دوافع التهديد الإيراني بالعودة إلى تخصيب اليورانيوم

إيران

دوافع التهديد الإيراني بالعودة إلى تخصيب اليورانيوم


06/07/2019

يتزايد الحديث في الأوساط الدبلوماسية الإيرانية عن احتمال لجوء إيران إلى التصعيد خلال الأيام المقبلة على صعيد عدم الالتزام بتفاصيل الاتفاق النووي. وهناك ما يمكن وصفه بمعالم توجّه سياسي إيراني جديد على صعيد هذا الملف. ورغم أنّ تجاوز الحد المسموح وفق الاتفاق النووي لليورانيوم المخصب يعد، في حد ذاته، تجاوزاً للاتفاق، إلا أنّ وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أكد خلال تصريحاته الأخيرة أنّ الخطوة الإيرانية التالية تتمثل في تجاوز مستوى التخصيب المسموح لها بموجب الاتفاق (3.67 في المائة)؛ ما يعني وقف الالتزام بإحدى النقاط الجوهرية للاتفاق النووي.

يهدف المسؤولون الإيرانيون من خلال التلويح بالعودة إلى التخصيب للضغط على الثلاثي الأوروبي للإسراع بتفعيل آلية الدفع النقدي

وصرّح المفوض الإيراني لدى الأمم المتحدة، مجيد تخت روانجي؛ أنّ الأيام المقبلة تحمل معها تطورات جديدة، مؤكداً أنّ الاتفاق النووي يحمل بين سطوره ثغرات تمنح إيران الحق في التخلّي عن بعض التزاماتها، وأنّ إيران ستلجأ إلى هذا الأمر، إن لم تجد تجاوباً أوروبياً معها.
وقال الرئيس السابق للجنة الأمن القومي في البرلمان علاء الدين بروجردي: إنّ على الأوروبيين ألا يكتفوا بالحديث، وأن يقدموا شيئاً على صعيد الفعل؛ فمن دون ذلك عليهم أن ينتظروا ردة فعل إيرانية، تتمثل في خفض إيران مستوى التزاماتها وفق الاتفاق النووي. أما المتحدث باسم الخارجية، فقال: إنّ إيران أبلغت شركاءها الأوروبيين في الاتفاق النووي، أنّها ستقوم بالتخلّي عن بعض التزاماتها، إن لم تقم الدول الأوروبية بخطوات عملية، ومتكاملة، مشدداً على أنّ الوقت بدأ ينفد أمامهم.

وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف

وتشير مجمل تصريحات الدبلوماسيين الإيرانيين التي خرجت في الآونة الأخيرة إلى معالم توجّه سياسي جديد لدى الأوساط الدبلوماسية الإيرانية؛ وهو توجّه سياسي لا يمثّل خضوع الحكومة للخطاب المتشدد الذي نادى منذ البداية بضرورة الانسحاب من الاتفاق النووي، بمقدار ما يمثل محاولة إيرانية رسمية، لتحريك المياه الراكدة على مستوى الاتفاق النووي الذي أصبح اتفاقاً لا فاعليّة فيه بعد انسحاب الإدارة الأمريكية. ويعني ذلك أنّ المعني الرئيس لهذا الخطاب الجديد في الدرجة الأولى، هو الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا (وهو ما أطلق عليه محمد جواد ظريف مجموعة 3+2). وليست الولايات المتحدة هي المعنيّة بهذا التوجّه، إلا بشكل غير مباشر.

تقرأ أيضاً: إيران تعدل ترسانة الحوثي وفق تطور صراعها في المنطقة

يهدف المسؤولون الإيرانيون، من خلال التصعيد في لهجتهم والتلويح بالعودة إلى التخصيب، إلى الضغط على الثلاثي الأوروبي، من أجل إسراع تفعيل آلية الدفع النقدي "إنستكس". فمنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في أيار (مايو) 2018، أكدت إيران أنّها ستبقى في الاتفاق النووي شريطة أن تلتزم الأطراف الأوروبية بتعهداتها (المالية غالباً) وفق الاتفاق. كما أعلن الاتحاد الأوروبي أنّه يدرس تطبيق عدة مُحفِّزات مالية لإيران؛ منها تفعيل قانون مقاومة العقوبات الأمريكية (الذي أثبت عدم فاعليته)، ثم تصميم آلية للتبادل النقدي. وبعد أكثر من عام، وفي ظل انخفاض كبير في إيرادات إيران، نتيجة انخفاض مبيعات النفط في ظل العقوبات الأمريكية، ترى إيران أنّ الاتحاد الأوروبي يتلكأ في تفعيل هذه الآلية التي يمكن أن تكون مجراها للتنفس؛ ومن هذا المنطلق، تحاول الضغط على الاتحاد الأوروبي من أجل الإسراع في تطبيق هذه الآلية.
وما يجعل ارتفاع حدة الضغط منطقية، هو قرب انتهاء فترة تحكم الفريق المقرب من إيران في جهاز السياسة الخارجية الأوروبية (مثل فيدريكا موغريني)، والذي كان لهم دور كبير في ابتكار آلية "إنستكس".

يمكن رؤية حذر إيراني شديد بالتعامل مع الملف والتلويح باستخدامه في ظل إنذارات المجتمع الدولي بشأن التمادي في التخصيب

وتبين متابعة المواقف الرسمية الإيرانية أنّ إيران، وبعض شركائها (روسيا، والصين بالتحديد) يحاولون الضغط على الثلاثي الأوروبي في سبيل توسيع نطاق آلية التبادل النقدي المزعومة، من منطلق أن "إنستكس" لا يتناسب مع التزامات إيران وفق الاتفاق النووي. وهذا ما أكده كل من محافظ البنك المركزي الإيراني الذي قال إنّ "إنستكس" يغطي جزءاً صغيراً جداً من سوق العملة في إيران. والمتحدث باسم الخارجية الإيرانية الذي صرح أنّ "إنستكس" لم يرتق إلى مستوى المطالبات الإيرانية. والمفوض الإيراني لدى الأمم المتحدة الذي قال: إنّ إيران ترى أنّ الآلية غير كافية.

اقرأ أيضاً: إيران.. ومقامرات الملالي

وتريد إيران توسيع نطاق "إنستكس" على صعيدين؛ إذ تؤكد طهران أنّ نظام "إنستكس"، الذي أنشأه الثلاثي الأوروبي، يجب ألا يبقى حكراً على هذا الثلاثي، وأن يتضمن دولاً أوروبية أخرى. كما تشير إيران إلى أنّ الآلية المالية "إنستكس" في نسختها الحالية ليست كافيةً؛ لأنها لا تغطي المبيعات النفطية، ولأنها تتيح للشركات الصغيرة فقط إمكانية التعاون التجاري، والتبادل النقدي مع إيران، بينما يؤكد وزير النفط الإيراني أنّ "إنستكس"، لن يكون ذا جدوى حقيقية، إذا انحسر على 3 أو 4 ملايين يورو، وإنه لكي يكون فاعلاً يجب أن يتضمن مبيعات النفط الإيرانية.

اقرأ أيضأً: الاحتجاجات الإيرانية تكسر حاجز الخوف وتنتقل من التعبئة إلى الثورة

وفيما يبدو أنّ إيران نجحت في تحقيق المطلب الأول؛ إذ أكدت فيديريكا موغريني أنّ سبع دول أخرى في الاتحاد الأوروبي، ستنضم إلى نظام "إنستكس"، بالإضافة إلى الثلاثي الأوروبي، فإنّ من الواضح أنّ مطلب إيران بتوسيع نطاق "إنستكس" ليتضمن مبيعات النفط الإيرانية، لم يتحقق بعد، حتى إذا كان ذلك بشكل جزئي.

اقرأ أيضاً: إيران: تجارة المخدرات المربحة التي يديرها "الحرس الثوري"

وثمة أسباب أخرى تدفع إيران باتجاه التلويح بوقف بعض التزاماتها بموجب الاتفاق، والعودة إلى تخصيب اليورانيوم؛ منها إقصاء فرضية الحل الشامل وتكريس الحل المرحلي؛ وتبين المعطيات أنّ مراكز صنع القرار الدبلوماسي الإيراني، تحاول استخدام التلويح بتخصيب اليورانيوم، للضغط على الثلاثي الأوروبي، كي تضغط بدورها على الولايات المتحدة، للتنازل من موقف الحل الشامل، والقبول بحل مرحلي. فالموقف الأمريكي الصارم المتمثل في المطالبة بحل شامل (متمثلاً في النقاط الاثنتي عشرة التي ذكرها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو) موقف ترفضه إيران، كما يبدو أنّ الاتحاد الأوروبي، يفضل عليه، موقفاً يدعو إلى حل مرحلي، متمثل في تنازلات من الجانبين على عدة مراحل.

اقرأ أيضاً: حزب الله ورقة إيرانية تفقد جدواها الإقليمية

يبدو من خلال دراسة مواقف كبار الدبلوماسيين، ودراسة الخطاب السياسي، أنّ الجانب الإيراني يفضل الحل الأوروبي المرحلي على الحل الأمريكي الشامل. ويأتي التصعيد الخطابي الإيراني، والتلويح بالعودة إلى التخصيب في هذا الاتجاه؛ خصوصاً بعد أن لاحظ الإيرانيون تماشياً أوروبياً رسمياً مع الضغوط، متمثلاً في موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون -على سبيل المثال- الذي أكد أنّه يحاول إقناع ترامب ببعض التنازلات من أجل إحداث انفراجه، وبدء المفاوضات.

ويأتي التلويح الإيراني بالعودة إلى تخصيب اليورانيوم في إطار نظرة طويلة الأمد؛ تقوم على أساس التأهّب لاحتمال دخول مفاوضات قد تكون شاملة، وقد تكون مرحلية مع المجتمع الدولي؛ إذ يرى الإيرانيون أنّ التطورات تذهب باتجاه قد تجعل من بدء المفاوضات مع المجتمع الدولي بشكل عام، ومع الولايات المتحدة على وجه الخصوص أمراً وارداً. وفي ظل ذلك فإنّ العودة إلى ما قبل الاتفاق النووي، والبدء بتخصيب اليورانيوم، وإن كان ذلك بشكل محدود، يمثل لإيران ورقة ضغط في أي مفاوضات محتملة. وبعبارة أخرى ففي حين أنّ البقاء في إطار الاتفاق، والبدء بالمفاوضات يجعل المفاوضات تدور حول ما بعد وقف تخصيب اليورانيوم؛ ما يعني خروج ورقة التخصيب من دائرة الأوراق التي تستطيع إيران استخدامها في المفاوضات، فإنّ العودة إلى التخصيب من شأنه أن يضيف إلى رصيد إيران عبر جعل "التنازل عن حق التخصيب" من أهم مطالب المجتمع الدولي؛ إن لم يكن المطلب الرئيس، ومعنى ذلك أنّ إيران تستطيع استخدام موضوع التخصيب كورقة تقدمها من جديد من أجل الحصول على امتيازات في عملية المفاوضات.

اقرأ أيضاً: بين مصدّق والخميني.. كيف خان الملالي ثورة الإيرانيين مرتين؟

وختاماً، ستكون ورقة التخصيب مهمة جداً إذا جاءت المفاوضات مرحليّة؛ إذ يعدُّ التخصيب الملف الأهم الذي يمكن أن تبدأ الحكومة أية مفاوضات منه، كونه الملف الذي يقع تحت تصرف الحكومة بشكل كامل، خلافاً لملفي؛ الأنشطة الصاروخية والتدخل الإقليمي. إلا أنّ السياسيين الإيرانيين يعرفون تماماً دقة هذا الملف الذي قد يتحول إلى النقطة التي يمكن أن تخلق إجماعاً دولياً ضد إيران في حال أية مبالغة، أو تطرف فيه. ومن أجل ذلك يمكن رؤية حذر إيراني شديد في التعامل مع الملف، والتلويح باستخدامه خصوصاً في ظل إنذارات المجتمع الدولي بشأن التمادي في التخصيب.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية