هل يحمي "ميثاق المبادئ" فرنسا من التشدد؟ وما علاقة تركيا؟

هل يحمي "ميثاق المبادئ" فرنسا من التشدد؟ وما علاقة تركيا؟


19/01/2021

أقرّ المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية وثيقة المبادئ التي كلفهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بصياغتها، نتيجة لقانون مواجهة الانعزالية الذي أقرّته باريس سبيلاً لمواجهة التفسيرات المتشددة للإسلام، أو كما وصفه ماكرون "الإسلام الراديكالي"، وإيجاد نسخة تتوافق مع قوانين الجمهورية الفرنسية.

القانون لن يوقف العزف على وتر "الإسلاموفوبيا" التي يستغلها متطرفو أوروبا لتجنيد عناصرهم

واستقبل الرئيس الفرنسي أمس ممثلي المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM)، بحضور وزير الداخلية جيرالد دارمانين، وذلك بعدما تمكّنت مكوّنات المجلس من الاتفاق بصعوبة على ورقة عرضت على الرئيس الفرنسي الأسبوع الماضي، بحسب ما أوردته وكالة أنباء "رويترز".

وكان عميد مسجد باريس الكبير المحامي الجزائري شمس الدين حفيظ قد انسحب من النقاشات حول الميثاق والمجلس الوطني للأئمة نهاية كانون الأول (ديسمبر) الماضي، على خلفية وجود تأثير لجهات "إسلاموية" داخل المجلس، وفقاً له.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

وعلى الرغم من أنّ إقرار الميثاق أخيراً يُعدّ اختراقاً في مشهد مكافحة التطرف، إذ سيمهد لإقامة معهد فرنسي للأئمة يضمن تكوينهم في فرنسا، بهدف التنصل من التأثيرات الخارجية على الجالية المسلمة، غير أنّ ذلك لن ينجح وحده في القضاء على الأفكار المتشددة في فرنسا، والتي تستغلها الجماعات التكفيرية في تجنيد عناصرها.

فرنسا تحتاج إلى منظومة كاملة من الدمج والمراقبة ومواجهة الأفكار المتطرفة والإسلاموفوبيا في آن واحد

فالقانون، وإن كان قادراً على قطع أيادي تركيا في فرنسا، والتي تتوجس منها باريس حيث يُعدّ جزء كبير من الأئمة (300 إمام) موفدين من تركيا لإمامة المساجد في باريس إلى جانب الجزائر والمغرب، فإنّ ذلك لن يُنهي سيل الأفكار المتشددة التي وفدت خلال العقد الماضي واستطاعت تجنيد الآلاف من الأوروبيين تحت شعار "داعش".

اقرأ أيضاً: لماذا يعتقد مسلمو فرنسا أنّ الشريعة أهم من القانون؟

كما أنه لن يوقف العزف على وتر "الإسلاموفوبيا" التي يستغلها المتطرفون في أوروبا لتجنيد عناصرهم، اعتماداً على تصدير مظلومية الإسلام والمسلمين واضطهادهم، بل إنّ ذلك القانون "الانعزالية" نفسه قد استخدمته تلك الجماعات على اعتباره شكلاً من أشكال التمييز ضد المسلمين.

اقرأ أيضاً: إذا كان لدى فرنسا ملايين المسلمين فلماذا تستورد الأئمة؟

ويعني ذلك، بحسب مراقبين، أنّ فرنسا تحتاج إلى منظومة كاملة من الدمج والمراقبة ومواجهة الأفكار المتطرفة والإسلاموفوبيا في آن واحد، كي يؤتي القانون الفرنسي أُكله.

ولقد لفت الميثاق الذي وضعه المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية إلى تلك النقطة "الإسلاموفوبيا" حين أشار إلى "الأعمال العدائية التي تستهدف مسلمين في فرنسا، والمنسوبة إلى "أقلية متطرفة لا ينبغي أن تعتبر أنها الدولة أو الشعب الفرنسي".

وتتمثل ملامح ذلك الميثاق، الذي لم يُنشر رسمياً بعد، في التشديد على مبدأ المساواة بين الجنسين، وأكّد على توافق الشريعة الإسلامية مع مبادئ الجمهورية، ورفض الميثاق "توظيف الإسلام لغايات سياسية"، ولكنّ جيرالد دارمانان، وزير الداخلية، رحّب بالتزام المجلس "ضدّ الإسلام السياسي"، كما شدد الميثاق على "ضرورة عدم تدخل دول أجنبية في شؤون الجالية، وذلك بحسب ما أورده موقع "يورونيوز".

الميثاق أكّد توافق الشريعة الإسلامية مع مبادئ الجمهورية ورفض "توظيف الإسلام لغايات سياسية"

كما رفض الميثاق "بعض الممارسات العرفية التي يُزعم أنها إسلامية"، ومن بين البنود "الإحاطة أكثر بالهبات الأجنبية التي تزيد عن 10 آلاف يورو".

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد طالب بإعادة تأكيد هذه المبادئ الجمهورية في إطار حملة ضد التطرف الديني اتخذت طابعاً رسمياً، مع إدراجها ضمن مشروع قانون يبدأ البرلمان دراسته الإثنين، بحسب ما أورده موقع "فرانس 24".

كما شدد ماكرون ضغوطه على ممثلي المسلمين في فرنسا بعد الهجومين على المدرّس صامويل باتي في منتصف تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وعلى كاتدرائية نيس بعد أسبوعين على ذلك.

انتهازية أنقرة في "الانفصالية"

وكان ماكرون قد بدأ حملته ضد التفسيرات المتطرفة للإسلام قبل الهجوم على باتي، فقد تحدث للمرّة الأولى عن قانون الانفصالية في مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ثم وقعت حادثة المدرس، التي تعكس استخدام المتشددين محاولات تقويضهم وقوداً لمزيد من العمليات وبث أفكارهم.

ومن جانبه، رأى ماكرون في حادثة صامويل مؤشراً خطراً ودافعاً أكثر لتنفيذ رؤيته، التي تتمثل في التخلص من مجتمعات "الغيتو" التي يعيش فيها بعض المسلمين في فرنسا، حتى أنهم يمنعون أطفالهم من الذهاب إلى المدارس، أو يقرّون أفكاراً لا تتوافق مع الجمهورية الإسلامية العلمانية.

وفي الوقت ذاته، التخلص من سطوة بعض الدول وأذرعها في باريس، وفي المقدّمة تركيا، التي تشابكت آنذاك مع فرنسا على أصعدة عدة، وارتفعت حدة التوترات بينهما.

استغلت تركيا خطاباً لماكرون عقب مقتل صمويل في تأليب الرأي العام الإسلامي ضده

وقد استغلت تركيا خطاباً لماكرون عقب مقتل صمويل في تأليب الرأي العام الإسلامي ضد الرئيس الفرنسي، داعية إلى حملة لمقاطعة المنتجات الفرنسية.

وتأكيداً على انتهازية الرئيس التركي، وفيما تواصل فرنسا المضي في تطبيق قانون الانعزالية، فإنّ تركيا تحاول تهدئة الأجواء مع فرنسا بعدما عارضت الرياح الممثلة في عقوبات أوروبية، وفوز الرئيس الأمريكي جو بايدن بالرئاسة الأمريكية، وباتت مضطرة لتحسين علاقتها مع الأوروبيين، لتجنب الصدام مع بايدن.

ونقلت عدة صحف قبل أيام عن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قوله: إنّ أردوغان كان أوّل من بادر لمراسلة ماكرون ليتمنى له سنة جديدة سعيدة، وليقدّم تعازيه بعد الاعتداءات التي استهدفت فرنسا الخريف الماضي!



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية