تجدد الجدل حول إمامة المرأة في فرنسا.. ماذا عن الدول العربية؟

تجدد الجدل حول إمامة المرأة في فرنسا.. ماذا عن الدول العربية؟


كاتب ومترجم جزائري
11/07/2019

ترجمة: مدني قصري


هل يمكن للمرأة أن تؤمّ المصلين؟ رغم أنّ غالبية فقهاء الدين في الإسلام يجيبون بشكل إيجابي عن هذا السؤال، فإنّ المشهد الفرنسي المسلم ما يزال من اختصاص الرجال.
ولد في باريس بالفعل مشروعان لمسجدين "ليبراليين" مفتوحين لكلّ من النساء والرجال، وتشرف عليهما نساء أبدين استعدادهن للقيام بوظيفة الإمامة فيهما.

اقرأ أيضاً: لماذا تثير إمامة المرأة في الصلاة الجدل؟
كاهنة بهلول، باحثة في الدراسات الإسلامية الفرنسية، ومؤسّسة مجموعة "أخبرني عن الإسلام"، ستؤمّ كاهنة بهلول الصلاة في أوّل مسجد باريسي مختلط، وقد صرحت بأنّ المسجد سوف يسمح للنساء دون الحجاب بالدخول إليه، ليقينها أنّه "لا إكراه في الإسلام"، وقد دعت إلى "إعادة تقييم التاريخ"، قائلة: إنّ "الوقت قد حان للمرأة المسلمة أن يكون لها رأي في التفسيرات الدينية".
تُعِد إمامُ مسجد فاطمة في باريس، المتوقع افتتاحه خلال عام 2019، والباحثة كاهنة بهلول، أطروحة عن المفكر المسلم ابن عربي الذي، لم ير منذ القرن الثاني عشر، أي عقبة تمتع النساء من أن يؤمن الصلاة.

ولد في باريس مشروعان لمسجدين مفتوحين لكل من النساء والرجال

مبادرة نسوية 

منذ بداية عام 2019، ما فتئت ريح من القلق والاضطراب تعصف عبر الشبكات الاجتماعية وأماكن النقاش التي يتردد عليها المسلمون الفرنسيون، لقد شهد بالفعل مشروعا مسجدين "ليبراليين"، (مسجدان تقدّميّان وشاملان)، مفتوحان للنساء وكذلك الرجال، ولغير المسلمين والمسلمين، في باريس، فإذا كان المشروعان يختلفان بعض الشيء من حيث تصميمهما، إلا أنّهما يشتركان في كونهما مبادرة من نساء يُظهرن أيضاً استعدادهنّ لأداء مهمّة الإمامة فيهما.

 الأيديولوجيا السلفية ترى في الجنس الأنثوي خطراً حقيقياً لذا تمنعها من الإمامة

الرجال على اليسار والنساء على اليمين
مسجد فاطمة، الذي تدافع عنه عالمة الإسلام، كاهنة بهلول، وأستاذ الفلسفة فاكر كورشان، سيقترح عندما يرى النور، على المؤمنين من الرجال والنساء، الصلاة في قاعة مشتركة؛ الرجال على اليسار، النساء على اليمين، هذا حتى لا يشعر أي شخص بعدم الارتياح أثناء السجود الذي تتطلبه الصلاة. وهو اختلاط أساسي في رأي كاهنة بهلول؛ لأنه لم يعد بالإمكان "ترحيله بانتظام إلى أماكن ثانوية".

ردود فعل البعض التي تسخر من مشروع مسجد فاطمة والهجمات والتهديدات التي تتلقاها لا تخيف كاهنة بهلول

"يجب أن نعلم أنّه في معظم أماكن العبادة المسلمة، لا يُسمح للنساء بالوصول إلى قاعة الصلاة الرئيسة، فإذا أردتُ التفرّج على الهندسة المعمارية لقاعة صلاة المسجد الكبير في باريس، مثلاً، فبإمكاني المرور بالمكان فقط، وليس الدخول إليه تحت طائلة ردود فعل عنيفة من قبل الرجال؛ لذلك يتم "ترحيل" النساء إلى الطابق السفلي".
هذه المعاينة تشاطرها صوفي مونسيناي وإيفا جنادين، اللتان أطلقتا من جانبهما مشروع مسجد سيمورج؛ "..النساء مضطرات باستمرار لممارسة صِلتهنّ مع الله، في عزلة، أو فقط مع نساء أخريات"، في مكان عبادتهنّ القادم لن يصلي الرجال والنساء في نفس القاعة فحسب، بل أيضاً جنباً إلى جنب، وهنا الاختلاف الملحوظ بين هذا المسجد ومسجد فاطمة.

 نساء يُظهرن استعدادهنّ لأداء مهمّة الإمامة

إبعاد النساء أيديولوجيا سلفية

إذا كان الفصل بين مساحة الذكور والإناث أمراً شائعاً في المساجد "الكلاسيكية"، فإنّه مع ذلك ليس فصلاً تقليدياً، "في مسجد النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، تقول كاهنة بهلول: "صلى الرجال والنساء في القاعة نفسها، رغم أنّ النساء كنّ وراء الرجال، كان يمكنهنّ التحدّث والمشاركة خلال المناقشات. إبعاد النساء وفصلهنّ عن النساء في المساجد جاءا مع ظهور الأيديولوجيا السلفية، التي ترى في الجنس الأنثوي خطراً حقيقياً، وكأنّ الرجال غير قادرين على التحكم في دوافعهم! أجد أنّ هذه الرؤية مهينة للمرأة، كما هي مهينة بالنسبة إلى الرجال".

طارق أوبرو: يمكن للمرأة أن تؤمّ الصلاة تماماً إذا كانت لديها المهارات المطلوبة

يقدّر إمام وعميد مسجد بوردو، طارق أوبرو، هذا الغضب، حتى وإن كان يرى أنّ أسباب عدم الاختلاط في بعض أماكن العبادة أمرٌ نسبي؛ فهو يرى أنّه بسبب "اعتبارات تقنية"، تم ترحيل النساء تدريجياً إلى مساحات ملحقَة إضافية، حيث كان من الضروري التعامل مع الزيادة في التركيبة السكانية ونقص المساحة، ومع ذلك، تقليدياً، صلاة الجماعة إلزامية للرجال فقط، وهي اختيارية للنساء.
وقال أوبرو ملطِّفاً: "الأمر ليس استبعاداً طوعياً للنساء"، ولهذا السبب فإنّ مصطلح العبادة "الشاملة"، والذي يُستخدم أحياناً لتقديم مسجدَيْ فاطمة وسيمورج، مُحرج قليلاً لإمام بوردو: "مسجدي لا يستثني أحداً؛ فهو يرحب بالمسلمين الملتزمين أو قليلي الالتزام، النساء، أو الرجال، ...إلخ".

هجمات شديدة على الشبكات الاجتماعية

لكن، إذا كان هذا الاختلاط موجوداً بالفعل، في الواقع، في بعض المساجد الفرنسية، فلا يوجد في الوقت الحالي أي مسجد إمامُه امرأة، وحول هذه النقطة بالتحديد، أصبحت الهجمات شديدة اللهجة على الشبكات الاجتماعية، أو أثناء المناقشات العامة؛ فهي تنبع بشكل خاص من المسلمين العاديين، الذين يتحدّثون باسمهم الخاص، "منذ متى أصبح بإمكان النساء أن يؤمن الصلاة في المساجد؟"، هكذا أطلق شخص مجهول الهوية، سخطه، أثناء مائدة نقاش مستديرة في معهد العالم العربي (باريس)، في أوائل نيسان (أبريل)؛ "هل ستخترعون نصوصاً جديدة؟" تجدر الإشارة إلى أنّ بعض النساء يتّسمن بنفس القدر (إن لم يكن أكثر) من الهجاء والعنف من نظرائهنّ من الرجال حول هذه النقطة، ولا مجال للمساومة مع التقاليد، ولا للمجازفة بالابتكار (البدعة)، التي غالباً ما يُنظر إليها على أنّها تضليل.

 أسباب عدم الاختلاط في بعض أماكن العبادة أمرٌ نسبي

أمّ ورقة تؤمّ الصلاة

لا حاجة، مع ذلك، إلى كتابة نصوص جديدة للإذن بإمامة المرأة، التي يبدو أنّها قديمة، وتجدر الإشارة إلى أنّه في الإسلام السنّي؛ فإنّ الإمام هو الذي يوجه الصلاة، ومع ذلك، يجب أن يحظى بموافقة من عدد كبير بما فيه الكفاية من أفراد مجتمعه، حتى يكون قادراً على ممارسة الإمامة، على وجه التحديد، فعلاً لم يقل القرآن الكريم شيئاً بشأن مسألة الإمامة، وما من آية واحدة على وجه الخصوص، تمنع المرأة من أن تؤمّ الصلاة. وبصرف النظر عن نصّ القرآن الكريم، هناك حديث للنبي، صلى الله عليه وسلم، يدلّ على أنّ النبي أذِن في الواقع لإحدى النساء بأن تؤمّ الصلاة، ألا وهي أمّ ورقة (التي أذن لها بأن تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا)؛ فهي امرأة من المدينة المنوّرة، تقيّة، كانت تحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، وكانت من "صحابة رسول الله"؛ أي أقرب أتباعه، ومع ذلك، فهذا الحديث لا يقول ما إذا كانت أم ورقة تؤم الصلاة للنساء فقط، كما كانت تفعل السيدة عائشة وأم سلمة،رضي الله عنهما، زوجتا النبي، عليه السلام،  أم جماعة مختلطة من الرجال والنساء؟

 المرأة يمكن أن تكون خبرتها في العلوم الدينية بقدر خبرة الرجل فيها

المرأة لا تقل خبرة دينية عن الرجال

ومع ذلك، فإنّ حالة أمّ ورقة سمحت لثلاث من مدارس الشريعة الإسلامية الأربع بتفويض الإمامة للتجمعات النسائية. بعض المفسرين، أمثال ابن رشد في القرن الثاني عشر، أو ابن العربي في القرن الثالث عشر، ذهبوا إلى أبعد من ذلك؛ حيث سمحوا بالإمامة الكاملة للنساء في مجموعات مختلطة، ووفقاً لهم، لا يوجد أي دليل على أنّ أم ورقة كانت تؤمّ أفراداً من جنسها فقط، ولنتذكر أنّ هناك حديثاً آخر عن النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، يقول: "لِيَؤُمّكُمْ أَكْثَركُمْ قُرْآنًا، فَكُنْت أَكْثَرهمْ قُرْآنًا"، والحال أنّ المرأة يمكن أن تكون خبرتها في العلوم الدينية بقدر خبرة الرجل فيها.

انتشار ظاهرة إمامة النساء في العالم

رغم عدم وجود إجماع بين فقهاء الدين الإسلامي حول السماح أو عدم السماح للنساء بقيادة الصلاة، فإنّ المصادر التاريخية توثق بعض الحالات على مر القرون، على وجه الخصوص؛ هناك حالة فاطمة بنت عباس (الملقبة بأمّ زينب) في القرن الرابع عشر.

اقرأ أيضاً: الصلاة والأدعية في الإسلام وكيفية إدراج الإنسان في سياق قدسي
ابتداء من القرن التاسع عشر، نمت ظاهرة الأئمة النساء؛ إذ إنّ هناك أئمة نساء الآن من الصين إلى الولايات المتحدة (خاصة الشهيرة أمينة ودود، الشخصية الرائدة للمرأة المسلمة)، مروراً بألمانيا أو الدول الإسكندنافية (مع الدنماركية شيرين خانكان).

فرنسا تضم أكبر مجتمع إسلامي في أوروبا

التحذير من عدم نضج المجتمع

كون فرنسا، التي تضم أكبر مجتمع إسلامي في أوروبا، تبدو حذرة للغاية بشأن هذه النقطة، حتى لو كانت السلطات الدينية تدافع عن نفسها، ردّاً على سؤال، أشار ممثلو الإسلام الفرنسي إلى أنّه "لا توجد أي مشكلة لاهوتية" في الترويج للإمامة الأنثوية، لكنّ "الإسلام الفرنسي يعاني من مشاكل أكثر خطورة وإلحاحاً"، من الواضح؛ أنّ المسألة، ليست أولوية، ومع ذلك، إذا كان البعض يتهربون من هذا الموضوع، فإنّ بعض الأئمة يتخذون مواقف أوضح، وهذا مرة أخرى حال إمام بوردو، طارق أوبرو، فوفقاً له: "يمكن للمرأة أن تؤمّ الصلاة تماماً إذا كانت لديها المهارات المطلوبة"، المسألة في رأيه ليست مسألة جنس، على أي حال، إنه الخيار القانوني الذي اختاره، يعتقد لاهوتيون آخرون أنّ الإمامة لا يمكن أن تكون أنثوية"، لكن لا بد من التحذير من "عدم نضج" المجتمع المسلم في هذا المجال، و"يجب أن ندرك أن هناك من ناحية قانون الشريعة، ومن ناحية أخرى، علم اجتماع المساجد. فالأمر مختلف، لا ينبغي إهمال وزن الثقافات والتقاليد، أعتقد أنّ المجتمع الآن غير جاهز".

سمح بعض المفسرين أمثال ابن رشد وابن العربي بالإمامة الكاملة للنساء في مجموعات مختلطة

التحفظات نفسها على جانب إمام إيفري كوركورون، لدى طارق أبو نور، لأسباب مختلفة تماماً، يشعر رجل الدين هذا بالقلق من مخاطر "احتواء الإسلاموفوبيا" للموضوع؛ "ففي الإسلام، السنّي أو الشيعيّ، إمامة المرأة مسموح بها منذ 1400 عام، بينما عند الكاثوليك، لا يحق لهنّ أن يكنّ كاهنات، لكنّ البعض يستخدمون الضجيج الإعلاميّ الذي يتم في الوقت الحالي حول مشروع المسجدَيْن هذا، من أجل وصم الإسلام".

ومع ذلك، يأمل الرجلان في أن تتمكن أماكن العبادة الجديدة هذه في فرنسا، من أن تحقق إنجازها قريباً؛ "إنها مسألة حرية، يقول، مدافعاً، طارق أبو نور؛ يجب أن يتمتع كل فرد بحرية إنشاء مسجد إذا كان يتوافق مع القوانين"، وفي هذا الشأن يقول إمام بوردو طارق أوبرو: "رغم العقبات التي تواجهها الشابات، وسيظللن يواجهنها، يجب أن نحاول القيام بالتجربة"، في الوقت الحالي؛ تنتظر رائدات الإسلام الفرنسي الحصول على التمويل، وخاصة على أماكن للعبادة، تتلاءم مع مشاريعهنّ، وهنّ يأملن في تحقيق ذلك في خلال عام 2019.

كاهنة بهلول

كاهنة بهلول الإمام

هذا لا يمنع كاهنة بهلول، في الوقت نفسه، من أن تبدأ بالفعل في العمل كإمام، في نهاية شهر آذار (مارس) المقبل، وقد طُلب من الإمام الشابة قراءة صلاة الجنازة، وفقاً للتقاليد الإسلامية، في مقبرة في منطقة باريس، طقوس مؤثرة بشكل خاص لكل من الإمام الجديدة وعائلة الميت، وتقول بهلول: "لقد كان رائعاً أن تعيش هذه اللحظة من الشراكة الروحية، بعيداً عن الجدل وأحكتم النوايا في قلب التأمل والصفاء".

إبعاد النساء وفصلهنّ عن النساء في المساجد جاءا مع ظهور الأيديولوجيا السلفية التي ترى في الجنس الأنثوي خطراً حقيقياً

ردود فعل البعض المفرطة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والتي تسخر من مشروع مسجد فاطمة كنوع من "مركز اليوغا الروحية"، أو الهجمات والتهديدات التي تتلقاها لا تخيف كاهنة بهلول، تعتقد كاهنة أنّ رفضها ارتداء الحجاب خارج المسجد، ربما يكون سبب هذا "العداء"، الذي يأتي من هامش المجتمع المسلم الأكثر محافظة، تقول الشابة كاهنة: "إذا اعتقدوا أنّهم سيغيّرون رأيي، فإنهم مخطئون، قد يكون ذلك متعلقاً باسمي، الذي يشير إلى ملكة بربرية صلبة وعنيدة وغير مرنة، لكنني لا أستسلم للضغط".


المصدر: lemondedesreligions



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية