هل انتقلت روسيا وإيران من التعاون في سوريا إلى مرحلة الصراع؟

هل انتقلت روسيا وإيران من التعاون في سوريا إلى مرحلة الصراع؟


07/07/2019

ترجمة: علي نوار


تتميّز منطقة الشرق الأوسط بأنّها إقليم العلاقات بين الأطراف الفاعلة فيه أعقد بكثير مما تبدو عليه. ففي سوريا، على سبيل المثال، يتردّد على نحو متكرّر أنّ روسيا وإيران لديهما الكثير من المصالح المشتركة، وهو أمر صحيح، لكن هناك أيضاً نقاط خلاف عديدة بين الدولتين أخذت في التزايد بشكل بدأت معه أوجه التنافس بينهما تتجاوز نقاط التعاون الثنائي.

اقرأ أيضاً: النظام السوري يمنح روسيا إقامة مفتوحة على ساحل البحر المتوسط

كان هناك نوع من توزيع العمل أثناء الفترات الأكثر سخونة من النزاع العسكري على الأراضي السورية منذ تدخّل روسيا في البلد العربي: فقد كانت السيادة الجوية من صميم اختصاص موسكو بينما أوكلت إلى إيران مهمة الانتشار البري عن طريق مستشارين وعناصر من قواتها المسلحة والميليشيات. نشأ نوع من التعايش الضروري بين الطرفين.

تستغل الحكومة الروسية الوضع المتوتر بين إيران والمجتمع الدولي كي تحصل على امتيازات إضافية في سوريا

أسهم ذلك التنسيق في أنّ الميزان العسكري في النزاع بدأ يميل نحو حكومة دمشق التي سيطرت بشكل شبه كامل تقريباً على جميع الأراضي السورية، مع استثناءات بارزة مثل؛ المناطق الواقعة شرقي نهر الفرات التي تهيمن عليها القوات الكردية أو الأجزاء الشمالية الشرقية التي تحتلّها تركيا أو محافظة إدلب. وفي الأخيرة تحديداً، آخر معاقل المعارضة المسلحة، عادت العمليات العسكرية مرة أخرى؛ حيث تسود المخاوف من كارثة إنسانية نظراً لأنّ المدنيين عالقون حرفياً بين نيران الجانبين. لكن تجدر الإشارة هنا إلى أنّ الميليشيات الموالية لإيران لا تشكّل جزءاً من الجهود العسكرية في إدلب.

ورغم استمرار الزعماء في الحديث عن مستويات عالية من التفاهم، إلّا أنّ نقطتين مثيرتين للاهتمام تظهران ها هنا في معرض النقاش: الأولى تتعلّق بمستقبل العمل السياسي في سوريا، والثانية إعادة إعمار البنية التحتية للبلد العربي. وسواء هذه النقطة أو تلك، فإنّ النتيجة التي يجري التوصّل إليها ستحدّدها بالأساس مدى التأثير في سوريا، والنفوذ الروسي والإيراني الناتج عن هذا التأثير على المستوى الإقليمي.

ميناء مدينة اللاذقية في سوريا

فرص اقتصادية

بعيداً عن الخسائر في صفوف القوات المسلحة من القتلى والجرحى، تكشف تقارير عن إنفاق إيران لما يقرب من 100 مليار دولار في سوريا منذ بداية النزاع. ومن هنا يمكن استيعاب إلى أي درجة تهتم إيران بالحصول على نوع من الأرباح خاصة بالتزامن مع فترة ترتفع فيها الأصوات الناقدة في الداخل الإيراني بسبب العقوبات الاقتصادية الدولية ولسياسة حكومة طهران تجاه الملف السوري. روسيا أيضاً من جانبها تخضع لعقوبات على خلفية دورها في الأزمة الأوكرانية، وتجد نفسها في موقف مشابه، ما يدفعها لمحاولة انتزاع أي مكاسب اقتصادية لصالح شركاتها العاملة على الأراضي السورية.

اقرأ أيضاً: لماذا نفى نصر الله التنافس والاشتباكات بين روسيا وإيران في سوريا؟

أما الرئيس السوري بشار الأسد فهو في موقف معقّد للغاية بين حليفيه العسكريين. فمنذ عام 2011 أجرى رئيس سوريا زيارات خارجية إلى وجهتين فحسب: روسيا (تشرين الأول/أكتوبر 2015 ثم أيار/مايو 2018 وتشرين الثاني/نوفمبر 2018) وإيران (شباط/فبراير 2019). لطالما ظلّ الدعم العسكري والسياسي الذي توفّره كل من موسكو وطهران أساسياً بالنسبة لنظام الأسد في الحرب التي مالت موازينها لصالحه في النهاية. لكن التحدّي الأكبر في الوقت الحالي هو كيفية إيجاد صيغة من التوازن بين متطلّبات حلفائه، مع إدراكه جيداً أنّ الجميع لن يحصل على القدر ذاته من المكاسب.

ترى طهران أنّ السبيل الوحيد كي يكون لها نفوذ في سوريا يمرّ عبر دعم التفاهم بين الأكراد والحكومة المركزية

تُعد فكرة السيادة على الموانئ السورية الواقعة على البحر المتوسط، في مقدّمة النقاط التي تصادم فيها الروس والإيرانيون على الملأ ودون مواربة، نتيجة معرفتهما بالأهمية الاستراتيجية الهائلة لهذه الموانئ.

زار بشار الأسد في شباط (فبراير) الماضي إيران؛ حيث التقى بأرفع مسؤولي النظام الحاكم في الجمهورية الإسلامية، في نفس اليوم استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالعاصمة موسكو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ومن إيران أُعلن عن اتفاق يمكن بموجبه للشركات الإيرانية استخدام مرافق ميناء اللاذقية، وهو الشيء الذي سيدخل حيز النفاذ في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل حين تنتهي فترة عقد الانتفاع السارية منذ 10 أعوام.

لم يتأخر رد الفعل الروسي طويلاً. ففي نهاية نيسان (أبريل) الماضي، زار رئيس الوزراء الروسي، ديميتري ميدفيديف، العاصمة السورية دمشق؛ حيث اجتمع بالأسد وكشف أنّ شركة (إس تي جي إنجينيرينج إل إل سي) تضع الرتوش الأخيرة على اتفاق مع وزارة النقل السورية يهدف لتحديث وإدارة ميناء طرطوس لمدة 29 عاماً. صدّق البرلمان السوري على الاتفاق المذكور مع الشركة الروسية في 13 حزيران (يونيو) الماضي، مما يشي بزيادة التأثير الروسي على حساب إيران التي تبدو منشغلة في أزمة جديدة مع الولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً: هل تضغط تركيا على روسيا عبر استثمار ورقة "جبهة النصرة" في إدلب؟

تجدر الإشارة هنا، كي نضع الموقف في إطاره الكامل، أنّ إيران كانت قد حاولت وضع موطئ قدم لها في طرطوس لكنها اصطدمت برفض روسي. فبالنسبة لموسكو، يُعتبر هذا الميناء- الواقع على مسافة 30 كلم فحسب من الحدود مع لبنان و60 كلم من ميناء طرابلس اللبناني- أولوية قصوى. وكما تكتسب حقول الغاز الطبيعي في الجزء الشرقي من البحر المتوسط أهمية كُبرى، ينطبق نفس الأمر على موانئ المنطقة.

من هذا المنظور سيكون من المثير متابعة ما يحدث في ميناء بانياس؛ حيث أظهر الإيرانيون اهتماماً بينما شعر الروس بالقلق. سيكون هذا الميناء السوري موضع تنازع بين طهران وموسكو، لا سيما وأنّه يكتسب أهمية فائقة بسبب معمل التكرير الموجود بداخله.

اقرأ أيضاً: أمريكا وروسيا.. دعوة لمفاوضات نووية

تعاني سوريا عجزاً مزمناً في المحروقات نتيجة للحرب. ويُقدر أنّ الاقتصاد السوري بحاجة لـ136 ألف برميل يومياً، لكن الإنتاج لا يتجاوز حد الـ24 ألف برميل، ما يعني ضرورة استيراد الكمية المتبقية؛ أي ما تُقدر تكلفته بـ200 مليون دولار شهرياً. قبل عام 2011 كان البلد العربي ينتج 385 ألف برميل يومياً. وحتى تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، تسهيلات ائتمانية سمحت لسوريا بشراء النفط الإيراني، إلّا أنّه ومع ازدياد وطأة العقوبات الدولية على كاهل طهران بات من الصعب للغاية الإبقاء على هذا البرنامج الذي كان يمدّ سوريا بـ80% من احتياجاتها من الطاقة.

فرضت وزارة الخزانة الأمريكية في آذار (مارس) الماضي حزمة من العقوبات على قطاعي الغاز الطبيعي والبترول السوريين، لتتعقّد قدرة الإيرانيين على الاستمرار في تصدير هذه المنتجات نتيجة لسقوط طهران فريسة لعقوبات مماثلة من طرف الولايات المتحدة. لذا نشأت أزمة طاقة في سوريا أدّت لوضع حكومة دمشق أمام نفس الخيارين؛ روسيا وإيران، وبالتأكيد سيكون هناك ثمن لهذه المساعدات الإيرانية.

اقرأ أيضاً: روسيا ما بين تسليم "إس 300" لسوريا والإعلان عن فتح معبر القنيطرة

وفي هذا المجال، ومثلما حدث في ملف الموانئ، استغلت روسيا تدهور وضع إيران وتعرّضها للإضعاف، كي تحصد امتيازات لصالح شركاتها على هيئة عقود ومنح وإعفاءات جمركية.

لقد باتت سوريا ساحة للتنافس بين موسكو وطهران على الامتيازات الاقتصادية.

صورة حسن نصرالله إلى جانب بعض جنود حزب الله

إصلاح منظومتي الدفاع والأمن

لا يرتبط مستقبل سوريا السياسي بالهيكل الدستوري في البلاد فقط بل أنّه يتّصل بإعادة تنظيم المنظومتين الأمنية والدفاعية.

ليس سراً أنّ الوجود العسكري الإيراني (سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة) هو شيء يُنظر له بقدر كبير من القلق من جانب إسرائيل. ولعلّ الغارات الجوية التي شُنّت على مدار الأعوام المنصرمة واستهدفت هذه القوات تعبّر عن الأهمية التي يكتسبها هذا الملف في الأجندة الأمنية الخاصة بتل أبيب، وفي الوقت ذاته تُعد نقطة التقاء بين إسرائيل وروسيا. فلكل من الدولتين أسبابها الخاصة، تنشدان قدراً أقل من الحضور العسكري الإيراني على الأراضي السورية.

اقرأ أيضاً: روسيا وإسرائيل.. واستعجال الفرحة

كما أنّ النقاش يتركّز على أي الفصائل سيتقرّر نزع سلاحها وأيها سيتم إدماجها في الجهازين؛ الأمني والدفاعي السوري. ويعتمد الدمج بالقطع على موارد الدولة المركزية التي تسمح لها بتحويل عناصر هذه الميليشيات إلى موظّفين حكوميين.

فكرة السيادة على الموانئ السورية الواقعة على البحر المتوسط في مقدّمة النقاط التي تصادم فيها الروس والإيرانيون على الملأ

وتدفع الحكومة الروسية في اتجاه سيناريو ما بعد النزاع حيث تمارس الحكومة المركزية السورية الهيمنة على القوة، بما يتضمّن نزع سلاح أو إدماج الميليشيات التي انخرطت في النزاع، مع العمل على سحب القوات الأجنبية، كأولوية. لن يكون هناك مجال للسماح بوضع يشبه حزب الله في لبنان المجاور.

وعلى الأرجح، فإنّ هذا هو بالضبط السبب الذي جعل الرئيس الروسي لا يعرقل عن طريق قواته العسكرية العاملة في سوريا، الغارات الجوية الإسرائيلية ضد مواقع إيرانية أو ميليشيات على صلة بطهران.

كذلك، نجحت موسكو إلى حد بعيد في إبعاد المناطق المحيطة بالعاصمة السورية عن دائرة الاشتباكات، وانسحاب القوات الإيرانية من دمشق. وقد قيل في هذا الصدد إنّ تعيين سليم حربا رئيساً جديداً لهيئة أركان القوات المسلحة السورية مطلع نيسان (أبريل) الماضي يعكس بكل وضوح مدى التأثير الروسي لا سيما مع المواقف القريبة من موسكو التي لطالما أظهرها هذا العسكري رفيع المستوى صاحب النفوذ الكبير.

اقرأ أيضاً: كيف تدير روسيا وتركيا معركة إدلب بمعزل عن "الأسد"؟

إذاً وفي هذه الحالة، يتفرّع التنافس الإيراني-الروسي إلى ثلاثة محاور رئيسة: تعيين مسؤولين مؤيدين لمواقفهما في مناصب عليا من الدولة، دمج الميليشيات المسلحة من أجل ضمان انفراد الدولة السورية بقوة السلاح، تأمين وجود بعيد المدى لقواتهما المسلحة. ويبدو أنّ روسيا نجحت في إنهاء المهمة المتعلقة بالمحور الأخير بالفعل إذ تمكّنت من الحصول على قاعدة جوية وأخرى بحرية في سوريا. إنّ التفوّق الروسي جليّ للعيان هنا في هذه النقطة على وجه الخصوص.

روسيا تتحاور مع الولايات المتحدة وإيران بشأن سوريا

هناك مقولة تُنسب إلى مُفكّر استراتيجي أمريكي بولندي الأصل هي "إن لم تكن تجلس إلى الطاولة، فإنّك بالتأكيد ضمن قائمة الطعام"، وهي تعطي فكرة مثالية للوضع الذي توجد فيه إيران حالياً. فقد التقى مؤخراً في القدس مستشارو الأمن القومي الإسرائيلي، مئير بن شبات، والروسي، نيكولاي باتروشيف، والأمريكي، جون بولتون. كان الملف الأساسي لهذا الاجتماع هو سوريا، رغم أنّ إيران لم تستبعد خارج أجندته كذلك. إضافة إلى أنّه بوسعنا التأكّد وبشكل لا يقبل اللبس من أنّ الشأن السوري يرتبط في الحقيقة وبصورة وثيقة بوضع القوات الإيرانية المنتشرة على أراضي الدولة العربية.

لطالما ظلّ الدعم العسكري والسياسي الذي توفّره كل من موسكو وطهران أساسياً بالنسبة لنظام الأسد

ولاعتبارات عديدة تتّفق الدول الثلاث على هدف الحدّ من الحضور العسكري الإيراني في سوريا. لا يتبقّى سوى معرفة ما إذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل ستعرضان على روسيا نوعاً من الحوافز كي تضمنا بقاءها معهما مثل تخفيف العقوبات المفروضة عليها وعلى اقتصادها، والاعتراف بشبه جزيرة القرم كجزء من روسيا أو قبول والاعتراف باستمرار بشار الأسد رئيساً لسوريا.

لكن ورغم التوصّل لاتفاق، ما هي كيفية تنفيذه؟ هل ستنسحب القوات الإيرانية دون أن تنبس ببنت شفة؟ الأمر لا يتعلّق بالقوات الإيرانية أو الميليشيات الأجنبية بل بشبكة من النفوذ بُنيت داخل القوات المسلحة وأجهزة الأمن السورية طوال أعوام الحرب الثمانية.

يدفعنا كل ذلك في طريق التفكير بأنّ روسيا لن تتحرّك بشكل عدائي تجاه إيران، فمن شأن ذلك أن يسفر عن فوضى، لا يسعى لها أي من الأطراف الداخلة في النزاع. وفي الأغلب ستكون عملية إحلال وتبديل بطيئة الوتيرة.

تدرك إيران أنّ خلافاتها مع الولايات المتحدة تضعف أي محاولات من جانبها لممارسة أي نوع من التأثير في سوريا. فقدراتها السياسية محدودة ويتعيّن عليها استخدامها بحكمة. لذا تراهن طهران على دعم (عملية أستانا) والدفع في طريق تشكيل لجنة تأسيسية تضمن بين عدة أمور التفاهم بين الأكراد السوريين وحكومة دمشق. ترى طهران أنّ السبيل الوحيد كي يكون لها نفوذ في سوريا يمرّ عبر دعم التفاهم بين الأكراد والحكومة المركزية، وبالتالي ربط المناطق الكردية من سوريا بالعراق، الدولة الأخرى التي تمتلك إيران مصالح ووجوداً قوياً فيها.

موازين وامتيازات

تتمتّع روسيا بامتيازات واضحة على حساب إيران، هذه الامتيازات تثقل كاهل دوائر صنع القرار السورية بكل تأكيد. فمن جانب، ونظراً لمشكلاتها الخاصة، لا يمكن لطهران أن تقدم دعماً دبلوماسياً مماثلاً لذلك الذي توفّره موسكو. رغم أنّ دمشق، ومن جانب آخر، ترى أنّ وجود ثقل معادل لوضعية التأثير الروسي القوي، أمر لا يجب إخراجه من حساباتها بهدف الحصول على قدر أكبر من الاستقلالية. ستكون هذه بالتأكيد إحدى أهم النقاط المحورية بالنسبة للحكومة السورية مستقبلاً، ويعي السوريون ذلك جيداً.

أما روسيا، فلم تعد المسألة بالنسبة لها تتعلّق بتعاون عسكري مع إيران بل بمنافسة اقتصادية وسياسية، رغم أنّه ليس بوسعنا بعد الحديث عن صراع.

ربما تستغل الحكومة الروسية الوضع المتوتر بين إيران والمجتمع الدولي كي تحصل على امتيازات إضافية في سوريا وكذلك محاولة حصد مزيد من المكاسب على حساب إسرائيل والولايات المتحدة. ففي النهاية تتحاور روسيا مع الجميع والجميع يحصل على امتيازات.


المصدر: مقال للصحفي باولو بوتا نشر بالنسخة الإسبانية من مجلة (فورين بوليسي)



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية