هل يغيّر الناخبون الجدد خريطة تونس السياسية؟

تونس

هل يغيّر الناخبون الجدد خريطة تونس السياسية؟


14/07/2019

حسم الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي الجدل، حينما دعا إلى إجراء الانتخابات البرلمانية في 6 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، على أن تجرى الانتخابات الرئاسية في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، كما أعلن السبسي، في أول أيام عمله بعد تعرضه لوعكة صحية قبل نحو أسبوع، مد حالة الطوارئ في البلاد لمدة شهر اعتباراً من الجمعة 5 الشهر الحالي، حسبما نشرت الصفحة الرسمية للرئاسة التونسية.

القيادي في نداء تونس منجي الحرباوي: التلاعب بنتائج الانتخابات وتزويرها وارد ما لم تتحرّ الهيئة الانتخابية في عمليات التسجيل

وكان أكثر من مليون ناخب تونسي جديد سجّلوا أنفسهم في قوائم الناخبين، أغلبهم من الشريحة العمرية بين 18 و20 عاماً، استعداداً لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، وهو ما خالف توقّعات العزوف التي أرعبت الهيئة الانتخابية طيلة الخماسية الماضية، وأسقط الحسابات الحزبيّة التي عوّلت على مقاطعة التونسيين للانتخابات، من أجل مواصلة التغلغل في مفاصل الحكم.
هذا الإقبال من طرف التونسيين، خاصةً الشباب، على التسجيل، وتوسع القاعدة الانتخابية لم يعجب أطرافاً سياسية، حتّى إنّ بعض الأحزاب التي لم تستوعب هذا المتغير الجديد، بدأت تبدي خوفاً من أن يخلق فارقاً غير منتظر، في ظلّ ارتفاع عدد الشخصيات التي عبّرت عن نيّتها الترشح للانتخابات الرئاسية، فضلاً عن بلوغ عدد الأحزاب المكونة للمشهد 218 حزباً.
 الشباب التونسي ينهي مخاوف العزوف ويسجل في مكاتب الاقتراع.

الأحزاب منزعجة
ويبدو أنّ تدفّق التونسيين على مكاتب التسجيل أقلق حركة النّهضة الإسلامية (الشريكة الأولى في الحكم) بالدرجة الأولى، وهو ما أكّدته في ندوة صحفية، في 15 أيار (مايو) الماضي، أشارت فيها إلى وجود شبهة في عملية تسجيل الناخبين لدى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
وأكّدت الحركة أنّ عدداً من المواطنين في مختلف جهات الجمهورية، خاصّةً من الشبّان والطلبة والتلاميذ عندما توجّهوا للتسجيل في مكاتب الهيئة وجدوا أنفسهم مسجّلين دون علمهم، لتطالب في هذا الإطار هيئة الانتخابات بضرورة إيجاد الحلول اللازمة لتفادي تضخيم السجل الانتخابي.

مدير مركز الدراسات الإستراتيجية المغاربية الطاهر شقروش يتوقع حدوث مفاجآت على مستوى نتائج الانتخابات قد تغير خريطة تونس السياسية

وفي الوقت ذاته، اقترحت الحركة من خلال الندوة التي نظمتها، على هيئة الانتخابات التمديد في فترة تسجيل الناخبين، وذلك إذا رأت هذه الأخيرة أنّ مثل هذا المقترح يمكن أن يكون حلاً لتلافي النقائص التي تشوب هذه العملية، سواء في داخل البلاد أو خارجها، وهو ما يعدّ تضارباً في موقفها بين مسألة التمديد في الآجال وتجنّب تضخم السجل الانتخابي.
كما عبّر منجي الحرباوي، الناطق باسم حزب نداء تونس (شريك في الحكم) السابق، في تصريحه لـ "حفريات"، عن احتراز الحزب من طريقة تسجيل الناخبين الجدد، مشيراً إلى أنّ تسجيل ناخبين دون علمهم يعدّ تجاوزاً خطيراً، وجب التحرّي فيه من أجل مصداقية الهيئة الانتخابية، وشفافية نتائج الانتخابات.

اقرأ أيضاً: مرشّح للرئاسة التونسية يهاجم حركة النهضة
وتوقّع الحرباوي أن "يقع التلاعب بنتائج الانتخابات، وتزويرها، ما لم تتجاوز هيئة الانتخابات هذا الإشكال، وتتوصّل إلى معرفة مَن يقف وراء عمليات التسجيل هذه، ولفائدة مَن يتم تسجيلهم، وأيضاً ما الغاية من ذلك".
ولفت منجي الحرباوي في المقابل، إلى أنّ "هذا الإقبال الكبير للناخبين على التسجيل، ورغبتهم في المشاركة في العملية الانتخابية، هو تكريس للديمقراطية، خاصّةً أنّ المشهد السياسي الحالي لا يعكس طموحات التونسيين، وأنّ الحزب يهنئ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لنجاحها في إقناع المواطنين بممارسة حقّهم الانتخابي".
كما حذّر حمة الهمامي، الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية (ائتلاف يساري معارض) في تصريحات صحفية، من خطر تزوير الانتخابات القادمة، داعياً إلى فتح تحقيقٍ في وجود شبهات حامت حول عملية تسجيل الناخبين التي أطلقتها هيئة الانتخابات .
 تسجيل أكثر من ألف ناخب جديد

الهيئة توضح
ولم تشهد هيئة الانتخابات التونسية هذا الإقبال للناخبين خلال المحطّات الانتخابية السابقة، التي تراجع فيها منسوب الإقبال على التسجيل؛ حيث شهدت الانتخابات البرلمانية الجزئية في دائرة ألمانيا، التي جرت في نهاية عام 2017 عزوفاً منقطع النظير، ولم يشارك فيها سوى 5%، كما عرفت الانتخابات المحلية في 2018 انتكاسةً على مستوى الإقبال، ولم يشارك فيها سوى ثلث المسجلين، رغم أنّها أول انتخابات بلدية منذ الثورة.
من جانبه، أوضح عضو مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أنيس الجربوعي، في تصريح لـ "حفريات"؛ أنّ الهيئة استقبلت إلى حدود اليوم مليوناً ومئتين وخمسين مسجلاً جديداً، وأنّها تواصل عمليات التسجيل بعد التمديد في الآجال، بمعدّل أكثر من 20 ألف مسجل جديد يومياً.

اقرأ أيضاً: محللون: إخوان تونس أكبر تهديد للديمقراطية
وردّاً على انتقادات بعض الأحزاب السياسية، قال الجربوعي: إنّ "الهيئة انطلقت في التحرّي في التشكيكات حول وجود تجاوزات في عمليات التسجيل، حال طرحها على مجلسها"، مؤكّداً أنّ الحالات المسجّلة دون علمهم لم تتجاوز 22 حالةً من جملة 1150 ألف مسجّل، مشدّداً على أنّ الأعوان الذين ثبت قيامهم بعمليات التسجيل هذه وقع استدعاؤهم للتحقيق معهم.
وأضاف الجربوعي؛ "الهيئة توصّلت إلى أنّ الأولياء هم من قاموا بتسجيل أبنائهم في أغلب الحالات التي اعتبرها بعض السياسيين تجاوزات؛ لأنّ الروابط العائلية مسموحٌ لها بالتسجيل، وأنّ ذلك لن يؤثّر على نتائج الانتخابات، داعياً الطبقة السياسية إلى عدم تهويل المسألة لأنّ الخطأ وارد".
 حركة النهضة منزعجة من تضخم السجل الانتخابي

خريطة سياسية جديدة
صعود جيل جديد من المسجلين في السجل الانتخابي، معظمهم من الفئة الشابة، البراغماتية وغير المؤدلجة، وإن عدَّ ذلك مؤشراً إيجابياً على نجاح العملية الانتخابية، فإنّه سيساهم في تغيير المشهد السياسي الحالي، وتكوين خريطة سياسية جديدة ليست في صالح الأحزاب الحاكمة، وذلك بإجماع عدّة مراقبين للشأن التونسي، وهو ما أكّده مدير مركز الدراسات الإستراتيجية المغاربية، الطاهر شقروش.

اقرأ أيضاً: من جديد.. الإرهاب يضرب تونس
ويرى شقروش، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ "عمليات التسجيل للاستحقاق الانتخابي المقبل، التي تشهدها تونس للمرّة الأولى في مسارها الانتقالي، مهمّة جدّاً، وتكاد تقلب الموازين الانتخابية، نظراً لارتفاع عدد المسجّلين من جهة، ولهيمنة الوجوه الشبابية من جهة أخرى"، مرجّحاً حدوث مفاجآت كبرى على مستوى نتائج الانتخابات تستطيع تغيير خريطة تونس السياسية.
وقال شقروش: "هذا الإقبال الكبير للناخبين الجدد على التسجيل، يثير مخاوف جديّة لدى السياسيين، وهو ما يؤكّد أنّ تونس مقبلة على موسم سياسي لن يهتم بإعداد برامج انتخابية، بل يتميز بسعي حثيث وراء تكوين تجمّعات حزبية وتكتلات سياسية، نظراً لما تلقاه هذه الأحزاب، سواء في الحكم أو في المعارضة، من رفض شديد من طرف الناخبين".
وعبّر شقروش في الوقت ذاته، عن خشيته من صعود شخصيات سياسية ليست لها تجارب سابقة، تعتمد على إمدادها المالي للتحكّم في القرار السياسي التونسي.
مشهد مشوّش
غزت منصات التواصل الاجتماعي دعوات النشطاء التونسيين إلى ضرورة التصويت لفائدة أشخاص وأحزاب تحمل برنامجاً لتحسين أوضاع الشعب، وإنقاذ تونس من الأزمات التي أرهقتها منذ عام 2011، بسبب عجز من تعاقبوا على الحكم في إدارة البلاد.

وزير الخارجية السابق أحمد ونيس: صعود جيل جديد من ناخبين لهم توجّه سلبي نحو الأحزاب أربك الطبقة السياسية

هذه الدعوات زرعت الخوف في نفوس الأحزاب التي تولّت السلطة خلال المحطات الانتخابية الماضية، والتي فشلت في بناء ثقة مع ناخبيها، وفقدت جزءاً كبيراً منهم، كما هو الشأن بالنسبة إلى حركة النّهضة، التي  تصدّرت نتائج الانتخابات السابقة رغم فقدانها مئات الآلاف من ناخبيها في الانتخابات المحلية الماضية؛ بسبب عزوف التونسيين عن التوجه لمكاتب الاقتراع.
من جهته، يؤكّد المحلل السياسي ووزير الخارجية السابق، أحمد ونيس، في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ "المشهد التونسي مشوّش جدّاً، وفي حركة سريعة لضمّ الأحزاب ببعضها من أجل الوصول إلى صورة واضحة من أجل الناخبين الجدد".

اقرأ أيضاً: "الديمقراطية الحلال" تُنتَجُ وتُعلَّب في تونس
ويعتقد ونيس أنّ "صعود جيل جديد من ناخبين لهم توجّه سلبي نحو الأحزاب، أربك الطبقة السياسية التي لم تكن وفيّةً لوعودها الانتخابية السابقة، مما أفقدها مصداقيتها أمام ناخبيها"، لافتاً إلى أنّ وجود حوالي 218 حزباً في تونس عقّد مسار عملية نسج التحالفات، وهو ما يكسب المستقلين نقاطاً إيجابيّة.
ووصف السياسي السابق الخريطة السياسية التونسية بـ "المبعثرة وغير الواضحة"، في ظلّ سلبية الأحزاب تجاه الناخبين، وعدم امتلاكها قوة الترغيب في المشاركة في الحياة السياسية، والاستحقاقات الانتخابية، مرجّحاً إعادة سيناريو الانتخابات المحلية، عام 2018، والتي فشلت فيها الأحزاب السياسية، مقابل فوز المستقلين.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية