السبسي.. سياسي مخضرم يترجل في وقت سياسي حرج

تونس

السبسي.. سياسي مخضرم يترجل في وقت سياسي حرج


25/07/2019

بعد إشاعات صاخبة رحل اليوم بهدوء مفاجئ، الباجي قايد السبسي، الرئيس الخامس للجمهورية التونسية، الرجل الذي تلقّت بلاده الموجة الأولى من "الربيع العربي".
السبسي، الذي أعلنت رئاسة الجمهورية وفاته في المستشفى العسكري عن 92 عاماً، بعد وعكة صحية أدخلته العناية المركزة، عايش من موقع المسؤولية أهم تحوّلات تونس منذ الاستقلال، وخاض سجالات سياسية مهمة حتى آخر أيامه.
وأعلنت رئاسة الحكومة التونسية اليوم الحداد الوطني لمدة سبعة أيام مع تنكيس الأعلام في المؤسسات الرسمية.

كلّفه الحبيب بورقيبة بمهام في ديوان الوزير الأول في أول حكومة تشكلت بعد الاستقلال عام 1956

بدوره، صرح رئيس البرلمان التونسي، محمد الناصر، في كلمة بثها التلفزيون الرسمي إنّه سيتولى رئاسة البلاد مؤقتاً وفقاً للدستور التونسي.
وأعلن البرلمان التونسي إلغاء الاحتفال بالذكرى الـ62 لإعلان النظام الجمهوري، التي يحتفل بها التونسيون يوم 25 تموز (يوليو) من كل عام.
كما دعت الحكومة الشعب التونسي إلى الوحدة والصبر والتكاتف في مواجهة ما اعتبرتها "فاجعة موت الرئيس".
خاض السبسي حياة سياسية حافلة منذ تحرر تونس من الاستعمار الفرنسي، لا سيما في حقبة رئاسة الحبيب بورقيبة. فما هي أبرز محطات حياة السبسي؟

آمن السبسي أنّ التغيير هو روح ثورة الشعب التونسي

من المحاماة إلى السياسة
ولد الراحل السبسي، واسمه الكامل محمد الباجي بن حسونة قايد السبسي، لإحدى الأسر في العاصمة تونس في 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 1926؛ حيث درس في معهد الصادقية في العاصمة تونس، لينهي دراسته الثانوية، ثم ينتقل إلى باريس، التي أنهى فيها دراساته العليا في مجال الحقوق، وعمل فيما بعد محامياً للاتحاد التونسي للشغل مدةً طويلة.

اقرأ أيضاً: وصية الباجي للتونسيين: صوتوا لمن ترونه الأكفأ
في تلك الأثناء كلّفه الرئيس الحبيب بورقيبة بمهام في ديوان الوزير الأول في أول حكومة تشكلت بعد الاستقلال عام 1956، ثم تولى عدة مناصب مهمة منها وزارة الداخلية بين 1965 وحتى 1969، والدفاع 1969 إلى 1970، والخارجية من 1981 إلى عام 1986، وفق تقرير نشره موقع "الحرة" اليوم.
لكن نجم السبسي السياسي، الذي غاب خلال التسعينيات من القرن الماضي خصوصاً في فترة حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، عاد ليلمع من جديد خلال الفترة العاصفة التي مرت بها تونس في 2011 بعد الثورة.
من العاصفة إلى بر الأمان
بفضل خبرته السياسية وحنكته خلال سنوات عمله السياسي، تمكن السبسي من الظهور إثر الثورة التونسية من جديد؛ لينال منصب الرئيس الانتقالي في 2011، قبيل انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي فازت بها "حركة النهضة" الإسلامية آنذاك.

 أسس الراحل حزب نداء تونس ودخل به الانتخابات على قاعدة مناهضة للإسلاميين حيث تمكن من الفوز

بحلول عام 2012، أسّس الراحل حزب "نداء تونس" ودخل به الانتخابات على قاعدة مناهضة للإسلاميين؛ حيث "تمكن من الفوز بغالبية مقاعد البرلمان آنذاك وبرئاسة الجمهورية معلناً في وقت لاحق دخوله في تحالف وتوافق سياسي مع النهضة على الحكم"، بحسب المصدر السابق.

اقرأ أيضاً: الرئيس التونسي المؤقت.. رجل الظل يقفز إلى الواجهة
بعد ذلك، أصبح السبسي أول رئيسٍ منتخبٍ ديموقراطياً لتونس في 2014، بعد فوزه على الرئيس المنتهية ولايته المنصف المرزوقي. وكان السبسي منذ تولّيه الحكم، حاول صنع تحالفات سياسية توفيقية بين أطراف البرلمان والسياسة في تونس من يساريين وإسلاميين وعلمانيين.

آمن الراحل بالتعديلات الدستورية وفق روح العصر ورغبات الشباب بعد الثورة التونسية

غير أنّ هذا التوافق لم يدم طويلاً، ففي 2018، أعلن السبسي انتهاء حالة التوافق السياسي بعد رفض الإسلاميين تغيير رئيس الحكومة في حينه يوسف الشاهد. ثم "أعلن بوضوح عن آرائه المعبرة عن أنّ التنوع السياسي في تونس غير قابل للاحتكار"، خصوصاً من قبل حزب النهضة الإسلامي الذي واجه اتهاماتٍ سياسية عديدة بعد ذلك لمحاولات استئثاره بالسلطة.
اعتُبر السبسي، عربياً ودولياً، رجلاً ذا جرأة سياسية وفهم لضرورة التغيير في تونس بعد الثورة، سواء من قبل من اتفقوا معه في آرائه أو مِن أولئك الذين اختلفوا معه؛ إذ أسهم في ملف حقوق المرأة التونسية بقوة من خلال تعديلٍ دستوري أثار جدلاً عربياً كبيراً، ونص أنّه يجوز للمرأة التونسية المسلمة الزواج من غير المسلم، كما أسهم في التمهيد لتغيير قوانين الميراث وحق المرأة فيه.
كما حاول السبسي الحفاظ على الحريات العامة وحرية الصحافة والإعلام في تونس، وواجه من ناحيةٍ أخرى انتقاداتٍ طالته في الفترة الأخيرة من حياته حول محاولته توريث السلطة إلى نجله حافظ قايد السبسي، لكنه لطالما نفى ذلك.
بعد جهود طويلة وعمل سياسي متراكم طوال عقود في وطنه تونس، ورغم ما طاله من انتقادات وثناءات، نجح السبسي، قدر استطاعته، بأخذ تونس المضطربة بعد الثورة إلى بر الأمان، ليترجل قبل أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة التي أعلن السبسي قبل رحيله أنّه لن يخوضها قائلاً إنّه سيترك الفرصة لشخص أصغر سناً لقيادة البلاد.

الصفحة الرئيسية