سؤال لمن أدوا واجب رمضان: هل الصوم مفيد للصحة؟

شهر رمضان

سؤال لمن أدوا واجب رمضان: هل الصوم مفيد للصحة؟


03/06/2019

بعد أن شارف شهر رمضان المبارك على نهايته، يسعى كثيرون إلى الرد على المقولات التي تشكك في جدوى الصيام. ويسعى الذين عاشوا تجربة "رمضان" إلى إثبات فوائده، بعد صيام ما يناهز شهراً بأكمله.
وكان بعضهم ادعى أنّ الدراسات العلمية الحديثة تثبت تعرض أجهزة الجسم إلى تأثيرات سلبية، خاصّة جراء عدم تناول جرعات الماء لنحو 16 ساعة يومياً، أو ربما يزيد في أوقات مختلفة.

اقرأ أيضاً: سجال يتجدّد في كل "رمضان": هل التدخين مبطل للصيام؟
ومع أنّ القرآن الكريم قد أعطى رخصاً لإفطار المرضى والحوامل والمسافرين، وكلّ من لا طاقة له على الصيام، إلا أنّ المشكّكين يصرّون على ادّعاء أنّ الصوم له تأثيرات سلبية أيضاً على صحة المعافين جسدياً.
القرآن الكريم أعطى رخصاً لإفطار المرضى والحوامل والمسافرين، وكلّ من لا طاقة له على الصيام

دراسات تبرّئ الصوم
أصدرت مجلة التغذية دراسة، حاولت فيها الإجابة عن عدد من التساؤلات المتعلقة بالصوم، مؤكدة أنّ الامتناع عن الطعام والشراب لفترة تصل إلى 14 ساعة يومياً، لمدة 28 يوماً، له تأثير محدود على مؤشر كتلة الجسم الذي يستخدم لتحديد إصابة شخص بالسمنة من عدمه.
بيْد أنّ هذه الدراسة كشفت أنّ الصيام لا يؤثر مطلقاً على تركيب الجسم، أو التمثيل الغذائي للجلوكوز أو الوظائف الإدراكية لدى المشاركين، لكنّ الصيام قد يؤدي إلى زيادة نسبة الحموضة في المعدة، خاصة أثناء النهار، لتصل إلى أعلى مستوى لها مع نهاية مدة الصيام.

اقرأ أيضاً: هل تعرف ماذا يحدث للجسم أثناء الصيام لمدة 30 يوماً؟
وتعليقاً على هذه النقطة؛ ذكرت دراسة منشورة في مجلة المراجعة الأوروبية للعلوم الطبية والصيدلية، احتمالية زيادة الإصابة بحدوث ثقب في القرحة الهضمية أثناء صيام رمضان، خاصّة مع زيادة فترة الصيام أثناء الصيف، وهو ما يمثل خطراً كبيراً على هؤلاء المرضى.
ومع ذلك، فإنّ الصيام في ذاته لن يكون مسؤولاً عن آثار ذلك؛ إذ إنّ هؤلاء المرضى مرخَّص لهم بالإفطار، بنصّ الآية التي فرضت الصيام على المسلمين.

 

 

 

وماذا عن ضغط الدم؟
أعلنت دراسة نشرت في مجلة ضغط الدم؛ أنّ الصيام يؤدي إلى آثار إيجابية على الضغط ومستوى الدهون في الدم، هذه النتائج عززتها منهجية "systematic review" للأبحاث المنشورة في هذا المجال؛ حيث سعت إلى الإجابة عن هذا السؤال، فأظهرت المراجعة؛ أنّ معدل الإصابة بأمراض القلب لا يختلف في شهر رمضان عن غيره من الشهور، رغم أنّ الأوقات التي تظهر فيها الأعراض تختلف بين شهر الصيام وباقي أوقات العام؛ حيث تزداد الأعراض بوجه خاص خلال فترة ما بعد الإفطار في شهر رمضان بوجه عام لا يؤثر الصيام على أغلب مرضى القلب إذا كانت حالتهم مستقرة ويمكنهم الصيام دون مضاعفات.

اقرأ أيضاً: الصيام لمرضى القلب.. هل يساعدهم على الشفاء؟
أكّدت هذه الدراسة أيضاً؛ أنّ تحسناً ملموساً مع الصيام يظهر في كلّ من مؤشر كتلة الجسم وضغط الدم ومستوى الدهون في الدم، هذا التحسن يحدث في الأشخاص الطبيعيين، كما يظهر كذلك في المرضى الذين يعانون من مشاكل في الدهون وضغط الدم، لكن في المقابل؛ فإنّ مستوى الدهون يتدهور بشكل ملحوظ في مرضى السكر، وهو ما يتطلب مراقبة دقيقة ومتابعة مستمرة لهؤلاء المرضى أثناء الصيام.
مستوى الدهون يتدهور بشكل ملحوظ لدى مرضى السكر أثناء الصيام

الصوم والجفاف
ويدفع القائلون بضرر الصيام صحياً بدراسات أخرى، قالوا إنّها أجريت على العالم العربي، وخلصت إلى أنّ "الأمراض المرتبطة بالكوليسترول ومرض السكر تزداد بنسبة 27،65% بسبب الإفراط في تناول الطعام".

الله يحبّ التيسير في العبادات أكثر من التشدّد فيها فلا يظن أحد أنّ تحمله المشقة وهو غير قادر سيرضي الله

وتقول إحدى هذه الدراسات إنّ حالات الجفاف تزداد خلال شهر رمضان، مع وجود أدلة تشير إلى تركز الدم خلال هذا الشهر، بسبب الامتناع عن تناول السوائل الذي يؤدي إلى اضطراب في توازن السوائل في الجسم، ومن ثمّ يؤدي إلى حدوث حالة الجفاف، في المراحل الأولى منه، وتشمل الأعراض السريرية المصاحبة زيادة ضربات القلب، والإحساس بالتعب والضعف العام والصداع والغثيان.
كما تُلاحظ زيادة في حمض اليوريك؛ وذلك لأنّ فرط حمض اليوريك في الدم هو أحد المضاعفات المعروفة للصيام لفترات طويلة.
 الإسلام حضّ على الإقلال من الطعام في هذا الشهر

من المتسبّب؟
بغضّ النظر عن الجدل العلمي في هذا الشأن؛ فإنّ المشكلة لا تبدو في فرض الصيام، لكنّها تمكن في سلوكيات المسلمين الصائمين الذين يحولون دون الحكمة من الصيام الذي يحمل معنى الصبر واستشعار النعمة، والإحساس بالجوعى، والتغلب على النفس وشهواتها.
فمع أنّ الإسلام حضّ على الإقلال من الطعام في هذا الشهر، والإكثار من الصدقة والعبادة، إلا أنّ سلوك الغالبية من المسلمين الصائمين لا يشي بذلك؛ إذ يتخذون من هذا الشهر موسماً للإسراف في الطعام والشراب.

فالإنفاق على الطعام والشراب يرتفع إلى ثلاثة أضعاف، بحسب إحدى استطلاعات الرأي، فضلاً عن تراجع إنتاجية العمال والموظفين في الشرق الأوسط، لنسبة تقدَّر ما بين 25% إلى 40 %، بحسب استطلاع آخر.

الإنفاق على الطعام والشراب يرتفع إلى ثلاثة أضعاف بحسب إحدى استطلاعات الرأي فضلاً عن تراجع إنتاجية العمال والموظفين

ربما تزداد الإشكالية تعقيداً عند تدخلات الدعاة الفضائيين الذين يصرون على أنّ للصيام فوائد صحية عديدة؛ إذ إنّ القرآن الكريم لم يذكر في آية الصيام أنّه شُرع من أجل صحة الصائمين.
فالغاية القصوى التي شرع من أجلها الصوم تتمثّل في قوله تعالى:"لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ". (البقرة 183)، فكثرة الجوع والعطش تأتي في المقابل لها "التقوى"، والتقوى شيء معنوي، لا حسّي.


ولذلك لم تجعل هذه الفريضة ضرورة حتمية على المخاطبين بها، بل وُضعت لغير القادرين منهم ثغرة تتجسد في الفدية، التي تتمثل في صدقات تصرف على غير القادرين، فيكون الصيام للفرج والتيسير على الفقراء.
واحتياطاً، وحتى لا يكثر المتنطعون الذين يزايدون في العبادة، فقد حرص الرسول، صلى الله عليه وسلّم، على التشديد في الأخذ بالرخصة في الإفطار، فقال في حديث صحيح: "إنّ الله يحبّ أن تُؤتى رخصه، كما يحب أن تؤتى عزائمه" (والعزائم تعني الفرائض).
والشاهد في ذلك؛ أنّ الله يحبّ التيسير في العبادات أكثر من التشدّد فيها، فلا يظن أحد أن تحمله المشقة وهو غير قادر سيرضي الله، لكنّ تيسيره على نفسه هو الذي سيرضيه.
بل ورخّص الله سبحانه في الذين يطيقون الصيام ويرغبون في الإفطار أن يفعلوا، بشرط أن يلتزموا بإخراج الفدية، فجاء في الآية: "وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية