لماذا لم تنجح "لبننة" حزب الله؟

حزب الله

لماذا لم تنجح "لبننة" حزب الله؟


14/07/2019

يبدو أنّ ثمة صعوبة في تحديد الفاصل ما بين المحلي والإقليمي واشتباكاتهما لدى حزب الله اللبناني؛ فالحزب، الذي يُصنّف منظمة إرهابية في كثير من الدول العربية والغربية، موجود في سوريا واليمن والعراق ليس دفاعاً عن لبنان؛ بل كأداة من أدوات المشروع الإيراني الإقليمي في المنطقة العربية، وهو في الوقت ذاته فاعلٌ أساسي ومهيمن في الحياة السياسية اللبنانية، وفي تفاصيل المجال العام اللبناني؛ مدعوماً بفيض القوة والسلاح.

صاغية: مع الثورة السورية بدأ تأليف الحجج لتبرير التدخّل الإيراني وحزب الله بسوريا حصل التدخّل ولم تعد الحجج مطلوبة

وكان هناك نقاش حول "لبننة" حزب الله، وما إذا كان من الممكن أن تنجح. وفي هذه المسألة يقول المحلل اللبناني حازم صاغية: "إنّ العام 1992 كان زاخراً بالأحداث: لقد شارك "حزب الله"، لأول مرّة، في الانتخابات النيابيّة بعد فتوى المرشد علي خامنئي التي أجازت للحزب ذلك. حظي الحزب بكتلة ضمّت 12 مقعداً. (كانت تلك) بشائر "لبننة الحزب"، بحسب بعض المتسرّعين وبعض الرغبويّين. وبعد 12 سنة سيشارك في الحكومة للمرّة الأولى مُكرّساً نهجه الجديد.

اقرأ أيضاً: كيف يواجه حزب الله أزمته المالية؟

لكنّ نهايات 1992 شهدت تطوّراً من نوع آخر، تطوّراً سجّل مدى ارتباط الحزب بالخارجيّ والحدوديّ: لقد أبعدت إسرائيل 400 ناشط من حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلاميّ" الفلسطينيّتين إلى مرج الزهور في الجنوب. هناك توثّقت العلاقة بين التنظيم اللبنانيّ والتنظيمين الفلسطينيّين وتمّ تبادل للخبرات المفيدة. حزب الله، مسلّحاً بضرباته الانتحاريّة في الثمانينيات من القرن الماضي، التي طالت سفارات ومراكز عسكريّة، كان صاحب الخبرات الأهمّ والأغنى. إنّه إذاً المعلّم الإقليميّ والاستثمارُ الإيرانيّ الأنجح في الخارج"، وفق صاغية.

حزب الله الذي قال إنّ علّة وجوده مقاومة الاحتلال صار احتلاليّاً في سوريا
وفي تقرير نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية بتاريخ (8/3/2019) ذكرت أنّ (القتال في سوريا اجتذب الكثير من القوى البشرية إلى "حزب الله"، إلا أنّ الأخير أرسل بعثات عسكرية أصغر حجماً إلى بؤرٍ ساخنة أخرى؛ إذ انضم الحزب إلى جانب إيران في عملية إيفاد المدربين والمستشارين لدعم الميليشيات الشيعية في العراق. وفي اليمن، هبّ "حزب الله" وإيران لمساعدة المتمردين الحوثيين في قتالهم ضد حكومة البلاد، والتدخل العسكري بقيادة السعودية والإمارات. وبقي مستشارو الحزب في اليمن، يعززون قدرات الحوثيين العسكرية)، وفق المجلة.
نصر الله: "أفتخر أن أكون فرداً في حزب ولاية الفقيه"
بمعنى آخر، فإنّ ارتباط الحزب بولاية الفقيه والأجندة الإيرانية في الإقليم ينفي "اللبننة"، كخيار نهائي ووحيد لـ"حزب الله"؛ مع أنّ الحزب يعمل وفق مواضعات البيئة اللبنانية وتعقّدها، وإذا تَركَ الحزب طبيعته القتالية وهويّته المذهبية فإنّه يفقد هويته السياسية، فهذا مكوّنٌ بنيوي جوهريٌ فيها، فهو مرتبط بإيران من حيث الأيديولوجيا والتسليح والتمويل والتابعية الدينية والتوظيف السياسي لصالح أجندة طهران الإقليمية، وما تعتبره أوراق قوّة لها في المنطقة، وهو، في المقابل، حزب لبناني من خلال تغلغله في الحياة اللبنانية، ومن خلال الاندماج في التحالفات الطائفية والحياة الطائفية [18 طائفة لبنانية]، وهذا يمدّ الحزب بالشرعية داخل لبنان، فهو يعمل ضمن "اللعبة السياسية" في لبنان، وضمن المنطق الطائفي والاندماج فيه، إلى درجة أنّه أصبح "صانع الملوك" في لبنان. معنى ذلك أنّه وظّف قدراته العسكرية والأمنية وحوّلها إلى رأسمال سياسي واجتماعي وإعلامي قوي. وبعدما كان حسن نصر الله وحزب الله يجادل ويساجل الفرقاء اللبنانيين بشأن عدم تابعيته لإيران، خرج نصر الله عن المواربة ليعلنها صريحة في 2009 بقوله:"أنا أفتخر أن أكون فرداً في حزب ولاية الفقيه".

اقرأ أيضاً: حزب الله الحجاز... محاولات إيران لاختراق السعودية
وظّف حزب الله قدراته العسكرية والأمنية وحوّلها إلى رأسمال سياسي واجتماعي وإعلامي قوي

انقلاب الأدوار
ويقول صاغية إنّه مع الثورة السوريّة بدأ تأليف الحجج التي تبرّر التدخّل الإيراني وتدخل حزب الله في سوريا. بعدذاك حصل التدخّل ولم تعد الحجج مطلوبة. الحزب الذي قال إنّ علّة وجوده مقاومة الاحتلال صار احتلاليّاً. سوريّا حلّت محلّ إسرائيل. "التكفيريّون" تصدّروا قائمة المطلوبين. "حلف الأقليّات" الذي ولد مع "تفاهم مار مخايل" بين حزب الله وميشال عون، صارت أسنانه الحليبيّة أنياباً تُغرَز في اللحم السوريّ، وفقاً لصاغية، الذي تابع: "فوق هذا، انقلبت الأدوار: نصر الله هو الذي ينقذ بشار الأسد. لبنان نفسه تحوّل إلى وظيفة استراتيجيّة مفادها (حماية ظهر المقاومة) التي ساد الظنّ أنّها وُجدت لحماية ظهر الوطن".

إنّ ارتباط الحزب بولاية الفقيه والأجندة الإيرانية في الإقليم ينفي "اللبننة" كخيار نهائي ووحيد لحزب الله

ويضيف صاغية: "لقد تمكّن الحزب من إنشاء محيط "إمبراطوريّ" حوله، يضمّ دروزاً وسنّة من الأرياف ومسيحيّين ويساريّين على أنواعهم. لكنْ من جرّاء هذه العمليّة قضى آلاف الشبّان على جبهات الشرق وفي العمق السوريّ، بعد آلاف من إخوتهم الأكبر سنّاً الذين قضوا على جبهات الجنوب. الموت بات موضوعة مركزيّة في ثقافة تؤسّس لمجتمع مضادّ، مجتمعٍ يقسّم البشر ويدفع الكثيرين، سرّاً أو علناً، إلى التفكير بتقسيم للأرض. هذا الموت المُعمّم قد يكون النتيجة المنطقيّة للزعامة الطائفيّة المدفوعة إلى الأقصى، بل للنظام الطائفيّ حين يلغي التسوية ويُحلّ التنازع المصحوب بفرض النظرة الواحدة والحقيقة الواحدة".

اقرأ أيضاً: حزب الله ورقة إيرانية تفقد جدواها الإقليمية
وفي التساؤل عن كيفية توظيف إيران لحزب الله كذراع ضاربة في الإقليم في سوريا والعراق واليمن والبحرين تقول مجلة "فورين أفيرز" إنّه (مع  سنوات الخبرة التي اكتسبها "حزب الله" عبر طائفة متنوعة من الساحات العسكرية -من حرب المدن في حلب، إلى حرب الجبال على طول الحدود السورية – اللبنانية، وعمليات التطهير في المناطق الريفية في شرق سوريا- يمكن القول إنّ تقدم الحزب وصعوده ازدادا؛ ليصبح طرفاً إقليمياً فاعلاً لا يستهان به. فقد علّمته حرب البعثات العسكرية (الحرب خارج أراضيه) كيفية نشر القوات خارج البلاد ودعمها. في تلك العملية، كوّن محوراً من الحلفاء، يمتد من إيران مارّاً بالعراق وسوريا إلى لبنان. وبدعم إيرانيّ، دربت الجماعة ميليشيات شيعية من أفغانستان وباكستان)، بحسب "فورين أفيرز".
يعلن قادة إيران أنّ انتصار الحوثيين في اليمن على إخوانهم سيكون انتصاراً تاريخيا للثورة الإيرانية!

سفير إيراني يتباهى بالختم الإيراني في العراق وسوريا
والسياسة الخارجية الإيرانية القائمة على انتقاص سيادة الدول والحكومات وتمكين الميليشيات الحليفة لإيران لتكون دولة موازية في الدول العربية... هذه السياسة لا نجدها فقط في سلوك الوكلاء، وعلى رأسهم "حزب الله" اللبناني والحوثيين؛ بل إنّها تعلن أحياناً عن نفسها بكل صراحة، على لسان الدبلوماسيين الإيرانيين والسياسيين الرسميين في إيران. وتأكيداً لهذه النقطة يقول رئيس مجلس إدارة صحيفة "الدستور" الأردنية، الكاتب محمد داودية في مقال نشرته الصحيفة بتاريخ (19/2/2019): "ها هو سعادة السفير الإيراني لدى الأردن السيد مجتبى فردوسي [كان سفيراً عند كتابة مقال داودية وأنهى أعماله فيما بعد]، يحاول الانتقاص من سيادة النظامين العراقي والسوري، حين يعلن أن لا شيء سيعمل أو يسير في العلاقات بين الأردن وكل من سوريا والعراق، بدون الختم الايراني !!". ويضيف داودية "نظرتنا للشيعة العرب، والشيعة عموماً، هي نظرة الأخوّة والمودة والحرص على تبادل الاحترام والحرص على أن تظل المذاهب والديانات في خدمة الإنسان وحرياته ورفاهه، لا أن يسخّرها الساسة فتصبح أداة حرب أهلية ومبعثاً على الاقتتال، وتدمير الأوطان، وسفك الدماء التي حرمها الله، وعصمها لكل الخلق إلا بالحق". وفي توضيحه واستطراده يتابع داودية: "يعلن قادة إيران أنّ انتصار الحوثيين في اليمن على إخوانهم، سيكون انتصاراً تاريخيا للثورة الإيرانية!!، ويعلنون أنّهم مؤثرون في عواصم عربية عدة. ويشكلون سنة 2014 منظمة الصالحين الشيعية (حصن) في قطاع غزة.

بعدما كان نصر الله يجادل الفرقاء اللبنانيين بشأن عدم تابعيته لإيران خرج ليعلنها: أفتخر أن أكون فرداً في حزب ولاية الفقيه

ويدخلون في حرب مذهبية فيشيعون نحو 10 ملايين سني إندونيسي. ويتحرشون بنظام الحكم البحريني الجار، محاولين شق شيعته عن أهلهم". ويتساءل داودية في مقاله باستغراب: "ما الذي تريده القيادة الإيرانية من العرب؟ لماذا هذا الإنفاق الهائل على الفتن والحروب، الذي يتم على حساب رفاه الشعب الإيراني وتقدمه وضد مصالح واستقرار أمتنا". ويختم رئيس مجلس إدارة صحيفة "الدستور" بالقول: "إنّ ما تقوم به القيادة الإيرانية هو سحب الطاقات والاهتمامات والجهود العربية والإسلامية والدولية عن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي الفظيعة".
وقد أوردت صحيفة "الغد" الأردنية في تقرير نشرته بتاريخ (23/4/2019) أنّ تواجد ميليشيات شيعية، ومنها "حزب الله" اللبناني على مقربة من الحدود الأردنية-السورية (في الجنوب السوري) يمثّل عبئاً أمنياً وعسكرياً على الأردن، ويشكّل خطراً على أمنه الوطني، ناهيك عن محاولات "حزب الله" بتمديد نفوذه ونشر التشيع في تلك المنطقة، كما أورد تقرير الصحيفة.

اقرأ أيضاً: هل يُمهّد "حزب الله" لانقلاب كبير؟
وكانت مصادر دبلوماسية أردنية كشفت في الثامن من الشهر الجاري لموقع "24" الإخباري أنّ الأردن ما يزال يتجاهل طلباً إيرانياً لتعيين سفير منذ أكثر من سنة. وقالت مصادر لـ "24" إنّ وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، لم يجب على الطلب الإيراني لتعيين سفير جديد، وامتنع عن إصدار المذكرة الدبلوماسية الخاصة بذلك. وكان السفير الإيراني السابق مجتبى فردوسي أنهى أعماله وغادر البلاد. وتشير المصادر إلى أنّ عمّان ترغب ببقاء التمثيل الدبلوماسي مع طهران على مستوى القائم بالأعمال. وبعد اشتعال الأزمة السعودية الإيرانية عام 2016، استدعى الأردن سفيره، عبدالله أبو رمان، للتشاور ولم يعد بعد ذلك.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية