بعد النفط.. المياه سلاح حرب جديد يرفع سخونة الصراع في ليبيا

بعد النفط.. المياه سلاح حرب جديد يرفع سخونة الصراع في ليبيا


06/01/2020

أولف ليسينج وأحمد العمامي

رغم أن النفط الليبي يكمن في صميم الاشتباكات الدائرة منذ ثلاثة أشهر حول العاصمة طرابلس وما سبقها من سنوات الصراع فقد بدأت المياه تتحول إلى مدعاة لقلق أكبر بكثير لدى سكان المدينة.

كثرت فترات انقطاع المياه بعد انتشار حالة أشبه بالفوضى منذ الإطاحة بالزعيم معمر القذافي قبل ثماني سنوات، غير أن مشكلة أكبر بدأت تلوح في الأفق في بلد تتكون أرضه في الأساس من صحراء قاحلة وينقسم بين إدارتين متنافستين.

وقال أسامة محمد الدوكالي، أمين الصندوق بأحد المقاهي في طرابلس، “المياه الصالحة للشرب هي إشكالية يومية لعائلتي”.

وتسبب النهب والإهمال في تدهور الوضع واستغلت الجماعات المسلحة الاضطرابات. وفي مايو أرغم مسلحون، يطالبون المسؤولين بالإفراج عن قريب لهم مقبوض عليه، العاملين بمرفق المياه بقطع الإمدادات عن طرابلس كلها لمدة يومين.

وتقول تقارير غير منشورة من الهيئة العامة للمياه ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة إن الأمم المتحدة حذرت جميع الأطراف من خطورة تحول المياه إلى سلاح في الحرب. وشبكة المياه أصيبت بأضرار جسيمة بالفعل في غرب ليبيا حيث تقع العاصمة.

بل إن المياه المعبأة محليا في بلد يملك أكبر احتياطيات مؤكدة من النفط في قارة أفريقيا أصبحت ملوثة. وقالت هيئة المياه في عرض توضيحي لمنظمات دولية في مارس الماضي إنه إذا لم يتم إصلاح الأضرار فمن الممكن أن يصل الأمر إلى إغلاق شبكة أنابيب المياه الرئيسية فجأة وعلى غير المتوقع وبشكل لا يمكن التحكّم فيه ودون الاستعداد له.

وجاء في العرض أن العواقب ستكون وخيمة لأنه لا يوجد شبكة بديلة صالحة للعمل لضخ إمدادات المياه. ويمثل هذا التحذير من تعطل الشبكة، والذي تردد صداه في تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة في الشهر نفسه، أخطر بادرة على انهيار خدمات الدولة في ليبيا التي كانت من أغنى دول شمال أفريقيا.

وسيكون لذلك تداعيات بعيدة الأثر في بلد يستغل فيه مسلحون إسلاميون وفصائل مسلحة ومهربون يعملون على تهريب المهاجرين واللاجئين الأفارقة إلى أوروبا حالة الفوضى. وقال مصطفى عمر، المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة، “سيحرم عدد يقدر بنحو أربعة ملايين شخص من الحصول على المياه النقية”، مضيفا أن النتيجة المحتملة لذلك هي الإصابة بالكوليرا والتهاب الكبد الوبائي (أ) والإسهال الذي يعد من الأسباب الرئيسية لوفاة الأطفال.

النهر الصناعي العظيم
كان سوء الخدمات العامة من الدوافع وراء الانتفاضة على حكم القذافي، غير أن شبكة أنابيب يبلغ طولها 4000 كيلومتر وتعرف باسم النهر الصناعي العظيم كانت مشروعا رائدا من مشروعات الهندسية المدنية على مستوى العالم عند بنائها في الثمانينات من القرن الماضي.

ويعيش حوالي 80 في المئة من السكان البالغ عددهم ستة ملايين نسمة على امتداد ساحل البلاد على البحر المتوسط أو بالقرب منه ويعتمدون على المياه العذبة التي تضخ عبر الأنابيب من خزانات جوفية في جنوب البلاد، حيث تقع أيضا الحقول الغنية بالنفط في ليبيا.

ويقول مسؤولون في هيئة المياه ودبلوماسيون إن المياه الجوفية في المناطق الساحلية مالحة وملوثة بمياه الصرف الصحي، وإن نحو 80 في المئة من محطات التحلية تعطلت عن العمل.

ويقول مسؤولون بمنظمة الأمم المتحدة للطفولة إن الأنابيب تزوّد ليبيا بأكثر من 70 في المئة من احتياجاتها من المياه العذبة، ولا تزال شديدة الأهمية لأن من الصعب إصلاح محطات التحلية كما أنها عرضة للهجوم عليها.

ويقوم البعض بفك رؤوس الآبار لبيع القطع النحاسية كما أن رجال قبائل يعيشون في الجنوب ويعانون من الإهمال، يغلقون الأنابيب دعما لمطالبهم من المسؤولين في العاصمة أو يدمرونها.

وقال عبدالله السني، رئيس الهيئة العامة للمياه، التي يوجد مقرها في طرابلس، إن 101 آبار من بين 479 بئرا في شبكة الأنابيب الغربية تعرضت للتفكيك، مشيرا إلى أن انقطاعات الكهرباء تهدد الإمدادات ما قد يصل بالأمر إلى أزمة مياه.

ومنذ إصابة غرفة المراقبة المركزية لشبكة الأنابيب في غرب ليبيا في قصف في أوائل مايو عجز المهندسون عن قياس ضغط المياه وتدفقها. ورحلت شركة صيانة تونسية بسبب القتال.

وقال السني “تدفق المياه لغرب ليبيا انخفض من الضخ الطبيعي بنسبة 1.2 مليون متر مكعب في اليوم إلى حوالي 800 ألف متر مكعب في اليوم الآن، وذلك بسبب الأعمال التخريبية وقلة التمويل والصيانة”.

وأضاف أن الطلب ارتفع في مختلف أنحاء ليبيا إلى سبعة مليارات متر مكعب سنويا من 5.5 مليار في 2011 مع قيام مزارعين وغيرهم بحفر آبار أو السحب من الخزانات. وبحلول العام 2025 ستحتاج ليبيا إلى ثمانية مليارات متر مكعب.

وذكرت مسودة تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة، الذي لم يستكمل بعد، أن من المشاكل العديدة خطف العاملين في قطاع المياه ونهب المعدات. وفي مايو أرغم مسلحون يطالبون بالإفراج عن قريب مقبوض عليه العاملين بقطاع المياه على قطع الإمدادات عن طرابلس كلها في خطوة لم تستمر طويلا، الأمر الذي دفع الأمم المتحدة إلى تحذير جميع الأطراف من استخدام المياه كسلاح حربي.

وقالت المسودة “إذا لم تعالج تلك التهديدات والأضرار على النحو السليم وعلى الفور فقد تؤدي إلى تعطل النهر الصناعي العظيم بالكامل”. وقال السني إن جودة المياه تأثّرت بقصور المعالجة بسبب نقص الأموال المتاحة لشراء المواد الكيمياوية والمعدات اللازمة ويتفق بعض المسؤولين في الرأي مع سكان يقولون إن مياه الصنابير غير صالحة للشرب.

وقال بدرالدين النجار، مدير المركز الوطني لمكافحة الأمراض “كل المياه ملوثة”، وسرد مشاكل مثل البكتيريا الضارة أو ارتفاع نسبة ملوحة المياه.

وتتصاعد المشكلة منذ الإطاحة بالقذافي عندما توقف المسؤولون عن الاستثمار في المنشآت التي تعرضت للنهب أو أصابتها أضرار أو تُركت لتتدهور حالتها وسط الفوضى.

تداعيات على الصحة
تملك ليبيا أكبر احتياطيات مؤكدة من النفط في أفريقيا وبلغ إنتاجها من النفط الخام أعلى مستوياته منذ 2013. غير أن دبلوماسيين وبعض المسؤولين الليبيين يقولون إن الميزانية التي يبلغ حجمها 34 مليار دولار تستخدم أساسا في دفع مرتبات الجماعات المسلحة والموظفين العموميين في الخدمة العامة المثقلة بأعداد كبيرة من العاملين ودعم الوقود أو أنها تتعرض ببساطة للسرقة.

وفي طرابلس، تجبر الجماعات المسلحة تجبر الدولة على منحها هي وشركاؤها عقودا أو وظائف.

وقال السني إن البنية التحتية للمياه تحتاج إلى استثمارات تبلغ ملياري دينار (1.4 مليار دولار) غير أن الهيئة العامة للمياه حصلت على 60 مليون دينار في العام الماضي ولم تحصل على أي مبالغ حتى الآن بسبب الحرب.

وقال السراج في مقابلة إن السلطات اضطرت لتحويل أموال التنمية والخدمات الأساسية لتجهيز القوات ومعالجة الجرحى.

ويقول البنك الدولي إن عدم الاستقرار منذ 2011 أدى إلى تراجع مستويات المعيشة، إذ بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 7235 دولارا.

غير أنها تعتمد الآن على الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية في الحصول على العديد من الخدمات بما في ذلك بناء خزانات المياه للمدارس التي لا تصل إليها أنابيب المياه وتمثل خمس عدد المدارس.

وقال عبدالرحمن غندور، ممثل ليبيا الخاص في منظمة الأمم المتحدة للطفولة، “ظلت ليبيا وطرابلس دون مياه ساعات كثيرة لمدة شهرين… فكيف يمكن للأطفال الاستحمام؟”.

وتتولى المنظمة عمليات تطعيم الأطفال الأساسية وتوفر الأمم المتحدة وهيئات دولية أخرى الغذاء للنازحين بل ومستلزمات طبية لمستشفيات الدولة لعلاج المدنيين والمقاتلين على جانبي خطوط القتال. وقال النجار “منظومة الصحة على وشك الانهيار”.

ومنعت السلطات السباحة في البحر المتوسط في طرابلس وحولها لأنه يتم ضخ مياه الصرف الصحي دون معالجتها في البحر.

رغم ذلك يقبل الناس على الشواطئ المزدحمة لأن البيوت محرومة من تشغيل أجهزة تكييف الهواء بسبب انقطاع الكهرباء.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية