وأفادت المتحدثة اليونانية، في تصريح أدلت به إلى إذاعة "سكاي" المحلية، بأنّ السلطات الانتقالية الليبية اقترحت تشكيل لجنة فنية لمراجعة القضية.

وانتقدت بيلوني في الوقت نفسه اتفاقية عام 2019 التي وقّعتها حكومة الوفاق الوطني السابقة مع تركيا، ووصفتها بأنها "لا أساس لها"، و"غير صالحة"، مشيرة إلى أنها ألقت بظلالها على علاقات ليبيا مع اليونان وكذلك مع الاتحاد الأوروبي.

وكان رئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس قد طالب خلال لقاء جمعه بنظيره الدبيبة في طرابلس، الثلاثاء الماضي، بضرورة إلغاء الاتفاقية البحرية مع أنقرة، معتبراً أنها "غير قانونية".

وقال ميتسوتاكيس في هذا الشأن: "بالطبع، من المهم جدّاً بالنسبة إلينا إلغاء الوثائق غير القانونية التي يتم تقديمها على أنها اتفاقات دولية، ولكن ليس لها أيّ أساس قانوني، مثلما صرّح بذلك بوضوح مجلس أوروبا".

بالمقابل، شدّد رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، على أهمية حماية حقوق اليونان وتركيا، مشيراً إلى أنّ ليبيا مستعدة لتشكيل لجنة مشتركة مع اليونان للبدء في محادثات بين جزيرة كريت وليبيا حول ترسيم حدود الاختصاصات البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة.

وقد تسبّب توقيع حكومة الوفاق السابقة مذكرة تفاهم لترسيم الحدود البحرية مع تركيا في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2019 في توتير العلاقات بين اليونان والسلطات في غرب ليبيا في ذلك الوقت، وعلى إثرها طردت أثينا سفير حكومة الوفاق الوطني الليبية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية