هل يعيد اقتصاد المعرفة تشكيل الحالة الإسلامية؟

هل يعيد اقتصاد المعرفة تشكيل الحالة الإسلامية؟


08/06/2021

في إعادة تشكيله للعالم وأنظمته السياسية والاجتماعية والثقافية؛ هل يعيد اقتصاد المعرفة أيضاً تشكيل الحالة الإسلامية؟ هل ستبقى الحركات الإسلامية السياسية تواصل صعودها، أم ستختفي لتحل مكانها المجتمعات التي يتنامى دورها وتأثيرها "عصر المجتمعات" في الوقت الذي تبدو فيه الأحزاب والمنظمات في مرحلة من الأفول والانحسار؟

إنّ الأمم والمجتمعات والحضارات تمرّ في مرحلة عبور نحو مرحلة جديدة قائمة على المعرفة والاتصالات والمعلوماتية، وهي تبدو واضحة في الطبقات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة، وفي حالة الانتقال المرتبكة نحو مجتمعات واقتصاد المعرفة، وهذا التحول يشمل الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشكلت حول الثورة الصناعية والثورات السياسية المصاحبة لها، مثل؛ الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية، والخطاب الإسلامي يواجه أيضاً المرحلة الانتقالية هذه على نحو لا يختلف كثيراً عن السياق الاجتماعي والحضاري العام.

وكما كانت الجمهورية والديمقراطية والليبرالية والأحزاب والأفكار الحديثة ومفاهيم الدستور والديمقراطية، تبدو جديدة ومتطرفة وتلقى مقاومة عنيفة، فإنّ حالة جديدة تتشكل، ومن أهم ملامحها استعادة دور المجتمعات وتمكينها ومشاركتها مع الشركات والدولة في السياسة والحكم والمسؤولية الاجتماعية.

المشهد القادم  يبدو خالياً من الحركات والجماعات الإسلامية سواء المعتدلة التي استنفدت أغراضها أوالمتطرفة التي ستتعرض للملاحقة

فالعالم الذي يتشكل حول العولمة الاتصالية وتقنيات المعرفة بدأ يغير في دور الدولة والمجتمع، وربما تكون الأفكار والتطبيقات في هذا المجال لم تأخذ بعداً ناضجاً يمكن تقديمه، وفي غالب الأحيان؛ فإنّها مجموعة من الشكوك والحيرة والملاحظات والأسئلة، وهذا لا يقلل من أهميتها، ذلك أننا نواجه اليوم تحديات يومية جديدة لم تعد الأفكار والأدوات السابقة والعتيقة تفيدنا في معالجتها.

وبالطبع، فإنّ الحديث عن "نهاية الدولة"، أو انهيارها، بسبب العولمة والمعلوماتية والاتصالات والاعتماد الاقتصادي المتبادل، مبالغ فيه، ومن كان يعتقد ذلك فليحاول تجنب دفع الضرائب، لكنّ الدول والمجتمعات تتكيف مع مرحلة جديدة، فتتخلى عن أدوار كانت تمارسها، وتتجه إلى مواقع وأعمال أخرى، وتعيد ترتيب وصياغة أعمال أخرى، ولكن يجب أن نتذكر أنّ الدولة فكرة حديثة، وأنّ المجتمع يسبقها بآلاف وربما عشرات آلاف السنين؛ فالمجتمعات والأمم هي التي تشكل الدول والثقافات والتفاعل مع المكان، وهي مركز الانتماء والمشاركة، وإضعاف المجتمعات وتهميشها كما حدث عندنا، وربما بحسن نية، أو في سياق موجة التنمية والتحديث التي اجتاحت المنطقة، يؤدي إلى سلسلة غير متوقعة من التفكك والأزمات والكوارث وضعف المؤسسات والموارد.

اقرأ أيضاً: سكين الإسلام السياسي في خاصرة المجتمع المسلم

وربما تصلح الولايات المتحدة الأمريكية مثالاً دراسياً على نشوء الدول والمجتمعات الحديثة وتطورها، فهذه المجتمعات التي تشكلت من المهاجرين من أوروبا والعالم، وجدت في الظروف السياسية والاقتصادية في القرن الثامن عشر أنّها تنضج باتجاه تكوين أمة مستقلة، وقد كان بنجامين فرانكلين (أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية) يتوقع أنّ مركز الإمبراطورية البريطانية سينتقل إلى أمريكا، لكنّ الإمبراطورية بدأت بالتلاشي، والولايات المتحدة بدأت بالنمو لتشكل إمبراطورية بديلة مستقلة عنها، فقد تنامى عدد السكان، وقامت مدن ومجتمعات واقتصاديات مستقلة وكبيرة، وكانت فكرة النظام أو الحكم الجمهوري، تعد متطرفة في القرن الثامن عشر، مثل تطرف فكرة الماركسية في القرن التاسع عشر، تعني أكثر من إزالة ملك وتأسيس نظام حكومي انتخابي، وكانت الثورة الأمريكية، في نظر مثقفيها، ليست مجرد انفصال عن بريطانيا؛ لذلك كان تأكيد جيفرسون، في "إعلان الاستقلال"، بأنّ كلّ الرجال خلقوا متساوين، وعدّ ذلك فيما بعد "فطرة" العصر، فقط التعليم والتهذيب هما العاملان اللذان يفصلان رجلاً عن آخر، وإنساناً عن آخر، تلك الفكرة كانت الأكثر ثورية في القرن الثامن عشر، وفي الحقيقة في كلّ الفكر الحديث.

هذه الدولة التي تشكلت من رحم الإمبراطورية البريطانية، وتحولت إلى قوة عظمى تقود العالم، هل تنشأ اليوم من رحمها دولة جديدة على أسس قد تبدو متطرفة كما كانت الجمهورية فكرة متطرفة؟ وأين تقع الحالة الإسلامية السائدة اليوم من هذه التحولات؟

اقرأ أيضاً: كيف أصبح الإخوان المسلمون عبئاً على أنفسهم وعلى دولهم ومجتمعاتهم؟

إذا كنا نتحدث عن صعود المجتمعات؛ فإنّ المشهد القادم للعالم الإسلامي يبدو خالياً من الحركات والجماعات الإسلامية، المعتدلة منها والمتطرفة، فقد استنفدت الأولى أغراضها، ولم تعد قادرة على استيعاب التحولات الإسلامية والمجتمعية، والمتطرفة أيضاً ستتعرض لملاحقة وتصفية دون رحمة؛ بل ستكون مطاردتها وتصفيتها، بالنسبة إلى الأنظمة السياسية، مثل رحلة صيد ممتعة، وقد استدرجت المجموعتان من الحركات الإسلامية إلى ردّ فعل على أزمة أرادت الخروج منها، وانتهت إلى أزمة خلقتها هي، بوجودها وعجزها عن تحقيق الحسم.

فالحالة الإسلامية الراهنة ليست كما يبدو للوهلة الأولى، حالة صعود للحركات الإسلامية، لكنها حالة من التدين والإسلامية المجتمعية العامة، والجموع المتدينة الجديدة موزعة في التشكيلات الاجتماعية والسياسية المختلفة، ولا يجمع بينها برنامج أو موقف موحد، ولا يشكل التدين برنامجاً ثقافياً أو سياسياً أو اجتماعياً.

للمشهد الإسلامي القادم حسناته وسيئاته بالطبع لكنّ المؤكد أنّه في حاجة إلى تفكير جديد يوصل إلى أدوات فهم جديدة

المشهد المتشكل اليوم، يذكّر بحالة سابقة؛ عندما تقدمت الجماعات الإسلامية إلى الساحة الإسلامية وانتزعتها من مشايخ وقادة كانوا هم أيضاً في مرحلة من العجز والانحسار، فقد كانوا يقدمون الدين في حالة من السلبية والانعزال، فكانت أفكار شمول الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان، والدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، والأنشطة والبرامج والأفكار التي كان يظن أنّها ليس لها علاقة بالإسلام، وتقدمت الجماعات والشخصيات الإسلامية الجديدة لتقود المساجد والانتخابات العامة، وتقود وتشارك في قيادة المؤسسات القائمة، وتقيم مؤسسات إسلامية جديدة، مدارس وجمعيات ومراكز ومستوصفات وصحفاً ومؤسسات إعلامية، وتطرح بدائل إسلامية في الغناء واللباس  والتعليم؛ بل وتقيم مجتمعات جديدة متكاملة ومكتفية، يكاد أعضاؤها لا يعرفون لهم عالماً آخر في خارجها.

وللمشهد الإسلامي القادم حسناته وسيئاته بالطبع، لكنّ المؤكد أنّه في حاجة إلى تفكير جديد يوصل إلى أدوات فهم جديدة، ويطرح على التيار الإسلامي أسئلة جديدة مختلفة، مثل: هل تحول إلى مكون لجميع التيارات والاتجاهات والطبقات تتشارك فيه، ولا يقدم برنامجاً سياسياً وثقافياً واجتماعياً خاصاً به؟

بمعنى: هل اختفى الاتجاه الإسلامي كتيار مستقل، لنجد مثلاً تشكيلات يسارية إسلامية، وليبرالية إسلامية، وعلمانية إسلامية، وقومية إسلامية، ومحافظة إسلامية، ووطنية إسلامية، لتتحول "الإسلامية" إلى مكون مشترك، أو تفقد خصوصيتها، وتنتهي كظاهرة سياسية وإطار للتجمع والعمل، وتتحول إلى هوية وثقافة مثل الأوطان والأمكنة؟

الصفحة الرئيسية