قراءة في المخارج والسيناريوهات المحتملة بعد إلغاء الانتخابات في الجزائر

الجزائر

قراءة في المخارج والسيناريوهات المحتملة بعد إلغاء الانتخابات في الجزائر


04/06/2019

بإعلان المجلس الدستوري الجزائري، أول من أمس، استحالة تنظيم الانتخابات الرئاسية، التي كان مقرراً تنظيمها في 4 تموز (يوليو) المقبل، تكون البلاد قد دخلت مرحلة جديدة من "الفراغ الدستوري" الفعلي هذه المرة؛ فالمادة الدستورية (102) التي أعتُمد عليها في تنصيب الرئيس المؤقت، عبدالقادر بن صالح، تحدد فترته لـ 90 يوماً فقط، وتحدد مهامه في تسيير أمور الدولة بشكل مؤقت، وتنظيم الانتخابات الرئاسية، خلال تلك الفترة.

اقرأ أيضاً: ماذا وراء إلغاء انتخابات الجزائر؟

وكان المجلس الدستوري، أعلى هيئة قضائية في الجزائر، أصدر، أول من أمس، بياناً أكد فيه، أنّه بعد عقد ثلاثة اجتماعات، قد فصل برفض ملفّي الترشح المودعين لديه، وبناء على ذلك قرّر "استحالة إجراء انتخاب رئاسة الجمهورية"، تاركاً الأمر "لرئيس الدولة الانتقالي، عبد القادر بن صالح، استدعاء الهيئة الانتخابية في وقت لاحق، لاستكمال المسار الانتخابي" دون أن يحدد موعداً جديداً للاستحقاق الرئاسي.

عبدالقادر بن صالح

غياب مرشحين أم رفض الشارع؟

التبرير القانوني الذي قدّمه المجلس الدستوري، كان متوقعاً، ليس لجهة انعدام مرشحين حقيقيين وجادين فحسب؛ بل للرفض الكبير الذي عبّر عنه "الحراك الشعبي" خلال الثلاثة أشهر الماضية؛ حيث ظلت معظم المطالب المرفوعة ترفض تنظيم الانتخابات في ظل حكومة شكّلها الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، ومعظم وزرائها متهمون -من قبل الحراك-  بالضلوع في عمليات تزوير واسعة أثناء حكم الرئيس السابق. 

اقرأ أيضاً: تصفية حسابات بين إسلاميي الجزائر

وظل المشهد السياسي الجزائري، منذ تنحّي بوتفليقة، يقف على حافة تناقض إرادتين؛ الأولى إرادة سلطة تمثلها المؤسسة العسكرية، وتسعى إلى تنفيذ مقررات المادة (102) من الدستور، وتحذر من الوقوع في "فخ الفراغ الدستوري"، وبين إرادة الحراك الشعبي الذي ينادي بضرورة إلغاء الانتخابات والدخول في مرحلة انتقالية، تتجاوز الإجراءات الدستورية العادية، باعتبار أنّ البلاد في حالة ثورية، تستدعي إجراءات استثنائية.

اقرأ أيضاً: توماسي سيريس: الاحتجاجات الجزائرية نجحت وأرسلت رسالة صارمة للعالم

  الآن وقد أضحى الفراغ الدستوري أمراً محدقاً، وسوف يصبح واقعاً معيشاً مع انتهاء فترة الرئيس المؤقت للبلاد عبدالقادر بن صالح، في مطلع تموز (يوليو) 2019، يبقى السؤال المركزي حول خيارات السلطة، وماهية السيناريوهات المحتملة للخروج من هذا الانسداد وكيف يمكن تجاوز هذا الفراغ؟!

 عبدالعزيز بوتفليقة

عدة سيناريوهات لانسداد واحد

يرى أستاذ العلوم السياسة بجامعة الجزائر،  الدكتور توفيق بوقعدة، في حديثه لـ "حفريات" أنّ "البلاد أمام عدة سيناريوهات؛ الأول: أن تسعى السلطة الحاكمة إلى تقديم بعض التنازلات بما لا يضر مصالحها الجوهرية، وذلك لتجنّب الدخول في مواجهة مفتوحة مع الحراك الشعبي الذي أبان تماسكه لأكثر من ثلاثة أشهر، قد تكون هذه التنازلات من قبيل إقالة حكومة بدوي وفتح مشاورات مع النخب والطبقة السياسية، للوصول إلى خريطة طريق توافقية تسهل إدارة المرحلة الانتقالية المؤجلة"، وهذا السيناريو، حسب تصور بوقعدة، يمكن أن يجد "تجاوباً إيجابياً من قطاع واسع في  الحراك.. وهو مسعى هدفه عقلنة مطالب الشارع وتجنّب الدخول في مواجهة مع المؤسسة العسكرية مستنداً في ذلك لتجربة التسعينيات".

اقرأ أيضاً: "الباء" الأولى تسقط تحت ضغط الشارع الجزائري

أما السيناريو الثاني؛ فيتمثل، وفق تقدير بوقعدة، في "استمرار السلطة في اللعب على عامل الوقت وتفتيت الحراك عبر إثارة العديد من القضايا المتعلقة بالهوية والمناطقية، ومخاطر الفوضى، وذلك للوصول إلى غاية إقناع طرف معين من الحراك أو من الأحزاب السياسية بأنّ الانتخابات تعتبر انتصاراً له؛ فيسارع للمشاركة والتجنيد لإنجاحها، واعتماد هذا السيناريو يعني بأنّ السلطة الحالية لا تسعى لتغيير منظومة الحكم وفلسفتها في إدارة الشأن العام؛ بل إلى إحداث تغييرات شكلية والحفاظ على النظام القديم".

اقرأ أيضاً: هل يغير الحراك الشعبي خريطة الانتقال السياسي في الجزائر؟

أما السيناريو الثالث، فيتعلق "باستمرار الحراك في مطالبه ورفضه لكل البدائل المقدمة من طرف السلطة والاتجاه إلى شبه عصيان مدني، يرغم السلطة للاستجابة لكل المطالب بما في ذلك ذهاب عبد القادر بن صالح، الرئيس المؤقت، والتحول مباشرة إلى فترة انتقالية تضمن قيام هيئة تأسيسة واسعة ترسي الدعائم السياسية والقانونية للجمهورية الثانية". ويستدرك بوقعدة بالقول "إلا أنّ إشكالية هذا السيناريو أنّ عوامل وفواعل هذا المسار لم تتضح بعد، وبالتالي فهو مرتبط بشكل وجوهر التطورات خلال الفترة القادمة سواء على مستوى الحراك أو على مستوى المؤسسة العسكرية وإدراكها وتقديرها لمخاطر  اللعبة الصفرية القائمة".

اقرأ أيضاً: الشارع الجزائري يفرض حصارا على حكومة نورالدين بدوي

ويقدر الدكتور بوقعدة موقف المجلس الدستوري القاضي باستحالة إجراء الانتخابات وأنّه أتى متقاطعاً مع مطالب الحراك الشعبي، فإنّ إحالة الأمر برمّته إلى الرئيس المؤقت الذي تنتهي عهدته القانونية بعد شهر واحد، يعد أمراً غير مؤسس دستورياً؛ حيث لا توجد مادة دستورية تنص على ذلك، وأنّ الموقف لا يعدو أن يكون مجرد "فتوى" لكنها في تقدير الكثير من الفقهاء "غير مؤسسة دستورياً".

الانسداد السياسي كان متوقعاً

المخارج في روح الدستور وليس نصه

من جهته، يرى الدكتور عبد العزيز رحابي، وزير الإعلام الأسبق وأحد رموز المعارضة، في حديثه لـ"حفريات"، أنّ هذا "الانسداد السياسي كان متوقعاً بحكم أنّ المادة (102) من القانون الأسمى للبلاد طرحت وحدها ولم ترافقها أي مبادرة سياسية"، وحسب رحابي "الخروج من الأزمة الحالية التي تمر بها الجزائر يستلزم البقاء في روح الدستور وليس نصه، واللجوء إلى قراءة مرنة للمواد بما يخدم مصلحة الشعب وتمكن من الخروج من الأزمة".

رحابي: الخروج من الأزمة الحالية يستلزم البقاء بروح الدستور وليس نصه، واللجوء لقراءة مرنة للمواد بما يخدم مصلحة الشعب

ويحدد رحابي تلك القراءة بعدة أمور أهمها؛ "ضرورة التفكير في إلحاق المادتين (7) و (8) من الدستور مع المادة (102) والوصول إلى فهم مرن ومشترك يحقق مطالب الشعب ولا يجعلنا في تناقض مع نص الدستور؛ حيث تنص المادة (7) أنّ "الشعب مصدر كلّ سلطة "، والمادة (8) أنّ "السّلطة التّأسيسيّة ملك للشّعب"، وبالتالي فإنّ هناك إمكانية للخروج من الأزمة القائمة عبر هذا التكييف الدستوري للمواد الثلاث مجتمعة، وعبر العودة لمطالب الشعب السيد، وهذا لن يتم إلا عبر إطلاق مبادرات سياسية حقيقية تنبع من روح الدستور".

ويرى رحابي "أنّ جوهر الأزمة كان نتاج السياسات التي قزّمت دور المجلس الدستوري خلال الـ 20 سنة الماضية"،

ويضيف أنّ "المجلس الذي عاد الآن ليضطلع بدور محوري، مطلوب منه إصدار فتوى دستورية في هذا الاتجاه".

جوهر الأزمة كان نتاج السياسات التي قزّمت دور المجلس الدستوري خلال الـ 20 سنة الماضية

أولى الخطوات رحيل حكومة بدوي

من جانبه، يرى الصحفي محمد علال أنّ قرار المجلس الدستوري بتأجيل الانتخابات "يعد موقفاً مهماً يتقاطع ومطالب الحراك الشعبي؛ حيث لم تكن هناك أرضية مهيأة لإجراء الانتخابات في ظل الرفض الشعبي الكبير"، ويثمن علال موقف المجلس الدستوري، الذي يشير إلى أنّه "يؤسس للمرحلة الانتقالية" هذه الأخيرة التي ظلت مرفوضة من قبل المؤسسة العسكرية، لكن، كما يقول علال: "عملياً دخلنا لهذه المرحلة عبر هذا الموقف".

علال:  عملياً تجاوزنا المسار الدستوري، الذي ظل يمثل عتبة التناقض بين مطالب الحراك وخيارات المؤسسة العسكرية

وعن السيناريوهات المحتملة يتحدث علال لـ "حفريات": "عملياً تجاوزنا المسار الدستوري، الذي ظل يمثل عتبة التناقض بين مطالب الحراك وخيارات المؤسسة العسكرية، يبقى الآن اتخاذ بعض الإجراءات الاستثنائية أهمها استقالة الرئيس المؤقت بعد انتهاء عهدته، سيما وأنّه مرفوض شعبياً، مما يستدعي، وفقاً للدستور، تنصيب رئيس المجلس الدستوري كرئيس مؤقت للمرحلة الانتقالية، وبدوره يشكل حكومة جديدة، تنحصر مهمتها حول نقطتين مهمتين؛ إطلاق مشاورات سياسية واسعة تمهد الأرضية لتوافق وطني شامل، وتنظيم الانتخابات عبر هيئة مستقلة تضم مختلف الحساسيات السياسية ويشرف عليها القضاء".

اقرأ أيضاً: من هو عبدالقادر بن صالح الذي خلف بوتفليقة رئيساً مؤقتاً للجزائر؟

ويقدر علال أنّ "هذه الإجراءات كفيلة بتجسير المسافة بين طرفي الصراع، وكذلك بضمان ما يسمى بالهبوط الآمن"، مضيفاً أنّ هذا السيناريو يتطلب إدراكاً عميقاً للمخاطر التي تحدث بالبلد نتيجة الانسداد السياسي الذي دام لأكثر من ثلاثة أشهر وحان له أن ينتهي، سيما بعد إبطال حجة المواقيت الدستورية للانتخابات من قبل المجلس الدستوري كأعلى هيئة قانونية في البلاد.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية