ليبيا رهينة "الإخوان"

ليبيا رهينة "الإخوان"


03/06/2019

جبريل العبيدي

«توباكتس» أو «ذات الرمال»، مصراتة أو «مسراتة» بالسين، كما ذكرها ابن خلدون، تعد من المدن الليبية التي كانت تشهد نشاطاً تجارياً واقتصادياً كبيراً عبر العصور، ويتحدر منها أكبر تجار البلاد، ولكنها تحولت اليوم إلى معقل لتنظيم «الإخوان»، الذي اتخذ منها قاعدة له، بعد أن أصبحت المدينة رهينة له، وقد يكون ساعد وساهم في ذلك تحالف المال والسلطة.
مصراتة مدينة ليبية كانت حاضرة في التاريخ الليبي بالتجارة والثقافة، وكانت منارة حضارية تناثر أبناؤها بين المدن الليبية الأخرى، وشكلوا فسيفساء وطنية، وتوزعوا بين الأنشطة التجارية، والصناعية، ولا تكاد تخلو مدن ليبيا من أبناء مصراتة، ولكن ما حدث في فبراير 2011 شكل منعطفاً خطيراً في تاريخ المدينة، حيث سيطر عناصر تنظيم «الإخوان» على المدينة، وسلبوا أهلها القرار وروح المبادرة بالترهيب بالسلاح، حيث سكنت المدينة كتائب متطرفة منها «الفاروق» و«البتار»، التي تجاهر بالولاء لتنظيم «القاعدة» و«داعش»، بل وترفع رايات «داعش» على عرباتها المسلحة وتجاهر بذلك.
فمنذ بداية حراك فبراير (شباط)، حاول تنظيم «الإخوان» في ليبيا جعل مصراتة حصنهم الحصين، والاستحواذ على القرار في المدينة، وحولها إلى معقل للتنظيم، ومحطة ترانزيت له في طريقه نحو مشروع الخلافة ودولة المرشد، خصوصاً أن المدينة كانت بها جماعات مسلحة موالية له وأخرى تشاركه الأفكار، ما مكنها من إحكام القبضة على السكان المحليين، وبدأ في تضييق الخناق على القوى الوطنية في مصراتة، بالترهيب والتهديد، حيث تم اغتيال كل من خالف تنظيم «الإخوان» داخل المدينة، ليس آخرهم عميد بلدية مصراتة عندما جاهر بالعداء للتنظيم الشرس، بعد أن ورط التنظيم مدينة مصراتة في حروب مع مدن وقبائل ليبية كثيرة، أغلبها في محيط مصراتة، بعدما حولها تنظيم «الإخوان» لحاضنة ومصدر للإرهاب على الرغم من معارضة أبنائها.
سيطرة ميليشيات الإسلام السياسي على مصراتة وميناء المدينة، مكنها من إرسال الدعم العسكري واللوجستي، عن طريق قوارب وجرافات بحرية، إلى الجماعات الإرهابية في بنغازي ودرنة التي تشاركها المشروع ذاته، قبل أن يسحقها الجيش الليبي، ويحرر المدينتين من سيطرة ميليشيات تنظيم «الإخوان»، كما أن هذه الميليشيات المؤدلجة اختطفت المدينة، وجعلت منها رأس حربة تضرب بها هنا وهناك نتيجة سطوة الإخوان عليها وغزارة الأسلحة والمال القادم من تركيا وقطر؛ فمن تهجير سكان مدينة تاورغاء إلى مذبحة غرغور في طرابلس، إلى المشاركة في اقتحام مدينة بني وليد ورفع شعارات جهوية داخل المدينة إلى أن دحروا منها، ما اعتبر محاولة للثأر من تاريخ قديم مع المدينة، تم شرعنته تحت القرار رقم 7 للمؤتمر الوطني (برلمان فبراير)؛ القرار الذي شكل طعنة في المصالحة الوطنية، ولا تزال مضاعفاته مستمرة، وجراحه تنزف إلى اليوم، إلى انسحابها من مدينة سرت في التوقيت الخطأ، ما أعطى فرصة لتنظيم «داعش» للسيطرة على المدينة، ما فسر على أنه انسحاب لصالح تنظيم «داعش»، رغم أن مصراتة فيها شباب قاتل تنظيم «داعش» لاحقاً، ساعدتهم فيه ضربات جوية مكثفة قدمتها قوات «أفريكم» الأميركية، وبالتالي شعب مصراتة مغلوب على أمره، والإخوان الآن يعملون على تشويه تاريخ مصراتة الطويل، الأمر الذي يستوجب حراكاً فعالاً من داخل المدينة للتحرر من ارتهان مصيرها، وربطه بجرائم تنظيم «الإخوان»، الذي سيتخلى عن المدينة بمجرد حصوله على مكان وحاضنة أخرى، فعادة التنظيم البراءة من الماضي في أي مرحلة جديدة له، ولن تكون مدينة مصراتة استثناءً عند هذا التنظيم، الذي كثيراً ما تنكر حتى لمن ضحى بنفسه من أجل التنظيم الضال، الذي يدير سجوناً خارج سلطة الدولة تُتهم بممارسة أبشع صنوف التعذيب، وقهر الرجال والنساء، وفق شهادات منظمات دولية وسجناء سابقين.
فلا بد من استعادة مدينة مصراتة من قبضة تنظيم «الإخوان»، وإعادتها إلى حضن الوطن، كما كانت مصدراً للحضارة والثقافة والتجارة، فمصراتة لن تكون عاصمة للإرهاب.

عن "الشرق الأوسط" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية