موجة الحرّ في فرنسا تحوّل البرك والنوافير العامة إلى مسابح مرتجلة

فرنسا

موجة الحرّ في فرنسا تحوّل البرك والنوافير العامة إلى مسابح مرتجلة


02/07/2019

تعتبر اتفاقية باريس للمناخ التي وُقعت عام 2016 من قبل 195 دولة، خطة العمل الأوضح  في القرن الواحد والعشرين للوقوف بوجه التغير المناخيّ، وخفض درجة حرارة الأرض بمقدار درجتين مئويتين؛ أي إلى ما كانت عليه قبل الثورة الصناعيّة.

اقرأ أيضاً: الوفاة بسبب موجات الحرارة المرتفعة.. كيف يحدث ذلك؟
وتقر الاتفاقية بأنّ ارتفاع درجة حرارة الأرض أصبح خطراً عالمياً، وتهديداً لـ"الحياة البشرية" أينما كانت على وجه الكوكب، وما يجعل الأمر سياسياً، هو التاريخ الطويل لعمليات التخريب والتسميم التي مارستها الدول الصناعيّة والرأسماليّة، لتكون الاتفاقية جهداً وأسلوباً إستراتيجياً لتغيير النظام السياسي-الاقتصاديّ في أوروبا والعالم، في سبيل الحد من تخريب الأرض، وإعادة النظر إليها كحامل للحياة البشريّة، لا مجرد مادة خام يمكن استنزافها إلى الأبد.

يكتشف من يسكن باريس أو يزورها في أوقات الحرّ أنّ المنازل غير مجهزة لمقاومة الحرارة المرتفعة خصوصاً الأبنيّة القديمة

تعد فرنسا أحد الدول الفاعلة في هذه الاتفاقيّة، خصوصاً أنّ قضايا المناخ جزء من الحملات الانتخابيّة الرئاسيّة، التي راهن عليها إيمانويل ماكرون أثناء حملته الانتخابية عام 2016؛ إذ اقترح في خطته الانتخابيّة "أن تحافظ فرنسا على مواردها الإستراتيجيّة على ثلاث مراحل؛ اعتماد الاقتصاد الدائريّ، والاستفادة من المواد الموجودة في المنتجات بعد انتهاء عمرها، وتنويع الموارد لتجاوز الأخطار الجيوبوليتيكيّة، وتفعيل المنافسة..".
هذه الجهود السياسيّة والإداريّة لمواجهة تغير المناخ في فرنسا، تزداد أهميتها مع كل عام، حين تواجه البلاد موجة حرّ تهدد حياة الكثيرين وتعطل الحياة اليوميّة، كما حصل خلال الأيام الماضية؛ إذ وصلت درجات الحرارة إلى الـ45 درجة مئويّة، وهو رقم لم يسجّل في فرنسا منذ أن بدأت عمليات تسجيل درجات الحرارة، ما أدى إلى وفاة ثلاثة أشخاص حتى الآن.
المساحات المائية حول برج إيفيل تحولت لمسابح

تصميم باريس وأزمة الحرّ
يكتشف من يسكن باريس أو يزورها في أوقات الحرّ أنّ المنازل غير مجهزة لمقاومة درجات الحرارة المرتفعة، خصوصاً الأبنية السكينة القديمة ذات الطراز العثماني، المصنّفة ضمن التراث الوطني. الإشكاليّة في هذه الأبنيّة، هو صعوبة تزويدها بمكيفات هواء تقليديّة -ثابتة، كونها تحوي قطعاً خارجيّة توضع على واجهة البناء السكنيّ، وهذا ما تمنعه بلديات باريس، بوصفه تشويهاً للشكل العام والتراث الوطنيّ، ليجد المرء نفسه أمام المكيفات المتحركة كحل بديل، يحوي أيضاً مشكلة مرتبطة بالسوق والعرض والطلب، فشراء هذه المكيفات صعب أثناء فترة الحرّ بسبب الضغط الكبير عليها. وفي حديث مع "حفريات"، سئل لويس غورنوفا، المسؤول عن قسم مبيعات الإلكترونيات في واحد من سلسلة محلات دارتي الشهيرة عن هذه الإشكاليّة فأجاب: "في كل عام نواجه ذات المعضلة، ما إن يبدأ الصيف حتى يمتلئ المكان بطوابير المشترين، والذي لا يحصل الكثيرون منهم على ما يريده، بسبب نفاد الكمية الموجودة، وذات الأمر يتكرر في الطلبات التي تتم على الإنترنت، وفي كل عام نكرر النصيحة ذاتها، بوجوب شراء المكيف في الشتاء حين يكون الطلب أقل". وأضاف غورنوفا: "ما يحصل ببساطة، أنّ طول زمن لائحة الانتظار للحصول على مكيف جديد أثناء الصيف، يدفع الكثيرين لتغيير رأيهم والعزوف عن شراء المكيف".

اقرأ أيضاً: أوروبا تغلي.. حرارة قياسية وحرائق ووفيات
موجة الحر دفعت البلديات إلى التغاضي عن الباريسيين الذين قاموا بتحويل البرك والنوافير العامة إلى مسابح مرتجلة؛ إذ ترك الكثيرون بيوتهم وتوجهوا نحو الأماكن العامة ذات المساحات المائيّة، كما أنّ بلديّة باريس تحركت لمساعدة الفئات الأضعف على تجاوز موجة الحرّ، وخصوصاً العجائز والأطفال والمشردين الذين لا سكن لهم، كذلك قامت بدعوة من يرون أنفسهم مهددين بسبب الحرّ إلى تسجيل أسمائهم وأرقام هواتفهم في قائمة خاصة، لتقوم البلدية بالاتصال بهم دورياً للاطمئنان على صحتهم.
وفي السياق ذاته، فُتحت الصالات الرسمية المكيفة أمام الجميع، وتم تفعيل الـ1200 نافورة مياه في المدينة، إلى جانب جعل الحدائق مفتوحة على مدى 24 ساعة. وفي حديث لـ "حفريات" مع المكتب الصحفيّ لبلدية باريس، أخبرت المسؤولة الصحفيّة أنّ "البلديّة فعّلت (خطة موجة الحرّ) التي تتألف من أربعة تحذيرات، تدل عليها أربعة ألوان تشير إلى شدّة الحرّ، وهي؛ الأخضر والأصفر والبرتقاليّ والأحمر، وباريس حالياً (أي قبل يومين) في اللون البرتقاليّ. والهدف من الخطة هو تحويل البلديات والفضاءات العامة إلى مساحات للحماية من الحرّ وتوفير المعلومات المختلفة".
المشاة كباراً وصغاراً يقتحمون المساحات المائية

التخريب ليس الحلّ
بالرغم من الإجراءات السابقة إلا أنّ موجة الحرّ دفعت الكثيرين إلى فتح عبوات مياه الحريق، لتُملأ الشوارع بالمياه، وبالرغم من مخالفة هذا الحلّ للقانون لكنه ينفع في العديد من الأماكن التي لا تحوي حدائق ومسطحات مائيّة خصوصاً في أطراف باريس، لكن هذا لا ينفي خطورة عملية التخريب هذه؛ إذ أصيب طفل بعمر الست سنوات في ضاحية سان دونيس بجروح خطيرة بسبب ضغط المياه العالي المندفع من الأرض.

اقرأ أيضاً: كارثة عالمية محتملة.. تغير المناخ قد يشكل "تهديداً للوجود" بحلول عام 2050
هذه الظاهرة التي حاربتها السلطات بدأت عام 2015، إثر موجة الحر التي شهدتها فرنسا حينها، وانتشر معها مصطلح "مسبح الشارع"، وخلال الأسبوع الماضي، ظهر حوالي الـ120 "مسبحاً" مُرتجلاً في أنحاء باريس، وحسب تصريحات شركة المياه الوطنيّة "يحتاج إصلاح واحدة من نقاط الإطفاء إلى ساعتين أو ثلاثة، ما يعني هدر 500 متر مكعب من الماء، أي ما ثمنه 1750 يورو، وحتى الآن، هذه العمليات كلفت ما بين الـ 600 ألف إلى 800 ألف يورو؛ أي ما يكفي لملء 35 مسبحاً أولمبياً".
تم تفعيل الـ1200 نافورة مياه في المدينة، إلى جانب جعل الحدائق مفتوحة على مدى 24 ساعة

فات الأوان
النائب في البرلمان الأوروبيّ، يانيك جادوت، قال في لقاء نشر مؤخراً في صحيفة الأحد إنّ الأوان قد فات، موضحاً: "حالياً، نحن متأخرون، مساحات الحياة لدينا ليست مهيأة بصورة مناسبة، ومدننا تغرق في موجات الحرّ، ولا بد لفرنسا أن تتكيف مع الاحتباس الحراريّ، يجب أن تكون المواصلات مجانيّة، ولا بد من إعادة النظر في ساعات العمل، والاعتماد على العمل عن بعد، إلى جانب تكييف كافة المدارس ومساحات العمل، كذلك يجب اعتماد عطلة أثناء موجة الحرّ، ما يمكّن الأهل والأطفال والموظفين من أن يعيدوا تنظيم أوقاتهم لتفادي الموجة"، كما أكد ضرورة "إعادة النظر في شكل المدينة، وزيادة المساحات الخضراء، والاستثمار في عمليات عزل المنازل".

بلدية باريس لـ"حفريات": الهدف من خطة الحر تحويل البلديات والفضاءات العامة إلى مساحات للحماية من الحرّ وتوفير المعلومات المختلفة

في الوقت ذاته، يرى عالم الطقس، لويس بودان، أنّ الوقت ما زال مبكراً للحديث عن الاحتباس الحراري، بل ومن الخطأ أن نعزو سبب موجة الحر إليه، خصوصاً "أن علم المناخ ما زال جديداً، ولا يتجاوز عمره الـ 150 عاماً، وسبعة أيام من الحر لا تكفي لأن نقول إنّ الاحتباس الحراري هو السبب الجوهري لما شهدته فرنسا".
الجدير بالذكر أنّ فرنسا شهدت عام 1911 موجة حرّ امتدت سبعين يوماً، ما أدّى إلى وفاة ما يقارب الـ40 ألف فرنسي، أغلبهم من الأطفال، ولتفادي الحرّ، نام الكثير من الباريسيين في الشوارع في الظل، بسبب الحرارة العالية في المنازل – ما يقارب الـ 35 درجة مئوية- كما أنّ نهر السين حينها امتلأ بالمستحمين الذين أرادوا الهروب من موجة الحرّ.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية